الشيخ محمد السعيدي الجردي في ذمة الله25/12/2020

لله ما أعطى وله ما أخذ وكل شيء عنده بأجل ،ببالغ الحزن والأسى تلقينا نبأ وفاة شيخنا محمد الجردي مصباح طنجة وريحانتها . رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه الفردوس الاعلى .

العلماء الصامدون في ثغور المرابطة..
نعى الأحبةُ اليوم عالمَ طنجة وخطيبَها وبقيةَ السلف فيها العلامة الفقيه الأصولي سيدي محمد الجردي السعيدي رحمه الله تعالى رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته، ونغتم المناسبة فنعزي أخاه فضلية الدكتور سيدي محمد السعيدي المدير والمشرف العام على معهد الإمام نافع وفروعه للتعليم العتيق بطنجة.
وهذا الفقيد العلامة سيدي محمد الجردي ما وصلني اليوم من أدعية الناس له يدل على مكانته في قلوبهم، وأن الناس بفطرتهم السليمة يهتدون إلى العالم، ويعرفون العالم، و الداعية البائع عرضه وماله ومكانته لله رب العالمين، من العالم والداعية المتاجر بدينه بعرض من الدنيا قليل.
ولقد أوذي هذا العلامة الداعية سيدي محمدالجردي من جهات مختلفة ؛ لكنه صبر واحتسب، وما أحدث ضجيجا، فكان يقال له كما قال الشاعر : “أتاك أتاك اللاحقون احبسي احبسي”، فيقول هأنا ذا محبوس، اللهم فاشهد اللهم فاشهد، اللهم فاشهد..
ولقد كنت أنجز بحثا للتخرج من الإجازة في موضوع التروك النبوية ودلالتها على الأحكام الشرعية، واعتكفت من أجله أياما في مكتبة معهد الإمام نافع للتعليم العتيق بطنجة الذي يديره أخو العلامة سيدي محمد الجردي، وهو فضيلة الدكتور سيدي محمد السعيدي.
فكان أن دخل علي في مكتبة المعهد فضيلة العلامة سيدي محمد الجردي، فقمت إليه، وقبلت يديه ورأسه، وكأن عالما من الزمن الأول قد رأيته، فسألته أن يفيدني بنصيحة في موضوع بحثي، فقال لي ما موضوعه ، قلت في التروك النبوية، فقال لي : اسمع يا بني ؛إن مدار التروك النبوية على وجود المقتضي وثبوت الشروط وانتفاء الموانع ، فإذا حقق هذا زال كل خلاف في الترك النبوي.. فجزاه الله خيرا على هذه الفائدة ، ورحمه رحمة واسعة، وصبر الله أهله وأحبته أجمعين آمين آمين آمين..


نبذة عن حياة المرحوم :
ترجمة الشيخ محمد السعيدي الجردي رحمه الله :

ترجمة الشيخ محمد السعيدي الجردي رحمه الله :

