ما هو موقف الغزالي من الميتافيزيقا ؟

ما هو موقف الغزالي من الميتافيزيقا ؟
كيف أستدل الغزالي علي كذب الفلاسفة في قضية الإلهيات ؟
هل كان كلام الفلاسفة سفسطة دون دليل حقيقي ؟
ماذا عن موقف ابن رشد من ذلك ؟
هل نجح ابن رشد في نقد الغزالي ؟

العقل قاصر علي إدراك ألذات ألإلهيه والكلام عنها وعن الأشياء الغيبية التي هي بعيدة عن أدراك العقل ألإنساني, وهو غير قادر علي الوصول إليها .

اهتمت الفلسفة اليونانية منذ بداية الفلسفة المالطية بوجود أصل واحد للأشياء في الكون سواء كان مادي أو روحي فتكلمت المذاهب الفلسفية في اليونان عن ذلك حتى تحدث الفلاسفة من بداية أرسطو عن الموجود ألأول أو العلة ألأولي .(ولما كانت الفلسفة ألأولي أي الميتافيزيقا هي العلم بالعلل الأولي للأشياء,فإنها تصبح العلم بالله وبذاتية من حيث أن الله هو العلة الأخيرة لكل ما هو موجود وهو الذي يؤسس كل وجود وكل معقولية ) (1) , وعندما تناول الفلاسفة المسلمين لمشكله الإلهيات من أمثال الفارابي وابن سينا وتحليلهم لبعض القضايا من جانب فلسفي وليس من جانب ديني يصعب علي العوام فهمه وتقبله دون المساس بالعقيدة الإسلامية . ومن الفلاسفة من قال بقدم العالم ومنهم من أذعن بحدوثه .وكذلك عني العرب في العصور الوسطي بمعرفة فلسفة اليونان ونقلوا الكثير من لغتهم العربية عن الترجمات السريانية آذ كان أكثر نقله الفلسفة في العالم العربي من السريان وعلي رأس هؤلاء المترجمين حنين بن إسحاق ومدر ستة غير أن أمانة هولاء النقلة ودقتهم لم تكن تصل في الغالب إلي المستوي اللائق فوقع علي فلاسفة العرب العبْ ألأكبر في تصحيح ما وصل إليهم ناقصا مشوها ,وأن استطاعوا علي الرغم من ذلك أن يخرجوا من هذا الركام المشوة بتفسيرات وشروح كان لها أبعد الأثر فيما بعد خاصة عند الأوربيين في العصور الوسطي .
-هاجم الغزالي موقف الفلاسفة المسلمين من الميتافيزيقا ,وهي أرائهم عن ألإلهيات وخاصة في مسائل قدم العالم ,العلم ألإلهي وقضية البعث بالأرواح دون ألأجسام وكفر الغزالي الفلاسفة في تلك القضايا التي هي بعيدة عن تعاليم الإسلام ,ولم ينزل بها الله من سلطان . وقام بتفنيد أرائه وتقديم الأدلة علي كذب ادعاءهم في كتاب (تهافت الفلاسفة) وهدف كتاب التهافت هو إظهار العقل بمظهر العاجز عن اقتناص الحقائق الإلهية ولهذا ,يحاول الغزالي فيه أن ينتزع ثقة الناس من العقل كمصدر تتعرف منه علي المسائل ألإلهيه .ولكن إذ يحاول تقيد سلطة العقل ,يتخذ من العقل نفسه مطية للوصول إلي هذه الغاية .فأذن عمله هذا هو محاولة
عقلية لإثبات قصور العقل في ميدان الإلهيات ,وشهادة عقلية بأن للعقل حدا يجب الوقوف عنده .
( فمن نظر إلي الغاية من كتاب التهافت تلك التي يصورها الغزالي نفسه بأنها انتزاع الثقة من الفلسفة .ورآه ,لهذا , بعيدا من نطاق الفلسفة ,فهو مضطر إلي اعتباره وسيلة .تلك التي تقوم علي استعراض مناهج الفلاسفة وأدلتهم .واستخدام العقل وحده للكشف عن قصورها وعجزها ,وضعفها وركنها – عملا داخلا في صميم الفلسفة إنه عمل يمكن
تصويره بأنه بحث في طاقه العقل .وهل يمكن أن يكون عمل كهذا بعيدا عن مجال الفلسفة ؟ ولقد قال أرسطو قديما ( أن من تنكر الميتافيزيقا يتفلسف ميتافيزيقا ) .)(2)

