الارادة القديمة بين الغزالي(ت505ه) وابن رشد(ت595ه)

جمعة طيبة عليكم أصدقائنا ها نحن نعود لكم بعد فترة إنقطاع عن النشر كنا فيها في رحلة علاجية مع مرض كرونا وقاكم الله من شره وجنبكم إبتلائه

حجج الغزالي

للغزالي حيث يقول لماذا تنكرون على خصومكم الاعتقاد بالارداة القديمة وما المحيل له, أي الاعتقاد بمبدأ التراخي: كان الله ولم يكن معه شيء, ثم تعلقت ارادته القديمة بخلق الكون في وقت دون وقت غيره. أي ان ليس هناك علاقة ضرورية بين العلة والمعلول, وحيث تكون العلة موجودة والمعلول غير موجود. وهذا يتنافى مع ما يعتقد به الفلاسفة: وهو التلازم الضروري بين العلة والمعلول. أي انهم يعتقدون بانه اذا وجد الموجُب (العلة) بتمام شروطه (العلة التامة), فلا يجوز ان يتأخر الموجَب (المعلول). أو بالاحرى يرى الفلاسفة ان وجود المَوجب عند تحقق المُوجب بتمام شروطه ضروري وتأخره محال.

فإن قيل: القديم صفاته عين ذاته, وقبل وجود العالم كان المريد موجوداً والارادة موجودة ونسبتها الى المراد موجودة ولم يتجدد لا مريد ولا ارادة ولا نسبة, فلا بد بالضرورة من حصول المعلول. او بالاحرى كيف يحصل العالم ؟ و لماذا لم يتجدد شي من هذه من قبل, اي المرجح. فان لم يحدث اي تغير لا في المريد و لا في الارادة ولا في النسبة ولا في اي حال من الاحوال فهذا قول متناقض . اي بقيت حال القديم هي هي قبل و بعد. ويعني ان عدم وجود تمايز بين حال الترك و حال الشروع امر محال.

الغزالي كان يعتقد بمبدا تخلف المعلول عن علته التامة, اي مبدا التراخي الذي هو اصل من اصول الاشاعرة. وهذا المبدأ ينص على انه ليس هناك علاقة ضرورية بين العلة و المعلول. ولكن الغزالي ادخل مواضيع على لسان الفلاسفة لم يقولوها ليضعف اقوالهم و اثارة الشك فيها (أسافينُ[2]), اي انه ادخل امور وضعية (وهي الامور المتعارف عليها من قانون او شرع او تقليد …الخ) [3].

و يقول “وهذا ليس استحالة الجنس في الموجب والموجب له بل في العرفي والوضعي ايضا” . اي إذا وجدت العلة فلابد من حصول المعلول بالضرورة.

وينطبق هذا مثلا على ان الرجل عندما يطلق زوجته فان البينونة تحصل فورا لان لفظ الطلاق هو علة الحكم وصفا و اصطلاحا و شرعا , و بالتالي لا يُعقل ان يتاخر الطلاق (المعلول ) عن اللفظ ( العلة ) . و هذا هو واحد من الاسافين التي ادخلها الغزالي على لسان الفلاسفة ليشوش ويضعف اقوالهم امام حشد المعجبين بهم

.
ويتابع الغزالي بالقول انه “اذا علق الزوج الطلاق بمجئ الغد او بدخول الدار كما القول ” اذا خرجت من هذا المنزل فانت طالق , فان الطلاق فلا يقع في الحال لانه علقه على امر منتظر .
و هذا هو المثال الشرعي, و اما في العرف و العادة فهناك نوعين من الفعل :

الاول هو القصد على الفعل

والثاني هو على الفعل العزم

و وهنا يريد ان يقول الغزالي انه اذا لم نقبل هذه الامور في العرف و العادة فكيف نقبلها في الامور الضرورية ؟ اي تخلف المعلول عن علته التامة.

في العرف و العادة ما قد لا يحصل عن القصد بوجود المقصود سببه وجود مانع. اي لا يتاخر حصول المقصود عن وجود القصد الا بمانع, لان القصد موجب للفعل بينما العزم غير كافي لوجود الفعل مالم يحصل باعث في النفس يجدد حال في الفعل .و اذا كانت الارادة قديمة فلا يتصور تاخر المقصود الا لغاية . و هذا في مجال قياس الغائب على الشاهد , و هذا ما نقضه ابن رشد: لا يجوز قياس ارادة القديم الى ارادتنا.

