المجلس العلمي المحلي لإقليم جرسيف،ينظم ندوة علميةحول:العنف المدرسي. بداخلية_بركين

وكما كان مقررا، نظم المجلس العلمي المحلي لإقليم جرسيف ، بتنسيق مع المديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة. على مستوى داخلية بركين، التابعة للثانوية التأهيلية بركين. يومه الجمعة 21 رجب 1445هــ الموافق 02 فبراير 2024 على الساعة الثامنة والنصف ليلا ، ندوة علمية حضورية في موضوع:
العنف المدرسي وآثاره السلبية على المسار التعليمي
افتتحت الندوة بآيات بينات من الذكر الحكيم تلاها التلميذ زمزوم.
أعقبتها كلمة للأستاذ : يونس الهادي(الحارس العام للداخلية).
المداخلة الأولى :ذ. محمد العربي، مرشد ديني بجماعة بركين.
عنوان المداخلة: المفاهيم الإجرائية للعنف المدرسي.
المداخلة الثانية:ذ. محمد الهشمي، عضو المجلس العلمي المحلي لإقليم جرسيف.
عنوان المداخلة: أسباب العنف المدرسي .

المداخلة الثالثة:ذ. محمد بــضــاض ، أستاذ التربية الإسلامية بالثانوية التأهيلية بركين.
عنوان المداخلة: سبل الحد من ظاهرة العنف المدرسي.
تسيير : ذ.محمد الهشمي.
تنسيق : ذ. محمد ألعيز. مدير الثانوية التأهيلية بركين.
لقد أجمع كل الحاضرين على ضرورة تعاون الجميع من أجل علاج هذه المشكلة، وخصوصا إذا ارتبطت هذه المشكلة بالإنسان ذلك المجهول، والشيء المهم الذي يجب الإشارة إليه هو أن علاج العدوانية والعنف أمر لا يقع على عاتق المدرسة فقط أو الأسرة فقط بل يجب أن تتكاثف فيه جهود المدرسة والأسرة والمجتمع حتى يمكن أن تظهر نتائج مرضية.
وكان ختام هذه الندوة العلمية بمسابقة علمية، وتوزيع الجوائز على الفائزين.
بالدعاء لمولانا أمير المؤمنين نصره الله ، تلاه ذ. محمد العربي.

من يكون الدكتور جواد أكدال؟

يعتبر أحد المهتمين بمجال علم الإجتماع، السوسيولوجيا،حيث كرس كل جهوده من أجلها، منذ حصوله على شهادة الباكالوريا من الثانوية التأهيلية مولاي رشيد،بأجلموس سنة 2007,مرورا بالدراسة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، تخصص علم الإجتماع ،إجازة وماجستير، بجامعة مولاي إسماعيل، مكناس،

عنوان الأطروحة الجامعية :العيش في أحياء الصفيح بين محنة الوقت وأمل الإسناد: حالة سكان أحياء الصفيح نزالا رداية بمكناس ودوار لعمور ببنسليمان.

و إنتقاله إلى جامعة الحسن الثاني، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالمحمدية، وتهييئه لاطروحته الجامعية..

صورة تذكارية، يُعيد إنتهاء مناقشة الأطروحة

تأتى له ذلك، وحصل على درجة الدوكتوراه تخصص السوسيولوجيا في موضوع *العيش في أحياء الصفيح بين محنة الوقت وأمل الإسناد: حالة سكان أحياء الصفيح نزالا رداية بمكناس ودوار لعمور ببنسليمان. يوم… 11 دجنبر 2020 م، بميزة مشرف جدا، مع تنويه شفهوي بالعمل على إخراج أطروحته للوجود..

لحظة تقديم الأطروحة

عين يوم السبت 23 يناير 2021م،أستاذا مساعدا، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، تخصص السوسيولوجيا – علم الإجتماع – بجامعة الحسن الأول بسطات..

كلمة جواد أكدال عقب مناقشته لأطروحته

Aujourd’hui, j’ai soutenu ma thèse de doctorat en sociologie à la FLSH de Mohammadia. Elle a porté sur l’expérience d’habiter le bidonville entre ‘épreuve de la temporalité et l’espoir de l’attribution. Je saisie cette occasion pour remercier chaleureusement les membres du jury, les professeur-e-s : SAA Abdelkrim (qui est aussi mon encadrant), AZIZI Souad, KARIBI Khadija et BELFAKIH Abdelbaki pour leurs lectures, commentaires, remarques et critiques. Je dédie ce travail à la mémoire de mon cher professeur le feu HARRAMI Noureddine. Je tiens également à remercier tous mes professeur-e-s de la sociologie à la FLSH de Meknès : MOUNA Khalid, BOUZIDI Zhour, JAHAH Mohamed, KOSTANI Ben Mohamed, MERIZAK Mustapha et OUARD Abdelmalek, etc. J’exprime mes sincères remerciements à mon épouse LAKHIOUR Halima de m’avoir partagé chaque moment de la thèse. Mes remerciements les plus sincères vont aussi à mes amis SADDIK Darai, HAMDOUNI Omar et CHAKI Simohamed pour leurs aides, lectures et commentaires.

ختاما أقول، هنيئا للصديق والزميل ورفيق الدراسة في الثانوية التأهيلية ، والدراسة الجامعية، بالعاصمة الإسماعيلية، الأخ جواد أكدال، حصوله على درجة الدكتوراه، تخصص علم الإجتماع ، وإلتحاقه بجامعة الحسن الأول كاستاذ مساعد تخصص سوسيولوجيا..

ما هي سوسيولوجيا الاديان،ما حقلها وما هي مواضيعها؟


المحاور
1)- مدخل منهجي ابستيمولوجي حول الدين و علم الاجتماع
2)- علم الاجتماع و الظاهرة الدينية
3)- من علم الاجتماع الديني الى علم الاجتماع الاديان
4)- الظاهرة الدينية المعاصرة و بروز الحركات الدينية

ما سوسيولوجيا الأديان؟
تعد سوسيولوجيا الأديان فرعا من فروع علم الاجتماع العام و يهتم هذا التخصص بدراسة المعتقدات و الطقوس و الممارسات و الاحتفالات الدينية في ضوء المقاربة السوسيولوجية باستخدام المنهجية الكمية من جهة أو المنهجية الكيفية من جهة اخرى و يعني هذا أن الدين جزء من المجتمع أو هو بمثابة مؤسسة مجتمعية كباقي المؤسسات الاخرى التي لها دور هام داخل النسق الاجتماعي الوظيفي فالدين له تأثير كبير في المجتمع كما للمجتمع تأثيره الخاص في الدين

مفهوم الدين:
يعتبر مفهوم الدين من بين المفاهيم البالغة التعقيد سواء في الحقل السوسيولوجي أو غيره وذلك أن هذا المفهوم لا يرتبط بشكل واضح بالمعنى الشائع الذي يلصق بالدين فالسلوك الديني لا يتحدد بحدود واضحة أو يرتبط بمعنى من المعاني و لا يجد تفسيره انطلاقا من فرد بعينه و لا يجتمع ما إلا بقدر ما يمتلك الباحث الاجتماعي لحس مرهف اتجاه الظاهرة الدينية و التي تتميز بانسيابية عالمية تشمل عدة عوالم

التحديد السوسيولوجي لمفهوم الدين:
يمثل البراديغم السوسيولوجي رؤية معرفة تنظر للدين من زوايا مختلفة بحسب المقتربات التفسيرية التي اعتمدتها كل مدرسة على حدة فبينما نجد المدرسة الوظيفية أو الوظيفية البنائية ممثلة بروادها المؤسسين كدوركايم كونت بارسونز
ينظرون للدين على أساس أن له وظيفة اجتماعية يقوم بها في الحفاظ على توازن المجتمع و ضمان استمراريته فبينما يخص الاتجاه الوظيفي و الذي يتجه مباشرة الى البحث عن الوظائف أو الأدوار التي يقوم بها الدين داخل المجتمع و أثره في بعض النظم و المؤسسات الاجتماعية القائمة أو في عمليات التغيير الاجتماعي سلبا و ايجابا
و يستنتج دوركايم وظيفتين أساسيتين للدين أولا تجميع الناس و كأنه يشبه الصمغ الذي يخلق التضامن الاجتماعي و ثانيا اعطاء الناس و سيلة الادراك العالم و رؤيته
أما بارسونز ينظر للدين في العالم الحديث من خلال طريقتين الاول من خلال الفاعلية التي نسبها للدين و الثاني من خلال الخير الذي ينسبه اليه و الى نتائجه كما يتدعم ذلك في الطبيعة المطردة الاعتدال للعالم الذي يشجع عليه الدين
بعدما تعرفنا على أهم التعاريف ذات الصبغة الوظيفية للدين فإننا نعتقد أن الاتجاه الوظيفي لدراسة الدين يبقى قاصرا في ادراك كافة الأبعاد الشاملة و العميقة للمظاهر الدينية في حياة الفرد و المجتمع
مفهوم التدين:
من خلال الاشتغال على دلالة مفهوم التدين أمكننا أن نستخلص أن التدين هو الكيفية التي يعيش بها الأفراد أو الجماعات تجربتهم الدينية و قد سبق للعالم السوسيولوجي جورج سيمل أن يميز بين الدين و التدين حيث يمثل الدين الدافع الحيوي و التدين الشكل الاجتماعي الذي يسعى الى الاستحواذ و السيطرة على الأول و بالتالي فالتدين هو تجربة ذاتية عن علاقة بشرية غربية للحياة نفسها
المنظرين و المؤسسين

دوركايم:
كما رأينا شعر دوركايم بالحاجة للتركيز على التجليات المادية للحقائق الاجتماعية غير المادية. مثلا ً القانون في( تقسيم العمل) ومعدلات الانتحار في (الانتحار ) لكن في كتابه (الأشكال الأولية للحياة الدينية) شعر دوركايم بالراحة الكافية لمناقشة الحقائق الاجتماعية غير المادية، خاصة الدين، بصورة أكثر مباشرة. في الحقيقة الدين هو الحقيقة الاجتماعية غير المادية المطلقة ودراسته اتاحت له إلقاء المزيد من الضوء على كل نسقه النظرى.
بالرغم من أن البحث الوارد في ( الأشكال الأولية…) ليس لدوركايم، لكنه شعر أنه من الضروري وضع تفكيره عن الدين في معلومات منشورة. المصدر الأساسي لتلك المعلومات دراسات عن قبيلة الارونتا الأسترالية البدائية. شعر دوركايم أنه من الأهمية دراسة الدين داخل ذلك الإطار البدائي لعدة أسباب. أولا ً، كان يرى أنه من السهل التعمق في الطبيعة الأساسية للدين في إطار بدائي وليس في مجتمع حديث. الأشكال الدينية في المجتمع البدائي يمكن ” توضيحها في كل صفائها وتحتاج فقط إلى مجهود بسيط لعرضها “. ثانياً، الأنساق الأيدلوجية للأديان البدائية أقل نمواً من الأديان الحديثة ويصاحب ذلك وجود تشويش أقل. وقد ذكر دوركايم ” أن ما هو ثانوي وليس أساسى لم يغط بعد المكونات الأساسية. كل شئ مختزل إلا ما لا يمكن الاستغناء عنه، إلى الذى بدونه لا يمكن أن يكون هنالك دين ” ثالثاً، في حين أن الدين في المجتمع الحديث يأخذ أشكالاً مختلفة ففي المجتمع البدائي نجد ” انسجاماً فكرياً وأخلاقياً” . لذلك يمكن دراسة الدين في المجتمع البدائي في أكثر صوره نقاء ً. أخيراً بالرغم من أن دوركايم درس الدين البدائي لكن ذلك ليس بسبب اهتمامه بالدين البدائي في نفسه، بل درسه من أجل أن “يصل إلى فهم للطبيعة الدينية للأديان وليوضح بذلك جزءًا مهماً وأساسياً من الإنسانية” أكثر تحديداً، درس دوركايم الدين البدائي ليلقى الضوء على الدين في المجتمع الحديث.
بما أن الدين في المجتمع البدائي منسجم وشامل، يمكننا أن نقول أن ذ لك الدين يعادل الضمير الجمعي. أي أن الدين في المجتمع البدائي هو أخلاق جمعية شاملة لكن كلما تطور المجتمع وأصبح أكثر تخصصاً كلما احتل الدين نطاقاً أضيق. وبدل أن يكون ضميراً جمعياً في المجتمع الحديث أصبح الدين أحد التمثلات الجمعية. وفى حين أنه يعبر عن بعض المشاعر الجمعية فإن مؤسسات أخرى مثل (القانون والعلم) أخذت تعبر عن جوانب أخرى من الأخلاقية الجمعية. بالرغم من أن دوركايم يرى أن الدين أصبح يحتل نطاقاً ضيقاً ، لكنه أقر أن معظم إن لم يكن كل التمثلات الجمعية في المجتمع الحديث يرجع أصلها إلى الدين الشامل في المجتمع البدائي.
المقدس والمدنس:
السؤال الأساسي بالنسبة لدوركايم كان عن مصدر الدين الحديث. وبما أن التخصص والغطاء الايدولوجى يجعل من الصعب دراسة جذور الدين في المجتمع الحديث مباشرة، تناول دوركايم الموضوع في إطار المجتمع البدائي. السؤال هو من أين أتى الدين البدائي والحديث ؟.
منطلقاً من موقفه المنهجي الأساسي أن الحقيقة الاجتماعية تسببها حقيقة اجتماعية أخرى، خلص دوركايم إلى أن المجتمع هو مصدر الدين. المجتمع من خلال أفراده يخلق الدين من خلال تعريفه لظواهر معينة بأنها مقدسة وأخرى بأنها مدنسة. تلك الجوانب من الواقع الاجتماعي التى تعرّف على أنها مقدسة، تلك التى تعزل وتعتبر من المحرمات تكَّون أساس الدين. ما تبقى يعتبر مدنساً، تلك هى جوانب الحياة اليومية، العامة، النفعية والدنيوية. المقدس يؤدى إلى سلوك يحتوى على التقديس، الاحترام، الغموض، الرهبة والشرف. الاحترام الذى ينسب لظواهر معينة ينقلها من المدنس إلى المقدس .
التمييز بين المقدس والمدنس وارتفاع بعض ظواهر الحياة الاجتماعية إلى المستوى المقدس ضروري ولكن ليس كافيا ً لتطور الدين. ولابد من توفر ثلاثة ظروف أخرى. أولا ً ، يجب أن يتطور نسق من المعتقدات الدينية. والمعتقدات ” هى التمثلات التى تعبر عن طبيعة الأشياء المقدسة وعلاقاتها مع بعضها البعض أو مع الأشياء المدنسة ” . ثانيا ،ً من الضروري أيضا وجود نسق من الطقوس ” هذه هى قوانين السلوك التى تصف كيف يلائم الإنسان نفسه في وجود الأشياء المقدسة ” أخيراً يحتاج الدين إلى كنيسة، أو مجتمع أخلاقي. التداخل بين المقدس، المعتقدات، الطقوس والكنيسة قاد دور كايم إلى تعريف الدين كما يلي ” الدين نسق موحد من المعتقدات والممارسات تجاه الأشياء المقدسة، أي الأشياء التى تعتبر محرمة – المعتقدات والممارسات التى تتوحد في مجتمع أخلاقي واحد يعرف بالكنيسة وكل الذين يلتزمون بذلك

الطوطمية:

رؤية دوركايم أن المجتمع هو مصدر الدين شكلت دراسته للطوطمية وسط الأرونتا في أستراليا. الطوطمية هي نسق ديني تعتبر فيه بعض الأشياء خاصة الحيوانات والنباتات مقدسة، وترمز للعشيرة. واعتبر دوركايم أن الطوطمية هى الشكل الأكثر بدائية وبساطة للدين ويوازيها شكل بدائي من التنظيم الاجتماعي ذلكم هو العشيرة . إذا تمكن دوركايم من توضيح كيف أن العشيرة هى مصدر الطوطمية، يكون بإمكانه إثبات حجته أن المجتمع هو منبع الدين . فيما يلي عرض لحجة دوركايم ” الدين الذى يرتبط مباشرة بالنسق الاجتماعي ويتفوق على كل ما سواه في بساطته يمكن اعتباره أكثر الأديان التي نعرفها أولية. وإذا نجحنا في اكتشاف أصل المعتقدات التى حللناها سابقاً، سيكون بإمكاننا في نفس الوقت اكتشاف الأسباب التي تؤدى إلى نشوء المشاعر الدينية لدى الإنسان “.
بالرغم من أنه يمكن أن يكون للعشيرة أكثر من طوطم واحد، فإن دوركايم لا يعتبر ذلك سلسلة من المعتقدات المنفصلة وغير المترابطة حول حيوانات أو نباتات محددة، وإنما أعتبرها نسقاً مترابطاً من الأفكار تعطى العشيرة تمثيلاً كاملاً عن العالم. ليس النبات أو الحيوان هو مصدر الطوطمية، إنه فقط يمثل ذلك المصدر. الطواطم هى التمثيل المادي للقوى غير المادية فيها. وتلك القوى غير المادية ليست أكثر من الضمير الجمعي للمجتمع ” الطوطمية دين، ليس بتلك الحيوانات أو بتصورات الناس، وإنما بتلك القوى المجهولة وغير الشخصية، موجودة في كل تلك الكيانات لكنها ليست ممتزجة بأي منهما. الأفراد يموتون والأجيال تذهب ويأتي غيرها لكن هذه القوى تبقى دائماً حية كما هى. إنها تنفخ الحياة في أجيال اليوم مثلما فعلت بأجيال الأمس وكما ستفعل بأجيال الغد “.
الطوطمية خاصة والدين بشكل عام مشتقان من الأخلاق الجمعية، وهى في نفسها قوى غير شخصية. إنها ليست سلسلة من النباتات، الحيوانات والأرواح فقط .

الانفعال الجمعي:

الضمير الجمعي هو مصدر الدين كما يرى دوركايم، لكن من أين يأتي الضمير الجمعي نفسه ؟ في نظر دوركايم إنه يأتي من مصدر واحد هو المجتمع. في الحالة البدائية التى درسها دوركايم يعنى هذا أن العشيرة هى المصدر المطلق للدين. لقد كان دوركايم صريحاً حول هذه النقطة عندما ذكر ” إن القوى الدينية ليست أكثر من القوى الجمعية والمجهولة للعشيرة ” ففي حين أننا ربما نوافق على أن العشيرة هى مصدر الطوطمية يبقى السؤال كيف تخلق العشيرة الطوطمية. تقع الإجابة في مكون أساسي من مستودع مفاهيم دوركايم وإن كان لم يناقش بشكل كاف، ذلك هو الانفعال الجمعي .
مفهوم الانفعال الجمعي لم يوضح جيداً في أي من أعمال دوركايم بما في ذلك (الأشكال الأولية للحياة الدينية ) ويبدو أنه كان في ذهنه وبشكل عام اللحظات الكبرى في التاريخ التى أمكن فيها للجماعة تحقيق مستويات عليا من الرقى والتي تقود بدورها إلى تغيرات كبرى في بنية المجتمع. الإصلاح الديني وعصر النهضة في أوروبا نماذج لفترات تاريخية كان فيها للانفعال الجمعي أثر مشهود على بنية المجتمع. ذكر دوركايم أن الدين ينشأ من الانفعال الجمعي ” إنه وسط هذه البيئات الاجتماعية المنفعلة ومن هذا الانفعال نفسه يبدو أن الدين يولد ” وخلال فترات الانفعال الجمعي يخلق أفراد العشيرة الطوطمية .
باختصار، الطوطمية هى التمثيل الرمزي للضمير الجمعي والضمير الجمعي بدوره يأتي من المجتمع لذلك فإن المجتمع هو مصدر الضمير الجمعي والطوطمية
ماكس فيبر:
قاد ماكس فيبر مجموعة من الدراسات يمكن أن تدخل تحت علم الاجتماع الديني، لعل من أهمها تلك الدراسة التي حاول فيها أن يناهض الفكر الماركسي في أساسه وجوهره، والتي سبقت الإشارة إليه تحت عنوان ” الأخلاق البروتستانتية والروح الرأسمالية”.

ثم قام فيبر بعد ذلك بدراسة مقارنة تناولت الأديان الكبرى والعلاقة بين الظروف الاجتماعية والاقتصادية، من جهة والاتجاهات الدينية من جهة أخرى. وعن الدور الذي يلعبه من خلال دراسات فيبر، فإن ريمون آرون يقول: ” إن نقطة الانطلاق في دراسات فيبر علم الاجتماع الديني هما في اعتقاده بأن فهم أي اتجاه يحتاج من الباحث إلى إدراك تصور الفاعل الموجود بأكمله”. إذ في ضوء هذا الاعتقاد حدد فيبر التساؤل التالي لكي يجيب عنه في دراسته: إلى أي مدى تؤثر التصورات الدينية عن العالم والوجود في السلوك الاقتصادي لكافة المجتمعات؟ ويقول1970 (Arno) إن ماكس فيبر في دراسته لتأثير الأخلاق البروتستانتية على الرأسمالية ، كان يريد أن يؤكد قضيتين هما:

 * أن سلوك الأفراد في مختلف المجتمعات يفهم في إطار تصورهم العام للوجود ، وتعتبر المعتقدات الدينية وتفسيرها إحدى هذه التصورات للعالم، والتي تؤثر في سلوك الأفراد والجماعات بما في ذلك السلوك الاقتصادي.

* إن التصورات الدينية هي بالفعل إحدى محددات السلوك الاقتصادي ومن ثم فهي تعد من أسباب تغير هذا السلوك.

ففيبر إذن، لم يعالج الجوانب المختلفة للدين بوصفه ظاهرة اجتماعية، بل اكتفى بالدراسة الأخلاقية الاقتصادية للدين، ويقصد منها ما يؤكد عليه الدين من قيم اقتصادية.

مؤلـف “الأخلاق البروتستانتيـة والروح الرأسماليـة” من أهم الأعمال عند فيبر:

كما هو معروف أن رائد علم الاجتماع ماكس فيبر، ألف أعمالا كثيرة، نذكر منها: العلم كمهنة، السياسة كمهنة، الاقتصاد العام… وفي مجالات عدة، الاقتصاد، السياسة، القانون… ولكن أبرز هذه الأعمال وأكثرها تأثيرا في الفكر الاجتماعي، كان كتاب ” الأخلاق البروتستانتية الذي سبقت الإشارة إليه. وبحسب المؤرخين، فإن هذا المؤلف كان قراءة لدور القيم الدينية في ظهور قيم وأخلاق العمل في المجتمعات الصناعية الجديدة، والتي كانت أساس ظهور النظام الرأسمالي.

وتأتي أهمية دراسات وأطروحات فيبر، من اهتمام منقطع النظير بفلسفة العلوم الاجتماعية ومناهجها. وفي هذا الخصوص استطاع العالم تطوير المفاهيم والجوانب التي أصبحت بعد وفاته ركائز علم الاجتماع الحديث، ومن أهم المصطلحات التي أثرى بها علم الاجتماع، وتعتبر جزءا منها ومرجعا كبيرا للمهتمين بهذا العلم الإنساني، هي ” العقلانية” و” الكاريزما” و” الفهم” و” أخلاق العمل”.

من بين المؤلفين الذين اهتموا في مؤلفاتهم بتحليل مؤلف ماكس فيبر:

يعد مؤلف الأخلاق البروتستانتية، من أشهر مؤلفات السوسيولوجيا الدينية عند ماكس فيبر. لذا نجد عدد لا يستهان به من المؤلفين، أثاروا حوله مجموعة من المناقشات والاعتراضات والمجادلات.

ويعد جوليان فروند في كتابه “سوسيولوجيا ماكس فيبر” من بين هؤلاء المؤلفين الذين اهتموا بتحليل أفكار ومواقف “الأخلاق البروتستانتية” الذي يوضح فيه فيبر أنه لا ينبغي إعطاء العلاقة السببية بين الرأسمالية والبروتستانتية معنى علاقة آلية. فالذهنية البروتستانتية كانت أحد مصادر عقلنة الحياة التي أسهمت في تكوين ما يسميه” الروح الرأسمالية”، إذ لم تكن السبب الوحيد أو حتى الكافي للرأسمالية نفسها.

ونخلص من هذا، إلى أن موقف فيبر يتمثل في أن البروتستانتية ليست سبب الرأسمالية، إنما أحد أسبابها، أو هي بالأحرى أحد أسباب بعض مظاهر الرأسمالية. وشرح لهذا ريمون آرون في كتابه”السوسيولوجيا الألمانية المعاصرة”.

وننتقل إلى خلفية الأفكار التي أسهمت في تكوين الروح الرأسمالية، إذ يجد فيبر هذه الخلفية عند بعض الطبقات البروتستانتية الكالفينية (الهولندية خاصة) والتقوية والميثودية والمعمدانية، التي يتميز نهجها الحياتي بتقشف يمكن التدليل عليه بكلمة ” التطهرية الغامضة”.

وما يهم فيبر هي الحوافز النفسية النابعة من المعتقدات والممارسات الدينية التي أثرت على الواقع لتكوين ” الروح الرأسمالية”. وعليه فعندما يتكلم فيبر عن الكالفينية فهو يفكر فقط في الأخلاق الخاصة ببعض الأوساط الكالفينية لنهاية القرن 17م، لا بمذهب كالفن لذاته.

وما يمكن أن نخلص إليه من هذا النتاج الفيبري، وهو أن فيبر لم يحصر السوسيولوجيا الدينية في تفسير ضيق للظاهرة الدينية من أجلها بالذات، وإنما حاول أن يوضح كيف يوجه السلوك الديني بقية النشاطات الإنسانية. اقتصادية، سياسية، قانونية… وكيف يحدد مواقف ذو أصول دينية سلوكا أخلاقيا يطبق بدوره في الشؤون الدنيوية.

وسننتقل بعون الله إلى المؤلف الثاني، الذي اهتم بدوره بـ ” الأخلاق البروتستانتية”، الذي ذهب فيه فيبر إلى أن العقيدة البروتستانتية – وبخاصة الكالفينية – هيأت الظروف الاجتماعية والنفسية، التي أدت إلى ازدهار الرأسمالية، والذي أثار التحليل الذي قدمه فيبر فيه اهتمام الباحثين بدراسة العلاقة بين الدين والاقتصاد على نطاق واسع.

ويعد الكتاب “ميادين علم الاجتماع” من جملة الكتب التي تناولت الدور الذي يلعبه كل من الدين والقيم في عملية التنمية الاقتصادية.

لقد كان ماكس فيبر أظهر من ناقش العلاقة بين القيم الدينية والنشاط الاقتصادي، فأكد الأهمية البالغة للدين باعتباره عاملا مدعما للنشاط الاقتصادي الرشيد ومشجعا. فقد أدت البروتستانتية بالإنسان إلى ممارسة سيطرة عقلية على جوانب الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وذلك على العكس من الديانات الشرقية الكبرى، وبخاصة الصينية القديمة والهندية، فهي لم تهيئ للإنسان بيئة صالحة لتدعيم النشاط الاقتصادي، في حين لم يحاول فيبر أن ينظر إلى العلاقة بين الدين والاقتصاد باعتبارها علاقة متميزة، إلا أن تحليله يقابل تحليل كارل ماكس الذي نظر إلى المعتقدات الدينية على أنها عنصر في البناء الفوقي، وبالتالي تعتمد إلى حد بعيد على القوى الاقتصادية في المجتمع.

ومن المؤلفين الذين اهتموا أيضا بعمل ماكس فيبر الشهير “الأخلاق البروتستانتية”، نجد دانيال هيرفيه في مؤلفه”سوسيولوجيا الدين” الذي ذهب فيه إلى أن دراسة فيبر عن “الأخلاق البروتستانتية والروح الرأسمالية”، قد غدت جدلا ثريا ونشيطا بدأ في حياة فيبر نفسه، إذ سعى بعض النقاد إلى إظهار أن وقائع مختلفة لا تتفق مع نظرية فيبر، وأنها لا تفسر بشكل تام، إذ أن المنطق الاقتصادي من حيث الأساس منطق معارض للأديان الأخلاقية، لأن عالم الاقتصاد الحديث عالم عقلاني ورأسمالي، بمنطقه الموضوعي الفردي والغريب عن الأخلاق الدينية المتعلقة بالإخاء لا يترك ” العالم الوظيفي للرأسمالية” مكانا لدواعي أو متطلبات تصدقية إحسانية تجاه الأشخاص المحددين.

وفي المقابل ثمة نقاد آخرون لم يعترضوا على وجود بعض الصلات البروتستانتية وتطور الرأسمالية وذلك بافتراضهم لتفسيرات مختلفة لهذا التطور. واستدلوا على وجهة نظرهم بوجود العديد من الأمثلة المعاصرة التي تظهر الزهد والتقشف الدنيوي ذا الأصل الديني يمكن بالفعل أن يكون على صلة مع الروح العامة للمقاول صاحب المشروع الرأسمالي.

إلا أننا نجد كاترين كوليوثيلين قد أظهرت بشكل مقنع أن التعارض الكبير بين عالم الماضي الذي كانت فيه التمثيلات، وكذلك المؤسسات بواسطة الدين، وبين اليوم الذي تحرر من مثل هذا الاعتقاد. لا ينصف التحليلات الفيبرية التي تقاوم التفسيرات التي تستخدم المصطلحات الدنيوية، إذ أن الأديان الأخلاقية، حتى ولو كانت قد ساهمت في هذه العملية، لم يعد لها تأثير على الرأسمالية، كما أنها قد فقدت فعاليتها الاجتماعية.

فمن خلال هذا التحليل، يتضح على أن ماكس فيبر يؤكد على أن تطور وخصوصية التقشف البروتستانتي، قد تأثرا من ناحيتهم بكل الظروف الثقافية الاجتماعية، وخصوصا الظروف الاقتصادية.

خــاتمــــة:

في الختام نخلص إلى استنتاج مفاده، أن ماكس فيبر يعتبر أحد العمالقة العظام، والذي اكتشف ذلك النظام بين (الأخلاق) و(العمل)، وهو في ثلاثيته المعروفة في الكتاب، يضع يده على أحد أهم الأسرار في نهضة الغرب، فحيث انتشرت البروتستانتية انفجرت الرأسمالية. ويقول إن مثلث أو شرارة الانبعاث تكمن في: روح المبادرة، وتقديس العمل، واعتماد مبدأ الربح، وهي ثلاث قيم أنهكت الغرب مع تسلط الكثلكة، ولم يكن الغرب حسب وجهة نظره لينهض لو أن البابا والكنيسة الكاثوليكية بقيمتها المعاكسة، بقيت تمسك بتلابيب أوربا، من تقديس الزهد والفقر، والتواكل في عقيدة فاسدة لفهم العمل الإلهي والبشري، والنظر إلى الربح على أنه عمل غير صالح.

وما يمكن أن نخلص إليه من خلال دراستنا السطحية والمتواضعة جدا لهذا الكتاب، يمكن أن نجمله في ما يلي:

أن ماكس فيبر من خلال مؤلفه هذا، حاول أن يوضح كيف يوجه السلوك الديني بقية النشاطات الإنسانية، الاجتماعية، الاقتصادية، ثم السياسية… وأن يبين أن دائرة انعكاسات المجال الديني متسعة جدا ولا تنحصر في إطار محدود، بل تكتسح كل الميادين، وقد خصص في كتابه هذا مجال الاقتصاد بالدراسة، القابل بدوره إلى التغير والتأثر بالمتغيرات والمؤثرات الدينية والثقافية في المجتمع.

كارل ماركس
ان ماركس على الرغم من الأثر الكبير الذي تركه في هذا الميدان لم يدرس الدين بحد ذاته بصورة تفصيلية بل استقى أكثر أفكاره حول هذا الموضوع من كتابات عدة من الفلاسفة و المفكرين في القرن 19 و يتكون الدين في نظر فيورباخ من أفكار و قيم أنتجها البشر خلال تطورهم الثقافي و لكنهم أشبعوها على قوى سماوية أو الهية و يتفق ماركس مع الفكرة قائلا ان الدين يمثل حالة الاغتراب الانساني ويشبع الاعتقاد في أغلب الأحيان أن ماركس كان يطالب بنبذ الدين و استئصاله غير أن مثل هذا الاعتقاد بجانب الصواب فالدين في نظره هو بمثابة القلب في عالم لا قلب له و يرى ماركس أن الدين بشكله التقليدي سوف يختفي بل لا بد من أن يختفي نظرا الى أن القيم الايجابية التي يمثلها الدين قد تكون نموذجا في نظر ماركس أن لا تخشى الآلهة التي صنعنها بأنفسنا و أن لا نضفي عليها مثل القيم العليا التي يمكن للبشر أنفسهم أن يحققوها
سوسيولوجيا الاديان و الجيل الثاني من المنظرين

بارسونز:
كان بارسونز كما يحكي ذلك براين نورتر متأثر بنظرية كانط الأخلاقية و بوظيفية دوركايم و بالسوسيولوجية التفهمية عند فيبر حتى أنه عمل على ترجمة كتاب الخلاق البروتستانتية و الروح الرأسمالية و قدم له بمقدمة يشرح فيها علاقة الدين بالاقتصاد في ايجاد حياة اجتماعية مطابقة و أكثر من ذلك لم يذهب بارسونز في تأكيد فرضيات الجيل الأول من السوسيولوجيين الذين اعتبروا تراجع الدين في المجتمعات المعاصرة بل انه عمل على التأكيد على أهميته في الأنساق الاجتماعية و الفعل الاجتماعي فالدين موجه لكلا المجالين

بيير بورديو:
لا يمكن فهم البراديغم الجديد الذي أبدعه بورديو في مقاربة الحقل الديني دونما الرجوع للخلفيات الابستيمولوجية التي تفاعلت في أعقاب الحرب العالمية الأولى و قبيل الحرب العالمية الثانية ذلك أن أزمة التفسير التي واجهت العلوم الاجتماعية جعلت البعض يشكك في علمية هذه العلوم و كان اسهام بورديو أساسيا اذ أنه عمل على ازالة التعارض بين الفينومينولوجيا الاجتماعية و الفيزياء و كان يعتبر أنه للكشف عن حقيقة الظواهر الاجتماعية لا بد من تجاوز النزعة الموضوعية و أيضا النزعة الذاتية كنظريات الفعل و علم الاجتماع التأويلي و التحليل اللغوي
اذا ما بلغنا في تقدير أهمية هذا المقترب التفسيري الذي سماه بورديو الهابيتوس الفرد و لعلنا من خلال دراسة السلوك الديني ثم في المستوى الأول يقع هابيتوس الفرد و لعلنا من خلال دراسة السلوك الديني ثم في المستوى الثاني هابيتوس الجماعة المحلية المحيطة بالفرد بداية من الأسرة الجماعة و جماعة الأقارب و الجيران الأصدقاء و المستوى الثالث هو هابتوس المجال حيث يرى بورديو أن لكل مجال من المجالات القائمة (السياسي و الاقتصادي و الثقافي) في المجتمع الهابيتوس الخاص هو عبارة عن مجموعة المهارات و الأساليب الفنية و المرجعيات ونظم المعتقدات الواجب توافرها في عضو هذا المجال دون غيره من المجالات

خاتمة:
لا يمكننا أن ندعي أننا قدمنا رؤية متكاملة ناجزه عن سوسيولوجيا الأديان بقدر ما حولنا أن نتلمس بعض المعالم الكبرى لهذا التخصص المعرفي و قد علمنا قدر المستطاع أن نلقي الضوء على أهم الأطروحات و النظريات التي ناقشت الظاهرة الدينية من وجهة نظر سوسيولوجية

الدكتور محمد عبابو أستاذ وباحث في علم الاجتماع

الدكتور محمد عبابو أستاذ وباحث في علم الاجتماع بكلية الاداب ظهر المهراز – فاس. سوسيولوجي مغربي من موسسي سوسيولوجية الصحة بالمغرب . فهو مدير مختبر السوسيولوجيا والسكولوجيا . فهو رئيس شعبة علم الاجتماع بكلية الآداب والعلوم الانسانية ظهر المهراز فاس . كما انه ايضا منسق ماستر الهشاشة والسياسات الاجتماعية.
Diplômes et postes

  • 2016 : Professeur de L’enseignement Supérieur (PES), Faculté des Lettres et Sciences humaines, Dhar El Mahraz, Fès.(2016)
  • 2007-2015 Professeur Habilité à Diriger les Recherches (HDR), Faculté des Lettres et Sciences humaines, Dhar El Mahraz, Fès.
  • Coordinateur de la filière de Sociologie, à la faculté des Lettres, Dhar El Mahraz, Fès, à partir septembre, 2008.
  • Coordinateur de l’Equipe santé et société du Laboratoire Sociologie de Développement Social.(2007)
  • Membre de l’Association Internationale des Sociologues Francophones (l’AISLF), à partir de Octobre,( 2007)
  • Chercheur Associé au GRIS à l’Université de Rouen (Groupe de Recherche Innovations et Sociétés), à partir de Juin 2007.
  • Professeur Invité à l’Université de Rouen, département de Sociologie, en Mai 2007.
  • Membre de la Société Internationale de Sociologies des Religions, (SISR), à partir de 2005 Matières enseignées
  • Sociologie de la santé, sociologie de la maladie chronique, sociologie du risque liée à la santé
  • Sociologie des religions, Sociologie de l’Islam, Sciences Sociales et religion dans le monde musulman.
  • Les méthodes quantitatives en Sciences sociales
  • La statistique appliquée à la sociologie Thèmes de recherche
  • La maladie chronique (Diabète, Sida, Cancer,…) représentations sociales de la maladie, plantes médicinales, famille et santé,
  • Croyances et pratiques religieuses en Islam, identité et religion, Islam et occident, Jeunes et acculturation religieuse, Génération et religion au Maroc, critique des théories classiques en sociologie des religions, intégration/exclusion et religion.
  • Spécialisations : Sociologie de la santé
    Sociologie des Religions
    Expérience
  • 2018 : Directeur LABORATOIRE DE SOCIOLOGIE ET DE PSYCHOLOGIE ; USMBA FES
  • 2016 : Coordinateur du Master
    Master “Vulnérabilité et politiques sociales’
    ‏Faculté des Lettres et Sciences Humaines Dhar El Mahraz
    2016 : Chef de département de Sociologie(2016)
    Département de Sociologie. Faculté des Lettres Dhar El Mahraz
    2008 :
  • Vice-directeur Laboratoire de Sociologie de Développement Social
  • Coordination de l’équipe santé, société et développement
  • Coordination de la Revue Horizons sociologiques
    1996 :
  • Sociologue de la santé et des religions
    Université Sidi Mohammed Ben Abdellah , Université Sidi Mohammed Ben Abdellah Fès Actuellement HDR
    2013 :
  • vice secrétaire général du bureau
    vice secrétaire général du bureau syndicat fac Dhar El mahraz Fès, Faculté des Lettres Dhar El Mahraz
    2012 : Membre élu du conseil de la Faculté
    Faculté des Lettres Dhar El Mahraz. Commission “projets et recherches”
    2010 :
    -Enseignement et formation en Master des risques naturels
    Faculté des sciences Dhar El Mahraz

    2010 :
  • Chercheur Sociologue
  • Vice directeur Laboratoire de Sociologie de Développement Social
    Responsable équipe santé et société
    Formation
  • Equipe santé et société, Laboratoire de Sociologie de Développement Social (LASDES) : HDRS ociologie 2004 – 2012
    Activités et associations :Recherche sur la sociologie de la maladie chronique (Diabète, VIH/Sida, Cancer, Tuberculose) Croyance religieuse et croyance de santé Vulnérabilité, risque, incertitude et santé Religiosité, génération et mondialisation
  • Doctor Université de Provence Aix Marseille I
    PHD SociologySociologie de développement Social
    1989 – 1995
    Publications
  • Islam et Générations au Maroc ( 2019)
  • كتاب بعنوان «سوسيولوجيا الصحة (مقاربات نظرية)2016
  • Dilemmes de la gestion de la santé des mères séropositives au Maroc
    Revue Sociologie Santé n° 38) (‏ 2015
  • Le jeûne du Ramadan un dilemme pour les diabétiques et les soignants
    Revue Sciences Sociales et Santé, 2008

Projets
1- Ressenti des patients atteints de Cancer et Ramed Maroc
janv. 2017 – aujourd’hui
2- Mohammed Ababou
août 2015 – août 2015
Représentations et croyances autour du vaccin contre la grippe saisonnière au Maroc
3- Participation au Projet Femhealth, qualité de prise en charge et -accessibilité à l’accouchement et la césarienne à l’hôpital au Maroc (avr. 2013 – mars 2014)
4- Politique étatique de la prise en charge des accouchements et des césariennes

  • Qualité de prise en charge des parturientes
  • Perceptions de la prise en charge du travail obstétrical par les soignants. La qualité de prise en charge des parturientes en hôpital au Maroc souffre de plusieurs maux liés au condition du travail obstétrical et des soins, l’effectif réduit du personnel, les payements informels, le mauvais accueil, la fausse référence des parturientes d’une structure à une autre pour des risques dits médicaux et parfois sociales…Repérer ces différents maux permet de mieux comprendre les raisons d’une mortalité maternelle qui demeure importante au Maroc.
    5- Sociologie des discriminations et des stigmates (VIH/Sida)
    Visibilité/invisibilité sociale du VIH/Sida au Maroc
    6- Sociology of chronic diseases, beliefs and Health
    Sociologie des maladies chroniques (diabète, VIH, Sida, Cancer, asthme,…)
    Santé et alimentation
    Santé et politiques sociales
    Qualité de prise en charge des patients
    Structures de santé et prise en charge
    Groupes
  • American Sociological Association
  • Cross Cultural Coaching & Counseling
  • Research, Methodology, and Statistics in the Social Sciences
  • Global Public Health – Social Determinants of Health
  • Global Public Health – Maternal and Reproductive Health
  • social scientists
  • socialisation et changement de lidentité islamique.

ﺳﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﻭﺍﻟﻬﺸﺎﺷﺔ


ﺗﻌﺮﻳﻒ ﺍﻟﻔﻘﺮ :
ﺍﻟﺘﻌﺮﻳﻒ ﺍﻟﻜﻤﻲ ﻟﻠﻔﻘﺮ :
ﻭﺿﻌﺖ ﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺎﺕ ﺍﻟﻤﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻌﺎﺭﻳﻒ ﻟﻠﻔﻘﺮ ﻣﺤﺪﺩﺓ ﺇﻳﺎﻩ ﺑﺎﻷﺭﻗﺎﻡ ﻓﺎﻋﺘﺒﺮﺕ ﺍﻟﻔﻘﺮﺍﺀ ﻫﻢ ﻣﻦ ﻻ ﻳﺤﺼﻠﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﺪ ﺍﻷﺩﻧﻰ ﻣﻦ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﻤﻌﻴﺸﺔ ﻭﻻ ﻳﺘﺠﺎﻭﺯ ﺩﺧﻠﻬﻢ ﺍﻟﻴﻮﻣﻲ ﺩﻭﻻﺭﺍ ﻭﺍﺣﺪﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺣﺴﺐ ﺍﻟﺒﻨﻚ ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ ﻛﻤﺎ ﺭﻛﺰﺕ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﺤﺪﻳﺪﺍﺕ ﻋﻠﻰ ﺍﻧﺨﻔﺎﺽ ﺍﻟﺪﺧﻞ ﻛﺬﻟﻚ ﻟﺤﺪ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺗﻠﺒﻴﺔ ﺣﺎﺟﻴﺎﺗﻪ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻣﺤﺪﺩﺓ ﻣﺴﺘﻮﻳﺎﺕ ﻟﻠﻤﻌﻴﺸﺔ ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﻯ ﺍﻷﺩﻧﻰ ﺃﻭ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﺍﻟﻤﺬﻗﻊ ﺃﻭ ﺗﺤﺖ ﺧﻂ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﻤﺘﻤﺮﻛﺰ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﺒﻴﺔ ﺣﺎﺟﻴﺎﺗﻪ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻭ ﻫﻮ ﻣﺎﻳﺴﻤﻰ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﻛﺬﻟﻚ؛ ﻭﻳﺨﺘﻠﻒ ﻣﻦ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻵﺧﺮ ﻭﻣﻦ ﻭﻗﺖ ﺃﻭ ﺯﻣﻦ ﻵﺧﺮ .
ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﻤﻌﻴﺸﻲ ﺍﻟﻤﺘﻮﺳﻂ ﺃﻭ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﺍﻟﻨﺴﺒﻲ : ﻭﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﻯ ﺗﻠﺒﻴﺔ ﺍﻟﺤﺎﺟﻴﺎﺕ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻛﺎﻟﺘﻐﺬﻳﺔ ﻭ ﺍﻟﺴﻜﻦ ﻭ ﺍﻟﺮﻋﺎﻳﺔ ﺍﻟﺼﺤﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﻯ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻘﺮ ‏( ﺃﻱ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﺍﻟﻨﺴﺒﻲ : ﻋﻨﺪ ﺧﻂ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﺃﻭ ﻓﻮﻕ ﺧﻂ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﻭﻫﻮ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﺎﻟﺐ ﻓﻮﻕ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺨﻂ ‏) ﺗﺘﻮﻓﺮ ﻓﻴﻪ ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺸﺮﻭﻁ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﻤﺢ ﻟﻪ ﺑﺎﻟﺒﻘﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﻗﻴﺪ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﻓﻲ ﻭﺿﻊ ﺻﺤﻲ ﻣﻌﻘﻮﻝ . ﺍﻟﻤﻼﺣﻆ ﻓﻲ ﺍﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﻤﻘﺎﺭﺑﺔ ﺍﻟﻜﻤﻴﺔ ﻫﻮ ﺍﻟﺘﺮﻛﻴﺰ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ ﻓﻲ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺪﺧﻞ ﻭﺍﻹﻧﻔﺎﻕ ﻛﻤﺆﺷﺮﻳﻦ ﻟﻤﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﻤﻌﻴﺸﺔ، ﻓﺼﻨﻔﺖ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺇﻟﻰ ﺃﻏﻨﻴﺎﺀ ﻣﺘﻮﺳﻄﻲ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻭﻓﻘﺮﺍﺀ ﺑﺎﻹﺳﺘﻨﺎﺩ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﺧﻞ ﻭ ﺍﻹﺳﺘﻬﻼﻙ ﻭﻣﻦ ﺛﻢ ﺍﻋﺘﺒﺮﺕ ﺍﻟﻔﻘﺮﺍﺀ ﻣﻦ ﺗﻘﻞ ﻣﺪﺍﺧﻠﻬﻢ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﺪ ﺍﻷﺩﻧﻰ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺨﺘﻠﻒ ﺑﺎﺧﺘﻼﻑ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﻭﺑﺎﺧﺘﻼﻑ ﺃﻧﻤﺎﻁ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻷﻓﺮﺍﺩ ﺳﻮﺍﺀ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺃﻭ ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﺃﻭ ﺑﺤﺴﺐ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍﻟﺸﺮﺍﺋﻴﺔ ﻟﻠﻔﺮﺩ ﻭﻣﺪﻯ ﺍﺳﺘﻬﻼﻛﻪ ﻟﻠﻤﻮﺍﺩ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻭﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻘﺎﻳﻴﺲ ﺍﻧﻔﻠﺖ ﺍﻟﺘﺤﺪﻳﺪ ﺍﻟﺪﻗﻴﻖ ﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﻣﻤﺎ ﺟﻌﻞ ﺍﻟﻤﻘﺎﺭﺑﺔ ﺍﻟﻜﻴﻔﻴﺔ ﺗﺤﺎﻭﻝ ﺍﻟﺘﺮﻛﻴﺰ ﻋﻠﻰ ﺟﻮﺍﻧﺐ ﺃﺧﺮﻯ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺎﻫﻲ ﻣﺎﺩﻳﺔ .
ﺍﻟﺘﻌﺮﻳﻒ ﺍﻟﻜﻴﻔﻲ ﻟﻠﻔﻘﺮ :
ﻓﻲ ﺗﻌﺮﻳﻔﻪ ﻟﻠﻔﻘﺮ ﻳﺮﻛﺰ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﺗﺠﺎﻩ ﻋﻠﻰ ﻣﺎﻫﻮ ﻣﻌﻨﻮﻱ ﻳﺮﺗﺒﻂ ﺑﺎﻟﺘﺠﺎﺭﺏ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻌﻴﺸﻬﺎ ﺍﻟﻔﻘﺮﺍﺀ ﻭ ﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﻣﻌﺎﺷﺔ ﻳﺼﻌﺐ ﻗﻴﺎﺳﻬﺎ ﻣﺎﺩﻳﺎ ﻟﻜﻦ ﻳﻤﻜﻦ ﻓﻬﻤﻬﺎ ﻛﺸﻌﻮﺭ ﻭﻛﺘﺠﺮﺑﺔ ﻳﻌﻴﺸﻬﺎ ﺍﻟﻔﻘﻴﺮ ﻭﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﻧﻜﻮﻥ ﺃﻣﺎﻡ ﺳﻠﻮﻙ ﻭﺛﻘﺎﻓﺔ ﻭﻣﻈﺎﻫﺮ ﺕ ﻓﻲ ﺑﺎﻷﺳﺎﺱ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﻧﺪﻣﺎﺝ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻭﻋﺪﻡ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺳﺘﻔﺎﺩﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﺍﻟﻤﺨﻮﻟﺔ ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ ﻣﻤﺎ ﻳﺠﻌﻠﻪ ﻳﻌﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﺍﻹﻗﺼﺎﺀ . ﺇﻥ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﺭ ﻳﺘﺴﺒﺐ ﻓﻲ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﻣﺘﻌﺪﺩﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺮﻣﺎﻥ :
ﺍﻟﺤﺮﻣﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ، ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻜﻦ ﺃﻭ ﺍﻟﺴﻜﻦ ﺍﻟﻼﺋﻖ، ﺍﻟﺼﺤﺔ .. ﺣﺮﻣﺎﻥ ﻣﺘﻌﺪﺩ ﺍﻷﻭﺟﻪ ﻳﺠﻤﻊ ﺑﻴﻦ ﻣﺎﻫﻮ ﻣﺎﺩﻱ ﻭ ﻣﻌﻨﻮﻱ، ﻭﻳﺘﺮﺟﻢ ﺍﻹﻗﺼﺎﺀ ﻭﺍﺳﺘﺤﺎﻟﺔ ﺍﻹﺳﺘﻔﺎﺩﺓ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺘﺴﺎﻭﻱ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻴﺮﺍﺕ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ ﻭ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻳﺔ ﻟﺤﻴﺎﺓ ﻛﺮﻳﻤﺔ ﻣﻤﺎ ﻳﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺍﻹﻗﺼﺎﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺸﺎﺭﻛﺔ ﺍﻟﻔﻌﻠﻴﺔ ﻭﺍﻟﻔﻌﺎﻟﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻭﻳﺘﺴﺒﺐ ﻟﻠﻔﻘﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺠﺰ ﻭﺍﻟﺘﻬﻤﻴﺶ ﻭﺍﻹﻧﺤﺮﺍﻑ ﺑﻜﻞ ﺃﻧﻮﺍﻋﻪ .
ﺃﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﻔﻘﺮ :
ﺃﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﻣﺘﻌﺪﺩﺓ ﺣﺴﺐ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻨﻈﺮﻳﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺍﻫﺘﻤﻮﺍ ﺑﺎﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻭﺍﺧﺘﻠﻔﻮﺍ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﻌﻮﺍﻣﻞ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ .
ﺃﺳﺒﺎﺏ ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ : ﻳﺮﻯ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﺗﺠﺎﻩ ﺃﻥ ﻋﻮﺍﻣﻞ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﺗﻜﻤﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﺼﺎﺋﺺ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻟﻠﺒﻠﺪ ﻭﻣﺪﻯ ﺗﻮﻓﺮﻩ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻮﺍﺭﺩ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺨﻮﻝ ﺍﻟﻌﻴﺶ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻟﺴﻜﺎﻧﻪ،ﻛﻤﺎ ﺗﻜﻤﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﺍﺭﺙ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ،ﺍﻟﺠﻔﺎﻑ …
ﺍﻹﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﻤﺎﻟﺘﻮﺳﻲ ‏( ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﺍﻟﺪﻳﻤﻐﺮﺍﻓﻴﺔ ‏) :
ﻳﻌﺘﻘﺪ ﻣﺎﻟﺘﻮﺱ ﺃﻥ ﻇﺎﻫﺮﺗﻲ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﻭﺍﻟﻐﻨﻰ ﺗﻨﺘﺠﺎﻥ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻋﻼﻗﺔ ﺗﻨﺎﺳﺒﻴﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺴﻜﺎﻥ ﻭ ﺍﻟﻤﻮﺍﺭﺩ، ﻓﻔﻲ ﻧﻈﺮﻩ ﺍﻟﺴﻜﺎﻥ ﻳﺰﺩﺍﺩﻭﻥ ﺑﻤﺘﻮﺍﻟﻴﺔ ﻫﻨﺪﺳﻴﺔ ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺗﺰﺩﺍﺩ ﻣﻮﺍﺭﺩ ﺍﻟﻐﺬﺍﺋﻴﺔ ﺑﻤﺘﻮﺍﻟﻴﺔ ﺣﺴﺎﺑﻴﺔ ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﺘﺞ ﻋﻨﻪ ﺍﻧﻌﺪﺍﻡ ﺍﻟﺘﻮﺍﺯﻥ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺴﻜﺎﻥ ﻭﺍﻟﻤﻮﺍﺭﺩ ﺍﻟﻐﺬﺍﺋﻴﺔ ﻓﻴﺘﻤﺜﻞ ﻋﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻼﺗﻮﺍﺯﻥ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﻭ ﻟﻠﺤﺪ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﺣﺴﺐ ﻣﺎﻟﺘﻮﺱ ﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻣﺴﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﻔﻘﺮﺍﺀ ﻷﻧﻬﻢ ﻭﺣﺪﻫﻢ ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻟﻮﻥ ﻋﻦ ﻭﺿﻌﻴﺘﻬﻢ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺑﺴﺒﺐ ﺍﻟﺨﺼﻮﺑﺔ ﺍﻟﻤﻔﺮﻃﺔ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﻭﺃﻥ ﺃﻱ ﻣﺴﺎﻋﺪﺓ ﻓﻲ ﻧﻈﺮﻩ ﺳﺘﺠﻌﻠﻬﻢ ﻳﻀﺎﻋﻔﻮﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﻠﻮﻙ ﻭﻳﺮﻯ ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻧﻮﻋﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻮﺍﻧﻊ ﻟﻠﺤﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻤﻮ ﺍﻟﺪﻳﻤﻐﺮﺍﻓﻲ .
ﺍﻷﻭﻝ ﺃﺧﻼﻗﻲ : ﻳﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻔﺔ ﻭﺍﻟﺰﻫﺪ ﻭ ﺗﺄﺧﻴﺮ ﺳﻦ ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ ﻭ ﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﺘﻌﻘﻴﻢ
ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻃﺒﻴﻌﻲ : ﻳﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﺍﺭﺙ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻭ ﺍﻷﻭﺑﺌﺔ ﻭ ﺍﻟﺤﺮﻭﺏ .
ﻣﺤﺎﺿﺮﺓ 3
ﺃﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﻔﻘﺮ
ﺍﻹﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﻤﺎﺭﻛﺴﻲ ‏( ﺍﻟﻤﻘﺎﺭﺑﺔ ﺍﻟﻤﺎﺭﻛﺴﻴﺔ ﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﻔﻘﺮ ‏)
ﺗﺮﻓﺾ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻘﺎﺭﺑﺔ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭ ﻇﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﻧﺎﺗﺠﺔ ﻋﻦ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﺇﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻭﺗﻨﺘﻘﺪ ﺑﺸﺪﺓ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﺗﺠﺎﻩ ﻭﺧﺎﺻﺔ ﺍﻹﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﻤﺎﻟﺘﻮﺳﻲ ﻭﺗﻀﻊ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻓﻲ ﺳﻴﺎﻗﻬﺎ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ ﻣﻨﺘﻘﺪﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺫﺍﺗﻪ ﺃﻃﺮﻭﺣﺎﺕ ﺍﻹﻗﺘﺼﺎﺩ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺳﺲ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﺍﻟﻤﺒﻨﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﺣﺘﺮﺍﻡ ﻭﺗﻘﺪﻳﺲ ﺍﻟﻤﻠﻜﻴﺔ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﺍﻹﻧﺘﺎﺝ ﻭﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻤﺎﺭﻛﺲ ﺃﻥ ﺍﻹﺷﺘﻐﺎﻝ ﺍﻷﻣﺜﻞ ﻟﻠﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺮﺃﺳﻤﺎﻟﻲ ﻳﻘﺘﻀﻲ ﻭﺟﻮﺩ ﻃﺒﻘﺘﻴﻦ ﻃﺒﻘﺔ ﻣﺎﻟﻜﺔ ﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﺍﻹﻧﺘﺎﺝ‏( ﻏﻨﻴﺔ ‏) ﻭﻃﺒﻘﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﺎﻟﻜﺔ ﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﺍﻹﻧﺘﺎﺝ ‏( ﻓﻘﻴﺮﺓ ‏) ،ﻛﻤﺎ ﻳﻘﺘﻀﻲ ﻭﺟﻮﺩ ﺟﻴﺶ ﺇﺣﺘﻴﺎﻃﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻤﺎﻝ ﺍﻟﻌﺎﻃﻠﻴﻦ ﻟﻠﺘﺤﻜﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻄﺎﻟﺐ ﻭﺃﺷﻜﺎﻝ ﺍﻟﺘﻔﺎﻭﺽ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻄﺒﻘﺘﻴﻦ ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﺘﺞ ﻋﻨﻪ ﻃﺒﻘﺔ ﻋﺮﻳﻀﺔ ﻓﻘﻴﺮﺓ ﻭﻃﺒﻘﺔ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﻣﺎﻟﻜﺔ ﻟﻜﻞ ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻹﻧﺘﺎﺝ .

  • ﺍﻟﻜﺎﺗﺐ ﺳﻤﻴﺮ ﺃﻣﻴﻦ : ﺍﻟﺘﻄﻮﺭ ﺍﻟﻼﻣﺘﻜﺎﻓﺊ
    ﺍﻟﻔﻘﺮ ﻭ ﻋﻼﻗﺘﻪ ﺑﺎﻟﺘﺨﻠﻒ :
    ﺍﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋﻦ ﺳﺆﺍﻝ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﺗﺠﺮﻧﺎ ﻟﻠﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ ﺇﺷﻜﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﺨﻠﻒ ﻷﻥ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﺇﺭﺗﺒﻂ ﺩﻭﻣﺎ ﺑﻔﺸﻞ ﺍﻟﻤﺸﺎﺭﻳﻊ ﺍﻟﺘﻨﻤﻮﻳﺔ ﻭﺳﻴﺎﺩﺓ ﺍﻟﺘﺨﻠﻒ ﺍﻟﺬﻱ ﺷﻐﻞ ﺇﻫﺘﻤﺎﻡ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ ﻣﻦ ﺇﺗﺠﺎﻫﺎﺕ ﺇﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﻣﺘﻌﺪﺩﺓ : ﻣﺎﺭﻛﺴﻴﺔ ﻭﻭﻇﻴﻔﻴﺔ ﺑﻨﻴﻮﻳﺔ، ﻭﻣﻦ ﺗﺨﺼﺼﺎﺕ ﻋﺪﻳﺪﺓ ﺇﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻭ ﺳﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺣﺎﻭﻟﺖ ﻣﻘﺎﺭﺑﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ .
    ﺍﻹﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﺒﻨﻴﻮﻱ ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﻲ : ﻳﺮﺟﻊ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﺗﺠﺎﻩ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﺘﺨﻠﻒ ﺇﻟﻰ ﻋﻮﺍﻣﻞ ﺩﺍﺧﻠﻴﺔ ﻣﻼﺯﻣﺔ ﻭﻣﺆﺳﺴﺔ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻤﺘﺨﻠﻒ ﻓﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﺨﻠﻔﺔ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺧﺼﻮﺻﻲ ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﻪ ﺑﺎﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻹﺳﺘﻌﻤﺎﺭﻳﺔ ﻭﺩﻭﺭﻫﺎ ﻓﻲ ﺗﺨﻠﻔﻪ، ﺑﻞ ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ ﺗﻌﻮﺩ ﻟﻌﻮﺍﻣﻞ ﺩﺍﺧﻠﻴﺔ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﻧﻤﻂ ﺍﻹﻧﺘﺎﺝ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻱ ﻭﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﺍﻟﺨﺮﺍﻓﻴﺔ ﻭﺇﻧﻌﺪﺍﻡ ﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺎﺕ ﺍﻟﺪﻳﻤﻘﺮﺍﻃﻴﺔ ﻭﻏﻴﺮﻫﺎ ﻭﻳﻀﻊ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺤﻠﻴﻞ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﺧﺎﺭﺝ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺮﺃﺳﻤﺎﻟﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺴﺒﺐ ﻓﻲ ﻋﺮﻗﻠﺔ ﻧﻤﻮﻩ . ﻭﻳﻘﺘﺼﺮ ﺍﻟﺘﺨﻠﻒ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻇﺎﺋﻒ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﻛﻴﻔﻴﺔ ﺍﻟﺨﺮﻭﺝ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﺀ ﻭﺍﻟﻠﺤﺎﻕ ﺑﺮﻛﺐ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﻘﺪﻣﺔ ﻷﻧﻪ ﻳﺘﻮﻗﻒ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺳﺘﻔﺎﺩﺓ ﻣﻦ ﺗﺠﺎﺭﺏ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻤﺘﻄﻮﺭﺓ ﻭﻗﻄﻊ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﺨﻄﻮﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺇﺗﺒﻌﺘﻬﺎ ﻭﺍﻹﻧﺪﻣﺎﺝ ﻓﻲ ﻗﻨﻮﺍﺕ ﺍﻟﺮﺃﺳﻤﺎﻟﻴﺔ ﻟﺘﺪﺍﺭﻙ ﺍﻟﺘﺄﺧﺮ ﺍﻟﺰﻣﻨﻲ ﻭﻳﺘﻨﺪﺭﺝ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻮﺟﻪ ﺍﻷﻃﺮﻭﺣﺎﺕ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﺔ ﺑﺎﻟﻤﺮﺍﺣﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ﻭﻣﻦ ﺃﺷﻬﺮﻫﺎ ﺃﻃﺮﻭﺣﺔ ﺍﻹﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﺍﻷﻣﺮﻳﻜﻲ ﺭﻭﺳﺘﻮﻑ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﺪﻡ ﺳﻴﺮﻭﺭﺓ ﺍﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﺮﻓﺘﻬﺎ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻤﺘﻘﺪﻣﺔ ﻛﻨﻤﻮﺩﺝ ﻋﺎﻟﻤﻲ ﻛﻤﺸﺮﻭﻉ ﻗﺎﺑﻞ ﻟﻠﺘﻄﺒﻴﻖ ﻓﻲ ﺩﻭﻝ ﺃﺧﺮﻯ . ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺼﻮﺭ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺆﻣﻦ ﺑﺎﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﻓﻲ ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻹﻧﺘﺎﺝ ﻟﻺﻧﺘﻘﺎﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺃﺭﻗﻰ ﻣﻨﻬﺎ . ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﺠﺴﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﺍﻹﻧﺘﺎﺝ ﻣﺎ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺮﺃﺳﻤﺎﻟﻴﺔ ﻭ ﺇﻋﺘﻤﺎﺩ ﺍﻷﺷﻜﺎﻝ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﺍﻹﻧﺘﺎﺝ ﺍﻟﻮﺍﻓﺮ ﻭﺍﻹﺳﺘﻬﻼﻙ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﻲ ﻭﺗﺤﻘﻴﻖ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﺮﻓﺎﻩ .
    ﺳﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﺍﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ﺗﺴﺨﺮ ﺑﻤﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻤﺎﺫﺝ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﺔ ﺑﺎﻹﻧﻘﻼﺑﺎﺕ ﺃﻱ ﺃﻧﻤﺎﻁ ﺍﻹﻧﺘﺎﺝ ﻭﺍﻹﻗﺘﺼﺎﺩ ﻟﻜﺴﺮ ﺍﻟﺤﻠﻘﺎﺕ ﺍﻟﻤﻐﻠﻘﺔ ﻟﻠﺘﺨﻠﻒ ﻭﻗﺪ ﻟﻘﻴﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺭﺩﻭﺩ ﻓﻌﻞ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ ﻃﺮﻑ ﺍﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻨﺎﻣﻴﺔ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻧﺴﺒﻮﺍ ﻭﻫﻢ ﺇﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺍﻟﺘﻘﺪﻡ ﻭﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﺑﺈﻋﺎﺩﺓ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﺍﻟﺒﻠﺪﺍﻥ ﺍﻟﻤﺘﻘﺪﻣﺔ ﻷﻥ ﺍﻟﻤﺸﺎﺭﻳﻊ ﺍﻟﺘﻨﻤﻮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺇﻧﻄﻠﻘﺖ ﻣﻨﻬﺎ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﻭﺍﻹﺳﺘﺮﺍﺗﻴﺠﻴﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺇﻋﺘﻤﺪﺗﻬﺎ ﻻ ﻳﻮﺍﻓﻖ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻨﻬﺎ ﻭﺍﻗﻊ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻨﺎﻣﻴﺔ ﻭﺃﻥ ﺇﺗﺒﺎﻉ ﻭﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﻧﻘﻞ ﻭﺗﻄﺒﻴﻖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻤﺎﺫﺝ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻨﺎﻣﻴﺔ ﻟﻢ ﻳﻌﻤﻞ ﺇﻻ ﻋﻠﻰ ﺗﻮﻃﻴﺪ ﻋﻼﻗﺔ ﺍﻟﺘﺒﻌﻴﺔ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﻭﺗﻌﻤﻴﻖ ﺍﻟﺘﺨﻠﻒ ﻭﺍﻟﻔﻘﺮ ﺑﺪﻝ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ . ﻭﻳﻤﺜﻞ ﺇﺗﺠﺎﻩ ﻣﺪﺭﺳﺔ ﺍﻟﺘﺒﻌﻴﺔ ﺑﻤﻤﺜﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺩﻭﻝ ﺃﻣﺮﻳﻜﺎ ﺍﻟﻼﺗﻴﻨﻴﺔ ﻭﺑﻌﺾ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺃﺣﺪ ﺃﺑﺮﺯ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﻴﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻭﺟﻬﺖ ﺍﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻹﻧﺘﻘﺎﺩﺍﺕ ﻷﺻﺤﺎﺏ ﺍﻹﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﺒﻨﻴﻮﻱ ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﻲ .
    ﻣﺤﺎﺿﺮﺓ 4
    ﻣﻦ ﺍﺑﺮﺯ ﺍﻟﺘﻴﺎﺭﺍﺕ :
    ﺁﻧﺪﺭﻱ ﺟﺎﻧﺪﺭ ﻓﺮﺍﻧﻚ
    ﻋﻼﻗﺔ ﺍﻟﻤﺤﻴﻂ ﺑﺎﻟﻤﺘﺮﻭﺑﻮﻝ ﻭﺗﻌﻤﻴﻖ ﺍﻟﺘﺨﻠﻒ .
    ﺍﻥ ﺍﻟﺘﺨﻠﻒ ﻓﻲ ﻧﻈﺮ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺎﺣﺚ ﻫﻮ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﻮﺿﻌﻴﺔ ﻋﺎﻟﻤﻴﺔ ﻭﻭﺟﻪ ﻟﺘﻄﻮﺭ ﺍﻟﺒﻨﻴﺔ ﺍﻟﺮﺃﺳﻤﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﻓﺮﺯﺕ ﻋﺎﻟﻤﺎ ﻏﻨﻴﺎ ﻣﺘﻘﺪﻣﺎ ﻭﻋﺎﻟﻤﺎ ﻓﻘﻴﺮﺍ ﻣﺘﺨﻠﻔﺎ .
    ﻭﻳﻮﺿﺢ ﺍﻧﺪﺭﻱ ﺟﺎﻧﺪﺭ ﻓﺮﺍﻧﻚ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﺍﻳﻀﺎ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﺗﻨﻤﻴﺔ ﺍﻟﺘﺨﻠﻒ ﻣﻨﺘﻘﺪﺍ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﻭﺍﻻﺑﺤﺎﺙ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﺘﺨﻠﻒ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﻧﻄﻠﻘﺖ ﻓﻲ ﺩﺭﺍﺳﺘﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺑﻠﺪﺍﻥ ﻣﺘﻘﺪﻣﺔ ﻭﺗﻮﺻﻠﺖ ﻟﻨﺘﺎﺋﺠﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺪﻭﻝ؛ ﺭﻏﻢ ﺍﺧﺘﻼﻑ ﻋﻮﺍﻣﻞ ﻭﻇﺮﻭﻑ ﻭﻣﺴﺎﺭ ﺩﻭﻝ ﺍﻟﺸﻤﺎﻝ ﻋﻦ ﺩﻭﻝ ﺍﻟﺠﻨﻮﺏ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﺘﻄﻠﺐ ﺍﻻﻣﺮ ﺍﻟﻌﻮﺩﺓ ﻟﺪﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻭﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﺠﻨﻮﺏ ﻭﺗﺠﻨﺐ ﺍﻻﺳﻘﺎﻁ ﺍﻟﺘﻌﺴﻔﻲ ﻟﻤﺎﺿﻲ ﺍﻟﺸﻤﺎﻝ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﺿﺮ ﺍﻟﺠﻨﻮﺏ . ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺆﻃﺮﻩ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻄﻮﺭﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺮﻯ ﺍﻥ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻤﺘﺨﻠﻔﺔ ﻳﺠﺐ ﺍﻥ ﺗﻤﺮ ﻣﻦ ﻧﻔﺲ ﻣﺮﺍﺣﻞ ﺍﻟﺘﻲ ﻣﺮﺕ ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﻘﺪﻣﺔ ﻓﻲ ﻓﺘﺮﺍﺕ ﺳﺎﺑﻘﺔ ﻣﻦ ﺗﺎﺭﻳﺨﻬﺎ ﻭﻫﺬﺍ ﺃﺩﻯ ﺍﻟﻰ ﺍﺳﺘﺨﻼﺹ ﻣﻔﺎﻫﻴﻢ ﺧﺎﻃﺌﺔ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ﻭﻋﻦ ﺍﻟﺘﺨﻠﻒ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﻐﻨﻲ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﻤﺎﺿﻴﺔ ﻭﺍﻟﺤﺎﻟﻴﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺮﻛﺰ ﻭﺍﻟﻤﺤﻴﻂ ﻣﻤﺎ ﺟﻌﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﻻ ﺗﻘﺪﻡ ﺗﻔﺴﻴﺮﺍ ﻭﺍﺿﺤﺎ ﻭﺻﺤﻴﺤﺎ ﻷﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﺘﺨﻠﻒ ﻓﻲ ﺟﺰﺀ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻭﺍﻟﺘﻘﺪﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺰﺀ ﺍﻵﺧﺮ . ﻭﻟﻨﺴﻒ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﻭﺑﻨﺎﺀ ﺍﺧﺮﻯ ﺍﺗﺨﺬ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺎﺣﺚ ‏( ﺍﻧﺪﺭﻱ ﺟﺎﻧﺪﺭ ﻓﺮﺍﻧﻚ ‏) ﻣﻦ ﺑﻠﺪﺍﻥ ﺍﻣﺮﻳﻜﺎ ﺍﻟﻼﺗﻴﻨﻴﺔ ﻣﺠﺎﻝ ﺍﻻﺷﺘﻐﺎﻝ ﻭﻗﺪﻡ ﻧﻈﺮﻳﺘﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﻋﺘﻤﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﻼﻗﺔ ﺍﻟﻤﺤﻴﻂ ﺑﺎﻟﻤﺮﻛﺰ ﻭﺧﻠﺺ ﺍﻟﻰ ﺍﻥ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ ﻳﻮﺿﺢ ﺍﻥ ﺍﻟﺘﺨﻠﻒ ﻫﻮ ﺁﻟﻲ ﺣﺪ ﻛﺒﻴﺮ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺗﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻟﻐﻴﺮ ﻣﺘﻮﺍﺯﻧﺔ ﻭﺍﻟﻼﻣﺘﻜﺎﻓﺌﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺒﻠﺪﺍﻥ ﺍﻟﺬﻳﻠﻴﺔ ﺍﻱ ﻣﺘﺨﻠﻔﺔ ﻭﺍﻟﺒﻠﺪﺍﻥ ﺍﻟﻤﺘﻘﺪﻣﺔ، ﻭﻳﺮﻯ ﺍﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻋﻮﺍﺻﻢ ﻭﺗﻮﺍﺑﻊ ﺗﺼﻞ ﺑﻴﻦ ﺍﺟﺰﺍﺀ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﻛﻜﻞ ﺑﺪﺀﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﻛﺰ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ ﻷﻭﺭﺑﺎ ﻭﺍﻣﺮﻳﻜﺎ ﻭﺻﻮﻻ ﺍﻟﻰ ﺍﺑﻌﺪ ﻧﻘﻄﺔ ﺣﺪﻭﺩﻳﺔ ﻷﻣﺮﻳﻤﺎ ﺍﻟﻼﺗﻴﻨﻴﺔ، ﺗﻘﻮﻡ ﻛﻞ ﺣﻠﻘﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻠﺴﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻣﺘﺼﺎﺹ ﺭﺃﺱ ﻣﺎﻝ ﺗﻮﺍﺑﻌﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﺗﺠﺎﻩ ﻋﻤﻮﺩﻱ ﻳﻨﺘﻬﻲ ﺍﻟﻰ ﺍﻟﻌﻮﺍﺻﻢ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﻣﻤﺎ ﻳﺆﺩﻱ ﺗﻄﻮﺭ ﺍﻟﻤﺮﻛﺰ ﻭﺗﺨﻠﻒ ﻭﻓﻘﺮ ﺍﻟﻤﺤﻴﻂ ﻛﻨﺘﻴﺠﺔ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﺘﻮﺳﻌﺎﺕ ﺍﻟﺮﺃﺳﻤﺎﻟﻴﺔ .
    ﻛﻤﺎ ﺑﻴﻨﺖ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻟﺤﺎﻟﻴﺔ ﺗﺄﺛﻴﺮ ﺍﻟﻌﻮﻟﻤﺔ ﻓﻲ ﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺎﺕ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻤﺘﺨﻠﻔﺔ ﻓﺎﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﺍﻟﻨﻴﻮﻟﻴﺒﺮﺍﻟﻲ ﻟﻢ ﻳﻌﻤﻞ ﺍﻻ ﻋﻠﻰ ﺍﺳﺘﻨﺰﺍﻑ ﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺎﺕ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻤﺘﺨﻠﻔﺔ ﻭﺗﻬﺪﻳﻢ ﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺎﺗﻬﺎ ﻭﺗﺤﻮﻳﻠﻬﺎ ﺍﻟﻰ ﺍﺳﻮﺍﻕ ﺍﺳﺘﻬﻼﻙ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﻟﻤﻨﺘﻮﺟﺎﺗﻬﺎ ﻣﻤﺎ ﺟﻌﻠﻬﺎ ﺗﻔﺸﻞ ﻛﻞ ﻣﺤﺎﻭﻻﺕ ﺍﻟﻨﻬﻮﺽ ﺑﺘﻄﻮﻳﺮ ﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺎﺗﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﻣﺎ ﺗﻢ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺟﻞ ﺍﺷﻜﺎﻝ ﺍﻟﻤﻘﺎﻭﻣﺔ ﺍﻟﻨﻔﺴﺔ ﻭﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﻭﻛﺬﺍ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺭﺑﺢ ﺭﻫﺎﻥ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﺴﺔ؛ ﺍﻟﻔﺸﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺴﺒﺐ ﻓﻲ ﺍﺭﺗﻔﺎﻉ ﺩﻳﻮﻥ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻤﺘﺨﻠﻔﺔ . ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﺿﺤﻰ ﻗﻴﺪﺍ ﺃﺭﻏﻤﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻫﻴﻜﻠﺔ ﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﻬﻴﻜﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﺮﻋﺖ ﻣﻦ ﺧﺼﻮﺻﻴﺔ ﺍﻟﻘﻄﺎﻋﺎﺕ ﺍﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ ﻭﺿﺮﺏ ﺍﻟﻘﻄﺎﻋﺎﺕ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﺨﺪﻣﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ – ﺍﻟﺼﺤﺔ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ – ﺍﻻﻣﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﺭﻓﻊ ﻣﻦ ﻧﺴﺒﺔ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﻭﺍﻟﻬﺸﺎﺷﺔ ﺑﻜﻞ ﺍﻧﻮﺍﻋﻬﺎ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﺪﻭﻝ ‏( ﺍﻟﻤﺘﺨﻠﻔﺔ ‏)
    ﻣﺤﺎﺿﺮﺓ
    ﺍﻟﺤﺪ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﺨﻠﻒ ﻭﺍﻟﻔﻘﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻤﺘﺨﻠﻔﺔ ﻻ ﻳﻌﻨﻲ ﻏﻴﺎﺏ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻤﺘﻘﺪﻣﺔ ، ﺍﻻ ﺍﻥ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﺑﺘﺠﻠﻰ ﻓﻲ ﺍﻥ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻨﺎﻣﻴﺔ ﻳﺴﻮﺩ ﻓﺌﺔ ﻋﺮﻳﻀﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻱ ﺍﻟﻤﻈﻬﺮ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻳﺘﻤﻴﺰ ﺑﺴﻴﺎﺩﺓ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﻭﺍﺗﺴﺎﻉ ﺭﻗﻌﺘﻪ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻃﻖ ﻣﺤﺪﺩﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، ﺍﻭ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺑﺮﻣﺘﻪ، ﺍﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻤﺔ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻏﻴﺮ ﻣﻨﻄﻮٍ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺒﻠﺪﺍﻥ ﺍﻟﻤﺘﺨﻠﻔﺔ ﻭﻛﺬﺍ ﺿﻌﻒ ﻭﻋﺪﻡ ﻭﺟﻮﺩ ﺳﻴﺎﺳﺎﺕ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻤﻮﺍﺟﻬﺔ ﻭﺗﻮﻓﻴﺮ ﺍﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻠﻤﻮﺍﻃﻨﻴﻦ ﻣﺎ ﻋﺪﺍ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﺍﻟﺘﻀﺎﻣﻦ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻲ ﻭﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻭﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﺍﻟﺘﻀﺎﻣﻦ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻳﺘﺼﻒ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺑﺎﻟﺪﻳﻤﻮﻣﺔ ﻭﻛﺬﺍ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺇﻧﺘﺎﺟﻪ ﻣﻦ ﺟﻴﻞ ﺇﻟﻰ ﺁﺧﺮ ﻓﻲ ﺃﻏﻠﺐ ﺍﻷﺣﻴﺎﻥ .
    ﺍﻟﻔﻘﺮ ﺍﻟﻬﺎﻣﺸﻲ :
    ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﻣﻨﺘﺸﺮﺍ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺤﺪﻭﺩ ﺟﺪﺍ، ﻭﻳﺸﻜﻞ ﺍﻟﻔﻘﺮﺍﺀ ﻓﺌﺔ ﺻﻐﻴﺮﺓ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺼﻌﺐ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎ ﺍﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﺑﻴﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﺌﺔ ﻭﺑﺎﻗﻲ ﺍﻟﻔﺌﺎﺕ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، ﻛﻤﺎ ﺗﺘﻠﻘﻰ ﺍﻟﺸﺮﺍﺋﺢ ﺍﻟﻔﻘﻴﺮﺓ ﺍﻫﺘﻤﺎﻣﺎ ﻣﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﻃﺮﻑ ﻃﺮﻑ ﻣﺆﺳﺴﺎﺕ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ . ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﻳﻨﺘﺸﺮ ﻓﻲ ﺩﻭﻝ ﺍﻟﺸﻤﺎﻝ ﺑﺎﻷﺳﺎﺱ؛ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﻤﻠﺖ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻌﺪ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﻄﻮﻳﺮ ﺳﻴﺎﺳﺎﺕ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺗﻬﺪﻑ ﺍﻟﻰ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﻘﺮ، ﻭﺃﺧﻀﻌﺖ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻔﺮﺩﻳﺔ ﻟﻤﻮﺍﻃﻨﻴﻬﺎ ﻟﻠﻤﺮﺍﻗﺒﺔ ﺍﻟﺼﺎﺭﻣﺔ، ﻭﺗﻤﺜﻠﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺮﺍﻗﺒﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺻﺒﺢ ﻳﺴﻤﺢ ﻟﻤﻌﻈﻢ ﺍﻟﻤﻮﺍﻃﻨﻴﻦ ﺑﺎﻟﺘﻤﺘﻊ ﺑﺎﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺑﺸﻜﻞ ﻋﺎﻡ .
    ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﻘﺎﺭﺑﺎﺕ ﺍﻟﺴﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﺍﻟﻔﻘﺮ :
    ﺍﻟﺘﺤﻮﻻﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﺮﻓﺘﻬﺎ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﻭﻣﺎ ﺭﺍﻓﻘﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﻐﻴﺮﺍﺕ؛ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻧﻌﻜﺎﺳﺎﺗﻬﺎ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﺟﻞ ﻣﻨﺎﺣﻲ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻻﻧﺴﺎﻥ، ﺣﻴﺚ ﺍﻗﺘﺮﺣﺖ ﻣﺪﺍﺧﻞ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻭﺭﻫﺎﻧﺎﺕ ﻣﻐﺎﻳﺮﺓ ﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﺍﻟﻮﺿﻊ ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ﺍﻟﺪﻳﻤﻮﻏﺮﺍﻓﻴﺔ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻻﻧﺴﺎﻥ …
    ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺤﺎﻭﺭ ﺷﻜﻠﺖ ﻣﻮﺍﺿﻊ ﺍﻫﺘﻤﺎﻡ ﺍﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ ﻣﻦ ﺗﺨﺼﺼﺎﺕ ﻣﺘﻌﺪﺩﺓ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺍﻟﻬﻮﺓ ﺳﻮﺍﺀ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻭ ﺑﻴﻦ ﺍﻻﻓﺮﺍﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﺑﺴﺒﺐ ﻏﻴﺎﺏ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﺴﺎﻭﺍﺕ ﻭﻛﺬﺍ ﻏﻴﺎﺏ ﺍﻟﺪﻳﻤﻮﻗﺮﺍﻃﻴﺔ .
    ﺍﻟﻌﻮﺍﻣﻞ ﺍﻟﺘﻲ ﺧﻠﻘﺖ ﻇﻮﺍﻫﺮ ﻋﺪﻳﺪﺓ ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﺣﻈﺮ ﺑﻤﻘﺎﺭﺑﺎﺕ ﻣﺘﻌﺪﺩﺓ ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻝ ﻋﻠﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻉ .
    ﺟﻮﺭﺝ ﺯﻳﻤﻞ : ﺗﻄﺮﻕ ﺟﻮﺭﺝ ﺯﻳﻤﻞ ﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﻭﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﻌﺮﻑ ﻫﺬﺍ ﺍﻻﺧﻴﺮ ﻣﺒﻘﺎﻳﻴﻦ ﻣﺎﺩﻳﺔ ﺑﻞ ﺑﻌﻼﻗﺔ ﺍﻟﻔﻘﻴﺮ ﺑﺎﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻭ ﺑﺎﻵﺧﺮﻳﻦ ﻭﻧﻈﺮﺗﻬﻢ ﺍﻟﻴﻪ .
    ﻓﺎﻟﻔﻘﻴﺮ ﻫﻮ ﻣﻦ ﻳﻌﺘﺒﺮﻩ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻓﻘﻴﺮﺍ ﻭﻳﺘﻠﻘﻰ ﺍﻟﻤﺴﺎﻋﺪﺓ ﺣﺴﺐ ﺯﻳﻤﻞ . ﺍﺫﻥ ﻓﺎﻟﻔﻘﺮﺍﺀ ﻟﻬﻢ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﺎﻟﻤﻮﺍﻗﻒ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻌﺘﻤﺪﻫﺎ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻛﻜﻞ ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﺣﺴﺐ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺎﺣﺚ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻌﺮﻳﻔﻪ ﻛﺮﺩﺓ ﻓﻌﻞ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺗﺠﺎﻩ ﻭﺿﻊ ﻣﺤﺪﺩ ﻭﺳﻠﻮﻛﺎﻧﺖ ﺍﻻﻓﺮﺍﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺧﻠﻘﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻭﻛﻮﻥ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﻓﻘﻴﺮﺍ ﻻ ﻳﻌﻨﻲ ﺍﻧﻪ ﻳﻨﺘﻤﻲ ﻟﻔﺌﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺍﻱ ﻓﻘﺮﺍﺀ ﺑﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻘﻴﺮﺍ ﺍﻭ ﻣﺴﺘﺨﺪﻡ ﺍﻭ ﻣﺴﺘﺨﺪﻡ ﻓﻘﻴﺮ ﺍﻱ ﻳﻨﺘﻤﻲ ﻟﻔﺌﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻏﻴﺮ ﻋﺎﻃﻠﺔ ﻭﻟﻜﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﺤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﻠﻘﻰ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻤﺴﺎﻋﺪﺓﻳﻤﻜﻦ ﺍﻥ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﻓﻘﻴﺮﺍ ﺍﻭ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺴﻤﺢ ﻟﻪ ﻣﻮﻗﻌﺔ ﺑﺄﻥ ﻳﺘﻠﻘﻰ ﺍﻟﻤﺴﺎﻋﺪﺓ . ﻫﺬﻩ ﺍﻻﺧﻴﺮﺓ ﺗﺠﻌﻞ ﺍﻟﻔﻘﺮﺍﺀ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﻠﻘﻮﻧﻬﺎ ﻳﺴﻌﺮﻭﻥ ﺑﺎﻟﺪﻭﻧﻴﺔ ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﺎﻻﺧﺘﻼﻑ ﻣﻦ ﻳﻤﻨﺢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺎﻋﺪﺓ .
    ﺍﻟﻔﻘﺮ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﺠﻮﺭﺝ ﺯﻳﻤﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻥ ﻳﺸﻤﻞ ﻓﺌﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻛﻤﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻥ ﻳﺸﻤﻞ ﺍﺣﺪ ﺍﻻﻋﻀﺎﺀ ﻓﻲ ﺍﺳﺮﺓ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻭﺍﻟﺴﻤﺔ ﺍﻟﻤﺸﺘﺮﻛﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻔﻘﺮﺍﺀ ﻫﻲ ﺍﻧﻬﻢ ﻳﺘﻠﻘﻮﻥ ﺍﻟﻤﺴﺎﻋﺪﺓ ﺳﻮﺍﺀ ﻣﻦ ﻃﺮﻑ ﻭﻟﻲ ﺍﻣﺮﻫﻢ ﺍﻭ ﺍﻗﺎﺑﻬﻢ ﺍﻭ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻱ ﻳﺤﻀﻮﻥ ﺑﺎﻟﺪﻋﻢ ﻭﺍﻟﻤﺴﺎﻋﺪﺓ ﻭﺍﻹﻋﺎﻧﺔ ﻣﻦ ﻃﺮﻑ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺖ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻨﺘﻤﻮﻥ ﺍﻟﻴﻬﺎ ﻭﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻮﺟﺪﻭﻥ ﻓﻴﻪ .
    ﻣﺤﺎﺿﺮﺓ
    ﻫﻞ ﺍﻟﻤﺴﺎﻋﺪﺓ ﺣﻖ ﻣﻦ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻔﻘﻴﺮ ﻣﺜﻞ ﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ؟ ﻭﻫﻞ ﻳﻤﻜﻨﻪ ﺍﻟﻤﻄﺎﻟﺒﺔ ﺑﻬﺎ؟
    ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﺰﻳﻤﻞ ﺍﻟﻤﺴﺎﻋﺪﺓ ﺣﻖ ﺃﺳﺎﺳﻲ ﻭﻭﺍﺟﺐ . ﻭﻟﻜﻦ ﻻ ﻳﺤﻖ ﻟﻠﻔﻘﻴﺮ ﺍﻟﻤﻄﺎﻟﺒﺔ ﺑﻬﺎ ﻛﺤﻖ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﺍﻷﺧﺮﻯ ‏( ﺍﻟﺤﻖ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﻞ ‏) ﻟﻜﻦ ﺑﻤﺠﺮﺩ ﻣﺎ ﻳﻤﻨﺢ ﺍﻟﻤﺘﺒﺮﻉ ﺍﻟﻤﺴﺎﻋﺪﺓ ﺃﻭ ﺍﻟﻬﺒﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻓﺈﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺎﻋﺪﺓ ﺗﺄﺧﺬ ﺷﻜﻞ ﺣﻖ ﻣﻜﺘﺴﺐ، ﻭﻳﺼﻌﺐ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺎﻧﺢ ﺭﻓﺾ ﻣﻨﺤﻬﺎ ﺃﻭ ﺇﻋﻄﺎﺋﻬﺎ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﻭﺗﺄﺧﺬ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﺴﺎﻋﺪﺓ ﻃﺎﺑﻊ ﺍﻹﻟﺰﺍﻡ . ﻭﺍﻟﻬﺪﻑ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺎﻋﺪﺓ ﻫﻮ ﻟﻴﺲ ﺣﻤﺎﻳﺔ ﺍﻟﻔﻘﻴﺮ ﻭﺇﻧﻘﺎﺩﻩ ﻣﻦ ﻭﺿﻌﻪ ﺑﻤﺴﺎﻋﺪﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﻓﻘﺮﻩ، ﺑﻞ ﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻣﻦ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻔﻘﺮﺍﺀ ﻭﺍﻟﺤﻔﺎﻅ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺿﻊ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ . ﻭﻫﺬﺍ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻸﺳﺮﺓ ﻣﻦ ﻣﺴﺎﻋﺪﺓ ﺃﺣﺪ ﺃﻓﺮﺍﺩﻫﺎ ﺍﻟﻔﻘﺮﺍﺀ ﻫﻮ ﻣﻨﻊ ﺿﻴﺎﻉ ﺣﻘﻮﻗﻬﺎ؛ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻨﻌﻜﺲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ﺑﺄﻛﻤﻠﻬﺎ . ﺍﻟﻤﺴﺎﻋﺪﺓ ﻛﺬﻟﻚ ﺗﺤﻤﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻣﻦ ﺍﻻﺿﻄﺮﺍﺑﺎﺕ ﺍﻟﺤﺘﻤﻴﺔ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺎﻟﺘﻮﺳﻊ ﺍﻟﻤﻔﺮﻁ ﻟﻠﻔﻘﺮﺍﺀ .
    ﻣﻘﺎﺭﺑﺔ ﺯﻳﻤﻞ ﺗﻨﺘﻘﺪ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﺒﻌﺔ ﻟﻠﺤﺪ ﻣﻦ ﻇﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﻭﺗﻮﺿﺢ ﺿﻌﻔﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﺘﻲ ﺇﺗﺒﻌﺘﻬﺎ؛ ﺑﺤﻴﺚ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺎﺕ ﺭﻛﺰﺕ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﻘﺮﺍﺀ ﺑﺪﻝ ﺍﻻﻫﺘﻤﺎﻡ ﺑﺎﻟﻔﻘﺮ ﻭﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻹﺟﺮﺍﺀﺍﺕ ﺍﻟﻜﻔﻴﻠﺔ ﺍﻟﻤﻼﺋﻤﺔ ﻟﻠﻘﻀﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ . ﺃﻭ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺺ ﻣﻦ ﺗﺪﺍﻋﻴﺎﺗﻬﺎ ﻭ ﺍﻫﺘﻤﺖ ﺑﺪﻝ ﺫﻟﻚ ﺑﺎﻟﻔﻘﺮﺍﺀ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺗﺨﺼﻴﺺ ﺍﻟﻤﺴﺎﻋﺪﺓ، ﻭﻫﺬﺍ ﻻﻳﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺣﻞ ﻣﺸﻜﻞ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﺑﻘﺪﺭ ﻣﺎ ﻳﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﻜﺮﻳﺲ ﻭﺇﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﻭ ﺟﻮﺩ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﻭﺍﻟﻔﻘﺮﺍﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، ﻭﺗﺄﻗﻠﻢ ﻫﺆﻻﺀ ﻣﻊ ﺍﻟﻮﺿﻊ ﻭﺗﻘﺒﻠﻪ ﻭﻋﺪﻡ ﺭﻓﻀﻪ، ﻭﺍﻟﺘﻤﺮﺩ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺇﺛﺎﺭﺓ ﺍﻟﻔﻮﺿﻰ ﻣﻘﺎﺑﻞ ﺍﻟﻤﺴﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﻠﻘﻮﻧﻬﺎ .
    ﻓﺘﺄﺧﺬ ﺇﺳﺘﺮﺍﺗﻴﺠﻴﺎﺕ ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺎﺕ ﺍﻟﻤﻌﺎﺩﻟﺔ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ : ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﻣﻘﺎﺑﻞ ﺍﻟﻤﺴﺎﻋﺪﺓ – ﺍﻟﻤﺴﺎﻉﺩﺓ ﻣﻘﺎﺑﻞ ﺍﻟﺴﻼﻡ . ﺗﻈﻬﺮ ﺍﻟﻤﺴﺎﻋﺪﺓ ﻛﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻌﺎﻗﺪ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺎﻧﺢ ﻭﺍﻟﻤﺘﻠﻘﻲ ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﺠﻌﻞ ﺍﻟﻔﻘﺮﺍﺀ ﺧﺎﺭﺝ ﻭﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻓﻲ ﺍﻵﻥ ﺫﺍﺗﻪ ﺃﻭ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺧﺎﺭﺝ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ؛ ﻷﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﺴﺘﻔﻴﺪﻭﻥ ﻣﻦ ﺧﻴﺮﺍﺕ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ . ﻭﺩﺍﺧﻠﻪ؛ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺭﺍﺑﻂ ﺍﻟﻤﺴﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﻠﻘﻮﻧﻬﺎ ﻓﻮﺿﻌﻪ ﺷﺒﻴﻪ ﺑﻮﺿﻊ ﺍﻟﻐﺮﻳﺐ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ .
    ﺭﻳﺘﺸﺎﺭﺩ ﻫﻮﻛﺎﺭ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻫﻲ ﻧﺴﻖ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﻭﺍﻟﺬﻫﻨﻴﺎﺕ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﻜﺲ ﺍﻹﻧﺘﻤﺎﺀ ﺍﻟﻄﺒﻘﻲ ﻟﻸﻓﺮﺍﺩ ﻭﺷﺮﻭﻁ ﺗﻮﺍﺟﺪﻫﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻭﺛﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﻄﺒﻘﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﺔ ﺍﻟﻔﻘﻴﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﺮﻓﺖ ﻣﻴﻼﺩﻫﺎ ﻣﻊ ﻧﺸﺄﺓ ﺍﻟﺼﻨﺎﻋﺔ، ﺗﻤﻴﺰﺕ ﺑﺄﺳﺎﻟﻴﺐ ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺗﻌﻜﺲ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﺍﻟﺘﻲ ﻭﺟﺪﺕ ﻓﻴﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﻭﺿﺢ ﺫﻟﻚ ﻫﻮﻛﺎﺭ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﻔﻘﻴﺮ ﻭﻫﻲ ﺃﺳﻠﻮﺏ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻳﻤﻴﺰ ﺍﻟﻄﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﻔﻘﻴﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺸﻜﻞ ﺍﻟﻄﺒﻘﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﺔ ﺟﺰﺀﺍ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﺎﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍﻟﺴﻮﺳﻴﻮ ﺇﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻔﺌﺔ ﻳﻔﺮﺽ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻧﻤﻄﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻠﻮﻛﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﻮﺍﻗﻒ ﻭﺍﻟﻘﻴﻢ ﻭ ﺍﻟﺘﺼﻮﺭﺍﺕ ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻤﻼﻣﺢ ﺍﻟﺒﺎﺭﺯﺓ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﺤﻤﻴﻤﻴﺔ ﺇﻋﻄﺎﺀ ﺍﻷﻫﻤﻴﺔ ﻟﻠﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﺤﻔﺎﻅ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﻭﺍﻟﺘﻜﺘﻞ ﺳﻮﺍﺀ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻷﺳﺮﺓ ﺃﻭ ﺧﺎﺭﺟﻬﺎ ﻷﻥ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﻓﻲ ﺗﺼﻮﺭﻫﻢ ﻗﻮﺓ؛ ﻭﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺤﺘﺎﺟﻮﻥ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻟﻤﻮﺍﺟﻬﺔ ﻗﺴﺎﻭﺓ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ . ﺛﻢ ﺍﻟﺘﻘﺴﻴﻢ ﺍﻟﺠﻨﺴﻲ ﻟﻸﺩﻭﺍﺭ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ ﻭﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﻛﺨﺎﺻﻴﺔ ﺗﻤﻴﺰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻭﻓﻴﻬﺎ ﻳﺸﺘﻐﻞ ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﺎﺭﺝ ﻭ ﻳﺘﺤﻤﻠﻮﻥ ﻣﺴﺆﻭﻟﻴﺔ ﺇﻋﺎﻟﺔ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ﻭﺣﻤﺎﻳﺔ ﺍﻷﺳﺮﺓ ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺗﻬﺘﻢ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﺑﺎﻟﻤﻬﺎﻡ ﺍﻟﺒﻴﺘﻴﺔ ﻭﻻ ﺗﻌﻤﻞ ﺇﻻ ﺇﺫﺍ ﺃﺭﻏﻤﺘﻬﺎ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﻭ ﻣﺸﺎﺭﻛﺔ ﺍﻟﺰﻭﺝ ﻟﺰﻭﺟﺘﻪ ﻓﻲ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻤﻨﺰﻟﻴﺔ ﻫﻲ ﻣﻦ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﻠﻄﻒ ﻭﻟﻴﺲ ﺍﻟﻮﺍﺟﺐ . ﻣﻤﺎ ﻳﺒﻴﻦ ﻋﺪﻡ ﺗﺄﺛﺮ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﺌﺔ ﺑﺎﻹﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﺍﻟﺴﺎﺋﺪﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﻤﺜﻘﻔﺔ .
    ﻣﺤﺎﺿﺮﺓ
    ﻟﻮﻳﺲ ﺑﻮﺳﻜﺎﺭ ﻭﺛﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﻔﻘﺮ :
    ﺻﺎﻍ ﻟﻮﻳﺲ ﺑﻮﺳﻜﺎﺭ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﺍﻧﻄﻼﻗﺎ ﻣﻦ ﺩﺭﺍﺳﺘﻪ ﻟﺒﻌﺾ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﻴﺰﺕ ﺑﺎﻧﺘﺸﺎﺭ ﻇﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﻔﻘﺮ، ﻭﺑﺎﻟﺨﺼﻮﺹ ﺍﻧﻄﻠﻘﺖ ﻧﻈﺮﻳﺘﻪ ﻣﻦ ﻋﺪﻡ ﺳﻴﺎﺩﺓ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ، ﺑﻞ ﺗﻮﺟﺪ ﻓﻲ ﻧﻈﺮﻩ ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻭﺍﺣﺪ ﺛﻘﺎﻓﺎﺕ ﻣﺘﻌﺪﺩﺓ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﺑﺎﺧﺘﻼﻑ ﺍﻟﻘﻄﺎﻋﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻭ ﺑﺎﺧﺘﻼﻑ ﺍﻟﻄﺒﻘﺎﺕ … ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻓﻲ ﻇﻞ ﺳﻴﺎﻗﺎﺕ ﻣﺘﻌﺪﺩﺓ ﺗﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﻭﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﻭﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻴﺎﻗﺎﺕ ﺣﺎﻭﻝ ﻟﻮﻳﺲ ﺑﻮﺳﻜﺎﺭ؛ ﺍﻥ ﻳﺤﺪﺩ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﻭﺧﻠﺺ ﺍﻟﻰ ﺍﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺎﺕ ﺗﺘﺸﻜﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﻭﺿﻤﻦ ﺍﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﺴﻢ ﺑﺎﻟﺸﺮﻭﻁ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ :
    • ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻗﺘﺼﺎﺩ ﻧﻘﺪﻱ ﻭﻋﻤﻞ ﻣﺄﺟﻮﺭ
    • ﻣﻌﺪﻝ ﻋﺎﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﻄﺎﻟﺔ
    • ﺍﺟﻮﺭ ﻣﻨﺨﻔﻀﺔ
    ﻭﺛﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﺣﺴﺐ ﺑﻮﺳﻜﺎﺭ ؛ ﻫﻲ ﺗﻜﻴﻒ ﻭﺭﺩ ﻓﻌﻞ ﻟﻠﻔﻘﺮﺍﺀ ﻋﻠﻰ ﻭﺿﻌﻴﺘﻬﻢ ﺍﻟﻬﺎﻣﺸﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻃﺒﻘﻲ ﺭﺃﺳﻤﺎﻟﻲ ﻳﺘﻤﻴﺰ ﺑﺎﻟﻔﺮﺩﺍﻧﻴﺔ . ﺍﻧﻬﺎ ﺗﻤﺜﻞ ﻧﻮﻋﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻬﺪ ﺍﻟﻤﺒﺬﻭﻝ ﻣﻦ ﻃﺮﻓﻬﻢ ﺑﻐﻴﺔ ﺍﻟﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺸﻜﻼﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻮﺍﺟﻬﻮﻧﻬﺎ ﻭﻋﻠﻰ ﻓﻘﺪﺍﻥ ﺍﻷﻣﻞ ﻭﺗﻔﺸﻲ ﺍﻟﻴﺄﺱ .
    ﺗﺘﺴﻢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﺘﺸﻜﻞ ﺑﺎﻻﺳﺘﻤﺮﺍﺭﻳﺔ ﻭﺇﻋﺎﺩﺓ ﺍﻻﻧﺘﺎﺝ، ﺑﺤﻴﺚ ﺗﻨﺘﻘﻞ ﻣﻦ ﺟﻴﻞ ﺍﻟﻰ ﺁﺧﺮ ﺑﺴﺒﺐ ﺗﺄﺛﻴﺮﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻃﻔﺎﻝ ﻭﺗﺸﺒﻌﻬﻢ ﺑﻘﻴﻤﻬﺎ؛ ﻣﻤﺎ ﻳﻌﻄﻲ ﺇﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺍﻧﺘﺎﺟﻬﺎ ﻧﺘﻴﺠﻪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﻔﺮﻋﻴﺔ ﺍﻟﻤﺴﺘﺒﻄﻨﺔ . ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﺟﻌﻞ ﺍﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺎﺣﺚ ﻳﺴﺘﻨﺘﺞ ﺍﻥ ﺍﻟﻐﺎﺀ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﺍﺳﻬﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻐﺎﺀ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﻔﻘﺮ .
    ﻳﻌﺘﻘﺪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺎﺣﺚ ﺍﻥ ﺍﻟﺼﻴﺮﻭﺭﺍﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﻟﻤﻌﺮﻓﻴﺔ ﺍﻟﻤﺘﺤﻜﻤﺔ ﻓﻲ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﻔﻘﺮ، ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻣﻦ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻵﺧﺮ ﺑﻞ ﺣﺘﻰ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﻭﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﻴﺮﻭﺭﺍﺕ ﺗﻨﻘﺴﻢ ﺍﻟﻰ ﺩﺍﺧﻠﻴﺔ ﻭﺧﺎﺭﺟﻴﺔ .
    ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻴﺔ :
    ﻳﺸﻴﺮ ﺑﻮﺳﻜﺎﺭ ﺍﻟﻰ ﺍﻟﺴﻴﺎﻗﺎﺕ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ :
    ﺍﻧﻬﻴﺎﺭ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻭﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ ﺧﺎﺻﺔ ﺍﺛﻨﺎﺀ ﺍﺳﺘﺒﺪﺍﻝ ﻧﻈﺎﻡ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﺑﺂﺧﺮ . ﻛﺎﻟﺘﺤﻮﻝ ﻣﻦ ﺍﻹﻗﻄﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﻰ ﺍﻟﺮﺃﺳﻤﺎﻟﻴﺔ .
    ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻴﺔ :
    ﺗﺘﻄﻮﺭ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﻓﻲ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻻﺣﻴﺎﻥ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺍﻟﺴﻴﻄﺮﺓ ﺍﻻﺳﺘﻌﻤﺎﺭﻳﺔ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺳﺤﻖ ﺍﻟﺒﻨﻴﺔ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﻮﺻﻴﺔ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺼﻌﺐ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﻣﺎﺩﻳﺎ . ﺍﻟﻤﻮﺍﻃﻦ ﺍﻟﻤﺤﻠﻲ ﻓﻲ ﻭﺿﻊ ﻣﻘﺼﻲ ﻭﻣﺴﺘﺒﻌﺪ، ﺍﻟﻮﺿﻊ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻥ ﻳﺴﺘﻤﺮ ﻷﺟﻴﺎﻝ ﻣﻦ ﺍﻻﺑﻦ ﺍﻟﻰ ﺍﻟﺤﻔﻴﺪ .
    ﺍﻣﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﺼﻴﺮﻭﺭﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﻌﺖ ﺍﺣﻴﺎﻧﺎ ﺑﺎﻟﺪﺍﺧﻠﻴﺔ ﻭﺃﺣﻴﺎﻧﺎ ﺑﺎﻟﺨﺎﺭﺟﻴﺔ؛ ﻓﻬﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺮﺗﺒﻂ ﺑﺎﻟﺘﻐﻴﺮﺍﺕ ﺍﻟﺘﻴﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﺍﻟﺴﺮﻳﻌﺔ . ﺍﻣﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻷﺷﺨﺎﺹ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻤﻜﻦ ﺍﻥ ﻳﺘﻌﺮﺿﻮﺍ ﺍﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻏﻴﺮﻫﻢ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ، ﻓﺎﻷﻣﺮ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺠﻌﻞ ﺍﻟﺒﻌﺾ ﻣﺆﻫﻼ ﺍﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻏﻴﺮﻩ ﻟﻠﺘﻌﺮﺽ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ . ﻭﻣﻨﻬﻢ ﺑﺎﻷﺳﺎﺱ ﺍﻟﻤﻬﺎﺟﺮﻭﻥ، ﺍﻭ ﺍﻻﻓﺮﺍﺩ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻨﺘﻤﻮﻥ ﻟﻄﺒﻘﺎﺕ ﺩﻭﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻳﺘﻐﻴﺮ ﺑﺴﺮﻋﺔ .
    ﺍﻟﺴﻤﺎﺕ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﻔﻘﺮ :
    ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﻣﻼﺣﻈﺘﻪ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﺨﺼﺎﺋﺺ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ، ﻫﻲ ﺍﻧﻬﺎ ﺗﺘﻤﺎﻳﺰ ﺑﻤﺴﺘﻮﻳﺎﺕ ﻣﺘﻌﺪﺩﺓ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺜﻼ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻜﻠﻲ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﺎﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ﻭﻋﻼﻗﺔ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺑﺎﻟﻔﻘﺮ .
    ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﻯ ﺍﻻﻭﻝ ‏( 1 ‏)
    ﻳﺘﺴﻢ ﺑﻐﻴﺎﺏ ﻣﺸﺎﺭﻛﺔ ﻫﺆﻻﺀ ﺍﻟﻔﻘﺮﺍﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺄﻥ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻭﻏﻴﺎﺏ ﺍﻧﺪﻣﺎﺟﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺎﺕ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻟﻠﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻜﻠﻲ . ﻭﻗﺪ ﻳﺮﺟﻊ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻰ ﺿﻌﻒ ﻣﻮﺍﺭﺩﻫﻢ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ، ﻭﺳﻴﺎﺩﺓ ﺍﻟﻌﺰﻝ ﺍﻟﻌﻨﺼﺮﻱ ‏( ﻟﻌﺪﻡ ﺍﻧﺘﻤﺎﺋﻬﻢ ﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻭﺍﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﻭﺍﻟﺨﻮﻑ ﺍﻟﺸﻚ … ‏) ﻳﺘﺮﺳﺦ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﺑﻔﻘﺪﺍﻥ ﺍﻷﻣﻦ ﺑﺠﻞ ﻣﻌﺎﻧﻴﻪ ﺍﻟﻨﻔﺴﻲ ﻭﺍﻟﺠﺴﺪﻱ .
    ﻳﺘﻤﻴﺰ ﺍﺻﺤﺎﺏ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺑﻤﺪﺍﺧﻴﻠﻬﻢ ﺍﻟﺸﺪﻳﺪﺓ ﺍﻹﻧﺨﻔﺎﺽ، ﻭﺍﻟﻐﻴﺎﺏ ﺍﻟﺘﺎﻡ ﻟﻠﻤﺪﺧﺮﺍﺕ؛ ﻭﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﻤﺪﺧﺮﺍﺕ ﺍﻟﻐﺬﺍﺋﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﻭﻧﻘﺺ ﺣﺎﺩ ﻓﻲ ﺭﺅﻭﺱ ﺍﻻﻣﻮﺍﻝ، ﻭﻫﺬﺍ ﺭﺍﺟﻊ ﺑﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﺍﻟﻰ ﺍﻧﺨﻔﺎﺽ ﺍﻷﺟﻮﺭ ﻭﺍﻟﺒﻄﺎﻟﺔ ﺍﻟﻤﺴﺘﻤﺮﺓ ، ﻭﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﻠﻈﺮﻭﻑ ﻧﺠﺪ ﺍﻥ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﺗﺘﻤﻴﺰ ﺑﻮﺟﻮﺩ ﻣﻌﺪﻝ ﻋﺎﻝ ﻣﻦ ﺍﻷﻓﺮﺍﺩ ﻳﻌﺘﻤﺪﻭﻥ ﻋﻠﻰ ﺭﻫﻦ ﺍﻟﺴﻠﻊ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﻭﺍﻻﺳﺘﺪﺍﻧﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻘﺮﺑﻴﻦ ﺑﻤﻌﺪﻻﺕ ﺭﺑﻮﻳﺔ، ﻛﻤﺎ ﺗﻨﺘﺸﺮ ﻃﺮﺍﺋﻖ ﻏﻴﺮ ﺭﺳﻤﻴﺔ ﻛﺎﻹﻗﺘﺮﺍﺽ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻴﺮﺍﻥ، ﻭﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻷﺛﺎﺙ ﻭﺍﻟﻤﻼﺑﺲ ﺍﻟﻤﺴﺘﺨﺪﻣﺔ، ﻭﺃﻧﻤﺎﻁ ﺍﻟﺸﺮﺍﺀ ﺍﻟﻤﺘﻜﺮﺭﺓ ﺑﻜﻤﻴﺎﺕ ﺻﻐﻴﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﻌﺎﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻴﻮﻡ . ﻭﻣﻦ ﺳﻤﺎﺕ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﻛﺬﻟﻚ؛ ﺗﺪﻧﻲ ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻲ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻭﺍﻧﻌﺪﺍﻡ ﺍﻻﻧﺨﺮﺍﻁ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻤﻌﻴﺎﺕ ﻭﺍﻷﺣﺰﺍﺏ، ﻭﻋﺪﻡ ﺍﻹﺳﺘﻔﺎﺩﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺪﻣﺎﺕ ﺍﻟﺒﻨﻜﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻴﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﺘﺎﺟﺮ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ . ﻛﻤﺎ ﺗﺘﻤﻴﺰ ﺑﻜﻮﻥ ﻫﺆﻻﺀ ﺍﻻﺷﺨﺎﺹ ﻟﺪﻳﻬﻢ ﻣﻮﻗﻒ ﺍﻧﺘﻘﺎﺩﻱ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺎﺕ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻟﻠﻄﺒﻘﺔ ﺍﻟﺼﻴﻄﺮﺓ، ﻓﻬﻢ ﻳﻜﺮﻫﻮﻥ ﺍﻟﺸﺮﻃﺔ ﻭﻻ ﻳﺜﻘﻮﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺔ، ﻛﻤﺎ ﻳﺸﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺎﺕ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ .
    ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ‏( 2 ‏)
    ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﻯ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻥ ﻧﺴﺠﻞ ﺍﻥ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﺑﺤﺴﺐ ﺍﻷﺣﻴﺎﺀ، ﻭﻳﻤﻜﻦ ﺍﺳﺘﺤﻀﺎﺭ ﺍﻟﻤﺘﻐﻴﺮﺍﺕ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ﻛﻌﻮﺍﻣﻞ ﻣﺘﺤﻜﻤﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻛﻨﻮﻋﻴﺔ ﺍﻟﺴﻜﻦ ﻭﻃﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻤﺴﻜﻦ ﻭﻃﺒﻴﻌﺔ ﺍﻻﺟﺎﺭﺓ ﻭﻧﻮﻋﻴﺔ ﺍﻟﻘﺮﺍﺑﺔ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ ﺑﻴﻦ ﺍﻓﺮﺍﺩ ﺍﻟﺤﻲ ﻭﻃﺒﻴﻌﺔ ﺍﻹﺛﻨﻴﺎﺕ .
    ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﺗﺘﺴﻢ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﺑﻤﺎ ﻳﻠﻲ :
    • ﻏﻴﺎﺏ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﻄﻔﻮﻟﺔ
    • ﺍﻟﺪﺧﻮﻝ ﺍﻟﻤﺒﻜﺮ ﻓﻲ ﺗﺠﺎﺭﺏ ﺍﻟﺠﻨﺲ
    • ﻭﺟﻮﺩ ﻋﻼﻗﺎﺕ ﺟﻨﺴﻴﺔ ﺍﻭ ﺯﻭﺍﺝ ﺑﺎﻟﺘﺮﺍﺿﻲ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻄﺮﻓﻴﻦ .
    • ﻫﺠﺮ ﺍﻷﺯﻭﺍﺝ ﻟﻠﺰﻭﺟﺎﺕ ﻭﺍﻷﻭﻻﺩ
    • ﻭﺟﻮﺩ ﻋﻼﻗﺎﺕ ﻣﺘﻨﺎﺣﺮﺓ ﺣﻮﻝ ﺍﻷﻡ .
    • ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻭ ﺳﻴﺎﺩﺓ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺑﺄﻗﺎﺭﺏ ﺍﻻﻡ ﺍﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺍﻗﺎﺭﺏ ﺍﻷﺏ .
    ﻭﺍﻫﻢ ﻣﺎ ﻳﻤﻴﺰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﻔﺮﺩﻱ؛ ﺍﻟﺘﻬﻤﻴﺶ ﻭﺍﻹﻗﺼﺎﺀ ﻭﺍﻟﻴﺄﺱ ﻭﺍﻟﺘﻔﺎﻫﺔ ﻭﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻌﺪﻭﺍﻧﻴﺔ، ﻛﻤﺎ ﻳﺘﻤﻴﺰ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺑﻌﺪﻡ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﺗﺄﺟﻴﻞ ﺭﻏﺒﺎﺗﻪ، ﻭﺍﻻﻫﺘﻤﺎﻡ ﺑﺎﻟﻠﺤﻈﺔ ﺍﻵﻧﻴﺔ . ﺣﻴﺚ ﻳﻐﻴﺐ ﺍﻱ ﺗﻔﻜﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﺍﻭ ﺍﻟﺘﺨﻄﻴﻂ ﻟﻪ ﺇﺿﺎﻓﺔ ﺍﻟﻰ ﺳﻴﺎﺩﺓ ﺍﻟﻘﺒﻠﻴﺔ ﻭﺍﻻﺳﺘﻜﺎﻧﺔ ﻭﻣﺤﺪﻭﺩﻳﺔ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ؛ ﻭﺍﻧﺤﺼﺎﺭﻩ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺤﻠﻲ .
    ﺍﻹﻳﺠﺎﺑﻲ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻫﻲ ﻗﺪﺭﺓ ﺍﻓﺮﺍﺩﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﻤﻞ ﺍﻷﻣﺮﺍﺽ ﻭﺍﻟﺼﺪﻣﺎﺕ ﺍﻟﻨﻔﺴﻴﺔ.

مجزوءات مسلك علم الاجتماع بكلية آداب والعلوم الإنسانية

مسلك علم الاجتماع بكلية الآداب والعلوم الإنسانية التابعة لجامعة القاضي عياض مراكش، ويسألون عن ماذا يدرس داخل هذا التخصص وماذا يوجد فيه، إليكم هذه اللائحة التي حاولت من خلالها أن أعرض عليكم كل المواد التي تدرس داخل هذا التخصص من الفصل الأول إلى الفصل السادس بجامعة القاضي عياض. وهي كالآتي:

بالنسبة للفصل الأول تجدون المواد الآتية :

أسس علم الاجتماع ميادين علم الاجتماع
مبادئ التفكير الفلسفي مفاهيم ونصوص فلسفية
مدخل إلى علم النفس ميادين وتيارات علم النفس
_لغة ومصطلحات1

أما في الفصل الثاني فستدرسون المواد الآتية :

النظريات السوسيولوجية المعاصرة المؤسسات الاجتماعية
المؤسسات السياسية سوسيولوجيا التنظيمات
الديموغرافيا علم النفس الاجتماعي
_لغة ومصطلحات 2

وفيما يخص الفصل الثالث فهناك :

المناهج الكمية المناهج الكيفية
الإحصاء الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية
سوسيولوجيا الأديان سوسيولوجيا الثقافة

وفي الفصل الرابع ستدرسون ما يلي :

علم الاجتماع الحضري علم الاجتماع القروي
سوسيولوجيا الفقر والهشاشة مدخل إلى الاقتصاد
سوسيولوجيا التربية البيئة والتنمية

يليه في الفصل الخامس ما يلي :

الأبحاث الميدانية السوسيولوجيا المغاربية
سوسيولوجيا المقاولات نظرية التنظيمات
الأنثروبولوجيا الحضرية سوسيولوجيا الحراك الاجتماعي

وفي الفصل السادس والأخير من سلك الإجازة فيوجد ما يلي :

سوسيولوجيا المرض والصحة سوسيولوجيا العائلة
سوسيولوجيا الشغل التغير الاجتماعي
_ثم المشروع البحث المؤطر

ما لا تعرفه عن الفيلسوف الألماني كارل ماركس(1818-1883)

نظرية_الصراع

الصراع_الطبقي

الماركسية

الاغتراب

تَخرج المنح دائمًا من رحم المحن، وكأن آلام الحاضر ما هي إلا مخاض لولادة المستقبل! هكذا كانت الثورة الصناعية في تاريخ أوروبا والعالم في أواخر القرن الثامن عشر .. تلك الثورة طغت على اهتمامات بطل قصتنا كارل ماركس

نحتاج إلى العودة قليلًا إلى تلك الفترة لنرى جانبًا مظلمًا من بداية الثورة الصناعية. إن نظرة عابرة في الظروف السائدة تلك الأيام الأولى من انتشار المصانع تكفيك لتعلم أنها كانت فترة مفزعة بدرجة كافية لتجعل رأسك يشيب رعبًا.

في تلك الفترة، كان يتم إرسال أبناء الفقراء إلى المصانع وأعمارهم لا تتجاوز العاشرة بكثير، فأطفال مصنع لودهام Lowdham (مصنع في مدينة إنجليزية) على سبيل المثال كانوا يُضربون بالسياط، لا عقابًا عن أخطاء ارتكبوها، بل كحافز لبذل المزيد من المجهود إذا بلغ منهم التعب مبلغه آخر النهار. أما في مصنع ليتون Litton فكان الأطفال يعملون شبه عراة في برد الشتاء القارس، ليُضطروا للزحف مع الخنازير على أربع لتنظيف النفايات العالقة في الأحواض. في هذا المصنع المرعب، كان الأطفال يتعرضون لكل ما يخطر ببالك من عنف جسدي واعتداء جنسي، من مدير المصنع وصاحب العمل، الذين كانا يتفننان في أساليب تعذيب الأطفال في مشاهد تقشعر لها الأبدان.

كانت الآثار الاجتماعية للثورة الصناعية واضحة للعيان، فالعمال (رجالًا ونساءً وأطفالًا) كانوا مكدسين في المصانع كالعبيد تحت تصرف مالك المصنع الرأسمالي الجشع. إنه عهد رِقٍ وعبودية جديد، لكن في ثوب صناعي بدل الثوب الإقطاعي.

في تلك الظروف بالغة السوء، لم يكن من المتصور أن يعترض أحد على الأجور أو ساعات العمل (كان الأطفال يعملون في بعض المصانع ثلاث عشرة ساعة يوميًا) فضلًا عن الاعتراض عن المساكن غير الآدمية والحياة الكئيبة التي يعيشونها في المدن الصناعية التي تعج بروائح المصانع النتنة.

كارل ماركس – الثورة الصناعية وعمالة الأطفال
صورة تعبيرية: عمالة الأطفال في جورجيا، الولايات المتحدة الأمريكية، عام 1909
وسط تلك الظروف، ظهر المؤرخ والاقتصادي جون شارلز سيسموندي Jean Charles Sismondi ليكون أول الاقتصاديين الذي تحدثوا عن تقسيم طبقي للمجتمع، فمجتمع الثورة الصناعية كان مكونًا من طبقتين اجتماعيتين تعادي إحداهما الأخرى: الرأسماليين الأغنياء (مُلاك المصانع) والعمال الفقراء.

رغم هذه الصورة القاتمة للنظام الاجتماعي التي أفرزته الثورة الصناعية، فقد كان لهذه الأخيرة الفضل في أكبر تطورات الفكر الاقتصادي؛ فقد أفرزت الثورة الصناعية اثنين من أكثر الاقتصاديين شهرة على الإطلاق.

الأول: آدم سميث، حيث كان الاقتصادي المتنبئ بمنجزات تلك الثورة وفوائدها.
الثاني: كارل ماركس، حيث كان المنذر بمساوئ تلك الثورة، منتقد السلطة التي أعطتها لملاك المصانع وما سببته تلك السلطة من فقر وقهر للعمال، فقد جاء كارل ماركس ليتلقى تلك الفكرة التي طرحها سيسموندي ويبلورها في إطار فلسفي له أبعاد مجتمعية واقتصادية وسياسية
ما لا تعرفه عن كارل ماركس !
ولد كارل ماركس Karl Marx عام 1818 في مدينة ترير Trier بألمانيا، حيث كان الابن الثاني لأسرة يهودية غنية لم تلبث أن تحولت إلى المسيحية ليحتفظ الأب هينريتش Heinrich بشهرته الواسعة في المحاماة! وعلى الرغم من انحدار كلا الأبوين من نسل أحد أشهر الحاخامات اليهود إلا أن كارل ماركس كان دائم المعاداة لتلك الأصول. كان البارون الغني ويستفالين Von Westphalen أحد جيران ماركس، وكان هذا الأخير يعتبره بمثابة عمه، أدت هذه الجيرة والعلاقة القوية بين العائلتين لزواج ماركس من ابنة البارون: جيني Jenny!.

تشرب عقل كارل ماركس العقلانية (أي الاحتكام إلى العقل والمنطق كمصدر للمعرفة والتفسير) وكذلك الرومانسية (وهي حركة فكرية نشأت كرد فعل على الثورة الصناعية، تدعو للتحرر من قيود العقل والواقع) منذ صغره، فقد نهل، من جهة، من عقلانية والده المتأثرة بمفكري فرنسا وإنجلترا، ومن جهة أخرى عرَّف البارون المثقف ماركس على روايات شكسبير وكتب المدرسة الرومانسية، كما عرَّفه على الاشتراكية المثالية.

الاشتراكية المثالية (الخيالية) هي أول تجربة اشتراكية، نشأت على يد رجل الأعمال البريطاني روبرت أوين Robert Owen في مصانع نيو لانارك New Lanark، حيث لا عقاب للأطفال، مع توفير مدارس لتعليمهم والسماح لهم باللعب وسط ظروف عمل أكثر آدمية وساعات عمل أقل. ترى الاشتراكية المثالية مواجهة الرأسمالية والحصول على حقوق العمال ولكن باستخدام طرق سلمية كنقابات العمال، فهي اشتراكية خالية من الصراع الطبقي حيث تسعى لجعل الفقراء منتجين بطرق سلمية.
سافر ماركس وهو ابن السابعة عشرة إلى جامعة بون University of Bonn لدراسة الفلسفة والأدب، لكن ضغوط والده ألزمته دراسة القانون، وخلال دراسته في الجامعة انضم ماركس إلى نادي الشعراء (وهي مجموعة تحتوي على الشباب المنشغلين بالسياسة) وكعادة التجمعات السياسية في تلك الفترة، فقد كانت الشرطة لهم بالمرصاد.

في هذه الفترة الزمنية، سبَّب ماركس لأبيه خسارة الكثير من الأموال بسبب طيشه، فقد كان كارل يشرب الخمروينفق الأموال بسفاهة، ما جعله يتعرض للسجن أكثر من مرة بسبب السُكر والثمالة في زنزانة خاصة بالجامعة. رغم ذلك أكسبت تلك المرحلة ماركس بعض الخبرات العملية والقانونية وحققت له أول انتصار سياسي خوله أن يكون رئيسًا لمجتمع الحانات في البلدة!

أما فيما يتعلق بالدراسة، فعلى الرغم من أن درجاته كانت جيدة في الفصل الأول من الدراسة الجامعية، إلا أنها سرعان ما تدهورت بعد ذلك، مما أجبر والده على نقله إلى جامعة برلين University of Berlin لأنها أكثر صرامة، ولكن محاولات الأب اليائسة لم تغير شيئا، بل على العكس فقد اضطر كارل للتنقل عشر مرات خلال الخمس سنوات التي قضاها في برلين هروبًا من القضايا المرفوعة ضده من الدائنين، وانحدر حال كارل لدرجة أنه كان مثالًا لطلاب الكلية غير المغتسلين القذرين، وانحرف عن دراسة القانون والفلسفة وأصبح طالبًا لا يرى في الجامعة سوى معسكر للتخييم!

تزامنت هذه الفترة الزمنية التي قضاها ماركس في جامعة برلين مع اكتساح جدل فلسفي كبير لجامعات ألمانيا المحافظة التي اختلفت في تقييمها لمذهب جديد كان نتيجة الإنتاج الفكري الغزير للفيلسوف الألماني فريديريك هيجل (Friedrich Hegel).

كارل ماركس – لوحة لفريديريك هيجل رسمها فنان مجهول – ويكيبيديا
لوحة لفريديريك هيجل رسمها فنان مجهول – ويكيبيديا
ماركس الفيلسوف!
أطلق هيجل نظامًا فلسفيًا ثوريًا لا يؤمن بالثبات، حيث أن فكرته قائمة على اعتبار أن التغيير هو السنة الكونية التي تُسيرالحياة، كيف ذلك؟ عن طريق مبدأ فلسفي أطلق عليه المنطق الدياليكتيكي (المنطق الجدلي)، وهو ينبني على ثلاث مبادئ:

أن كل فكرة (thesis) لها نقيض (antithesis) يعارضها وينتقدها.
أن هذا النقيض يتفاعل مع الفكرة عن طريق الحوار أو الصراع.
أن تفاعل الفكرة مع نقيضها يؤدي إلى ظهور فكرة جديدة (synthesis) .
على هذا الأساس، فكل الأفكار ستتغير عاجلًا أم آجلًا، وتُعدُّ الأفكار الاقتصادية أكبر دليل على ذلك، فكل مدرسة من الفكر الاقتصادي تؤدي إلى ظهور مدرسة معارضة لها، والحوار والصراع الفكري بين هاتين المدرستين يؤدي إلى ظهور مدارس اقتصادية جديدة تضم أفكارًا من كلا المدرستين المتصارعتين.

انقسم الفلاسفة الذين تأثروا بأفكار هيجل بعد وفاته سنة 1831 إلى قسمين:

اليساريون الراديكاليون: الذين انشغلوا بالسياسة والدين وأطلق عليهم حينها “شباب الهيجليين”، حيث انتقدوا تصورات هيجل المثالية وحرفوا فلسفته إلى منحى مادي تماما.
اليمينيون المحافظون: والذين أبقوا على أغلب أفكار هيجل المثالية بدون تحريف.
وعلى الرغم من أن هيجل توفي قبل أعوام قليلة من بدء ماركس لحياته الجامعية، إلا أن فكره أسر عقل ماركس ليصر على أن يصبح فيلسوفا، مما دفعه لتعلم الفلسفة بمفرده ليلتحق بعدها بشباب الهيجليين الذين كانت تدور بينهم نقاشات حادة حول الشيوعية النظرية باستخدام أسلوب هيجل الدياليكتيكي. وعلى الرغم من حصول كارل ماركس على شهادة جامعية من كلية الحقوق، إلا أنه كان قد فتن بالفلسفة !

ملاحظة: يجب علينا هنا أن نفرق بين مصطلحين يخلط بينهما العديد من الناس، الاشتراكية والشيوعية، فالشيوعية هي حالة مثالية يريد معتنقوها تحويل المجتمع لها، هذا المجتمع يجب أن تتوافر فيه الخصائص التالية:
أولا: المجتمع الشيوعي هو مجتمع يتساوى فيه الجميع بشكل مطلق، فلا يفرق بينهم فكر أو دين أو حالة اجتماعية، المجتمع الشيوعي هو مجتمع مثالي بلا طبقات.
ثانيا: بما أن الناس متساوون، فلا سلطة لأحد على أحد، ولا وجود لسلطة سياسية أو دولة تُسيِّر شؤون الناس.
ثالثا: لا وجود لمفهوم الملكية الخاصة في المجتمع الشيوعي؛ فكل الموارد الاقتصادية ووسائل الإنتاج من مزارع ومصانع في المجتمع الشيوعي هي ملكية عامة.
السؤال هنا: كيف يمكن الوصول إلى هذه المجتمع المثالي؟ كيف يتم الانتقال من مجتمع مكون من طبقين تملك إحداهما (البرجوازيين – الأغنياء) وسائل الإنتاج في حين تعمل الأخرى (البروليتارية – العمال) في المصانع كالعبيد في ظروف مأساوية إلى مجتمع شيوعي يتساوى فيه الجميع؟
كيف تنتقل الملكيات الخاصة (المصانع والمزارع والشركات) إلى ملكية عامة؟ كيف ننتقل من حالة الدولة إلى حالة اللا دولة؟
الجواب هو: عن طريق الثورة! ثورة يقودها العمال.
ثورة تُسقط الدولة وتُؤمم (التأميم هو نقل الملكيات الخاصة إلى ملكية عامة) جميع أملاك البرجوازيين، ثم تضع على رأس السلطة نظامًا سياسيًا يقود الفترة الانتقالية التي تمتد بين المجتمع الرأسمالي الطبقي إلى مجتمع شيوعي مثالي، نظام نعرفه باسم: النظام الاشتراكي.
الفرق بين الشيوعية والاشتراكية، هو أن الشيوعية هي الحالة المثالية التي يريد المفكرون الشيوعيون الوصول إليها، بينما الاشتراكية هو النظام السياسي الذي سيحول المجتمع إلى مجتمع شيوعي، ببساطة الشيوعية هي الهدف بينما الاشتراكية هي الوسيلة التي ستحققه.
جاء عام 1838 بحدث غيَّر حياة ماركس بشكل كبير؛ حيث توفي والد ماركس الذي كان يدعمه ماليًا، وأدى ذلك إلى انخفاض حاد في دخل أسرته، فلجأ ماركس إلى كتابة الروايات لزيادة دخله، لكنه لم يُنشر له أي منها خلال حياته، مما أقنعه بإتمام دراسته والحصول على شهادة أعلى ومستقبل أفضل، فبدأ في عام 1840بالتعاون مع أستاذه السابق برونو باور Bruno Bauer في تحرير كتاب “فلسفة الدين” الذي جمع أفكار هيجل التي وضحها في محاضراته، وساعده ذلك في إتمام أطروحته التي كان يرغب في الحصول عن طريقها على الدرجة الأكاديمية الأعلى، وكان موضوع هذه الأطروحة هو “الفلسفة اليونانية”.

لم تلق هذه الأطروحة إعجاب الجميع، فقد كانت مثيرة للجدل، وخاصة بين الأساتذة المحافظين في جامعة برلين، لذا قرر ماركس بدل ذلك تقديم أطروحته إلى جامعة جينا University of Jena الأكثر ليبرالية، وبالفعل منحت هيئة التدريس له درجة الدكتوراه في أبريل 1841.

اتجه ماركس بعد حصوله على درجة الدكتوراه للعمل بالصحافة، فعمل لصحيفة راينيش زايتونج Rheinische Zeitung الليبيرالية الموجهة للطبقة الوسطى، لكن عمله بها كان نذير شؤم لتغلق الصحيفة بعد عمله بها هناك بخمسة أشهر فقط لانتقاده قيصر روسيا، ليتوجه بعدها ماركس لباريس ويختلط إثر ذلك بالشباب الشيوعيين، وليبدأ في مغازلة الشيوعية بكتاباته، ويلتقي بفريديريك إنجلز Friedrich Engels لتبدأ بعدها أكبر التحولات الفكرية في حياته.

كان فريدريك إنجلز أحد هؤلاء الشباب، وكان ابنًا لأحد الأثرياء ملاك مصانع النسيج. كانت حياة إنجلز مليئة بالتناقض، فهو في الصباح رأسمالي من طبقة الأثرياء يعمل مديرًا في مصنع والده ويتقاضى راتبًا كبيرًا، أما المساء فله شأن آخر، فقد كان يمضيه وهو يقرأ لهيجل والأدب الشيوعي، هذا التناقض لم يزعج إنجلز كثيرًا، فلم يكن يمانع أن يحتسي كأسًا من أجود أنواع الخمر في صحة الطبقة العاملة. وعندما لم يكن يطارد الثعالب في صيده كما يفعل بنو جلدته من الأثرياء، كان يطارد النساء!

كان تأثير إنجلز على ماركس كبيرًا، فقد بدأت فلسفة ماركس تتخذ شكلًا أكثر قوة ووضوحًا، حيث دمج ماركس المنهج الديالكتيكي المستمد من أفكار هيجل عن كيفية التغيير، مع المنهج المادي (والمبني على أن الأفكار تستمد قوتها من واقعيتها).

أطلق ماركس على هذا المزيج الجديد: مصطلح المادية التاريخية أو المادية الديالكتيكية ! ومن هنا قام ماركس وإنجلز، باعطاء البشرية فهما ماديًا للتاريخ، من خلال وضع مذهب وفلسفة شاملة عن التطور لتشمل الحياة الاجتماعية وتطبيقها على تاريخ وتطور المجتمعات، وكان أكبر تعبير عن هذا المذهب الجديد هو ما حدث بعدها.

كارل ماركس والبيان الشيوعي: ثورة بلا قائد
أصدرت عصبة الشيوعيين Der Bund Kommunisten (حزب سياسي شيوعي أنشئ في لندن عام 1847) عام 1848 بيانًا بأهدافها وأطلقت عليه اسم “البيان الشيوعي” حيث كتبه اثنان من أبرز قادتها وهما ماركس وإنجلز وتزامن صدور هذا الكتيب مع اندلاع ثورات كبرى شملت أغلب القارة الأوروبية.

استهل البيان بكلمات حماسية تنذر بالخطر:

“إن شبحًا يطارد أوروبا، ذلك هو شبح الشيوعية، وقد عقدت الدول الكبرى حلفًا مقدسًا لإبعاد هذا الشبح: وهو حلف يشترك فيه البابا والقيصر“.

وقد كان عام 1848 فعلًا عامَ رعب بالنسبة للنظام القديم السائد في أوروبا (القائم على الملكية الخاصة والنظام الإقطاعي) حيث هب العمال في باريس في ثورة بلا قائد ولا تنسيق، وكذلك كان الأمر في في إيطاليا وبرلين وعدد من دول أوروبا التي انتفضت فيها الجماهير!

وانطلاقًا من تحليل مادي للتاريخ، يشرح البيان أن الطبقات الاجتماعية هي نتاج التطور الاقتصادي وأن مسار التاريخ كله يقوم على الصراع بين الطبقات، ففي مجتمعات الرقيق القديمة، كان هناك صراع بين العبيد وملاكهم، ثم انتقل الصراع في النظام الإقطاعي بين الفلاحين وملاكِ الأراضي، ثم أنتجت الثورة الصناعية صراعًا آخر، لكن هذه المرة كان صراعا بين العمال وملاك وسائل الإنتاج، هذا الصراع ضروري ولا يمكن تجنبه، أما نتائجه فتكون إما تغييرات ثورية لصالح طبقة ما أو خراب مشترك للجميع.

لذلك كانت ألفاظ البيان واضحة:

“إن الشيوعيين يحتقرون إخفاء آرائهم وأغراضهم، إنهم يعلنون في صراحة أنه لا يمكن تحقيق غاياتهم إلا بقلب جميع العلاقات الاجتماعية القائمة وبقوة، فلترتعش الطبقات الحاكمة من الثورة الشيوعية، إذ ليس لجماهير البروليتارية (العمال) ما تفقده سوى أغلالها“.

لكن شيئًا لم يتغير!

فلم يثمر هذا البيان ثورة شيوعية كما كان المتوقع، بل كانت نتيجته مجرد صيحة تولدت من خيبة الأمل واليأس! فكان النظام القديم القائم على حق الملوك المقدس هو المسيطر والمتغلل في أنحاء أوروبا بل وفي روسيا نفسها التي كانت تعتبر حجر الزاوية في الاستبداد الأوروبي!

كانت الثورات التي قادها العمال ثورات بلا قادة تفتقر إلى التنظيم والهدف؛ لذا فقد حققت انتصارات مبدئية ثم وقفت لا تدري ما الخطوات القادمة، فاستجمع النظام القديم قوته وعاد ليحتل مكانه بقوة لا تقهر. انتهت الثورات وضربت الجماهير بالمدافع، كانت أحداثًا دامية وعنيفة! فقد كان الفكر الماركسي تحديًا خطيرًا للطبقات الحاكمة لأنه يستهدف تغيير الواقع، خاصة مع الانتشار السريع له نتيجة التحرر من القيود الكنسية في الدول الصناعية المتقدمة كروسيا وألمانيا.

رأس المال : ملحمة لا كتاب
في خمسينيات القرن التاسع عشر، أصاب الفقر ماركس وعائلته، حيث عاشت أسرته في شقة رخيصة بواحدة من أفقر مناطق لندن. نقل بؤس تلك المعيشة مخبر الشرطة المكلف بمراقبته قائلًا: “كل شيء قذر، كل شيء مليء بالتراب، أصبح الجلوس عملًا خطيرًا في ذلك المنزل، حيث أن الكراسي لها ثلاثة أرجل فقط!“، وعن ماركس نفسه قال: “مضياف للفقراء، يحيا حياة الغجر، الاغتسال وتغيير الملابس الداخلية من الأمور النادر القيام بها، دائم السُّكر والتسكع إلا إذا كان لديه عمل يقوم به فكان يصل الليل بالنهار”.

العجيب أن ماركس لام الطبقة البرجوازية على الحال المتردي الذي وصل إليه بالرغم أن الأموال التي كانت تأتيه من صديقه إنجلز ومن عائلة زوجته جيني وكذلك من مقالاته المنشورة كانت تكفيه لحياة رغيدة وسط الطبقة الوسطى! في تنصل كامل من المسؤولية.

كتاب الرأسمال لـ كارل ماركس
كتاب الرأسمال لـ كارل ماركس
على إثر ذلك، لم يجد ماركس مهربًا إلا دفن نفسه في أكوام من النصوص الاقتصادية بالمتحف البريطاني في لندن، فقرأ ماركس كل ما وقعت عليه يداه من كتب اقتصادية، وطوال ثمانية عشر عامًا (1850-1867) كان يكتب مسودات كتابه الذي أسماه: “رأس المال”Das Kapital .

كان ماركس دقيقًا وبطيئًا جدًا في الكتابة، فرغم تشجيع إنجلز له على تغييره لإيقاع كتابته البطيء إلا أن ذلك كان بلا جدوى، فقد استغرق ماركس عامين كاملين ليصدر المجلد الأول من كتابه، ليفارق الحياة عام 1883 قبل أن ينشر باقي أجزاء الكتاب، لكن لحسن الحظ، فقد جمع صديقه إنجلز الكثير المسودات التي لم ينشرها ماركس بعد، لينشر المجلد الثاني من كتاب صديقه الراحل عام 1885 والمجلد الثالث عام 1894، أما المجلد الرابع والأخير فلم ينشر إلا في عام 1910.

كتاب رأس المال ضخم عظيم يضم 2500 صفحة، استشهد فيها كارل ماركس بأكثر من 1500 كتاب، وتتنقل في صفحات كتابه بين أسلوب رياضي مليء بالدقة، وآخر عاطفي مليء بالغضب والضيق!

كان الكتاب ملحمة يقف فيها بطلا دراما الثورة الصناعية وجهًا لوجه: العامل والرأسمالي.

قسم الكتاب إلى ثلاث أقسام:

القسم الأول: مدخل إلى الرأسمالية
يوضح فيها ماركس فكرته عن السُّخرة، في تحليل نقدي للاقتصاد السياسي، والصراع الطبقي المتجذر في العلاقات الاجتماعية الرأسمالية.

القسم الثاني: قواعد الحركة الرأسمالية التي ستؤدي حتمًا لانهيارها
حيث شرح فيه هذه القواعد وكذلك الأفكار الرئيسية المؤسسة لاقتصاد السوق، حيث فسَّر كيفية تحقيق القيمة والفائض، وهو ما يُمثِّل أهمية كبيرة لفهم البناء النظري لحجة ماركس بأكملها.

القسم الثالث: التكاليف النفسية للرأسمالية
حيث فسِّر فيها كيف يزداد بؤس الطبقات العاملة في النظام الرأسمالي

المصدر: أحمد عبدالعزيز /موقع abeqtisad.com

إسهاماته الفكرية
مقال: فارس عبد الاله النعيمي / المصدر: الحوار المتمدن

كان كارل ماركس من الآباء المؤسسين لعلم الاجتماع وصاغ نظرياته في حقبة شهدت تطور السوسيولوجيا تطورا لم يُعهد له نظير من قبل. ونظريات ماركس متعددة الاهتمامات بقدر تعلق الأمر بمادة موضوعها ، وذات طابع مركَّب لكنها رُغم تنوعها فهي في مجملها نسيج متكامل ومتسق. وأنتج ماركس أعماله في فترة من التحولات الاقتصادية والاجتماعية العاصفة. ففي اواخر القرن التاسع عشر كانت الثورة الصناعية قوة الدفع الرئيسية في التغيرات التي امتدت آثارها الى الشطر الأعظم من القرن العشرين. وراح ماركس يمارس نشاطه النظري في غمرة هذه التحولات. وانطلقت بتأثير نظريته حركات اجتماعية واسعة في عموم اوروبا ، وباسمها دُشنت فترة من البناء الاجتماعي مع انتصار الشيوعية البلشفية في روسيا القيصرية وجيش التحرير الشعبي بقيادة ماو تسي تونغ في الصين.
هذا المقال محاولة لتقييم واحدة من أهم نظريات ماركس ومساهمتها في السوسيولوجيا المعاصرة ، تلك هي نظرية الاغتراب (أو الاستلاب). ولقد صاغ ماركس نظريته بدراسة اغتراب الانسان في اطار عملية الانتاج. وتهدف هذه المحاولة الى ان تبين ان نظرية ماركس في الاغتراب ما زالت تحتفظ بصحتها في مجتمع اليوم حيث تسببت التطورات الاجتماعية والتكنولوجية في اتساع الاغتراب ليشمل نواحي اخرى من حياة الانسان والمجتمع الى جانب عالم العمل والانتاج.

لفهم النظرية الماركسية فان على عالم الاجتماع ان يتناول بالدرس والتقييم أوسع واهم ما كتبه ماركس في تحليله لقوانين التطور التاريخي لا سيما نظرية انقسام المجتمع انقساما تراتبيا الى طبقات وما يترتب على ذلك من لامساواة. ويشير عمل ماركس في هذا المجال الى المبادئ العامة التي انطلق منها لصوغ الجوانب الاخرى من نظريته. ولقد شخص ماركس طبقتين صاعدتين في زمنه لكنهما طبقتان مشتبكتان في صراع من خلال الدور الذي تتولاه كل منهما في عملية الانتاج. ويقول ماركس ان نمط الانتاج الرأسمالي نمط دينامي بما أثبته من قدرة على التجديد والابتكار واستخدام التكنولوجيا لحل ازماته ، ولكنه نمط انتاج مدمِّر في الوقت نفسه ، بما تسببه الرأسمالية ، بوصفها الطبقة المهيمنة في هذه العلاقة ، من فقر في نوعية الحياة الاجتماعية وانحطاط على المستوى الأخلاقي. ويؤكد ماركس ان ميدان الصراع بين الطبقتين الرئيسيتين في المجتمع الذي درس قوانينه ، هو علاقات الانتاج حيث العامل خالق الثروة والرأسمالي مَنْ يتصرف بها ويدفع للعامل الأجر الذي يحددِّه مقابل ما يبذله من عمل. وهذه العلاقة بين العامل والرأسمالي علاقة تناحرية وذات طبيعة استغلالية وهي الاساس الذي تنهض عليه نظرية وجود طبقات ذات مصالح متناقضة ، وأهم من ذلك أخطر ما يترتب على هذه العلاقة غير المتكافئة: الاغتراب.
يميط ماركس اللثام عما يصفه بالآثار المدمِّرة لنمط الانتاج الرأسمالي على الانسان. وهي آثار تطاول قدرات الفرد الذهنية والعلاقات التي يدخل فيها مع الآخر. ويوضح ماركس ان الاغتراب هو انفصام كينونة الانسان عن ذاته ، وعن عملية الانتاج ، وعن الآخر وعن المنتوج الذي يخلقه بقوة عمله. فان حرية الانسان في الاختيار وطبيعته الانسانية الحقيقية تتعرضان الى التشوه ، وتُضفي الرأسمالية على نشاطه طابعا انسانيا كاذبا بما تعيد انتاجه من علاقات غير متكافئة. وما يبقى من الانسان بعد هذه العملية هو قشرة من ذاته الأصلية ولا يعود يمارس نشاطه الحياتي الطبيعي بل يصبح الانسان المغترب “تجريدا”.
يغدو الانسان “تجريدا” عندما يفقد كل معنى واحساس بما هو حقيقي وملموس ، ويقع في خواء مطلق حيث يُختزَل نشاطه الطبيعي الى عمل من أجل لقمة العيش فيما يُحكِم الرأسمالي سيطرته على مصير مَنْ يبيعه قوة عمله. وفي موقع العمل يصبح الانسان العامل أسير عمليات رتيبة تجرده من انسانيته. وينطوي هذا عادة على انتاج جزء من كلٍ أكبر ، ليس له أي معنى عند العامل لأنه لن يملك الجزء ولا الكل ولن يكون قادرا على استخدام نتاج عمله وثمرة مجهوده. وهذا هو الاغتراب الاقتصادي وأحد العناصر الرئيسية في نظرية الاغتراب الماركسية.

الشكل الآخر من الاغتراب هو الاغتراب الناجم عن علاقة الانسان بالانسان. ويقول ماركس في “مخطوطات 1844″ ان موضوع العمل يصبح….تشييء حياة البشر”.

بفصم موضوع العمل عن تحكم الانسان به يُفصَم الانسان عمليا عن واقعه الذي لا غنى عن التعاطي معه ليطور الانسان نفسه في مجرى هذه العلاقة بوصفه كائنا بشريا. ولولا هذا الشكل من الاغتراب لكان بمقدور الانسان ان يصنع منتجاته في حال من الانسجام والتناغم معها ومع نشاطه المنتج لها لأن امكانات العقل البشري لا تتحرر وطاقاته الابداعية لا تتفتح إلا بخلق اشياء رائعة الجمال وبتنوع لا محدود ، كما يقول ماركس.
ويمتد الاغتراب الى علاقة الانسان بالانسان نظرا الى ان ما يُنتَج من سلع في موقع تفاعلهما خلال عملية الانتاج ، يكون هو الصنم الذي لا يعلو عليه اعتبار آخر سوى الربح. وبانخراط الانسان في هذا العمل الرتيب المخدِّر لقواه الفكرية ، المُهين للعقل والجسد على السواء ، نظرا الى الاقدام عليه بدافع القسر وغياب الخيارات الاخرى ، لا بد ان يكون ناتج عمل الانسان غريبا عن العامل الذي خلقه ومُلك الرأسمالي الذي يشتري قوة عمله. وبذلك يُسهم العامل في اعادة انتاج العلاقات الاجتماعية ذاتها التي تظلمه. والرأسمالي نفسه ايضا يكون موضوع اغتراب في موقع العمل حيث صلته الوحيدة بالنشاط الانتاجي هي ما يحققه من ربح في الحصيلة النهائية. وبما ان العمال لا يستطيعون ان يقيموا علاقة انسانية طبيعية مع الرأسمالي فان الرأسمالي ايضا لا يستطيع ان يقيم علاقة كهذه معهم. وهذا الاغتراب ناجم عن حقيقة ان الرأسمالي هو الذي يدفع اجور العمال ويحدِّد ساعات عملهم.

من اسباب القوة في نظرية الاغتراب التي صاغها ماركس انها تسلح العالم السوسيولوجي بفهم للعمليات والعلاقات التي تشكل لحمة المجتمع وخاصة في موقع العمل. وماركس يُسلط الضوء على القيم الاجتماعية والاخلاقية التي تحدِّد كيف يُعامَل الانسان المنتِج وكيف يتصرف في موقع الانتاج. كما تشدد النظرية على ان انهاء هذا الاغتراب سيحرر امكانات الانسان وطاقاته ويتيح له ان يستعيد تلك العلاقات التي تجعله مخلوقا فريدا ، وينتشلها من انحطاطها في ظروف الرأسمالية الحالية. وفي الوقت الذي يحتفي فيه ماركس بمساهمة التصنيع في تطوير حياة الانسان المادية ومستواه الفكري فانه يلعن العلاقات الرأسمالية التي حولت العمل الى نشاط يجرد البشر من انسانيتهم ويهدد فرديتهم المتميزة وتقدم الانسانية عموما. ولكن محلليين ينتقدون هذا الجانب من نظرية الاغتراب بوصفه عنصرا متناقضا فيها منطلقين من الموضوعة القائلة ان فكرة التقدم والفردانية ذاتها ازدهرت تحديدا في حقبة التصنيع مع صعود الرأسمالية ، وان المجتمع المنتِج بات مجتمعا أكثر دينامية في انتاجه الذي يدلل عليه ما شهده العالم من ابتكارات واختراقات في اطار الثورة التكنولوجية منذ مطالع القرن الماضي.
رغم الصورة القاتمة التي ترسمها نظرية ماركس عن اغتراب الانسان بجريرة العلاقات الرأسمالية فقد صاغها صاحبها ايمانا منه بأن الانسان الذي صنع اغترابه بنفسه قادر على اقصائه من حياته بتغيير العلاقات الكامنة في اساس الاغتراب. ولا أقل من ثورة اجتماعية عالمية ، بحسب ماركس ، قبل ان يبلغ الانسان مستوى من الوعي يقنعه بالغاء العلاقات اللامتكافئة والفوارق الاجتماعية ليعود الانسان الى حالته الطبيعية. وحينذاك سيبزغ نمط انتاج جديد ومعه حياة جديدة. وما شهده العالم في القرن العشرين من تجارب لم يُكتب لها النجاح ، لاسيما في الاتحاد السوفيتي السابق ، كان حالة من الجمود نشأت بعد تدمير العلاقات السابقة دون بناء العلاقات التي حدَّد ماركس معالمها لالغاء الاغتراب. فلم ينشأ مجتمع المساواة اللاطبقي وحرية الخيار والاشتغال على موضوع الانتاج بانسجام معه ومع الذات ، وبالتالي لم يتوفر العلاج المطلوب لاقصاء الاغتراب من حياة الانسان.
من نقاط الاختلاف بين ماركس والقطبين الآخرين في مدرسة علم الاجتماع ، ماكس فيبر واميل دوركهايم ، العقلانية التي اعتمدها كل منهم ، وخاصة فيبر. فعقلانية ماركس تقوم على ما يفعله الانسان ليحقق هدفا ما في الحياة في حين ان عقلانية فيبر تقوم على الحساب البارد والتقنية الصرفة. يضاف الى ذلك ان إعلاء القيم الانسانية واضح التأثير في طرح ماركس لنظرية الاغتراب في حين يجادل فيبر بأن عملية الانتاج مباحة قانونا ما دامت هناك علاقة تعاقدية بين طرفين حرين هما العامل ورب العمل. كما ان النقد/رأس المال هو عند فيبر أداة شديدة الدقة للحساب الاقتصادي والتجارة ، وبالتالي ليس هناك اغتراب إذا كان العمل خيارا حرا وعملية العمل نشاطا يُمارَس بالتراضي.

تتمثل مساهمة نظرية الاغتراب في سوسيولوجيا العصر بتوفيرها اطارا منهجيا يمكِّن عالِم الاجتماع من ممارسة نشاطه البحثي بتطبيق هذه الفكرة على مجتمع القرن الحادي والعشرين ، ليبين بصفة خاصة كيف وَجَد الاغتراب طريقه الى نواحي عديدة من مجتمع اليوم ، وليس في موقع العمل وحده. فالمجتمع الرأسمالي محكوم بمواضعات ومعايير وهيمنة ايديولوجية تتعامى عما تخلقه علاقاته من مشاكل فيما تعمل قيمه على تمويه معضلات حقيقية بواجهات زائفة. وأحدى المعضلات المتأصلة في الرأسمالية ، الاغتراب الذي لا يقتصر في مجتمع اليوم على علاقات الانتاج بل يعمل على تعهير ثقافة المجتمع ذاتها. ومن الامثلة على ذلك الاغتراب الذي يتعرض له الشباب. فان قوى الثقافة السائدة من الفاعلية بحيث إذا تمرد الشباب والمتعلمون من افراد المجتمع على واقع مجتمعهم نتيجة لارتفاع درجة وعيهم ، تكون لدى الايديولوجيا المهيمنة القدرة على تحويل هذا السخط والتمرد الى سلعة تسوِّقها بدافع الربح. وهنا تبدأ اقتصاديات الاغتراب بالعمل من خلال استثمار هذه المادة الخام واستغلالها. ويصح هذا بصفة خاصة على صناعة الموسيقى الغربية حيث تظهر مجموعات وأنماط فنية وتمثيلات ذات اسماء تعبر دلالاتها عن التمرد والغضب ومشاعر الاحباط بسبب عجز الشباب واغترابهم عن الأجيال الاخرى وعن بعضهم بعضا تحت وطأة العلاقات اللاانسانية السائدة. وبهروب الشباب الى الموسيقى بحثا عن وسيلة تُنسيهم اغترابهم فانهم يصنعون صورة جديدة للواقع مادة بنائها الأسماء والعلامات والصرعات الموسمية التي تنتجها موسيقاهم. وبلغ اغتراب الشباب مبلغا باتت معه الموسيقى صاحبة الكلمة الحاسمة في إملاء سلوكهم وتكوين قيمهم وتحديد ملبسهم وحتى ارساء مبادئ اخلاقهم. وحصيلة هذا الاغتراب عند الشباب صورة عن الواقع والحياة تبدو هي الطبيعية على حساب الحقيقة التي ينزل عليها ستار الاغتراب فتغيب عن انظارهم. وسواء أكانت نقمتهم على العلاقات الاجتماعية السائدة جذرية او عابرة فان هذا لا يعود هو القضية بعد ان شفطتهم في فلكها دورة حياة لا تعمل إلا لتحقيق مزيد من الربح للشركات التي تسيطر على صناعة الثقافة. وأزمة الشباب في مجتمع اليوم تسلط الضوء على اتساع رقعة الاغتراب الذي تحدث عنه ماركس وتؤكد ان مساهمة نظريته تتيح لعالم السوسيولجيا دراسة نواحي من المجتمع كان يُعتَقَد انها افلتت من قبضة الاغتراب. ولكن هذا لا ينتقص من تركيز ماركس على شكل الاغتراب الذي عالجه في نظريته ، أي الاغتراب الناجم عن علاقات الانتاج.
في دراسة ميدانية لأحد معامل الحديد والصلب أظهر البحث السوسيولوجي استمرار الاغتراب من خلال علاقة العمال مع بعضهم بعضا (Mollona, 2005). ففي هذه الحالة الملموسة كان العمال موزعين في مجموعات منفصلة حسب الوظائف المناطة بهم. فكانت مجموعة تمارس عملا متخصصا واخرى تؤدي عملا رتيبا على خط التجميع. ولا يتبدى التعارض بين طبيعة عمل المجموعتين في تقسيم العمل والاجور (أجور اعلى للعمال المتخصصين) فحسب بل وفي الامتيازات والصلاحيات الممنوحة للعمال المتخصصين تجاه اقرانهم غير المتخصصين وفي التعامل مع المتدربين. وتوصلت الدراسة الى ان هذا يخلق تراتبية واحساسا بالتنافر والتنافس غير الصحي بين العمال. وعمليا فان هذا الوضع يخلق شريحتين من العمال المغتربين عن بعضهم بعضا والمغتربين كلهم عن الحقيقة رغم اشتراكهم في بيع قوة عملهم وتشاطر البؤس الناجم عن حياة الكدح لحساب الرأسمالي دون مقابل يعادل مجهودهم. وبالتالي فان هذه الدراسة تبين ان الاغتراب شرط مقيم على امتداد تاريخ الرأسمالية بصرف النظر عن تغير الظروف التي يحدث فيها.
ثمة سوسيولوجيون يرون ان الماركسية عاشت دهرها وعفا عليها الزمن وان التحولات الجذرية التي اقترنت بالثورة التكنولوجية واساليب الادارة دفعتها الى أزمة لم يفلح الماركسيون في حلها. ولكن سوسيولوجيين آخرين يؤكدون انه حتى على افتراض وجود أزمة في الماركسية فلابد ان يكون لها علاج وحل مثلها مثل نقيضها الرأسمالية التي اثبتت قدرة لافتة على ايجاد الحلول لأزماتها الواحدة تلو الاخرى.
ويمكن القول ان نظرية الاغتراب والأشكال الحديثة التي يتبدى فيها تؤكد ان الماركسية ليست حية فحسب بل وان هذا الجانب من النظرية يواصل تطوره ويحقق اختراقات جديدة في ميادين السوسيولوجيا. ولعل السوسيولوجيين الذين يقولون بأزمة الماركسية ، أنفسهم يعانون من الاغتراب ازاء ما يظهر من نظريات جديدة تفكك فكرة الحقيقة ذاتها مثل ما بعد الحداثة وما بعد البنيوية ، الخ. ويتحمل هؤلاء السوسيولوجيون مسؤولية الانتقاص من الحقيقة وطبيعة الانسان بتشكيكهم في جدوى تطلعه الى حياة افضل وقدرته على بناء مجتمع يقرِّبه من هذا الهدف. وهم عوضا عن اداء رسالتهم بتشخيص العقبات التي تعترض طريق الانسان في مسعاه النبيل هذا ، ينظرون الى المجتمع على انه بلغ نهاية تاريخه والى التاريخ نفسه على انه وهم. وتذهب محاجَّة هذه المدرسة الى ان من العبث محاولة صوغ سرديات كبرى تطمح في فهم العالم وتفسيره ثم تغييره. ويؤكد سوسيولوجيون مثل غيدينز Giddens وهابرماس Habermas وكاستيلس Castells وبيك Beck على سبيل المثال لا الحصر ، ان نظريات مثل الماركسية تدفع عجلة التقدم وتحفز التغيير الايجابي في المجتمع.
ثمة حقيقة لا مراء فيها بصرف النظر عما قاله ماركس وما آلت اليه محاولات ترجمة ما قاله في الواقع ، وهي ان لا وجود لمجتمع طوباوي مع الاغتراب أو من دونه. ولكن السؤال هو ما إذا كان اليأس والاغتراب قد باتا بلاء ملازما لحياة البشر بحيث لم يعد الانسان يؤمن بقدرته على تغيير العالم نحو الأحسن أو الحلم بمثل أعلى في اقل تقدير.

المصادر
Ollman, B. 1971, Alienation: Marx’s conception of man in capitalist society, 2nd edition, Melbourne, Aus. Cambridge University.
Johnson, F. 1973 Alienation: Concept, term and meaning. New York, USA, Seminar Press Ltd.
Joachim, I. 1968. Alienation, from Marx to modern society. Boston, USA, Harvester Press.
Ratansi, A. 1982. Marx and the division of labour. Hong Kong, China. Macmillan Press Ltd.
Abercrombie, N. 2004. Sociology. Cambridge, UK. Polity Press Ltd.
McLelan, D. 1977. Karl Marx selected writings. New York, Oxford University Press.
Mandel, E. Novack, G. 1970. The Marxist theory of alienation. New York, Pathfinder Press Inc.
Journals
Tacussel, P. 1989 (spring). Criticism and understanding of everyday life. Current sociology, the sociology of everyday life. Vol 37 (1), pp. 61-70.
Halnon, K. B. May 2005. F****the mainstream music, in mainstream. Current sociology. Vol 53 (3). P. 441-464.
Mollona, M. Jun 2005. Steel production and technological imagination in an area of urban deprivation. Critique of anthropology. Vol 25 (2), pp. 177-198.

مفهوم العنف الرمزي عند بيير بورديو


مقدمة:
يعد مفهوم العنف الرمزي من أكثر اكتشافات بورديو الفكرية تألقا وأهمية، وقد شكل مفتاحا سوسيولوجيا لأكثر القضايا الفكرية أهمية وخطورة في العصر الحديث. ويمتلك هذا المفهوم سحره الفكري الخاص في قدرته على استكشاف أعمق مجاهل الحياة الفكرية تعقيدا، واستقصاء أبرز متاهاتها السياسية والاجتماعية تشابكا وغموضا. وقد وُّظف هذا المفهوم جيدا في إنارة الدهاليز المظلمة لقضايا اجتماعية كبرى مثل: الهوية، والطبقة، وإعادة الإنتاج، والصراع الطبقي، وسلطة الدولة.
ويعود للمفكر الفرنسي بيير بورديو الفضل في بناء هذا لمفهوم وإكسابه المشروعية الفلسفية، إذ بذل جهودا مُضنية من أجل التّعريف بأبعاده وحدوده، وعمل على استكشاف دينامياته السوسيولوجية وملابساته الفكرية، كما استكشف الآثار والوظائف الأيديولوجية التي يؤديها العنف الرمزي الذي يتصف بذكائه ودهائه وقدرته على التخفي، ونصب الكمائن لضحاياه في مختلف المستويات الأيديولوجية، كما بيّن قدرة هذا النوع من العنف على المراوغة والمداهنة إلى درجة يستطيع فيها أن يتخفى على ممارسيه وضحاياه في آن واحد.
تناول بورديو العلاقة الملتبسة بين العنف الرمزي واستلاب الهوية، ودرس أبعاد وحدود هذه العلاقة بمختلف تجلياتها مستكشفا مختلف الآثار التي يتركها هذا العنف في التكوينات الإنسانية للهويات الفردية والاجتماعية. وعمل في سياق ذلك على تقصي الآلام النفسية التي يولدها هذا العنف عند الجماعات المهمشة، مثل: الجروح النرجسية للهوية، وتبخيس الذات، والنكوص الثقافي وغير ذلك من الأعراض السيكولوجية الثقافية.
في مفهوم العنف الرمزي
غالبا ما يجري الخلط بين العنف الرمزي والعنف السيكولوجي، فهناك عدد كبير من الباحثين الذين يحيلون العنف الرمزي إلى العنف السيكولوجي، وهذا يتعارض مع الحقيقة السوسيولوجية للعنف الرمزي الذي يختلف كليا وجوهريا عن العنف النفسي كما عن أي شكل آخر من أشكال العنف.
فالعنف الرمزي مقارنة بأي شكل آخر من أشكال العنف يكون غامضا مستترا خفيا ناعما، ولكن نتائجه قد تكون كارثية فيما يتعلق بتوجهات الحياة الاجتماعية بمساراتها الفكرية والأيديولوجية. ويضاف إلى ذلك أنه عنف إشكالي وظيفي، يحمل في ذاته طابعا أيديولوجيا، وهو يثير كثيرا من الجدل بين الباحثين والمفكرين.
وقد دأب بيير بورديو على استخدام مفهوم العنف الرمزي، في أغلب كتاباته السوسيولوجية والتربوية، كما في أعماله الأدبية، ووظفه في استكشافه لأبعاد الهيمنة الذكورية، والسيطرة الأيديولوجية، ومعاودة الإنتاج، وفي دراسته ” للهابيتوس” أو التطبيع الطبقي والعائلي وغير ذلك من القضايا الفكرية والاجتماعية التي تناولها في مجمل نظرياته وأعماله العلمية ([1]).
يعرف بورديو العنف الرمزي ” بأنه عنف ناعم خفي هاديء، وهو خفي مجهول من قبل ممارسيه وضحاياه في آن واحد”، ويقول عنه في سياق آخر: “إنه عنف هادئ لا مرئي لا محسوس حتى بالنسبة إلى ضحاياه”. ويتمثل في اشتراك الضحية وجلادها في التصورات والمسلمات نفسها عن العالم. ويتجلى هذا العنف في ممارسات قيمية ووجدانية وأخلاقية وثقافية تعتمد الرموز كأدوات في السيطرة والهيمنة، مثل: اللغة، والصورة، والإشارات، والدلالات، والمعاني، وكثيرا ما يتجلى هذا العنف في ظلال ممارسة رمزية أخلاقية ضد ضحاياه ([2]).
والعنف الرمزي ينبثق عن سلطة رمزية، ويعبر في جوهر الأمر عن توجهاتها، وهذه السلطة تقوم على أسلوب التورية والتخفي، فهي سلطة لامرئية تنطلق من مبدأ تواطؤ أولئك الذين يأبون الاعتراف بأنهم يخضعون لها. لهذا يكون تأثير السلطة الرمزية أعمق و أخطر من أي سلطة أخرى لأنها في جوهرها تستهدف البنية النفسية و الذهنية لضحاياها، و بالتالي فهي – أي السلطة الرمزية تخطط لفرض أهدافها المرسومة وإنتاج الأدوات و الآليات و المعايير المناسبة لإخضاع من تستهدفهم، وذلك لتثبيت و خلق واقع وضع إنساني مرغوب فيه و مخطط له، و تمارس هذه السلطة الرمزية فعاليتها بطريقة منظمة و بنائية متكاملة تحت غطاء التخفي والاختفاء، أي وراء أقنعة المألوف العادي وأنظمة التقاليد والمقولات والخطابات المنغرسة في عقول الناس والثاوية في ضمائرهم.
ويمكن القول في هذا السياق أن العنف الرمزي هو نوع من العنف الثقافي الذي يؤدي وظائف اجتماعية كبرى، ويمكن تلمسه في وضعية الهيمنة التي يمارسها أصحاب النفوذ على أتباعهم بصورة مقنّعة وخادعة، إذ يقومون بفرض مرجعياتهم الأخلاقية والفكرية على الآخرين من أتباعهم، ويولدون لديهم إحساسا عميقا بالدونية والعطالة والشعور بالنقص ويخضعونهم لنسق من المعايير والرموز التي تؤكد دونيتهم ووضعياتهم الثانوية عبر عمليات ومشاعر النقص والضعف والافتقار إلى الجدارة والموهبة والشرف والكرامة وضعف تقدير الذات. فالهيمنة الرمزية تمثل في جوهرها عملية تطبيع الآخر على الشعور بالدونية ، وضعف الإحساس بالقيمة الذاتية، وازدراء الأنا ، كما تمثل في جوهرها عملية تمويه وتورية واختفاء ومواربة في تحقيق أهدافها وغاياتها السلطوية.
والعنف الرمزي، سواء أكان مقترنا بالعنف الفيزيائي أم لا، يولّد آلاما كبيرة تنال العمق الأساسي للهوية وتستلبها. وهذا يتشكل بتأثير التصورات الرمزية التي تأخذ صورة نسق من المعارف والمقولات والمفاهيم والتصورات التي تحدد هوية جماعة ما مقارنة مع الجماعات الأخرى. وبالتالي فإن هذه التصورات الرمزية حول الذات التي يستبطنها الفرد رمزيا تعمل على تشكيل هويته الفردية والاجتماعية. وهذه التصورات كما أشرنا تكون نتاجا للعنف الرمزي الذي يمارس بصورة مباشرة أو عبر فعاليات ثقافية.
جروح الهوية:
تتعرض وحدة الهوية للخطر بصورة دائمة تحت تأثير عوامل الانشطار والانكماش والتجزؤ والتفكك والإحساس بالدونية، وهذا ما يطلق عليه علماء النفس قلق التفكك والانشطار (Angoisse de morcellement) الذي يضع الفرد تحت تأثير نوبة من الشعور بالقلق والتوتر. فالفرد، رغم شعوره بوحدته وتماسكه وتفرده، ليس واحدا على مرّ الزمن، ومن ثم فإن أفعاله في وقت محدد ليست تعبيرا مؤكدا للشعور بالهوية وتأكيد الذات، وذلك عندما نأخذ بعين الاعتبار وضعيات المعاناة والإكراه التي يكابدها الفرد في التكيف مع كل حالة من حالات الوجود والاستمرار.
فالفرد يكوّن جوهر هويته ويشكلها في مختلف مراحل التنشئة الاجتماعية تحت تأثير فعالية رمزية مكثفة تنطلق من تشكيلات ثقافية سائدة في الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه. وهنا في هذا الحقل الرمزي ترتسم أنماط التجاوب مع التحديات في سياق درامي في مختلف المستويات الحياتية عبر أسئلة تتعلق بالهوية، مثل: من أكون؟ أو من أنا بالتحديد؟ ما معتقداتي؟ ما ولاءاتي الأساسية؟ في هذا النسق من الأسئلة يرتسم الحقل الرمزي المشكل للهوية والأنا بمعنى تأخذ الرموز دورها في تشكيل هوية الفرد والجماعة. وهذه التحديدات الرمزية الخاصة بالهوية تنطوي على رؤية شمولية يمكنها أن تتجلى وفقا لتنوع الحالات والمواقف التي يواجهها الفرد في مسار حياته الإنسانية.
لنأخذ مثالا على تأثير الحقل الرمزي في تكوين الهوية: يمارس اسم الفرد فعالية رمزية مؤثرة، لأن الاسم غالبا ما يحدد جنس الفرد وفقا لأغلب الثقافات، كما يرمز إلى صفات ومعاني يختزنها الفرد لاشعوريا في مختلف مراحل تكونه النفسي والاجتماعي. وهذا يعني أن الاسم الدال على الجنس يرسخ رمزيا في الوعي الفردي نواة الهوية ومركزيتها. ومن المهم في هذا السياق معرفة الدور الكبير الذي يمارسه النسق الرمزي في علاقته مع التحديات التي يواجهها الفرد عبر مسارات الحياة اليومية عبر الزمن. فالفرد يرسم نفسه عبر تجاربه الحية في الحياة وعبر علامات راسخة ونقاط علام أساسية توجه مسار حياته نفسيا ورمزيا، وهنا فإن كل المعايير والدلالات التي تثبت وتقاوم الظروف الزمنية تشكل محورا أساسيا للهوية حيث يرمز الثبات إلى انتصار الأنا والذات في مواجهة الموت والعدم.
فالفرد، عندما يريد أن يعزز شعور الهوية والإحساس بالأنا، يعمل على تزكية قيم أخلاقية مرجعية لتشكل مصدرا للسلوك والفعل لديه. وهذه القيم تعطي سلوكه طابع المشروعية التي تؤكد وحدة الشخصية وتماسكها، ومن هنا يمكننا أن ندرك أن عملية اكتشاف الهوية وتنميتها ترتبط جوهريا بالعقائد الدينية والفلسفية؛ كأن يكون المرء مسلما أو مسيحيا أو عقلانيا أو ملحدا. فالإنسان كائن اجتماعي ينزع أن يكتشف نفسه بطريقة مميزة غالبا ما تكون رمزية، ووفقا لذلك فإن الفرد يحمل في ذاته هوية الجماعة التي ينتمي إليها عبر تدفق هائل من الرموز والإشارات والمعاني التي توجد في البيئة الثقافية للجماعة التي ينتمي إليها.
لا يولد العنف الرمزي ضد الجماعات الهامشية بالضرورة من السلوك المتعمد والمقصود. وإذا كانت هناك أفعال ومقولات، تهدف بصورة متعمدة إلى ازدراء الآخر وإهانته، فهذه الأفعال والأعمال تكون من نمط آخر مختلف تماما. فالآلام التي تتعرض لها الهوية لا تقف عند حدود احتقار الذات، إذ يمكن أن تتجاوز ذلك إلى عملية تدمير المرجعيات الأخلاقية والقيمية التي تؤكد الهوية وترسم أبعادها.
العنف الرمزي بالتبخيس:
كل تأكيد للذات في الحياة – كما يعتقد جورج ميد George Mead – يتضمن أحكاما قيمية ضرورية، ومهما يكن الأمر، فإن الهوية تتشكل جوهريا عبر العلاقة بالآخر، وهذا بالضرورة يقتضي تصنيفا اجتماعيا للناس في طبقات ومراتب وفقا لمعايير الأعلى والأدنى. فبعض الجماعات تنزع إلى إظهار معايير ومؤشرات تفوُّقها، وهذا يشكل موقفا مكروها ومرفوضا من قبل الجماعات الأخرى. فالأيديولوجيات الطبقية التي تتعلق بالطبقات الارستقراطية العليا أو النخبة أو البرجوازية أو الطبقة المتوسطة التي تحمل رسالة حضارية تصنف جميعها في هذه الفئة الاستعلائية.
فالتبخيس والازدراء وتهميش الهوية أمر صادم ومدمر، ويمثل عملية اغتصاب لقيمة إنسانية ضرورية لتوازن المجتمعات الديمقراطية القائمة على مبدأ المواطنة. ففي المجتمعات الأوروبية يوجد اليوم رفض صريح للخطاب العرقي والسلوك التعصبي والتمييز الذي يستهدف الجماعات وينال من قيمتها وشخصيتها وأركان هويتها المتعلقة بالأصل والعرق والدين والجنس. فالتبخيس والتهميش يتم عبر الإهانات والتحقير والتصغير والتشهير والتمييز وهي أفعال تمييزية تنتقص من قيمة الفرد وتدمر مرجعيات هويته الإنسانية.
لقد دأبت السياسات الاستعمارية على توظيف هذا النوع من التبخيس والتدمير الثقافي للهوية ضد الشعوب المستعمرَة، وذلك تحت ذريعة التنوير والتبشير والديمقراطية. ويمكن تصنيف تسميات: بلدان العالم الثالث، البلدان النامية، بلدان الجنوب، البلدان المتخلفة، تحت هذا العنوان التبخيسي للهوية. ومما لا شك فيه أن هذه التسميات وغيرها، التي أطلقت على الشعوب المغلوبة، تمثل أحكاما قيمية غامضة تبخيسية بذاتها، وترمز إلى تقدم المجتمعات الغربية وتفوقها.
في البلدان الغربية تتشبع السياسات الاجتماعية التي اتخذت لمساعدة الفئات المهمشة والضعيفة، مثل: العاطلين عن العمل، والمعوقين، والمهجرين، والفقراء، بأحكام قيمية مدمرة لمرتكزات الهوية الاجتماعية لهذه الفئات. فالحياة في الأحياء الفقيرة، في ظل غياب مريب للخدمات الاجتماعية، تشكل شاهدا على عملية تدمير مرتكزات الأنا والهوية ؛ حيث تهمل هذه الأحياء من قبل المؤسسات السياسية والإدارية عمدا، ويتعرض سكانها لعملية تبخيس دائم ومستمر، يؤدي في النهاية إلى استبطانهم الإحساس بالدونية، وفقدان القيمة الإنسانية، وعدم الأهلية.
فالنزعات: القومية، والعلمانية، والاشتراكية الثورية، والليبرالية، تمثل تيارات وقوى سياسية، عملت على نشر أيديولوجيات شمولية، ترتكز في جوهرها إلى ثقافة تعصبية مهينة، ولكنها فعالة في مجال الحياة السياسية، إذ يجد الخطاب التبخيسي في تلك الثقافة السياسية الجديدة مصادره، ويأخذ مداه، ويمارس تأثيره بقوة واضحة المعالم.
لقد أدت الحروب الأهلية في أوروبا، في القرن العشرين، إلى إيقاظ وعي عام جمعي مضاد لثقافة التبخيس والكراهية إزاء مختلف التكوينات العرقية والجماعات الهامشية والأقليات في تلك البلدان. وعلى خلاف ذلك فإن التصورات التي ترمز إلى دولة الرفاهية والتقدم والرفاه الاقتصادي قد عززت فكرة التصنيفات الغامضة التي تأخذ طابعا لا يخلو من التبخيس المبطن الذي تعاني منه الفئات الاجتماعية المهيضة والمهمشة. ووفقا لهذا المقياس يتم الحكم على دونية المهاجرين، الذين تدفقوا إلى أوروبا، في النصف الثاني من القرن العشرين؛ وبحكم الظروف السائدة آنذاك، وجد هؤلاء المهاجرون أنفسهم بالضرورة في وضعية تبخيس وازدراء، وشكلوا موضوعا للكراهية والتعصب من قبل السكان الأصليين، وهذا بدوره أثر كثيرا على تدمير مكونات الهوية الثقافية لديهم.
تدمير المرجعيات الثقافية:
تأخذ الثقافة وضعية رمزية وهي في حقيقة الأمر تشكيل رمزي. ومن هذا المنطلق يعرفها سلزنك ” بأنها، أي: الثقافة، كل شيء يتم إنتاجه عن طريق الخبرة الرمزية المشتركة وله القدرة على مساندتها “([3]).
نعني بالمرجعيات الثقافية للهوية منظومة من المعايير والقيم والمشاعر الأساسية والتصورات التي تسمح للفرد بأن ينتمي إلى ذاته، ويشعر بتماسك هويته، ويأخذ وضعية محددة في العالم الذي يعيش فيه، وفق مخطط من التصورات والمشاعر والمعايير التي تتسم بالوضوح والوحدة والتكامل، وهذه التصورات، تشكل بدورها المحددات الثقافية والتربوية، التي تمكّن الفرد من أن يرسم نسقاً من الفعاليات التي تسمح له بعملية التكيف والاستمرار بوصفه وجودا وذاتا وهوية، في عملية تفاعله مع مختلف مثيرات وظروف الوسط البيئي الإنساني والاجتماعي والثقافي الذي يحتضنه. وهذه المرجعيات تسمح للفرد على سبيل المثال أن يقدم إجابات واضحة حول قضايا وجودية وحيوية لعلاقاته بالوسط والآخر، حيث يفرض المرء، بالاستناد إلى شروط وجوده، مخططا واضح المعالم للحياة والوجود يحدد من خلاله مختلف المعايير التي يعتمدها في وجوده واستمراره وتكيفه؛ وتكون هذه المعايير نقاط علام بارزة في مسار التكيف والاستمرار والوجود، من مثل: ما الأشياء التي تخصني؟ وما التي تخصك أنت؟ من خصومي؟ من أعدائي؟ كيف أفرض نوعا من الأمن الذي يتعلق بوجودي وكينونتي؟ مع من أتضامن وإلى من ألجأ ساعة الخطر؟ ما أنماط السلوك المشروعة وغير المشروعة التي يمكن أن أؤديها؟ ما الأمور المرغوبة التي يفضل أن أقوم بها؟ ما الأشياء المهمة وغير المهمة التي يجب الاهتمام بها؟ ما الأمور التي يمكن أن تثمن عاليا؟ وما تلك التي تكون هامشية؟ ما المقدس وما المدنس في الحياة؟ ما الغاية وما الوسيلة في الوجود؟ هذه الأسئلة وغيرها تشكل مسار وحدود المرجعيات الخاصة بالهوية التي تشكل نواة الوجود والهوية والإحساس بالأنا والتمايز الثقافي.
وفي هذا الخصوص يمكن القول: إن أي خلل، أو ضرر، أو تدمير، يصيب هذه المرجعيات، سيؤدي بالضرورة إلى عملية هدم للهوية ذاتها، وهذا يتم تحت تأثير مجموعة من العوامل والتأثيرات المقصودة وغير المقصودة، التي تشكل نوعا من العنف الرمزي المدمر للهوية. فأي تبخيس واستصغار وإشعار بالدونية، وأي أحكام سلبية رمزية تباشر هذه المكونات الأساسية للهوية، يمكنها أن تشكل خطرا على مكونات الهوية ووحدتها. والأمثلة على هذا النوع من العنف الرمزي تتعدد وتتنوع بتعدد وتنوع الديناميات النفسية الاجتماعية.
ويمكن القول هنا: إن الشكل الأول للعنف الرمزي يتجلى في الخلل الذي يعتري الوسط العاطفي والانفعالي المرجعي للفرد، وهذا هو الخلل الذي أفرزته الحداثة الغربية التي عملت على هدم المرتكزات الرمزية للأديان السماوية، وهذا بدوره شكل فوضى قيمية كبيرة في مجال الإحساس بالهوية الدينية. فالمؤمنون اليوم يعيشون في عالم انقلب فيه نسق الأسباب والمسببات فحلت السببية العلمية مكان السببية الإلهية، وحلت فكرة التقدم العلمي مكان العناية الإلهية، وتركت فكرة الكمال الإلهي مكانها للأخلاق العملية وأدى هذا كله في النهاية إلى التباس الهوية واضطرابها.
فالجماعات المهمشة، ولاسيما الأقليات، تعلن رفضها لكل ضروب القهر الرمزي والأخلاقي حفاظاً على هويتها، وهي تعمل في الوقت نفسه على مهاجمة هؤلاء الذين ينتهكون قيمها وتصمهم بالخيانة والعار. وهذه الحالة الدفاعية لا تلغي مع ذلك قلق هذه الجماعات وخوفها، وقد تدفع هذه الوضعية بهذه الجماعات إلى الانغلاق العقائدي لتعزيز أفكارها وتصوراتها لدى أفرادها والمنتسبين إليها، وهي تفعل هذا وفق آلية التغذية الذاتية العفوية حفاظا على مكونات هويتها التي تتعرض للضغط والفوضى بتأثير عوامل الصدمة مع معتقدات الآخر وأنماط وجوده. والشكل الأكثر تطرفا لهذا النمط من العنف الرمزي يتمثل في عملية تدمير الرموز، ولاسيما الرموز الدينية تعبيرا عن رفض كل ما يتصل بالعقائد الدينية حيث يتم تدمير المقدس وانتهاكه ولاسيما في المعابد والمراكز الدينية.
ويشهد العالم المعاصر تنامي أشكال مختلفة من العنف الرمزي الذي يستهدف مرجعيات الهوية وأسسها المركزية، وهذه الأشكال ليست نوعا من التبشير الكلاسيكي الموسوم بالعنف، الذي يفرض نفسه بقوة المؤسسات الكبرى، مثل هذا الذي مارسته الكنائس التبشيرية.
وفي النهاية يمكن القول بأن النتائج السياسية لهذا العنف الرمزي تكون على درجة عالية من القوة والتأثير، حيث يؤدي هذا العنف إلى ثقافة المتاريس، أو إلى التمترس الثقافي، كما يؤدي إلى توليد التناقضات والتوترات في مكونات الهوية، أي إلى الفوضى الأخلاقية وفقا لمفهوم “الأنومي” عند دوركهايم، إذ تكمن خطورته في دفع الجماعات المهمشة إلى استبطان مشاعر الدونية، واستصغار الأنا، وازدراء الذات، وتبخيس الهوية، كما يؤدي أحيانا إلى توليد مشاعر النقمة واللجوء إلى العنف عبر التماهي بسلوك المتسلط أو الجلاد. ومن المؤكد أن العنف الرمزي يؤدي إلى تعزيز وتوليد العنف الفيزيائي، وهو عنف يؤدي إلى تجاوز الحصانة القانونية والمعايير الأخلاقية التي تعمل على حماية الجماعات القوية أو المهيمينة ([4]).
الطاقة الاستلابية للعنف الرمزي:
يشترك الضحايا والجلادين في التصورات الاستلابية نفسها عن العالم ويؤمنون معا بكل المقولات والمفاهيم والتصورات التي تضع الإنسان في أقفاص المذلة والمهانة والاستلاب. ونحن عندما نتأمل في الأفكار الاستلابية ضد الفئات المهمشة نجدها خرقاء عمياء جوفاء في جوهرها ومضمونها حيث لا تؤيدها الحجج العقلية ولا يرأبها المنطق الذكي. فالعنف الرمزي اشد أنواع العنف الاستلابي الموجه ضد الإنسان خطورة وفتكا وهو نوع من العنف الثقافي الذي تشكل عبر مئات السنين من تاريخ الإنسانية.
وفي مجتمعاتنا العربية يشكل الإنسان موضوعا للعنف الرمزي في الممارسات الثقافية والتربوية السائدة في حياتنا الاجتماعية، ويتميز هذا العنف بقدرته الهائلة على التخفي وراء الرموز والدلالات والمعاني كما يتميز بقدرته على التغلغل العفوي في الوعي على صورة عدوانية مضمرة ضد المرأة والطفل والفئات الهامشية. ويتجلى العنف الرمزي ضد الفئات الاجتماعية المهمشة في نسق من متدفق الإشارات والدلالات والرموز السلبية التي تستلب الإنسان وتحاصره دون أن تأخذ هذه المعاني والرموز صورة واضحة صريحة بشحنتها العدوانية التي تضع الإنسان المهمش في قفص الاتهام الرمزي.
ولو أخذنا الاستلاب الرمزي الموجه ضد المرأة على سبيل المثال لا الحصر لوجدنا نسقا رمزيا بفيض لا حدود له من الصفات والسمات السلبية التي تأخذ المرأة إلى مرابض التوحش والجريمة والغواية تحت عنوان الطبيعة الشريرة للمرأة. فالمرأة وفقا لهذا النسق تتصف بالخبث والكذب والسحر والفتنة والعار والغطرسة والخفة وضعف العقل والخيلاء والغواية والشيطنة حيث هي باختصار مصدر كل شر وفساد وبلية وشكوى تحلّ بالإنسان بالمجتمع.
يتميز العنف الرمزي في ثقافتنا بقدرته على التخفي والانسياب في العقل دون أن يشعر ضحاياه بهذه القوة التي تخضعهم أو تستلبهم. فهو أشبه بالتيارات البحرية التي تأخذك إلى أعماق البحار وأنت ما زلت تعتقد أنك في المكان الذي كنت فيه لم تغادره. فالعنف الرمزي قوة تتغلغل فينا وتبرمجنا بصورة لاواعية فتجعلنا وكأننا نخضع لأنفسنا وليس لقوة خارجية اخترقت جدار وعينا واستقرت في عقولنا الباطنية. باختصار إننا نستبطن رموز هذا العنف بطريقة تبدوا لنا وكأنها قيما كبرى يجب أن نتبناها وندافع عنها، وخير مثال على ذلك دفاع العبد عن سيده ، والضحية عن مفترسها، والمرأة عن رجلها الذي يمتهن كرامتها، لأن العنف بطاقته الرمزية تغلغل في أعماقنا واستقر في عقلنا الباطن، فأخذ يبرمجنا من الداخل من العمق، مع أنه في الجوهر نابع من مصادر خارجية. باختصار إنه أشبه بالأفيون الذي يسيطر على ضحاياه ويدمرهم من الداخل دون يشعروا به، وصاحب العنف الرمزي أي من يروج له ويصنعه أشبه بمروج المخدرات الذي ما أن يدفع ضحاياه لتذوقه حتى يصبح قوة داخلية تسيطر عليهم وتدمرهم إلى حين.
والمرأة من أكثر الفئات الاجتماعية تأثرا بالعنف الرمزي الذي تتشبع برموزه وسمومه في مراحل طفولتها ونشأتها وشبابها حتى تصبح أكثر الفئات الاجتماعية إحساسا بالدونية واقتناعا بها فهي أكثر من يؤمن بطبيعتها الشريرة المزعومة وأكثر إيمانا بأنها دون الرجل وأكثر اندفاعا في مهاجمة حقوقها ومهاجمة الرجل الذي يدعو إلى تحريرها.
وهذه التصورات ليست حكرا على عالم الرجال بل تحتل مكانها في عقل المرأة ووعيها وهذا يمثل قمة الاغتراب وغابة الاستلاب الإنساني. فالمرأة بذاتها تدرك هذه التصورات وتتمثلها في كثير من الأوقات حتى أنها تجد مبررا لخطاياها وعيوبها تحت عنوان ضعف المرأة وغوايتها وقابليتها للإغواء.
فالمرأة تخضع لنوع من الاستلاب الرمزي الذي يفرغها من مضمونها الإنساني ويحرمها من امتيازاتها الأخلاقية والاجتماعية، وما يجري على المرأة في تعرضها للاستلاب الرمزي يجري على الفئات الهامشية الدنيا في المجتمع، مثل الأطفال، والجماعات العرقية، والطبقات الاجتماعية الدنيا مقارنة بالطبقات العليا والوسطى.
خلاصة:
يقول المفكر الفرنسي بول ريكو Paul Ricœur إن ” العنف الرمزي يتجه في مساره، بوضوح أو بغموض، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، إلى السيطرة على الآخر والهيمنة على مقدرات وجوده ([5]). فكل عنف وفقا لتصور ريكو هو اعتداء على إنسانية الآخر، وبالتالي فإن أي عنف يشكل عملية ضرر وأذى موجه ضد الآخر، وهذا يتضمن رفض الاعتراف بوجود الآخر وإنسانيته أيضا.
فالرغبة في إقصاء الخصم وإبعاده إلى دائرة الصمت، ومن ثم العمل على إلغائه تتحول إلى إرادة طاغية تتجاوز حدود الرغبة في المصالحة معه وبناء التوازن. وهنا تتعدد أشكال العنف وصيغه التي تبدأ بالإهانة والاحتقار والإذلال لتصل عبر التعذيب إلى الموت والإفناء. ووفقا لهذه الوضعية يمكن القول إن النيل من كرامة الإنسان والطعن في أهليته الإنسانية يشكل طعنا في وجوده وكينونته، ونيلا من حريته وكرامته. ولذا فإن فرض الصمت على الآخر هو صيغة من صيغ العنف، كما أن حرمان الإنسان من حرية الكلام، يعني حرمانه من حق الحياة نفسها. فالظلم الذي يحيق بالإنسان ضمن شروط اغترابية، تتمثل في الإقصاء والقهر، يشكل وضعية عنف مجسد ومجسم. فالعنف هنا لا يمثل كيانا ذاتيا قائما بذاته، بل يوجد في وسط اجتماعي محدد، حيث يتخذ هيئته وصورته بين الناس والبشر وخارجهم أيضا، ومع ذلك فإن الإنسان يبقى في النهاية المسؤول عن حضور العنف وممارساته المختلفة.
والعنف الرمزي كما يرى سيمون وايل Simone Weil هو الفعل الذي يقوم به شخص ما لإخضاع الآخر وإفنائه، ولذا فإن ممارسة العنف حتى الحد الأقصى، تجعل من الإنسان مجرد شيء بالمعنى الدقيق للكلمة، ومثل هذا العنف القاتل يأخذ صيغا متنوعة فيما يتعلق بإجراءاته وأدواته ونتائجه.
وإذ يقال اليوم إن العنف هو إساءة استخدام القوة والإفراط في توظيفها، فإنه لا غبار في القول: إن العنف يفوق ذلك ويتجاوزه؛ فالعنف بذاته أمر فظيع لأنه حالة اغتصاب لجسد الآخر وعقله ونفسه وكينونته الإنسانية. فكل عنف هو تعسف وفظاظة وتدمير وقهر، لأنه ينال من الإنسان ويستهدف كيانه الإنساني ويخترقه بالألم والمعاناة، كما يجرح ويدمي ويقتل الشخص الذي يقع ضحية له.
ومن المفارقة بمكان أن الإنسان الذي يقع ضحية العنف يصبح هو نفسه قادرا على ممارسة العنف ضد الآخرين. والإنسان عندما يفكر في نفسه ويتأمل في ذاته غالبا ما يكتشف صورة العنف في أعماقه. والعنف لا يقتل الخصم فحسب بل يؤدي في نهاية الأمر إلى تدمير إنسانية الذي يمارسه في جوهر الأمر. أن يضرب المرء، أو أن يُضرب، أن يَعتدي أو يُعتدى عليه، فهذا يعني ارتكاب الخطيئة والخروج عن الصراط المستقيم. وفي أي حال من الأحوال فإن ممارسة العنف أو الخضوع له عملية تحول الإنسان إلى حالة التشيؤ وتدفعه إلى دائرة الاغتراب.
وينزع العنف الرمزي إلى توليد حالة من الإذعان والخضوع عند الآخر بفرضه لنظام من الأفكار والمعتقدات الاجتماعية التي غالبا ما تصدر عن قوى اجتماعية وطبقية متمركزة في موقع الهيمنة والسيادة، ويهدف هذا النوع من العنف إلى توليد معتقدات وأيديولوجيات محددة وترسيخها في عقول وأذهان الذين يتعرضون لهذا النوع من العنف. فالعنف الرمزي ينطلق من نظرية إنتاج المعتقدات، وإنتاج الخطاب الثقافي، وإنتاج القيم، ومن ثم إنتاج هيئة من المؤهلين الذين يمتازون بقدرتهم على ممارسة التقييم والتطبيع الثقافي في وضعيات الخطاب التي تمكنهم من السيطرة ثقافيا وإيديولوجيا على الآخر وتطبيعه.
والعنف الرمزي وفقا لذلك هو القدرة على بناء المعطيات الفكرية بالإعلان عنها وترسيخها، كما أنه القدرة على تغيير الأوضاع الاجتماعية والثقافية عبر عملية التأثير في المعتقدات وتغيير مقاصدها، وبناء تصورات أيديولوجية عن العالم تتوافق مع إرادة الهيمنة والسيطرة التي تقررها الحاجات السياسية لطبقة اجتماعية بعينها،
فالعنف الرمزي تعبير عن حضور رأس مال رمزي يتجلى في صورة عناصر ثقافية (قيم، تصورات، أفكار، معتقدات، مقولات، إشارات، ورموز…الخ)، وبالتالي فإن رأس المال الثقافي ينزع إلى امتلاك السلطة الثقافية – أي المشروعية في الحضور والممارسة- وهذا يعني أن ممارسة العنف الرمزي مرهونة بوجود رأسمال رمزي، وبالتالي فإن هذا الرأسمال يُتوّج بسلطة رمزية تعبر عن مشروعيته، والمشروعية تعني هنا قبول هذه السلطة على أنها مشروعة وحقيقية من قبل هؤلاء الذين تمارس عليهم ([6]).

  • جامعة الكويت
    ……………………
    [1] – Pierre Bourdieu, Jean-Claude Passeron, Les héritiers. Les étudiants et la culture (1964), Paris, Minuit, 1985 ; La reproduction. Éléments pour une théorie du système d’enseignement (1970), Paris , Minuit, 1973 ; P. Bourdieu, La distinction. Critique sociale du jugement (1979), Paris, Minuit, 1996 ; La domination masculine, Paris , Le Seuil, 1998.
    [2] – P. Bourdieu, Le sens pratique, Paris, Minuit, 1980, p. 219.
    [3] – سعد جلال، علم النفس الاجتماعي، الاتجاهات التطبيقية المعاصرة، الإسكندرية، 1984. ص 29.
    [4] – Ph. Braud, « Violence symbolique, violence physique. Éléments de problématisation », dans Jean Hannoyer (dir.), Guerres civiles. Économies de la violence, dimensions de la civilité, Paris , Karthala-Cermoc, 1999, p. 33-45.
    [5] – Paul Ricœur, Histoire et vérité, Paris, Le Seuil, 1955, p. 227.
    [6]- Pierre Bourdieu Réponses. Pour une anthropologie réflexive, Seuil, Paris , 1992 , p.123.

مركز الشرق العربي
المصدر : شبكة النبأ المعلوماتية- 8/5/2012م

ﻤﺎ ﻫﻮ ﻋﻠﻢ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ؟ ﻭ ﻣﺎﻫﻲ ﻣﺠﺎﻻﺕ ﺍﻫﺘﻤﺎﻣﻪ ؟

ﻤﺎ ﻫﻮ ﻋﻠﻢ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ؟ ﻭ ﻣﺎﻫﻲ ﻣﺠﺎﻻﺕ ﺍﻫﺘﻤﺎﻣﻪ ؟ ﻭ ﺇﻟﻰ ﺃﻱ ﺣﺪ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺑﺄﻥ ﻋﻠﻢ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ ﺳﺎﻫﻢ ﺇﺳﻬﺎﻣﺎ ﻓﻌﺎﻻ ﻓﻲ ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﻭ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ؟
ﻭ ﻣﺎ ﻫﻲ ﺃﺷﻬﺮ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺎﺕ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻓﻲ ﻋﻠﻢ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ ؟ ﻭ ﻣﺎ ﻫﻲ ﻳﺎ ﺗﺮﻯ ﺃﻫﻢ ﺍﻟﻤﺮﺍﺣﻞ ﻭ ﺍﻷﺷﻮﺍﻁ ﺍﻟﺘﻲ ﻗﻄﻌﻬﺎ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ؟
ﺗﻌﺮﻳﻒ ﻋﻠﻢ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ :
ﻋﻠﻢ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺪﺭﺱ ﺃﺛﺮ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﻭﻳﺪﺭﺱ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ، ﺃﺛﺮ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ، ﺃﻭ ﻫﻮ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺪﺭﺱ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻳﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﺣﻴﻬﺎ ﺍﻟﻤﺘﻌﺪﺩﺓ، ﻭﻓﻲ ﺇﻃﺎﺭ ﺗﻔﺎﻋﻠﻬﺎ ﻣﻊ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ . ﻓﻬﻮ ﻋﻠﻢ ﻗﺎﺋﻢ ﺑﺬﺍﺗﻪ , ﻭ ﺗﻢ ﺍﺳﺘﺨﻼﺻﻪ ﻣﻦ ﻋﻠﻢ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﻌﺎﻡ . ﻭﻫﻮ ﻋﻠﻢ ﺣﺪﻳﺚ ﺍﻟﻨﺸﺄﺓ ﻭ ﻓﺮﻉ ﻣﻦ ﻓﺮﻭﻋﻪ ﻳﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﻄﺒﻴﻖ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﻭ ﺍﻟﺘﺼﻮﺭﺍﺕ ﻭ ﺍﻟﻤﺼﻄﻠﺤﺎﺕ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩﺓ ﻓﻲ ﻋﻠﻢ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻓﻲ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﻦ ﺃﻫﻢ ﻣﻴﺎﺩﻳﻦ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻭ ﻫﻮ ﺍﻟﺠﺎﻧﺐ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ . ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺇﺫﻥ ﺃﻥ ﻋﻠﻢ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﻣﺰﻳﺞ ﻣﺨﺘﻠﻂ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻋﻠﻢ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻉ ﻭ ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ , ﻭ ﻫﻮ ” ﻋﻠﻢ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ ” 1 . ﻓﺎﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻳﺔ ﺟﺰﺀ ﻻ ﻳﺘﺠﺰﺃ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ , ﻭ ﻫﻲ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﺸﺊ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻘﺎﺩﺭ ﻋﻠﻰ ﺗﺴﻴﻴﺮ ﺃﻣﻮﺭ ﻭ ﻗﻴﺎﺩﺓ ﺍﻟﺘﻘﺪﻡ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻭ ﺧﻄﻂ ﺍﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ﻭ ﺗﻨﻔﻴﺬ ﻣﺸﺮﻭﻋﺎﺗﻬﺎ .
ﻳﻬﺘﻢ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻴﺪﺍﻥ ﻣﻦ ﻋﻠﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻉ ﺑﺒﺤﺚ ﺍﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﻧﻤﻮ ﺃﻓﻀﻞ ﻟﻠﺸﺨﺼﻴﺔ، ﻷﻥ ﺍﻷﺳﺎﺱ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻴﺪﺍﻥ ﻫﻮ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺗﻨﺸﺌﺔ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ . ﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﻋﻠﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ ﻳﺒﺤﺚ ﻓﻲ ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺗﻄﺒﻴﻊ ﺍﻷﻓﺮﺍﺩ ﺑﺤﻀﺎﺭﺓ ﻣﺠﺘﻤﻌﻬﻢ . ﻭﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﺃﺳﺎﺳﺎً ﻇﺎﻫﺮﺓ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﺗﺪﺭﺱ ﻓﻲ ﺿﻮﺀ ﺗﺄﺛﻴﺮﻫﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻈﻮﺍﻫﺮ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﻣﻦ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻭﺑﻴﺌﻴﺔ ﻭﺗﺸﺮﻳﻌﻴﺔ، ﻭﺗﺄﺛﻴﺮﻫﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺘﻐﻴﺮﺍﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻋﻤﻠﻴﺎﺕ ﺍﻟﺘﻔﺎﻋﻞ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ . ﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﺃﻛﺪ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻴﻮﻥ ﺿﺮﻭﺭﺓ ﺗﺤﻠﻴﻞ ﺍﻟﺪﻭﺭ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻪ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺘﻪ ﺑﺄﺟﺰﺍﺀ ﺍﻟﺒﻨﺎﺀ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺍﻟﺪﻳﻤﻮﻏﺮﺍﻓﻴﺔ ﺃﻭ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ، ﻭﻋﻼﻗﺘﻪ ﺑﻤﺜﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺃﻭ ﻧﻈﺮﺍﺗﻪ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻭﺍﻹﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻔﻌﻞ ﻓﻴﻪ .
ﻭﻳﺤﺘﻞ ﻋﻠﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ ﻣﻜﺎﻧﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﻠﺪﺍﻥ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﻴﺶ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻧﻘﻠﺔ ﺣﻀﺎﺭﻳﺔ، ﺇﺫ ﺗﺠﺮﻱ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻐﻴﺮﺍﺕ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﻐﻴﺮﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﻮﺟﺐ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﻣﺴﺎﺋﻞ ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻭﻣﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﻇﻮﺍﻫﺮ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺗﻮﺍﻛﺐ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﻐﻴﺮﺍﺕ ﻭﺗﻌﻤﻖ ﺟﺬﻭﺭﻫﺎ .
ﻣﺠﺎﻻﺕ ﺍﻫﺘﻤﺎﻡ ﻋﻠﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ :
ﻳﻬﺘﻢ ﻋﻠﻢ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ ﺑﻤﺴﺎﺋﻞ ﻣﺜﻞ ﺇﻳﺼﺎﻝ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻳﺔ ﻭﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻭﺍﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻲ، ﻛﻤﺎ ﺃﻧﻪ ﻳﺪﺭﺱ ﺍﻟﻤﺤﺪﺩﺍﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺆﺛﺮ ﻓﻲ ﺗﻘﺮﻳﺮ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺎﺕ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻳﺔ ﻭﺃﻫﺪﺍﻑ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻲ، ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺗﺄﺛﻴﺮ ﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻲ، ﻭﺗﺄﺛﻴﺮ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﺔ ﻭﺍﻷﺳﺮﺓ، ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺤﺼﻴﻞ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﻲ ﻟﻠﺘﻼﻣﻴﺬ، ﻭﺩﻭﺭ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺮﺍﻙ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ، ﻭﺃﺛﺮ ﺍﻷﻧﻤﺎﻁ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﺍﻟﺴﺎﺋﺪﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﻲ، ﻭﺍﻟﺘﻌﻠﻢ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺟﻤﺎﻋﺎﺕ ﺍﻷﻗﺮﺍﻥ، ﻭﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺑﻴﻦ ﺃﻓﺮﺍﺩ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺎﺕ، ﻭﺩﻭﺭ ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ ﺇﻋﺪﺍﺩ ﺍﻟﻨﺎﺷﺌﺔ ﻟﺴﻮﻕ ﺍﻟﻌﻤﻞ، ﻭﺍﻟﺘﺤﻠﻴﻞ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻟﺒﻨﻴﺔ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﻲ ﻭﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻟﺴﺎﺋﺪﺓ ﻓﻴﻪ، ﻭﺩﻭﺭ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﻲ ﺑﺼﻔﺘﻪ ﺃﺩﺍﺓ ﻟﻠﺴﻴﻄﺮﺓ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﻀﺒﻂ، ﻭﺇﻋﺎﺩﺓ ﺇﻧﺘﺎﺝ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﺴﺎﺋﺪﺓ، ﻭﺗﺤﺪﻳﺪ ﺍﻟﻄﺒﻘﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﻤﺴﺘﻔﻴﺪﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﻲ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﻄﺒﻌﻪ ﺑﺨﺼﺎﺋﺼﻬﺎ ﺍﻟﻠﻐﻮﻳﺔ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ، ﻭﺃﺧﻴﺮﺍً ﺩﻭﺭ ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻴﺎﺕ ﺍﻟﺘﺤﺪﻳﺚ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ .
ﻭ ﻏﻨﻲ ﻋﻦ ﺍﻟﺒﻴﺎﻥ ﺃﻥ ﻋﻠﻢ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ ﻳﺮﻭﻡ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺩﺭﺍﺳﺘﻪ ﻟﻠﺤﻘﻞ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ ﺳﺒﺮ ﺃﻏﻮﺍﺭ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺍﻟﻤﻌﻘﺪﺓ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻭ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﻭ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻭ ﺑﺎﻗﻲ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺎﺕ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺃﺧﺮﻯ . ﻛﻤﺎ ﻳﺪﺭﺱ ﻋﻼﻗﺔ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺑﺎﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﻭ ﺗﺄﺛﻴﺮ ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﻓﻴﻪ . ﻓﺎﻟﺪﺭﺍﺳﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﺳﻬﻠﺔ ﻭ ﻣﻴﺴﺮﺓ ﻛﻤﺎ ﻗﺪ ﻳﺒﺪﻭ ﻟﻠﺒﻌﺾ . ﻷﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻋﻘﺒﺎﺕ ﺗﺘﻀﺢ ﻭ ﺗﻈﻬﺮ – ﺍﻟﺮﻭﺍﺳﺐ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﺨﻠﻔﺎﺕ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻳﺔ – ﻗﺪ ﺗﻤﺎﺭﺱ ﺿﻐﻮﻃﺎﺕ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﻌﺮﻗﻞ ﻋﻤﻠﻴﺎﺕ ﺍﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ﻭ ﺍﻟﺘﻄﻮﻳﺮ .
ﻛﻤﺎ ﻳﻌﻤﻞ ﻋﻠﻢ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺗﺤﻠﻴﻠﻪ ﻟﻤﻴﺪﺍﻥ ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﻭ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﺗﻜﺮﻳﺲ ﻣﺒﺪﺃ ” ﺗﻜﺎﻓﺆ ﺍﻟﻔﺮﺹ ” ﺣﻴﺚ ﻳﺠﻌﻞ ﻟﻪ ﻣﻌﻨﻰ ﺣﻘﻴﻘﻴﺎ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﺸﻖ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ ﻭ ﻟﻴﺲ ﻣﺠﺮﺩ ﺷﻌﺎﺭ ﻳﺮﻓﻊ ﻫﻨﺎ ﻭ ﻫﻨﺎﻙ , ﻭ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻟﺘﺮﻗﻲ ﻭ ﺍﻟﺼﻌﻮﺩ ﻓﻲ ﺳﻠﻢ ﺍﻟﺤﺮﺍﻙ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻭﻓﻖ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍﺕ ﺍﻟﺘﻼﻣﻴﺬ ﻭ ﻣﻴﻮﻻﺗﻬﻢ ﻭ ﻗﺪﺭﺍﺗﻬﻢ ﻭ ﺗﻤﺜﻼﺗﻬﻢ ﻭ ﻃﻤﻮﺣﺎﺗﻬﻢ ﻭﻟﻴﺲ ﻭﻓﻖ ﻣﺎ ﻛﻮﻧﻮﻩ ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻧﺎﺕ ﻣﻮﺭﻭﺛﺔ .
ﻓﻌﻠﻢ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ , ﻭ ﺑﺎﺧﺘﺼﺎﺭ ﻳﻜﺮﺱ ﺟﻬﺪﻩ ﻟﻔﻬﻢ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺘﻠﻤﻴﺬ ﻭ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﺔ ﻭ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ .
ﻓﻬﻮ ﻳﻬﺘﻢ ﺑﺎﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ ﻛﻜﻞ ﻣﺘﻜﺎﻣﻞ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﻳﻀﻤﻪ ﻣﻦ ﻣﺆﺳﺴﺎﺕ ﺗﺮﺑﻮﻳﺔ ﻭ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ , ﺃﻭﺟﺪﻫﺎ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺑﻬﺪﻑ ﺗﻌﻠﻴﻢ ﺃﺑﻨﺎﺋﻪ ﻭ ﺗﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﻨﺶﺀ ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﻣﺮﺍﺣﻞ ﺍﻟﻌﻤﺮ ﺍﻟﺴﻨﻴﺔ ﻭ ﻛﺎﻓﺔ ﻣﺮﺍﺣﻞ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ , ﻭ ﻛﺬﺍ ﺍﻹﻫﺘﻤﺎﻡ ﺑﻤﺨﺘﻠﻒ ﺟﻮﺍﻧﺐ ﺍﻟﺘﻠﻤﻴﺬ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﻴﺔ ﻭﺍﻟﻮﺟﺪﺍﻧﻴﺔ ﻭ ﺍﻹﻧﻔﻌﺎﻟﻴﺔ , ﻭ ﻛﺎﻓﺔ ﻣﺎ ﻳﺤﻴﻂ ﺑﺎﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻲ ﻣﻦ ﻣﺸﻜﻼﺕ ﻭ ﻣﻌﻴﻘﺎﺕ .
ﻣﺮﺍﺣﻞ ﺗﻄﻮﺭ ﻋﻠﻢ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ :
ﻇﻬﺮ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﺠﻤﻠﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻄﻮﺭﺍﺕ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﻣﻨﻬﺎ ﺗﻮﻗﻊ ﺩﻭﺭ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻲ ﻓﻲ ﺗﺮﺳﻴﺦ ﺍﻟﺪﻳﻤﻘﺮﺍﻃﻴﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻳﺔ ﻭﺍﻟﺤﺮﺍﻙ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺘﺤﺼﻴﻞ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﻲ، ﻭﺇﻋﺪﺍﺩ ﺍﻟﺘﻼﻣﻴﺬ ﻟﻠﺤﺼﻮﻝ ﻋﻠﻰ ﻓﺮﺹ ﻋﻤﻞ، ﻭﺗﻌﺰﻳﺰ ﺩﻭﺭ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻨﺸﺌﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻠﻄﻔﻞ، ﻭ ﻳﻘﺼﺪ ﺑﺎﻟﺘﻨﺸﺌﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻘﻬﺎ ﻳﺴﻌﻰ ﺍﻵﺑﺎﺀ ﺇﻟﻰ ﺇﺣﻼﻝ ﻋﺎﺩﺍﺕ ﻭ ﺩﻭﺍﻓﻊ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻣﺤﻞ ﻋﺎﺩﺍﺕ ﻭﺩﻭﺍﻓﻊ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﻗﺪ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺃﻭﻟﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ . ﺃﻭ ﺑﻌﺒﺎﺭﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﻫﻲ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻬﺪﻑ ﺍﻵﺑﺎﺀ ﻣﻦ ﻭﺭﺍﺋﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺟﻌﻞ ﺃﺑﻨﺎﺋﻬﻢ ﻳﻜﺘﺴﺒﻮﻥ ﺃﺳﺎﻟﻴﺐ ﺳﻠﻮﻛﻴﺔ ﻭ ﺩﻭﺍﻓﻊ ﻭﻗﻴﻢ ﻭﺍﺗﺠﺎﻫﺎﺕ ﻳﺮﺿﻰ ﻋﻨﻬﺎ ﺍﻟﻤﺠﺗﻤﻊ ﻭﺗﺘﻘﺒﻠﻬﺎ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﻔﺮﻋﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻨﺘﻤﻮﻥ ﺇﻟﻴﻬﺎ .
ﻭﺗﻤﺜﻞ ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺇﻣﻴﻞ ﺩﻭﺭﻛﻬﺎﻳﻢ Émile Durkheim (1858-1917 ‏) ، ﻭﻣﺎﻛﺲ ﻓﻴﺒﺮ Max Weber (1864-1920 ‏) ، ﻭﻛﺎﺭﻝ ﻣﺎﺭﻛﺲ Karl Marx (1818-1883 ‏) ، ﺍﻟﻤﻘﺪﻣﺎﺕ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﻟﻮﻻﺩﺓ ﻋﻠﻢ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ . ﻭﻗﺪ ﺗﺠﻠﻰ ﺇﺳﻬﺎﻡ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺠﺎﻝ ﻓﻲ ﻛﺘﺒﻪ، ﺇﺫ ﻛﺘﺐ ﺩﻭﺭﻛﻬﺎﻳﻢ : ‏« ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ‏» Éducation et sociologie ﻭ ‏« ﺍﻟﺘﻄﻮﺭ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ ﻓﻲ ﻓﺮﻧﺴﺔ ‏« Évolution pédagogique en France ﻭﺃﺳﻬﻢ ﻛﺘﺎﺏ ﻣﺎﻛﺲ ﻓﻴﺒﺮ ‏« ﺍﻷﺧﻼﻕ ﺍﻟﺒﺮﻭﺗﺴﺘﻨﺘﻴﺔ ﻭﺭﻭﺡ ﺍﻟﺮﺃﺳﻤﺎﻟﻴﺔ ‏» L’éthique Protestante et l’esprit du capitalisme ﻓﻲ ﺷﺮﺡ ﺍﻟﺘﻄﻮﺭ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺍﻟﺮﺃﺳﻤﺎﻟﻲ ﻓﻲ ﺃﻭﺭﺑﺔ ﺍﻟﻐﺮﺑﻴﺔ، ﻭﻋﺮﺽ ﻛﺎﺭﻝ ﻣﺎﺭﻛﺲ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ ﺑﺸﺮﺡ ﺗﺄﺛﻴﺮ ﺍﻟﺒﻨﻴﺔ ﺍﻟﺘﺤﺘﻴﺔ، ﻭﺃﻧﻤﺎﻁ ﺍﻹﻧﺘﺎﺝ ﻭﻋﻼﻗﺎﺕ ﺍﻹﻧﺘﺎﺝ، ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﻨﻴﺔ ﺍﻟﻔﻮﻗﻴﺔ ﻛﺎﻟﺒﻨﺎﺀ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻭﺍﻟﺤﻘﻮﻗﻲ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ ﻭﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ ﻭﺍﻟﻤﺪﺭﺳﻲ ﺍﻟﺴﺎﺋﺪ، ﻛﻤﺎ ﺭﻛﺰ ﻋﻠﻰ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﺍﻟﻤﻮﺍﺯﻳﻦ ﺍﻟﻄﺒﻘﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻳﺔ، ﻭﻋﻠﻰ ﻗﻴﻢ ﻛﻞ ﻃﺒﻘﺔ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺗﺼﻮﺭﺍﺗﻬﺎ . ﻭﺍﻧﺘﻘﺪ ﺗﺮﺑﻴﺔ ﺍﻷﻃﻔﺎﻝ ﺑﺄﺳﺎﻟﻴﺐ ﺍﻹﻛﺮﺍﻩ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﺮﺃﺳﻤﺎﻟﻴﺔ .
ﻭﻣﻬﺪ ﻫﺆﻻﺀ ﺍﻟﺮﻭﺍﺩ ﻟﺘﻄﻮﺭ ﻋﻠﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ، ﻓﻘﺪ ﺑﺤﺚ ﺟﺎﻛﺎﺭ P.Jaccard ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ‏« ﻋﻠﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ ‏» ‏( 1963 ‏) ﺃﻓﻜﺎﺭ ﺩﻭﺭﻛﻬﺎﻳﻢ، ﻛﻤﺎ ﺩﺭﺱ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺟﻴﺮﺍﺭ A.Girard ﻭﺑﺎﺳﺘﻴﺪ K.Pastide ، ﺃﺛﺮ ﺍﻻﻧﺘﻤﺎﺀ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻓﻲ ﻗﻮﺓ ﺍﻟﺘﺤﺼﻴﻞ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﻲ ﻓﻲ ﺑﺤﺜﻬﻤﺎ ‏« ﺣﻮﻝ ﺍﻟﻄﺒﻘﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ،
ﻭﺩﻳﻤﻘﺮﺍﻃﻴﺔ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ‏» ، ﻋﺎﻡ 1963 ، ﻭﻛﺘﺐ ﺑﻮﻝ ﻛﻼﺭﻙ Paul Clerc ﺣﻮﻝ ‏« ﺍﻷﺳﺮﺓ ﻭﺍﻟﺘﻮﺟﻴﻪ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﻲ ﻟﺘﻼﻣﺬﺓ ﺍﻟﺼﻒ ﺍﻟﺴﺎﺩﺱ ﺍﻻﺑﺘﺪﺍﺋﻲ ‏» . ﻭﻟﻌﻞ ﺃﻛﺜﺮ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ ﺇﺛﺎﺭﺓ ﻟﻼﻫﺘﻤﺎﻡ ﻭﺍﻟﺠﺪﻝ ﻫﻲ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻗﺎﻡ ﺑﻬﺎ ﻛﻞ
ﻣﻦ ﺑﻮﺭﺩﻳﻮ Bourdieu ﻭﺑﺎﺳﺮﻭﻥ J.C.Passeron ﺑﻌﻨﻮﺍﻥ ‏« ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺍﻹﻧﺘﺎﺝ : ﺣﻮﻝ ﻧﻈﺮﻳﺔ ﻧﻈﺎﻡ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ‏» La reproduction: pour une théorie du système d’enseignement ﻭﻫﻲ ﺩﺭﺍﺳﺔ
ﺗﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻲ ﺍﻟﺴﺎﺋﺪ ﻓﻲ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻳﻌﻴﺪ ﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻹﻧﺘﺎﺟﻴﺔ ﺍﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﻌﺰﻳﺰ ﺍﻟﺴﻴﻄﺮﺓ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻟﻠﻄﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﺴﺎﺋﺪﺓ .
ﻭﻟﻌﻞ ﺃﺑﺮﺯ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻤﻬﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺻﺪﺭﺕ ﻓﻲ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ ﻫﻮ ﻣﺎ ﻗﺎﻡ ﺑﻪ ﻓﺮﻳﺪ ﻛﻼﺭﻙ، ﺣﻮﻝ ‏« ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﻐﻴﺮ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ‏» ﺍﻟﺼﺎﺩﺭ ﻓﻲ ﻟﻨﺪﻥ ﻋﺎﻡ 1940 ، ﻣﺤﻠﻼً ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻲ، ﻭﺩﺍﻋﻴﺎً ﺇﻟﻰ ﺗﻮﻇﻴﻔﻬﺎ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻄﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﺴﺎﺋﺪﺓ، ﻭﺍﻫﺘﻢ ﺑﺎﺳﻴﻞ ﺑﺮﻧﺸﺘﺎﻳﻦ Basil Brenstien ﻋﺎﻡ 1975 ﺑﻤﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﻭﺍﻻﻧﺘﻤﺎﺀ ﺍﻟﻄﺒﻘﻲ، ﻣﺒﻴﻨﺎً ﺃﻥ ﻟﻐﺔ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﻲ ﻓﻲ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻭﻣﺎﺗﺰﺍﻝ ﺗﻌﻜﺲ ﻓﻜﺮ ﺍﻟﻄﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﻮﺳﻄﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻲ . ﻭﻗﺪﻣﺖ ﻣﺮﻏﺮﻳﺖ ﺁﺭﺷﺮ Margaret Archer ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻬﺎ ‏« ﺍﻷﺻﻮﻝ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻸﻧﻈﻤﺔ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻳﺔ ‏» Social Origins of Educational Systems ﺍﻟﺼﺎﺩﺭ ﻓﻲ ﻟﻨﺪﻥ ﻋﺎﻡ 1967 ، ﺗﺤﻠﻴﻼً ﻟﻠﻘﻮﻯ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺛﺮﺕ ﻓﻲ ﺗﻄﻮﺭ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﻲ ﻟﺨﺪﻣﺔ ﻣﺼﺎﻟﺤﻬﺎ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ . ﻭﺑﻴﻦ ﻓﺮﺍﻧﻚ ﻣﺴﻐﺮﻭﻑ F. Musgrove ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ‏« ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﺔ ﻭﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ‏» School and Social Order ﺍﻟﺼﺎﺩﺭ ﻓﻲ ﻟﻨﺪﻥ ﻋﺎﻡ 1968 ، ﺩﻭﺭ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﺔ ﻓﻲ ﺗﻌﺰﻳﺰ ﺍﻟﺘﻔﺎﻭﺕ ﺍﻟﻄﺒﻘﻲ ﺑﻴﻦ ﻃﻼﺑﻬﺎ، ﻭﻳﺆﻛﺪ ﻛﺘﺎﺏ ﻣﺎﻳﻜﻞ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻑ ﺑﺎﺳﻢ ‏« ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ ‏» Education in Britain ﺍﻟﺼﺎﺩﺭ ﻓﻲ ﻟﻨﺪﻥ ﻋﺎﻡ 1979 ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻥ ﺑﺎﺳﻢ ‏« ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﻭﺍﻟﻔﻘﺮ ‏» ، ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻣﺒﻴﻨﺎً ﺃﻥ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻲ ﻓﻲ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ ﺟﻌﻞ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺍﻟﻤﺴﺘﻔﻴﺪﻳﻦ ﻣﻨﻪ ﻗﺎﺩﺭﻳﻦ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﺴﻴﻦ ﻇﺮﻭﻑ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ﺍﻟﻤﻌﻴﺸﻴﺔ .
ﻭﻗﺎﻡ ﺟﻮﻥ ﺩﻳﻮﻱ J. Dewey (1859-1952 ‏) ﺑﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺗﺮﺑﻮﻳﺔ ﻭﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻴﻪ ‏« ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﺔ ﻭﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ‏» The School and Society ﻋﺎﻡ 1899 ، ﻭ ‏« ﺍﻟﺪﻳﻤﻘﺮﺍﻃﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ‏» Democracy and Education ﻋﺎﻡ 1916 ﻣﺒﻴﻨﺎً ﺃﺛﺮ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ، ﻭﺗﺮﻙ ﻫﺬﺍﻥ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺎﻥ ﺃﺛﺮﺍً ﺗﺮﺑﻮﻳﺎً ﻛﺒﻴﺮﺍً ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻻﻳﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ ﺍﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ، ﻭﻛﺎﻧﺖ ﻣﺆﻟﻔﺎﺗﻪ ﺇﺟﻤﺎﻻً ﻣﺆﺛﺮﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﺑﺘﺮﻛﻴﺰﻩ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺨﺒﺮﺓ ﻭﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﺪﻳﻤﻘﺮﺍﻃﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﻌﺎﻭﻥ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺘﻼﻣﻴﺬ ﻭﺃﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ . ﻭﻳﺆﻛﺪ ﺩﺍﺗﻮﻥ S.T.Datun ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ‏« ﺍﻟﺠﻮﺍﻧﺐ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻠﺘﺮﺑﻴﺔ ‏» ﻋﺎﻡ 1900 ، ﺿﺮﻭﺭﺓ ﺭﺑﻂ ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﺑﺨﺒﺮﺍﺕ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﺰﻝ ﻭﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻤﺤﻠﻲ . ﻭﻛﺎﻥ ﻟﻬﻨﺮﻱ ﺳﻮﺯﻟﻮ H. Suzzlo ﻓﻀﻞ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﺗﻌﺒﻴﺮ ‏« ﻋﻠﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ ‏» ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻻﻳﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ ﺍﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﺃﻭﻝ ﻣﺮﺓ ﻋﺎﻡ 1910 ﻓﻲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻛﻮﻟﻮﻣﺒﻴﺔ .
ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺻﺪﺭ ﺃﻳﻀﺎً ﻛﺘﺎﺏ ﻭﻟﻴﻢ ﻫﺎﻭﻟﻲ ﺳﻤﻴﺚ W.H.Smith ‏« ﻣﺪﺧﻞ ﺇﻟﻰ ﻋﻠﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ ‏» ، ﺍﻟﺬﻱ ﻋﺮﻑ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺑﺄﻧﻪ ‏« ﻳﺴﺘﺨﺪﻡ ﻧﻈﺮﻳﺔ ﻋﻠﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻉ ﻭﻣﻴﺎﺩﻳﻨﻪ ﻓﻲ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﻗﻀﺎﻳﺎ ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﻭﻧﻈﺮﻳﺎﺗﻬﺎ ﻭﻣﻤﺎﺭﺳﺘﻬﺎ ‏» .
ﻭﻳﻄﻠﻖ ﺍﻟﺒﻌﺾ ﻋﻠﻰ ﺟﻮﺭﺝ ﺑﺎﻳﻦ G.Payne ، ﻟﻘﺐ ‏« ﺃﺑﻮ ﻋﻠﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ ‏» ﻓﻘﺪ ﺃﺻﺪﺭ ﻧﺸﺮﺓ ﻋﻠﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ ﻋﺎﻡ 1928 ، ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻨﺸﺮﺓ ﺍﻟﺮﺳﻤﻴﺔ ﻟﻠﺠﻤﻌﻴﺔ ﺍﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﻟﻌﻠﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺄﺳﺴﺖ ﻋﺎﻡ .1923
ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺴﺘﻴﻨﺎﺕ ﻭﺍﻟﺴﺒﻌﻴﻨﺎﺕ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﺣﺼﻠﺖ ﺃﺯﻣﺎﺕ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻻﻳﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ ﺍﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﺑﺴﺒﺐ ﺍﻟﺒﻄﺎﻟﺔ ﻭﺍﻟﺠﺮﻳﻤﺔ ﻭﺍﻟﺼﺮﺍﻋﺎﺕ ﺍﻟﻌﺮﻗﻴﺔ، ﻭﺻﺪﺭﺕ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻟﻤﻬﻤﺔ ﺣﻮﻝ ﺩﻳﻤﻘﺮﺍﻃﻴﺔ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ، ﻟﻌﻞ ﺃﺷﻬﺮﻫﺎ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﻤﺸﺘﺮﻛﺔ ﻟﻜﻞ ﻣﻦ ﺑﺎﻭﻝ ﻭﺟﻨﺘﺲ Bowels- Gentis ﺑﻌﻨﻮﺍﻥ ‏« ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﻲ ﻓﻲ ﺃﻣﺮﻳﻜﺔ ﺍﻟﺮﺃﺳﻤﺎﻟﻴﺔ ‏» Schooling in Capitalist America ﺍﻟﺼﺎﺩﺭﺓ ﻋﺎﻡ 1977 ، ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﺇﻳﻔﺎﻥ ﺇﻳﻠﻴﺘﺶ I.Iliych ﺍﻟﺸﻬﻴﺮﺓ ﺑﻌﻨﻮﺍﻥ ‏« ﺍﻟﻼﻣﺪﺭﺳﻴﺔ ‏» .Deschooling ﻟﻘﺪ ﺣﻠﻞ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺑﺎﻭﻝ ﻭﺟﻨﺘﺲ ﺍﻟﻄﺎﺑﻊ ﺍﻟﻄﺒﻘﻲ ﻟﻠﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻻﻳﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ ﺍﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﺰﺯ ﻓﺮﺹ ﺃﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﻄﺒﻘﺔ ﺍﻟﻐﺎﻟﺒﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﻼﺏ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺠﺎﺡ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﻭﺍﻟﻤﺎﺩﻱ، ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺍﻫﺘﻢ ﺍﻳﻠﻴﺘﺶ ﺑﺒﻴﺎﻥ ﻣﺴﺎﻭﺉ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﻲ ﻭﻃﺎﺑﻌﻪ ﺍﻟﻘﻬﺮﻱ، ﻭﻟﺬﻟﻚ ﻧﻌﺘﻬﺎ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﺘﺴﻤﻴﺔ ﻭﺩﻋﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻌﻠﻢ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻭﺍﻟﺘﻌﻠﻢ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺟﻤﺎﻋﺎﺕ ﺍﻷﻗﺮﺍﻥ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ، ﻭﻛﺘﺐ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﻋﺪﺩﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﺑﺎﻻﺗﺠﺎﻩ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﺪﻋﻤﺎً ﺃﻗﻮﺍﻟﻪ ﺑﺘﻄﻮﺭ ﺍﻟﺘﻘﻨﻴﺎﺕ ﻭﻧﻈﻢ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺕ ﻭﺗﻐﻴﺮﻫﺎ ﻣﻤﺎ ﻳﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺗﻐﻴﻴﺮﺍﺕ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺗﺮﺑﻮﻳﺔ ﺳﺮﻳﻌﺔ .
ﻭﻳﺤﻠﻞ ﺑﺎﺗﺮﻳﻚ ﻓﻴﺘﺰ Patrich Fitz ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ‏« ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﻭﺍﻟﺤﺮﺍﻙ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻓﻲ ﺍﻻﺗﺤﺎﺩ ﺍﻟﺴﻮﻓﻴﻴﺘﻲ ‏» Education and Social Mobility in the Soviet Union ﺍﻟﺼﺎﺩﺭ ﻓﻲ ﻟﻨﺪﻥ ﻋﺎﻡ 1979 ، ﺩﻭﺭ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﺔ ﺍﻟﺴﻮﻓﻴﻴﺘﻴﺔ ﻓﻲ ﺗﻤﻜﻴﻦ ﺃﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﻄﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﻔﻘﻴﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﺴﻮﻓﻴﻴﺘﻲ ﻣﻦ ﺗﺤﺴﻴﻦ ﻇﺮﻭﻑ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ﺍﻟﻤﻌﻴﺸﻴﺔ .
ﻭﺃﺳﻬﻤﺖ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﺩﻭﻝ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﺍﻟﻘﻬﺮ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻌﺮﺿﺖ ﻟـﻪ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﻓﻲ ﺣﻘﺒﺔ ﺍﻟﻬﻴﻤﻨﺔ ﺍﻻﺳﺘﻌﻤﺎﺭﻳﺔ، ﻣﻤﺎ ﺃﺩﻯ ﺇﻟﻰ ﺗﻌﺰﻳﺰ ﺗﺨﻠﻔﻬﺎ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻭﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ، ﻭﻳﻤﻜﻦ ﺍﻹﺷﺎﺭﺓ ﻫﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﻛﺘﺎﺏ ﻓﺮﺍﻧﺰ ﻓﺎﻧﻮﻥ ‏« ﻣﻌﺬﺑﻮ ﺍﻷﺭﺽ ‏» ﻭﺩﺭﺍﺳﺔ ﺝ . ﻛﺎﺑﺮﺍﻝ J.kabral ‏« ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﻭﺍﻹﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ‏» Power and Ideology .
ﻭﻗﺪ ﺑﻴﻨﺖ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻟﺼﺎﺩﺭﺓ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﻣﺴﺆﻭﻟﻴﺔ ﺍﻷﻧﻈﻤﺔ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﻴﺔ ﻓﻲ ﻋﻬﻮﺩ ﺍﻻﺳﺘﻌﻤﺎﺭ ﻋﻦ ﺍﻷﻣﻴﺔ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺧﻠﻔﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺑﻌﺪ ﺍﺳﺘﻘﻼﻟﻬﺎ، ﻭﺧﺎﺻﺔ ﺍﻗﺘﺼﺎﺭ ﺗﻌﻠﻴﻤﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﺨﺐ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻛﻲ ﺗﺨﺪﻡ ﻓﻲ ﺃﺟﻬﺰﺗﻬﺎ ﺍﻹﺩﺍﺭﻳﺔ، ﻭﻛﺸﻒ ﺑﺎﻭﻟﻮ ﻓﺮﺍﻳﺮﻱ Paulo Freiri ﺯﻳﻒ ﺣﻤﻼﺕ ﻣﺤﻮ ﺍﻷﻣﻴﺔ ﺍﻟﺮﺳﻤﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺃﻣﺮﻳﻜﺔ ﺍﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ ﻭﺍﻟﻄﺎﺑﻊ ﺍﻟﻘﻬﺮﻱ ﻟﻤﻀﺎﻣﻴﻦ ﺍﻟﻤﻘﺮﺭﺍﺕ ﺍﻟﻤﻌﺘﻤﺪﺓ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻤﻼﺕ ﻟﻤﺤﻮ ﺃﻣﻴﺔ ﺍﻟﻔﻘﺮﺍﺀ ﻣﻦ ﺳﻜﺎﻥ ﺍﻷﺣﻴﺎﺀ ﺍﻟﻔﻘﻴﺮﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺮﺍﺯﻳﻞ، ﻭﺩﻋﺎ ﺇﻟﻰ ‏« ﺗﻌﻠﻴﻢ ﻟﻠﻜﺒﺎﺭ ‏» ﻗﺎﺋﻢ ﻋﻠﻰ ﺗﻮﻋﻴﺔ ﺍﻟﺪﺍﺭﺳﻴﻦ ﻓﻲ ﺻﻔﻮﻑ ﻣﺤﻮ ﺍﻷﻣﻴﺔ ﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺗﻬﻢ، ﻭﺍﻟﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﻫﺎﻣﺸﻴﺘﻬﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ
ﻭﻳﺘﻀﻤﻦ ﻛﺘﺎﺑﻪ ‏« ﺗﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﻤﻘﻬﻮﺭﻳﻦ ‏» Pedagogy of the Oppressed
ﻭﻛﺘﺎﺏ ‏« ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ‏» Education for Freedom ﺇﺷﺎﺭﺍﺕ ﻭﺍﺿﺤﺔ ﻟﺘﻤﻜﻴﻦ ﺍﻷﻣﻴﻴﻦ ﺍﻟﻜﺒﺎﺭ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺤﺮﺭ ﻣﻦ ﺩﻭﻧﻴﺘﻬﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ .
ﺑﺤﻘﻮﻗﻬﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ، ﻭﺗﻌﺰﻳﺰ ﺛﻘﺘﻬﻢ ﺑﺄﻧﻔﺴﻬﻢ، ﻣﻤﺎ ﻳﺘﻴﺢ ﻟﻬﻢ ﺍﻹﺳﻬﺎﻡ ﻓﻲ ﺍﻹﻧﺘﺎﺝ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺗﻬﻢ، ﻭﺍﻟﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﻫﺎﻣﺸﻴﺘﻬﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ . ﻭﻳﺘﻀﻤﻦ ﻛﺘﺎﺑﻪ ‏« ﺗﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﻤﻘﻬﻮﺭﻳﻦ ‏» Pedagogy of the Oppressed ﻭﻛﺘﺎﺏ ‏« ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ‏» Education for Freedom ﺇﺷﺎﺭﺍﺕ ﻭﺍﺿﺤﺔ ﻟﺘﻤﻜﻴﻦ ﺍﻷﻣﻴﻴﻦ ﺍﻟﻜﺒﺎﺭ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺤﺮﺭ ﻣﻦ ﺩﻭﻧﻴﺘﻬﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ .
ﻭﺍﻧﺘﺸﺮﺕ ﺃﻓﻜﺎﺭ ﻓﺮﺍﻳﺮﻱ ﻓﻲ ﺃﻣﺮﻳﻜﺔ ﺍﻟﻼﺗﻴﻨﻴﺔ ﻭﺑﻘﻴﺔ ﺃﺭﺟﺎﺀ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ، ﻭﻟﺬﻟﻚ ﺍﺧﺘﻴﺮ ﺭﺋﻴﺴﺎً ﻓﺨﺮﻳﺎً ﻟﻤﺆﺗﻤﺮ ﺗﻌﻠﻴﻢ ﺍﻟﻜﺒﺎﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻋﻘﺪ ﻓﻲ ﺟﻮﻣﺘﻴﺎﻥ ﻓﻲ ﺗﺎﻳﻠﻨﺪ ﻋﺎﻡ .1990
ﺃﺷﻬﺮ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺎﺕ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻓﻲ ﻋﻠﻢ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ :
‏( ﺍﻟﺘﻔﺎﻋﻠﻴﺔ ﺍﻟﺮﻣﺰﻳﺔ، ﻭﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﻴﺔ ‏(
ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻋﻠﻢ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ ﻋﻠﻢ ﺣﺪﻳﺚ ﺍﻟﻨﺸﺄﺓ ﻭ ﻓﺮﻉ ﻣﻦ ﻓﺮﻭﻉ ﻋﻠﻢ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﻌﺎﻡ
ﻳﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﻄﺒﻴﻖ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﻭ ﺍﻟﺘﺼﻮﺭﺍﺕ ﻭ ﺍﻟﻤﺼﻄﻠﺤﺎﺕ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩﺓ ﻓﻲ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﻦ ﺃﻫﻢ ﻣﻴﺎﺩﻳﻦ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻭ ﻫﻮ ﺍﻟﺠﺎﻧﺐ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ ﻛﻤﺎ ﺃﺳﻠﻔﻨﺎ ﺍﻟﺬﻛﺮ .
ﻭ ﻳﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺩﺭﺍﺳﺘﻪ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﻋﻠﻤﻴﺔ، ﻟﺬﻟﻚ ﻭ ﺣﺘﻰ ﺗﺘﺼﻒ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺔ ﺑﺎﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻛﺎﻥ ﻻﺑﺪ ﺃﻥ ﺗﺘﺴﻢ ﺑﺒﻌﺾ ﺍﻟﻤﻮﺍﺻﻔﺎﺕ ﻭﻫﻲ :

  • ﺃﻥ ﺗﻨﻄﻠﻖ ