ما هو علم الأنثروبولوجيا ؟ ….أقسامه…..نشأته…..علاقته بالعلوم الأخرى؟


مقدمة :
لم تكن ألانثروبولوجيا مُنذ نزعتها ألاولى في القرن الثامن عشر قد أحدثت دوياً عالياً في الاوساط العلمية، نتيجة عدم توفر الإمكانيات والمستلزمات الكافية لاستقلاليتها. أو لربما قدرها المحتوم الذي جعلها تشابهُ علم الإجتماع إلى الحد الذي لا يستطيع الباحث التمييز بينهما كعلمين منفصلين عن بعضهما.مما أدى إلى عدم ألاهتمام بها كسائر العلوم الاخرى.على الرغم من أن القرن الثامن عشر، يعتبر نقطة الإنطلاقة التي سارت بها الانثروبولوجيا. إلا أنه لم يمثلها تمثيلاً حقيقيا.
كثيراً ما يتردد ” وخاصة ونحن في القرن الواحد والعشرون” الحديث عن ألانثروبولوجيا وبحوثها التي بدأت تزخر بها مكتباتنا اليوم.
إلا أنها لم ترَ النور بين طلابنا ومثقفينا، او لعل البعض منا لم يعرف ما هي الانثروبولوجيا ؟ أو بالاحرى لم يسمع بها سابقا. وهذا بالطبع ناتجٌ عن شحة الكتب التي تعّرف الانثروبوجيا من جهة، وتجاهلنا لهذا العلم- وإفتقار جامعاتنا له من الجهة أخرى.
شهدَ القرن العشرين ظهوراً رائعاً للانثروبولوجيا آثار إنتباه المثقفين والباحثين والمهتمين بالعلوم الإجتماعية. وهذا الظهور تمثل بمؤلفات العديد من عباقرة الانثروبولوجيا ومنهم : البروفيسور آدم كوبر، وتالكوت بارسونز، وبرجس ولوك، وأميل دروكايم، والعلامّة راد كلف براون، ومالينوفسكي.
لقد كانَ لظهور هؤلاء العباقرة في القرن العشرين أثراً بالغاً في ألاوساط العلمية، حيث إستطاعوا أن يحدثوا تغييراً جذرياً أو نقلة مرحلية أفاقت ألانثروبولوجيا من رقدتها، وأخرجتها من ظلامها الدامس.
أما من عباقرتنا العرب فتمثلت نهضة ألانثروبولوجيا بأسماء عباقرة كثيرين ومنهم: د. قيس النوري، ود. شاكر مصطفى سليم، ود. علي الوردي. وآخرين.
وبذكري للدكتور علي الوردي سيعترض هنا مُعترض أو سائل ويقول : إن الدكتور علي الوردي عالمُ أجتماع ؟ فما إرتباطهُ بالإنثروبولوجيا ؟.
في حقيقة ألامر إننا نوافق هذا الاعتراض، لكننا نود أن نشيرَ إلى أن مؤلفاتَ الوردي كانت ذات صبغة أو طابع أنثروبولوجي أكثر مما هو سوسيولوجي.فالإنصاف يحتم علينا أن نعتبر الدكتور علي الوردي باحثٌ أجتماعي وانثروبولوجي بوقتٍ واحد، وهذا يظهر بوضوح لدى المتتبع لمؤلفات الوردي.
تفتقر ألانثرولوجيا في الوطن العربي إلى الشهرة فقط، بعدما توفرت جميع المستلزمات التي تؤهلها كعلم مستقل في جامعاتنا.واليوم نشهد هذا الافتقار بجلاء بعد ملاحضاتنا الدقيقة لما يجري في الاوساط العلمية.
هذا ولم يكن للانثروبولوجيا نصيبٌ وافٍ في جامعاتنا. حيث نجدها في بعض جامعات المملكة العربية السعودية ومصر والاردن وتونس والعراق.
وهذا بحد ذاته يثبت تأخر العرب عن أقرانهم الغرب، في مجال نشوء وتطور ألانثروبولوجيا.
تأريخ الانثروبولوجيا في العراق :
مما تجدر الإشارة إليه إن عهدَ الانثروبولوجيا في العراق لم يبدأ الا قبل سنواتٍ عدة. وهذا ناتجٌ عن إنعزال العراق وتخلفهِ عن الركب الذي سارت بهِ أغلب الدول العربية، على الرغم من إنها متأخرة كثيراً ، هذا إذا ما قورنت بالدول الغربية.