و يتابع الغزالي ” ثم لا يمكن تصور تاخر القصد زمنيا عن المقصود الا اذا كان هناك العزم بدلا من القصد , اي اذا كانت الارادة قديمة في حكم العزم فلا تكون كافية لحصول المعزوم عليه لان العزم بحاجة الى انبعاث يجدد حال الفعل . و هذا لا يمكن ان يحصل للقديم لانه يعني تغير في احواله .
فمهما سميت الامور قصدا او ارادة فالسؤال يبقى هو هو ,, لماذا حدث الان و لم يحصل من قبل ؟؟؟
خلاصة : اذا وجود الموجب بتمام شروطه و لم يكن قد حصل عنه شئ ثم انقلب بغتة من غير امر تجدد او شرط تحقق فان هذا قول محال متناقض بنفسه, اي يستحيل ان يحصل شي بعد ان لم يكن وإن لم يتغير شئ ما بالفعل .

ماذا يقول ابن رشد ؟

عندما رائ الغزالي عدم جواز القول بمبدا التراخي ( تراخي المفعول عن فعل الفاعل ) قال بجواز تراخيه عن ارادته .
لقد قلنا انه منذ كان الله كان عالما و قادرا و مريدا و بالتالي فاعلا ولكن عندما رائ الغزالي انه لا يجوز تراخي المفعول عن فعل الفاعل اي تراخيه عن ارادته و هذا لكي لا ينفي على الله ان يكون فاعلا ابدا . اي اذا كان المفعول يتاخر عن فعل الفاعل فهذا يعني ان الله لم يكن فاعلا ابدا .
يقول ابن رشد ان الفلاسفة اعتقدوا بامرين : فعل الفاعل بحاجة الى تغير وان كل تغير لابد له من مغير, ولكن القديم لا يتغير. وهذه من اصعب الامور برهانا كما يقول ابن رشد. اي ان الفلاسفة لا يستطيعوا برهنة ان الله لا يتغير و ان فعل الفاعل يلزمه تغير و ان كل تغير بحاجة لمغير وان القديم لا يتغير .
ابن رشد لا يكتفي ويضيف بأن كلام الغزالي سسفسطة [4] بل يريد ان يرشده الى الطريق الصحيح و هو بان ينزل فاعلا اولا او ينزل فعل له اول. ويقول ابن رشد ان هناك خلل في اعتراض الغزالي على دليل الفلاسفة في قدم العالم لأنه لا يمكن مقارنة الارادة الازلية ( الغائب ) على الارادة الحادثة ( الشاهد) اي ان الاشتراك الاسمي في كلمة ارادة لا يعطيه الحق لعمل مقارنة بينهما.
والاشتراك المعنوي بين الارادة الازلية و الحادثة غير ممكن لان الارادة الازلية مختلفة تماما عن الارادة الحادثة و يشتركان فقط بالاسم , لا بل وبينهما تضاد أيضا.
الارادة في الشاهد هي الحادثة و كما يقول ابن رشد “هي قوة فيها امكان فعل احد المتقابلين على السواء” . اما ان تفعل او ان لا تفعل , اما ان تسرق او ان لا تسرق . و فيها امكان الفعل و القبول على السواء, فيها شوق الفاعل الى فعله واذا فعله حصل المراد وكف الشوق.
و يقول ابن رشد ان ارادة الفاعل يمكن ان تكون لا ارادية و لا طبيعية , مثل قولنا عن القديم انه خارج العالم و داخل العالم. [5]
اذا كان حال التجدد لم يتميز عن الاحوال السابقة او اللاحقة فكيف يحدث اي شئ ؟. اذا كان المريد موجود و الارادة موجودة و نسبة الارادة الى المراد موجودة فما الذي تغير ؟ فلا بد ان يكون هناك شئ قد تغير و هذا غاية الاحالة لان القديم لا يتغير , و ليس استحالة هذا الجنس (التضاد, التغير …) بالعلاقة بين العلة و المعلول , الموجب و الموجب الضروري الذاتي , فهل يصح في العرف و الوضع لان الرجل لو تلفظ بطلاق زوجته ولم تحدث البينونة في الحال , لم يكن ليتصور انها ستحدث !!!. اي اذا قال الرجل : طالق و لم تحدث البينونة في الحال فهذا يعني انها لن تحدث بعد ذلك, لانه جعل اللفظ علة الحكم في الوضع و الاصطلاح , فلا يعقل تاخر المعلول (الطلاق) الا اذا عُلق بمجئ الغد او دخول الدار, أي علقه بشيء منتظر. فان لم يكن حاضرا بالوقت توقف حصول الموجب على حضور ما ليس بحاضرا فلا يحصل الموجب الا وقد تجدد امر ما, مثل مجئ الغد او دخول الدار.
فان لم يقبل هذا في الامور الوضعية فكيف نقبله بين الامور الضرورية (العلاقة بين الموجب و الموجب الذاتي الضروري ). او ان هناك اشياء تُحدث تغييرات و لا يحدث فيها تغيير ؟.
و يقول ابن رشد ان خصوم الغزالي و هم الفلاسفة قالوا ان فعل الفاعل يلزمه تغير و ان كل تغير له مغير و الاصل الثاني ان القديم لا يتغير و ان هذا كله عسير البيان على الفلاسفة . وما يجب ان يفعله الاشاعرة هو انزال الفاعل اولا او انزال فعل له اول. ويشرحها ببساطة بانه لا يمكنهم ان يضعوا ان حالة الفاعل في المفعول المحدث تكون في وقت الفعل هي نفسها في حالة عدم الفعل .!!! فاذا اوجبنا لكل حالة متجددة فاعلا فلا بد ان يكون الفاعل لها فاعلا اخر , اي انه حال الترك هي نفسها حال الشروع و هذا ما لا يعقل و لا يمكن قبوله , فلا بد من حالة متجددة او نسبة لم تكن اما في الفاعل او المفعول او في كليهما و ان كانت كذلك اما ان يكون الفاعل هو فاعلا اخر غير القديم لانه ليس الفاعل الاول و لا يكون مكتفي بفعله بنفسه بل لأن غيره الزمه على الفعل او ان تكون الحال التي هي في فعله هي نفسه, فلا يكون ذلك الفعل الذي فرض صادرا اولا عنه هو الاول بل يكون الفعل الاول لتلك الحال التي هي شرط حصول الفعل منه .
للتوضيح اذا سالتني ماذا غير رأيك ؟ فاما : ان يكون التغيير غير حاصل عني, و انما حصل من تاثير خارجي. وهذا يعني انني لست الفاعل الاول او انني غيرت رايي لانها تغيرت حالة ما كشرط لكي افعل و عندما حصلت هذه الحالة فعلت . و هذا يعني ان الفعل الاول هو تغير الحال .ثم كتب ابن رشد كتاب ماجي (محمود ابن محمد ابن عبد المعبود ابن الصباغ) وهو من سوفا يعرفكم مامعنا الفلسفه والمنطق في المستقبل .وهذا الكتاب التي قال الغزالي ان ابن رشد يكفر وينظر الي المستقبل.وياتدخل في شوأ الله وعلم الله عز وجل