       مسالة قدم العالم

◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇

أن كان ابن سينا عول علي العقل واستلهم,فكذلك صنع الغزالي وإذا كان ابن سينا يسلك مسلكا عقليا صرفا يبين به مثلا وجوب أن يكون العالم قديم فيقول : وجود المعلول متعلق بالعلة من حيث هي علي الحال التي بها تكون من طبيعة أو إرادة أو غير ذلك من أمور تحتاج إلي أن تكون من خارج ,ولها مدخل في تتميم كون العلة علة بالفعل
وعدم المعلول متعلق بعدم كون العلة علي الحال التي هي بها علة بالفعل سواء كانت ذاتها موجودة أصلا فإذا لم يكن شيْ معوقا من خارج ,وكان الفاعل بذات موجودا ولكنه كانت طبيعة ,أو إرادة جازمة . أو غير ذلك . وجب وجود المعلول ,وإن لم توجد ,وجب عدمه .)وفي هذا يوضح ابن سينا ضرورة الوجود بالفعل أي القوة في تمام ألأشياء فأن كان العالم نشأ من مادة هي أزلية تنمو وتكبر من ذاتها دون وجود أسباب في خارج الطبيعة تقتضي حدوث الأشياء فيها ,أن لم توجد هذه العلة الخارجية فهي ليست موجودة .

               صدور العالم عن الله عند ابن سينا

◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇

وبذلك يحاول ابن سينا من خلال تسلسل الموجودات إلي الوصول للعقل الأول وهو الله لذلك جعل العالم في تكوينه عقولا تحاول كل منها السعي وراء العقل الأول , وهنا يقول ابن سينا بصدور ثلاثة موجودات عن هذا العقل ألأول حيث تبدأ أيضا فيما بعد الكثرة .والعقل الثاني له نفس وجرم وعقل وهكذا حتى نصل إلي العقل العاشر الذي ليس له القدرة علي الإبداع الموجودة في العقول السابقة عليه .وهذا العقل العاشر
هو العقل الفعال . وهو يتوسط العامين : المعقول والمحسوس . وهو يلعب دورا رئيسا , بالنسبة لعالمنا هذا من جهة أنه مصدر لوجودنا المادي ووجودنا الذهني . بعبارة أخري أن العناصر الأربع الرئيسية المكونة لهذا العالم المحسوس . حاصل عن العقل الفعال ,كما أن المعرفة البشرية تستمد صحتها وصدقها من العقل الفعال .وهذا يؤكد علي تأثر
الفلاسفة المسلمين بالفلسفة اليونانية وفي ذلك يسلك ابن سينا مسلك أفلوطين في كلامه عن الميتافيزيقا كما توضح ذلك د.أميرة حلمي مطر .الميتافيزيقا عند أفلوطين
(أن الواحد أو الأول عن أفلوطين يقترب كل الاقتراب من الإله الواحد اللامتناهي في عدم تحيزة المكاني أو تحدده الكيفي وهؤلاء يصفه بالفكر أو ألإرادة أو النشاط لأن كل صفه من هذه الصفات تفترض التميز بين ألذات وبين الموضوع ولا يجوز التميز في الواحد لأنه يمتاز بأنه وحدة تامة مطلقة ولذلك فكثيرا ما يلجأ أفلوطين إلي أسلوب السلب حين بصفة بصفات الألوهية والكمال فيقول :لا يجب أن نصف بأنه يريد وهو كله أرادة أو أنه نفس وهو كله وعي ,
أما عن علاقته بالوجود فان أفلوطين يفسرها بنظريته الهامة في الفيض وقد كان لهذه النظرية أكبر تأثير في الفلسفة ألإسلامية فيما بعد .يقول: لأنه كامل فهو ينتج بالضرورة كائنات كاملة خالدة تشبهه وإن لم تساوه في الكمال ,وهو يفيض بالوجود بغير أن يتأثر بإرادة أو بحركة , لأنه إذا كان التوالد يتم بحركة فسوف يكون الناتج في المرتبة الثالثة
بعد الواحد . يلجأ أفلوطين هنا إلي تشبيهات مختلفة فيقول : إن الفيض أشبه بالأشعة الصادرة عن الشمس أو الحرارة الصادرة عن النار أو البرودة الصادرة عن الثلج وأول ما يفيض عن الواحد هو الوجود ولأن الوجود الصادر يجتهد دائما بالقدر ألامكن أن يظل قريبا من مصدره الذي تلقي منه حقيقة فأنه بمجرد صدور عنه يلتفت إليه فيصير عقلا .فوقفته عند الواحد تجعله عقلا ,وهكذا ينشأ ألاقنوم الثاني عن ألأول فيكون العقل أو العالم المعقول