بدأت جامعة بغداد بأدخال ألانثروبولوجيا لها.حيث ينشطر قسم علم الإجتماع في جامعة بغداد – إبتداءاً من المرحلة الثالثة الى ثلاث فروع هي : علم الإجتماع- والخدمة الإجتماعيّة – ومن ثم أضيف لها فرع ألانثروبولوجيا. وقد إبتدأ هذا عام 1988.
وفي عام (2003- 2004) أي بعد سقوط النظام السابق، تم إفتتاح قسم ألانثروبولوجيا التطبيقية في الجامعة المستنصرية في بغداد كقسم مُستقل وهو القسم الوحيد في العراق الذي يحمل هذا الاسم.
إننا نأمل أن يتم إعلاء شأن الانثروبولوجيا والإهتمام بها كسائر العلوم الإنسانية الاخرى.وهذا لا يتم الا بفتح المجال الواسع لها في جامعاتنا وتشجيع الدراسات الميدانية التي تجري وفقاً لمتطلبات هذا العلم.

  • ما هي الانثروبولوجيا ؟
    ألانثروبولوجيا هي علمُ الإنسان. وقد نحُتت الكلمة من كلمتين يونانيتين هما:
    ((anthropos ومعناها ” الانسان” ، و (logos) ومعناها ” علم”.
    وعليهِ فأن المعنى اللفظي لإصطلاح ألانثروبولوجيا (anthropology) هو علمُ الإنسان.
    وتعُرّف ألانثروبولوجيا تعريفاتٌ عدة أشهرها :
    1- علمُ الإنسان
    2- علمُ الإنسان وأعماله وسلوكه.
    3- علمُ الجماعات البشرية وسلوكها وإنتاجها.
    4- علمُ الإنسان من حيث هو كائنٌ طبيعي وإجتماعي وحضاري.
    5- علمُ الحضارات والمجتمعات البشرية.
    هذهِ التعريفات هي ل ” الانثروبولوجيا العامّة”، ويمكنُ من خلال التعريف الرابع أن نعرفَ ” ألانثروبولوجيا الإجتماعية ” : بأنها علم الإنسان من حيث هو كائنٌ إجتماعي. (1)
  • أقسام ألانثروبولوجيا العامّة :
    تقسم ألانثروبولوجيا إلى أربعة أقسام رئيسة من وجهةِ نظر ألانثروبولوجييّن في بريطانيا، وهذهِ ألاقسام هي :
    1- ألانثروبولوجيا الطبيعية: physical anthropology
    يرتبط هذا القسم بالعلوم الطبيعية وخاصة علم التشريح وعلم وظائف ألاعضاء ” physiology ” ، وعلم الحياة “”Biology. وينتمي هذا القسم إلى طائفة العلوم الطبيعية، وأهم تخصصاتهُ علم العظام “Osteology” ، وعلم البناء الإنساني Human Morphology””، ومقاييس جسم الإنسان anthropometry” “، ودراسة مقاييس ألاجسام الحية “Biometrics” ، وعلم الجراحة الإنساني “Humanserology”.
    ويُدرّس هذا القسم في كلياتِ الطب والعلوم ومعظم المتخصصينَ فيهِ من ألاطباء وعُلماءَ الحياة، ولكنهُ يدرّس أيضاً في كلياتِ العلوم الإجتماعية في أقسام ألانثروبولوجيا.(2)
    وتتناول ألانثروبولوجيا الطبيعية دراسة ظهور الإنسان على ألارض كسلالةٍ مُتميزة، وأكتسابه صفات خاصة كالسير منتصا، والقدرة على إستعمال اليدين، والقدرة على الكلام، وكبر الدماغ، ثم تدرس تطوره حياتيا. وإنتشاره على ألارض، وتدرس السلالات البشرية القديمة وصفاتها، والعناصر البشرية المُعاصرة وصفاتها وأوصافها الجسمّية المُختلفة، وتوزيع تلكَ العناصر على قارات ألارض، وتضع مقاييس وضوابط لتلكَ العناصر، كطول القامة، وشكل الجمجمة، ولون الشعر وكثافته، ولون العين وأشكالها، ولون البشرة، وأشكال ألانوف. وتدرس الوراثة، وإنتقال ميزات الجنس البشري من جيلٍ لآخر.(3)
    2- ألانثروبولوجيا ألإجتماعيّة:
    وتتركز الدراساتُ فيها على المُجتمعات البدائية. ومُنذ الحرب العالمية الثانية أخذت تدرس المجتمعات الريفية والحضرية في الدول النامية والمُتقدمِة. فتدرس البناء ألإجتماعي والعلاقات ألإجتماعية والنظم ألإجتماعية مثل العائلة، والفخذ، والعشيرة، والقرابة، والزواج، والطبقات والطوائف ألإجتماعية، والنظم الإقتصادية، كالإنتاج ، والتوزيع، والإستهلاك، والمقايضة، والنقود، والنظم السياسية، كالقوانين، والعقوبات، والسلطة والحكومة، والنظم العقائدية، كالسحر والدين. كما تدرس النسق الإيكولوجي.(4)
    يهتم فرع ألانثروبولوجيا الإجتماعيّة بتحليل البناء ألإجتماعي للمجتمعات الإنسانية وخاصة المُجتمعات البدائية التي يظهر فيها بوضوح تكامل ووحدة البناء ألإجتماعي، وهكذا يتركز إهتمام هذا الفرع بالقطاع ألإجتماعي للحضارة، ويتمّيز بالدراسة العميقة التفصيلية للبناء ألإجتماعي وتوضيح الترابط والتأثير المتبادل بين النظم ألإجتماعية ” النظرية الوظيفية” للعلامة “راد كليف براون”، وأساسها إن النظمَ ألإجتماعية في مجتمع ما،هي نسيجٌ متشابك العناصر – يُؤثر كل عنصر في العناصر ألاخُرى، وتعمل تلكَ العناصر على خلق وحدة إجتماعية تسمح للمجتمع بالإستمرار والبقاء، ولا تهتم ألانثروبولوجيا ألاجتماعية المُعاصرة بتأريخ النظم ألإجتماعية، لإن تأريخ النظام الإجتماعي لا يفسر طبيعتهُ وإنما تفسر تلكَ الطبيعة عن طريق تحديد وظيفة النظام ألإجتماعي الواحد في البناء ألإجتماعي للمجتمع.(5)
    3- ألانثروبولوجيا الحضارية ( أو الثقافية) :
    وتدرس مُخترعات الشعوب البدائية، وأدواتها، وأجهزتها، وأسلحتها، وطرُز المساكن، وأنواع ألالبسة، ووسائل الزينة، والفنون، وألآداب، والقصص، والخرافات، أي كافة إنتاج الشعب البدائي المادي والروحي.
    كما تركز على ألإتصال الحضاري بين الشعب ومن يتصل بهِ من الشعوب. وما يقتبسهُ منهم، والتطور الحضاري، والتغير ألإجتماعي.
    ومُنذ الحرب العالمية الثانية أخذت تدرس المجتمعات الريفية والحضرية في الدول المتقدمة والنامية.(6)
    4- ألانثروبولوجيا التطبيقية :
    وحينَ إتصل ألاوربيونَ عن طريق التجارة والتبشير وألإستعمار بالشعوب البدائية، نشأت الحاجة إلى فهم الشعوب البدائية بقدر ما تقتضيهِ مصلحة ألاوربيين في حكم الشعوب وإستغلالها، وفي حالاتٍ نادرة جداً بقدر ما تقتضيهِ مساعدة تلكَ الشعوب وأعانتها على اللحاق بقافلة المدنية الحديثة. فنشأ فرعٌ جديدٌ من ألانثروبولوجيا يدرس مشاكل ألإتصال بتلكَ الشعوب البدائية ومعضلات أدارتها وتصريف شؤونها ووجوه تحسينها.
    ويُدعى هذا الفرع ” ألانثروبولوجيا التطبيقية “. (7)
    وقد تطورَ هذا الفرع ” ألانثروبولوجيا التطبيقية ” كثيراً ، خاصة مُنذ الحرب العالمية الثانية، وتنوّعت مجالاتهُ بتطور أقسام ألانثروبولوجيا وفروعها، إذ إنهُ يمثل الجانب التطبيقي لهذهِ ألاقسام والفروع، ولا يعد فرعاً مُستقلاً عنها وإنما هو ألاداة الرئيسة لتطبيق نتائج بحوث كل فروع ألانثروبولوجيا والتي تجد طموحاتها لخدمة الإنسان والمُجتمع.
    وقد شملت تطبيقاتهُ مجالات كثيرة أهمها :
    التربية والتعليم، والتحضّر والسُكان، والتنمية الإجتماعية والإقتصادية، خاصة تنمية المُجتمعات المحلية، والمجالات الطبية والصحة العامّة، والنفسية، والإعلام، وألإتصال وبرامج الإذاعة والتلفزيون، والتأليف الروائي والمسرحي، والفن، ومجال الفلكلور ” التراث الشعبي”، والمتاحف ألاثنولوجية، إضافة إلى المجالات الصناعيّة،والعسكرية والحرب النفسية، والسياسة ومُشكلات ألادارة والحكم،والجريمة والسجون….الخ.