بالضرورة العقلية (البديهيات) او بالنظر العقلي (القياس) ؟

يقول الغزالي على لسان الفلاسفة اذا وجد الموجب بكامل شروطه و لم يكن قد حصل عنه شيئا ثم انقلب بغتة من غير امر تجدد او شرط تحقق فانه محال بنفسه اي انه متناقض .
الغزالي يريد ان يوضح لنا ان اقوال الفلاسفة المتعلقة بالارادة القديمة هي من قبيل التحكم, اي انها وجه نظر تحكمية. فكيف تعرفتم على ان استحالة الارادة القديمة باحداث اي شئ , عن طريق ضرورة العقل (اي البديهيات) او بالنظر العقلي (بالقياس) ؟. الذي هو بحاجة لحد اوسط .

فاذا عرفتموه بطريقة العقل عليكم ان تاتوا بالبرهان

او اذا عرفتموه بضرورة العقل فيجب ان يعترف به كل الناس . و بما ان هناك الكثير من الناس يعتقدون خلافا لما تعتقدون به فهذا يستثني انكم استخدمتم الضرورة العقلية.

اذن ماذا فعلتم ايها الفلاسفة ؟. لقد قمتم بالاستبعاد و التمثيل , لقد مثلتم الارادة الالهية بالقصد الحاصل منا .
و هذا لا يجوز قياس ما له علاقة بالله مع ما له علاقة بالانسان. أما الاستبعاد فهو بحاجة لبرهان لانكم استبعدتم ان تكون الارادة الالهية قد تعقلت باحداث اي شئ .
فاذا ادلتكم ليست مبنية على القياس او على الضرورة العقلية فما هو الفصل بينكم و بين خصومكم الذين يدعون بان الارادة القديمة تعلقت باحداث الكون ؟.