ألمسألة الرابعة من كتاب تهافت التهافت لابن رشد
   في بيان عجزهم عن الاستدلال علي وجود صانع         العالم0(4)

قال أبو حامد الغزالي مجيبا عن الفلاسفة :

◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇

(فأن قيل :نحن إذا قلنا للعالم صانع لم نعن به فاعلا مختار يفعل بعد أن لم يفعل كما نشاهد في أصناف الفاعلين من الخياط والنساج والبناء بل نعني به عله العالم ونسميه المبدأ الأول علي معني أنه لا عله لوجوده يقوم عليه البرهان القاطع علي قرب فأنا نقول العالم وموجودا ته أما أن يكون له عله أولا عله له فأن كان له عله فأن كل فتلك العلة لها عله إلي ما لا نهاية وهو محال وأما أن ينتهي إلي طرف فالأخير عله أولي لا عله لوجودها فنسميه المبدأ ألأول وإن العام وإن كان العام موجودا بنفسه لا عله له فقد ظهر المبدأ ألأول فإنا لم نعن به إلا موجودا لا عله له وهو ثابت بالضرورة .
قلت : هذا كلام مقنع غير صحيح ,فأن أسم العلة يقال باشتراك علي العلل ألأربعة ؛ أعني الفاعل ,والصورة
,والهيولي ,والغاية , ولذلك لو كان هذا جواب الفلاسفة لكان جوابا مختلا فإنهم كانوا يسألون عن أي عله أرادوا بقولهم : إن العالم له عله أولي , فلو قالوا أردنا بذلك السبب الفاعل الذي فعله لم يزل ولا يزال , ومفعولة هو فعله ,لكان الجواب صحيحا علي مذهبهم علي ما قلناه , غير معترض عليه , ولو قالوا أردنا به السبب المادي لكان قوله معترضا , وكذلك لو قالوا أردنا به السبب المادي لكان قوله معترضا , وكذلك لو قالوا أردنا به السبب الصوري لكان أيضا معترضا إن فرضوا صورة العالم قائمة به , وإن قالوا أردنا صورة مفارقة للمادة جري قولهم علي مذهبهم ،وإن فرضوا صورة هيولانية لم يكن المبدأ عندهم شيئا غير جسم من ألأجسام ,وهذا لا يقولون به , وكذلك إن قالوا هو سبب علي طريق الغاية كان جاريا أيضا علي أصولهم , وإذا كان هذا الكلام فيه من الاحتمال ما يري فكيف يصح أن يجعل جوابا للفلاسفة ).
فإن الغزالي يعول أيضا علي العقل وحده في إثبات حدوث العالم فيقول مخاطبا ابن سينا والفارابي [بم تتنكرون علي من (يقول : أن العالم حدث بإرادة قديمة اقتضت وجوده في الوقت الذي وجد فيه وأن يستمر العدم إلي الغاية التي استمر إليها … يبتديْ الوجود من حيث ابتدأ ,وأن الوجود قبلة لم يكن مرادا , فلم يحدث لذلك . وأنه في وقته الذي حدث فيه مراد بالإرادة القديمة ,فحدث لذلك . فما أصبح من هذا الاعتقاد وما المحيل له؟ فأن قيل هذا محال بين الإحالة ,لأن الحادث موجب ومسبب يستحيل حادث بغير سبب وموجب ,يستحيل وجود موجب قد تم بشرائط أيجاب وأركان ,حتى لم يبق شيْ منتظر ألبته ,ثم يتأخر الموجب بتمام شروطه ,ضروري , وتأخره محال حسب استحالة وجود الحادث الموجب بلا موجب ..