هو العلامة الفقيه الأصولي أبو عبد الرحمان محمد السعيدي الجردي ولد سنة1361هـ بقبيلة أنجرة بمدشر يسمى الجردة إقليم تطوان سابقا حفظ القرآن صغيرا على الشيخ حمامو ثم بعد حفظ القرآن وضبطه برسمه على طريقة المغاربة درس الآجرومية في النحو، وميارة شرح منظومة (المرشد المعين) لابن عاشر في الفقه وعلم المواريث من مختصر خليل بشرح الخرشي وألفية ابن مالك بشرح المكودي على الفقيه محمد بن شامة. ثم انتقل إلى الفقيه عبد المجيد ازميزم فدرس ألفية ابن مالك بشرح المكودي أيضا ثلاث مرات بقرية تدعى فدان شابو، وشرح نظم المرشد المعين لابن عاشر وعلم المواريث والمنطق ومصطلح الحديث والعروض والبلاغة والمقدمة الجزرية ومقدمة أم البراهين في عقيدة الأشعري وما كان يدرس في المدارس العتيقة في العقيدة وقتها إلا معتقد الأشاعرة.
ثم انتقل رحمه الله تعالى إلى مدينة طنجة سنة 1380 فدرس على الشيخ الحاج عبد الله بن عبد الصادق مختصر خليل بشرح الدردير وألفية ابن مالك بشرح المكودي والموضح لابن هشام على ألفية ابن مالك والسيرة النبوية وبعض الأجزاء من تفسير الجلالين والرسالة لابن أبي زيد القيرواني، ودرس على الشيخ محمد بن عجيبة القاضي المبرز تحفة ابن عاصم بشرح التاودي بن سودة والبلاغة الواضحة والجوهر المكنون في علوم البلاغة وعلم العروض ونخبة الفكر للحافظ ابن حجر وجمع الجوامع للسبكي بشرح المحلي وأصول الفقه لخلاف ومفتاح الوصول، ودرس على الشيخ عبد الله گنون أبوابا من علوم البلاغة وشرحه على مقصورة المكودي، ودرس على الشيخ عبد الحي بن الصديق أبوابا من ألفية ابن مالك بشرح ابن عقيل والورقات لإمام الحرمين. ودرس على الشيخ محمد الزمزمي بن الصديق -الذي كان أفضل إخوته عند الشيخ لتمسكه بالسنة غالبا ودفاعه عنها وسلامة معتقده في توحيد الإلاهية خلافا لإخوته كلهم- مقدمة جمع الجوامع لابن السبكي وبعضا من كتاب المستصفى للغزالي والسلم في المنطق بشرح قدورة وبعضا من سبل السلام والتفسير والسيرة النبوية، ودرس على الشيخ حسن بن الصديق شيئا من مقدمة جمع الجوامع للسبكي وتفسير النسفي.
وحبب إليه قراءة كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وكتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحم الله الجميع- التي أنارت له الطريق وأبانت له السبيل فوجد انشراح الصدر وطمأنينة النفس لتلك الحقائق الشرعية العقدية التي لا تصادم العقل ولا تناقض النقل.
لقد زاول خطبة الجمعة وتدريس طلبة العلم والوعظ والإرشاد ما يقرب من خمسين سنة والوعظ والإرشاد في عدة مساجد وتدريس طلبة العلم في عدة مدارس عتيقة. وقد قام بتدريس عدة كتب في مختلف العلوم حيث درس ألفية بن مالك عدة مرات بشرح المكودي وشرح ابن عقيل. ودرس العقيدة الطحاوية بشرح ابن أبي العز عدة مرات وكذا بتعليقات الشيخ الألباني ودرس العقيدة الواسطية لابن تيمية مرات عديدة وكتاب التوحيد لابن عبد الوهاب عدة مرات. وقام بتدريس جمع الجوامع لابن السبكي بشرح المحلي وختمه مرات. وشرح تحفة ابن عاصم كاملا مرات، والزقاقية بشرح المكودي وشرح البناني على السلم وعلم المواريث من مختصر خليل، والسيرة النبوية ومصطلح الحديث، ودرس أصول الفقه لخلاف وأبي زهرة. ومفتاح الوصول ونثر الورود على مراقي السعود والموطأ بشرح الزرقاني وطرفا مهما من صحيح البخاري بشرحه فتح الباري للحافظ ابن حجر، ودرس نيل الأوطار للشوكاني مرتين وسبل السلام وفقه السنة للسيد سابق. وقام بتدريس التفسير وختمه أكثر من خمس مرات بعدة تفاسير وهو الآن يقوم بتدريس تفسير ابن عطية ومختصر خليل بشرح الدردير والإلماع للقاضي عياض.