    ومن تطور هذا القسم ( ألانثروبولوجيا التطبيقية) وإزدياد البحوث فيهِ ظهرت فروع حديثة للانثروبولوجيا الحضارية والإجتماعية حيث أختص كل فرع منها بمجال معين مما ورد اعلاه
    •علاقة الانثروبولوجيا ببعض العلوم الإجتماعية (9):
    للانثروبولوجيا علاقة وثيقة ببعض العلوم الإجتماعية من أهمها:
    1-ألاثنولوجيا : وهي علم تأريخ الحضارات والعلاقات الحضارية بين الشعوب، وتصنيف الحضارات وتوزيعها وإنتشارها في العالم.
    2-ألاثنوغرافيا : وهي الدراسة الوصفية للمجتمعات وحضاراتها.
    3-الآركيولوجيا : ( علم الآثار) وهي الدراسة ألاثنولوجّية وألاثنوغرافية لحضارات شعوبٍ بائدة من ألآثار التي يجدها العلماء في الحفريات.
    4-علم الإجتماع: وهو دراسة الظواهر التي تنبثق عن العلاقات بين المجموعات البشرية، ودراسة العلاقة بين الإنسان وبيئته البشرية. ويركز علم الإجتماع الحديث في دراساتهِ على الظواهر الإجتماعية ألاكثر تقدماً، أي على مشكلاتِ المُجتمعات المعقدة والمتطورة.
    •نشأة ألانثروبولوجيا وتطورها منذ القرن الثامن عشر حتى الوقت الحاضر(10) :
    يُمكننا أن نعتبرَ ألانثروبولوجيا علماً حديثاً يقرب عمرهُ من قرن وربع القرن تقريباً، كما نستطيع. بعين الوقت، أن نعتبرها من أقدم علوم البشر.
    فالجامعات لم تبدأ بتدريس ألانثروبولوجيا إلا حديثاً جداً. فلقد عيّن أول أستاذٍ لها في جامعة أوكسفورد، وهو ” السر أدورد تايلور” عام 1884، وفي جامعة كمبرج، وهو ألاستاذ ” هادن” في عام 1900، وفي جامعة لفربول، وهو ” السر جيمس فريزر” في عام 1907.
    وعيّن أول أسُتاذٍ لها في جامعة لندن في عام 1908، وفي الجامعات ألامريكية في عام 1886.
    ولأن الانثروبولوجيا تعنى بدراسة النظريات التي تتعلق بطبيعة المُجتمعات البشرية، فأننا نستطيع أن نعتبرها، من جهة أخرى، من أقدم العلوم . إذ هي بدأت مع أقدم تأمّلات الإنسان حول تلكَ الموضوعات. فلقد قالوا مثلاً إن المؤرّخ الإغريقي ( هيرودوتس) ” أبو الانثروبولوجيا” كما هو أبو التاريخ، لأنهُ وصفَ لنا بأسهاب، التكوين الجسمي لأقوام قديمة ك ( السيثيين) وقدماءَ المصريين وغيرهم من الشعوب القديمة، وصور أخلاقهم وعاداتهم.
    كما كتب المؤرخ الروماني ( تاكيتس) دراستهُ المشهورة عن القبائل الجرمانية.
    حتى البابليون قبل ” هيرودوتس” بزمن طويل، جمعوا في متاحفَ خاصة بعض ما تركهُ السومريون من أدواتٍ ومخلفات.
    إننا نستطيع أن نعتبرَ القرن الثامن عشر نقطة بدءٍ مناسبة للانثروبولوجيا. نشهد بعدها ظهور العناصر المكونة لهذا العلم. فآراء مونتسكيو في كتابهِ الشهير ( روح القوانين) عن المجتمع وأسسه وطبيعته. وكتابات ( سان سيمون) وإدعاؤه وجود علم للمجتمع، وآراء (يفيد هيوم) و( آدم سمث) ونظرتهما الى المجتمعات بأعتبارها تتكون من أنساق طبيعية، وإعتقادهما بالتطور غير المحدود، وبوجود قوانين لذلكَ التطور، كل تلكَ التأمّلات والآراء حوت لا بلا شك البذرات الصالحة والمكونات الاساسية التي نمت في القرن التاسع عشر، فكونت المدراس الانثروبولوجيّة الكبيرة.