والجواب أن يقال : استحالة إرادة قديمة متعلقة بأحداث شيْ .أي شيْ كان . تعرفونه بضرورة العقل أو نظره ؟ وعلي لغتكم بين هذين الحدين ,بحد أوسط , أو من غير حدا أوسط؟ فأن أدعيتم حدا أوسط .وهو الطريق النظري – فلابد من إظهاره ,وإن ادعيتم معرفة ضرورة ,فكيف لم يشارككم في معرفته مخالفوكم , والفرقة المعتقدة لحدوث بإرادة قديمة لا يحصرها بلد ولا يحصيها عدد ,ولا شك في أنهم لا يكابرون العقول عنادا مع المعرفة – فلا بد من إقامة برهان – علي شرط المنطق –يدل علي استحالة ذلك .
فأن قيل نحن بضرورة العقل نعلم أنه لا يتصور موجب ,ومجوز ذلك مكابر لضرورة العقل .قلنا وما الفصل بينكم وبين خصومكم ,إذ قالوا لكم : إنا بالضرورة نعلم أحاله قول
من يقول :إن ذاتا واحدة عالمة بجميع الكليات من غير أن يوجب ذلك كثرة ,ومن غير أن يكون العلم زيادة علي ألذات ومن غير أن يتعدد العلم مع تعدد المعلوم وهذا مذهبكم في حق الله ,وهو بالنسبة إلينا وألي علومنا في غاية الإحالة , ولكن تقولون : لا يقاس العلم القديم بالحادث . وطائفة منكم استشعروا إحالة هذا فقالوا : إن الله لا يعلم إلا نفسه , فهو العاقل , وهو المعقول ,وهو العقل الكل واحد .
فلو قال قائل : اتحاد العاقل والعقل والمعقول ,معلوم الاستحالة بالضرورة إذ تقدير صانع للعالم لا يعلم صنعته .محال بالضرورة ،والقدم إذا لم يعلم إلا نفسه – تعالي عن قولكم . وعن قول جميع الزائفين علوا كبيرا – لم يكن يعلم صنعة البتة .فنقول :بم تتنكرون علي خصومكم إذا قالوا : قدم العالم محال , لأنه يؤدي إلي إثبات دورات للفلك لانهاية لأعدادها ولأحصر لأجادها ,مع أن لها سدسا ,وربعا ,ونصفا ,فأن فلك الشمس يدور في سنه , وفلك زحل في ثلاثين سنه , فتكون أدوار زحل ثلث عشر سنه .ثم كما أنه لا نهاية لأعداد دورات الشمس مع أنها ثلث عشرها . بل لا نهاية لأدوار ذلك الكواكب الذي يدور في سنه وثلاثين ألف سنة مرة واحدة كما لانهاية للحركة المشرقية التي للشمس في اليوم والليلة مرة.فإن قال قائل :هذا مما يعلم استحالة ضرورة .فماذا تنفصلون عن
شفع ووتر جميعا ؟ أو لا شفع ولا وتر ؟ فأن قلتم :شفع ووتر جميعا ,أولا شفع ولا وتر , فيعلم بطلانه ضرورة ,وإن قلتم :شفع ,فالشفع يصير وترا بواحد فكيف أعوزه ذلك الواحد …الخ )

         العلم الإلهي (6) 

◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇

عن العلم ألإلهي فيقول الغزالي أنه سبحانه عالم جميع المعلومات محيط بما يجري في تخوم (حدود) الأرضيين إلي أعلي السماوات ,لا يعزب عن عمله مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ,بل يعلم دبيب النملة السوداء علي الصخرة الصماء في الليلة الظلماء . إن الله تعالي عالم بجميع المعلومات من الموجودات والمعدومات فأن الموجودات منقسمة إلي قديم وحادث والقديم هو الله ,وكل ما عداه حادث . وهو عالم ذاته بذات .ومن هو كذلك فهو أعلم بغيره لان غيرة من صنعة فكيف لا يعلم ما خلق ,وكيف تعذب عن الصانع صناعته وعن الخالق خلقه ….. أن من رأي خطوطا منظومة تصدر علي الاتساق من كاتب ,ثم استراب في كونه عالما بصنعة الكتابة كان سفيها في استرا بته.
ولكن السؤال الآن : هل لمعلومات الله نهاية ؟ يجيب الغزالي بقوله : لا ,فأن الموجودات في الحال وان كانت متناهية فالممكنات في الاستقبال غير متناهية ,ويعلم أن الممكنات التي ليست بموجودة أنه سيوجدها أم لا يوجدها.فيعلم إذا ما لا نهاية له . بل لو أردنا أن نكثر علي شيْ واحد وجوها من النسب والتقديرات لخرج عن النهاية والله تعالي عالم بجميعها .والغزالي قد ركز علي صفة العلم الإلهي لأنها من جمله المسائل التي كفر فيها الفلاسفة قالوا بنظرية الفيض والصدور لم يحدث بإرادة الله وقدرته ,بل حدث حدوثا تلقائيا .فقد خاطب الغزالي الفلاسفة بقوله (..فأما أنتم فإذا نفيتم الإرادة والأحداث وزعمتم أن ما يصدر منه يصدر بلزوم علي سبيل الضرورة
والطبع ,فأي بعد في أن تكون ذاته ذاتا من شأنها أن يوجد منها المعلول الأول فقط ثم يلزم من المعلول الأول المعلول الثاني إلي تمام ترتيب الموجودات ولكنه مع ذلك لا يشعر بذاتية كالنار يلزم منها السخونة , والشمس يلزم منها النور ولا يعرف واحد كما لا يعرف غيره ,بل يعرف ذاته ويعرف ما يصدر منه. ولا يعرف غيره ,بل يعرف ذاته ويعرف ما يصدر منه .ولا يعرف غيرة ,بل يعرف ذاته ويعرف ما يصدر منه .وقد بينا من مذهبهم أنه 0(لا يعرف غيرة ..) .ونحن نعلم أن الفلاسفة يذهبون إلي أن الله يعلم الموجودات بعلم كلي لا بعلم جزئي لان من شأن العلم الجزئي ,في زعمهم أن يجعل علم الله مستفادا من المعلوم ومن ثم لا يكون علمه أزليا .ثم أن حدوث العلم لله يعني الانفعال والانتفاش ولا يصح ذلك بالنسبة إلي الله . لهذا فان العلم ألإلهي علم كلي فهو يعقل ذاته ومن خلال تعقله لذات يعقل أجناس الموجودات والتي تتضمن في زعمهم النوع والفرد … هنا يرفض الغزالي هذه النظرية .فهو يري أنه لا يصح أن يعلم المرء أو الله الشي قبل حدوثه وبعد حدوثه بعلم واحد ومن جهة واحدة ,لان إلا مكان غير موجود ,الذي يختلف بدوره عن الفساد فيما بعد . ولهذا عالج الغزالي مشكله العلم ألإلهي علي الوجه التالي : لو أن الله خلق لنا مادام علمنا سابقا عليه ,وليس ثمة تغيرا طرأ علي العالم هنا , لان ما حدث جاء مطابقا للعلم .ولهذا فان الله تعالي له علم واحد بوجود كسوف الشمس مثلا في وقت معين ,وذلك العلم قبل وجوده علم ب~أنه سيكون ,وهو بعينه عند الوجود علم بالكون ,وهو بعينه بعد الانجلاء علم بالانقضاء
,وأن هذه الاختلافات ترجع إلي إضافات لا توجب تبدلا في
ذات العلم ,فلا توجب تغيرا في ذات العالم ,وأن ذلك ينزل منزله الإضافة المحضة . فان الشخص الواحد يكون علي يمينك ثم يرجع إلي قدامك ثم إلي شمالك ,فتتعاقب عليك الإضافات ,والمتغير ذلك الشخص المنتقل دونك , وهكذا ينبغي أن تفهم الحال في علم الله تعالي . فانا نسلم أنه يعلم الأشياء بعلم واحد في الأزل والأبد , والحال لا يتغير ,وغرضهم نفي التغير, وهو متفق عليه .

 في إبطال إنكارهم لبعث الأجسام مع التلذذ التام  : 

◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇

مسألة في إبطال إنكارهم لبعث الأجساد ,ورد الأرواح إلي الأبدان ,ووجود النار الجسمانية ,ووجود الجنة والحور العين ,وسائر ما وعد به الناس , وقولهم : إن كل ذلك أمثلة ضربت لعوام الخلق , لتفهيم ثواب وعقاب روحانيين ,هما أعلي رتبة من الجسمانين .ثم يسوق الدليل التالي علي لسان الفلاسفة ,تبريرا لإنكارهم البعث الجسماني : وأما تقدير بقاء النفس وردها إلي تدبير البدن بعد مفارقته ؛لكنة محال ؛ آذ بدن الميت يستحيل ترابا , أو تأكله الديدان والطيور ,ويستحيل ماء , وبخارا ,وهواء ,ويمتزج بهواء العالم ,وبخاره ,ومائه , امتزاجا يبعد انتزاعه واستخلاصه .
ولكن إن فرض أمكان ذلك , اتكالا علي قدرة الله تعالي فلا يخلو : إما أن يجمع ألأجزاء التي مات عليها فقط ,فينبغي أن يعاد القطع ,ومجدوع الأنف والأذن , وناقص الأعضاء ومجدوع ألأنف و ألأذن وناقص ألأعضاء , كما كان ؛ وهذا
مستقبح , لاسيما في أهل الجنة , وهم خلقوا ناقصين في ابتداء الفطرة ,فإعادتهم إلي ما كانوا عليه من الهزال عند الموت , في غاية لنكال .هذا إن اقتصر علي جمع الأجزاء الموجودة عند الموت . وإن جمع جميع أجزائه التي كانت موجودة في جميع عمره , فهو محال من وجهين : بعض البلاد , ويكثر وقوعه في أوقات القحط – فيتعذر حشراهما جميعا ؛لأن مادة
واحدة , كانت بدنا للمأكول ,وصارت بالغذاء بدنا للأكل ,ولا يمكن رد نفسين إلي بدن واحد .
والثاني يجب أن يعاد جزء واحد .كبدا ,وقلبا , ويدا .ورجلا ؛فإنه ثبت بالصناعة الطبية أن ألأجزاء العضوية يتغذى بعضها بفضل غذاء البعض , فيتغذى الكبد بأجزاء معينة قد كانت مادة لجملة من الأعضاء ,فإلي أي عضو تعاد ؟
بل لا يحتاج في تقرير الاستحالة الأولي إلي أكل الناس للناس ؛فأنك إذا تأملت ظاهر التربة المعمرة , علمت بعد طول الزمان , أن ترابها جثت الموتى . قد تتربت وزرع فيها وغرس , وصارت ترابا ,ثم نباتا ,ثم لحما ثم حيوانا .
بل يلزم منه محال ثالث , وهو أن النفس المفارقة للأبدان غير متناهية والأبدان أجسام متناهية , فلا تفي المواد – التي كانت مواد الناس – بأنفس الناس كلهم , بل تضيق بهم .

               رد ابن رشد علي الغزالي

◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇

خصص ابن رشد كتابه (تهافت التهافت ) للرد علي ما ذكره الغزالي في كتاب تهافت الفلاسفة والذي أفدنا منه في موقف الغزالي من تكفير الفلاسفة في بعض أقوالهم . ولما كان ذلك
حاول ابن رشد تفنيد كتابه لبيان أدعاء الغزالي الكاذب علي الفلاسفة .وما يهمنا في البحث هو بيان رد ابن رشد علي
الغزالي في ألإلهيات وهي ما كفر فيها الغزالي الفلاسفة .

              المسالة الرابعة (من الطبيعيات ) المسألة العشرون في إبطال إنكارهم لبعث الأجسام مع التلذذ التام

◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇

قال ابن رشد : ولما فرغ من هذه المسألة اخذ يزعم أن الفلاسفة ينكرون حشر الأجسام . وهذا شي ما وجد لواحد مما تقدم فيه قول . والقول بحشر الأجساد هم أنبياء بني إسرائيل الذين أتوا بعد موسي عليه السلام وذلك بين من الزبور وكثير من الصحف المنسوبة لبني إسرائيل ,وثبت ذلك أيضا في الإنجيل وتواتر القول به عيسي عليه السلام وهو قول الصابئة .وهذه الشريعة قال محمد أبو حزم : إنها أقدم الشرائع .بل القوم يظهر من أمرهم أنهم أشد الناس تعظيما لها وإيمانا بها . والسبب في ذلك أنهم يرون أنها تنحو نحو تدبير الناس الذي به وجود الإنسان بما هو إنسان , وبلوغ سعادته .الخاصة به وذلك أنها ضرورية في وجود الفضائل الخلقية للإنسان ,والفضائل النظرية والصنائع العملية ولا حياة له في هذه الدار ولا في الدار الآخرة إلا بالفضائل النظرية ,وإنه ولا واحد من هذين يتم ولا يبلغ إليه إلا الفضائل الخلقية ,وأن الفضائل الخلقية لا تتمكن إلا بمعرفه الله تعالي وتعظيمه بالعبادات المشروعة لهم في مله مله , مثل القرابين والصلوات والأدعية وما يشبه ذلك من الأقاويل التي تقال في الثناء علي الله تعالي وعلي الملائكة والنبيين . ويرون بالجملة أن الشرائع هي
الصنائع الضرورية المدنية التي تأخذك مبادئها من العقل والشرع , ولا سيما ما كان منها عاما لجميع الشرائع وإن اختلفت في ذلك بالأقل والأكثر.

قائمة المصادر :

♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
(1) الإمام أبو حامد الغزالي , تهافت الفلاسفة ,تحقيق سليمان دنيا , الطبعة السابعة ,دار المعارف
(2) ابن رشد , تهافت التهافت , محمد العريبي ,دار الفكر اللبناني ,بيروت
(3) ديكارت, مقال عن المنهج ,ترجمة محمود محمد الخضيري ,المصرية العامة للكتاب , 1985م
قائمة المراجع :
1) فيصل بدير عون , فلاسفة الإسلام في المشرق والمغرب , الطبعة الرابعة ,مكتبة الحرية الحديثة
2) أميرة حلمي مطر ,الفلسفة اليونانية تاريخها ومشكلاتها , دار قباء , 1998م
3) محمد علي أبو ريان , تاريخ الفكر الفلسفي أرسطو والمدارس المتأخرة , الطبعة ألأولي , دار الوفاء , 2007م