ولما أسست كلية التعليم في طنجة وكان جمع الجوامع لابن السبكي من الكتب المقررة في الكلية بحثوا عن من يدرس هذا الكتاب من الدكاترة وهو طبعا من الكتب الصعبة جدا فلم يجدوا من يقوم بتدريسه إلا الشيخ محمدا الجردي وهو معروف عند طلبة العلم أنه ممن يتقن فهم هذا الكتاب فاختير مدرسا له كما أنه يدرس في الكلية نفسها تفسير الطاهر بن عاشور المسمى بالتحرير والتنوير.
هذا وقد أوقف الشيخ من خطبة الجمعة مرتين لكن الدروس الوعظية لم تنقطع فقد كان يلقيها في المساجد بفضل الله تعالى.
يقول الشيخ الجردي إنه استفاد من الشيخ الألباني كثيرا –حين زار المغرب وقدم طنجة- في الحديث والفقه وغيرهما ويقول أيضا إن كتب الشيخ الألباني كلها مفيدة جدا وينبغي لطالب العلم اقتناؤها مثل كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم لما فيها من علم رصين محكم مبني على الأدلة من الوحيين وآثار الصحابة رضي الله عنهم.
ولقد انخرط الشيخ الجردي في المجلس العلمي منذ تأسيسه بمدينة طنجة بطلب من رئيس المجلس العلمي آنذاك الشيخ عبد الله گنون.
وقد زار مدينة طنجة علماء أجلاء كثيرون وممن زارها والتقى بالشيخ محمد الجردي وذاكره وسمع بعض دروسه وخطبه وأثنى عليه العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني ومرة حضر له خطبة الجمعة ونالت إعجابه وقال عن أحد أشرطة الشيخ لقد استفدنا منه كثيرا –حدث بذلك من يوثق بتحديثهم- وكذا الشيخ محمد البنا والشيخ أبو بكر جابر الجزائري والشيخ الدكتور عبد الله الزايد رئيس الجامعة الإسلامية سابقا، والشيخ الدكتور تقي الدين الهلالي والذي حضر خطبة للشيخ وبعد الفراغ من الصلاة ألقى محاضرة أثنى فيها على الخطبة أمام الحاضرين، والشيخ أحمد مبارك خطيب ومستشار وزارة الأوقاف المملكة العربية السعودية، والشيخ الجليل حماد بن محمد الأنصاري الذي كان يقيم بالمدينة المنورة، كذالك القاضي ابن عقيل رئيس الهيئة الدائمة بمجلس القضاء الأعلى سابقا بالمملكة العربية السعودية والذي ذاكر شيخنا الجردي في بعض المسائل فكان يقول لابنه خد ورقة وقلما وسجل ما يقول الشيخ فإننا نستفيد مما يقول، وأثنى عليه أيضا الشيخ عبد الله المصلح والذي اتصلت به إحدى الأخوات من مدينة طنجة فقال لها أليس عندكم في المدينة الشيخ الجردي، ومحدث مصر الشيخ العلامة أبو إسحاق الحويني حفظه الله والذي اتصل به أحد الإخوة يستفتيه فقال له الشيخ الحويني بعد أن سأله عن مكان إقامته كيف أجيبك وعندكم الشيخ الجردي هناك، والشيخ حسين العوايشة زاره في بيته وتذاكرا في عدة مسائل علمية وأثنى على الشيخ ثناء عطرا وأعجب بحسن آدابه وجميل أخلاقه. وغير ذلك من العلماء والشيوخ ممن لم نذكر أسماءهم…
ولما سئل الشيخ عن عدم تأليفه للكتب قال إن اشتغاله بتدريس طلبة العلم وقيامه بمهمة الوعظ والإرشاد ما تركا له مجالا للتأليف.
وللشيخ تلاميذ أجلاء منهم من شاب في يومنا هذا، وهم كثيرون جدا متفرقون في أنحاء المغرب وخارجه ينشرون ما تعلموه منه من علم وأدب -نفعه الله بهم ونفعهم به-.
حفظ الله شيخنا المبارك وزاده علما وفهما وأطال في الخير عمره إنه ولي ذلك والقادر عليه.

رحمه الله تعالى رحمة واسعة و غفر الله له.