    وبعدَ مُنتصف القرن التاسع عشر بدأت الكتب القديمة في ألانثروبولوجيا بالظهور في أوروبا وأمريكا. وكانَ أبرز تلكَ الكتب كتاب ( السر هنرى مين) ” القانون القديم ” عام 1861وكتابه عن ( المجتمعات القروية في الشرق والغرب) (1861)، وكتاب (باخوفن) عن (حق ألام) عام 1861 وكتاب ( فوستل دو كولانج) عن ( المدينة القديمة) 1864 وكتاب ( ماكلينان) عن ” الزواج البدائي” عام 1865 وكتاب (السر أدورد تايلور) المُُسمى ” أبحاث في التأريخ القديم للجنس البشري” عام 1865 وكتابه الآخر عن ” الحضارة البدائية” عام 1871، ومن ثم (لوس موركن ) عن ” أنساق روابط الدم والمصاهرة في العائلة الإنسانية) عام 1870.
    كما ظهرت “بعين الوقت” مدرستان كبيرتان من مدراس هذا العلم، هما ” مدرسة القانون المقارن” و ” المدرسة التطورية” . فأفاد رجال المدرسة ألاولى ألانثروبولوجيا كثيراً حين إنصرفوا إلى دراسة القانون المقارن. حيث إهتموا بصورة خاصة بالقانون القديم وقوانيين الشعوب البدائية. كما تأثرَ رجال المدرسة الثانية ” التطورية” بنظريات (لامارك) و( دارون) في التطور الحياتي.فأقاموا نظرياتهم في التطور الإجتماعي على عين الاسس.
    وفي مطلع القرن العشرين برزت في ألانثروبولوجيا أسماء ضخمة مثل ” السر جيمس فريزر”، و”أميل دوركايم”، و” راد كلف براون”، و” مالينوفسكي “، و” البوث سمث”، و” رفرز”. كما ظهرت مدارس إنثروبولوجية هامّة مثل ( مدرسة الإنتشار الحضاري) و ( المدرسة الوظيفية). وكلاهما هاجمتا ودحضتا ” المدرسة التطورية “، هذا إلى جانب ” المدرسة البيئية” ، وهي مدرسة قديمة مستمرة الوجود.
    إننا نستطيع أن نعتبرَ نقطة البدء الحقيقية للانثروبولوجيا هي القرن العشرين، التي تمثلت بظهور أسماء ضخمة من عباقرة الانثروبولوجيا، أضافة الى مؤلفاتهم في ذلك الشأن. ناهيكَ عن المدارس الانثروبولوجية المهمة التي ساعدت في نمو وتطوير هذا العلم.
    ثمة قضية معينة أود أن أنقلها للقارئ الكريم، وهي إن علم الإجتماع والانثروبولوجيا علمين متقاربين متشابهين، بحيث لا يمكن للباحث الفصل أو التمييز بين هذين العلمين.لدرجة تقاربهما، لذلكَ فأن من الانسب لي وللقارئ تعيين نقاط الإختلاف بين هذين العلمين لمعرفة أتجاه كلاً من هذين العلمين في الدراسات الإجتماعية.
    •علاقة علم الإجتماع بالانثروبولوجيا ( علم الإنسان) :
    علمُ الإجتماع هو علمٌ قريبٌ جداً من ألانثروبولوجيا لأنهُ يدرس العلاقات الإجتماعية بين المجموعات البشرية، ولكنهُ يختلفُ عن ألانثروبولوجيا من ثلاث نواح :
    الناحية ألاولى: إن علمَ الإجتماع يركز في دراساتهِ على موضوعاتٍ مختارة مثل السحر أو الدين أو البطالة أو الزواج أو ما يشبه ذلك، ولا يدرس مجتمعات كاملة دراسة شاملة كما تدرسها الانثروبولوجيا.
    والناحية الثانية: إنهُ لا يقصر دراساته على المجتمعات البدائية بل يتخذ من كل المجتمعات البدائية والغير بدائية ميداناً لدراساته.مع ميل قوي للتركيز على دراسة معضلات المجتمعات المتطورة والمعقدة. بينما كانت ألانثروبولوجيا تركز على دراسة المجتمعات البدائية قبل الحرب العالمية الثانية.
    أما بعدَ هذه الحرب ” العالمية الثانية” فأن الانثروبولوجيا أخذت تدرسُ المجتمعات المتطورة والمعقدة أيضا، مع ميل قوي للتركيز على دراسة المجتمعات البدائية والنامية.
    أما الناحية الثالثة فهي إختلاف العلمين بمنهج البحث المُتبع في دراسة كل منهما، وهذا أهم إختلاف بينهما.
    ✅ منقول