تعدد العلم يؤدي الى تعدد المعلوم ؟

الفارابي و ابن سينا قالوا بان الله عقل و عاقل و معقول , و هو عقل يعقل ذاته و ذاته معقولة له من غير تكثر .
فيقول الغزالي انتم مثلكم مثل غيركم الذين يقولون ان هذا مستحيل بان يكون العلم و العالم و المعلوم امرا واحدا !! فلا بد ان يكون هنالك تمايز , كيف يمكن ان يكون هناك ذات واحدة تعرف كل الكليات والجزئيات بدون ان يكون فيها كثرة . لان تعدد العلم يؤدي الى تعدد المعلوم و بالتالي فصفات الله زائدة عن الذات الالهية و ليست عين للذات الالهية كما تقولون يا فلاسفة . اي انكم تقولون ان الله عالم بعلم هو عين ذاته مريد بارادة هي عين ذاته قادرة بقدرة هي عين ذاته . و مع انها صفات كثيرة الا انها لا تؤدي الى تكثر في الذات الالهية.

و عندما تناول الفلاسفة قصة العلم قالوا ان هناك معلومات كثيرة فكيف يمكن ان يعلمها جميعا دون ان يكون هناك تكثر في الذات الالهية. وقالوا ان الاشياء في الكون اما ان تكون من مادة او من غير مادة, أي العقل . و وبما ان الله لا يمكن ان يكون من مادة فهو بالتالي عقل, والعقل يعقل ذاته فتكون معقولة له

.
و هنا ارادوا المحافظة على احادية الذات الالهية وان ليس فيها تكثر.

وعندما اتى ابن سينا قال ان هناك جزئيات كثيرة و ان الله لا يعلمها و يعلم فقط الكليات. كما رؤية افلاطون الذي يقول ان هناك هرمية للاشياء تنتهي الى شيء واحد و هو راس الهرم. فجميع الحيوانات بمفهوم الحيوان و النباتات بمفهوم النبات و كل هذا بمفهوم الكائن الحي. كما تترتب هرمية المُثل الافلاطونية التي تنتهي الى مثال المثل و هو الله. اي ان الله يدرك الكليات الانسان و الحيوان و النبات على نحو الاجمال و لا يعلم الجزئيات. و هذا ما اخذوه على ابن سينا بالرغم من انه وجد مخرجا عن كيف ان الله يعلم الكليات و الجزئيات .

يقول الغزالي للفلاسفة لا يمكن ان يكون هناك ذات واحدة تعرف الكليات و الجزئيات من غير ان يكون فيها تكثر , اي يقول للفلاسفة لا فصل بينكم و بين خصومكم الذين يقولون ان الارادة القديمة تعلقت بحدوث لعالم , وكلا الفرضيتين مصاغتين بطريقة تحكمية . لانهما لا يعتمدان على قياس او ضرورة عقلية .

الفلاسفة قالوا بانه لا يجوز قياس الاول القديم على الحادث لان علمنا متكثر يتعدد بتعدد المعلوم. و هذا ما اجبر الفلاسفة, كما يقول الغزالي, على القول بان الله عقل و عاقل و معقول. ولكن بهذه الطريقة فهو لا يعلم الا نفسه. ولذلك كان هدف الفلاسفة هو المحافظة على احادية الذات الالهية.
يرد الغزالي: ان اتحاد العقل والعاقل والمعقول يؤدي بالضرورة الى ان الله لا يعلم صنعته, وهذا محال. فكيف يمكن ان يكون الصانع لا يعرف صنعته, وهذا هو قول الزائغين عن الحق.
فكما انتم تقولون ان الارادة القديمة لا يمكن ان تتعلق باحداث اي شيء, فنحن ايضا نقول وبنفس الطريقة التحكمية, ان العلم لا يمكن ان يكون واحد بتعدد المعلوم. ولذلك فصفات الله زائدة عن الذات الالهية.

ابن رشد ومسالة المعروف بنفسه (او الضرورة العقلية)

يصف ابن رشد اقوال الغزالي بانها ركيكة الاقناع. كما عندما طلب الغزالي من الفلاسفة برهنة مقولتهم بان المفعول لا يتأخر عن الفاعل الموجود بكامل شروطه, بواسطة قياس الحد الاوسط او ان يكون من المعارف الاولية, أي يجب ان يعترف به كل الناس. ولكن الامر ليس كذلك, يقول ابن رشد, لانه ليس من شرط المعروف بنفسه ان يعترف به كل الناس, بل على الاغلب يكون مشهورا.

جميع الفلاسفة قالوا بتعدد العلم بتعدد المعلوم, وبالتالي قالوا ان هناك اتحاد بين العالم المعلوم, للمحافظة على احادة الذات الالهية. فهل عندهم برهان على ذلك ؟.
ويقول ابن رشد ان ليس لدى الاشاعرة ايضا البرهان على تخلف المعلول عن علته التامة.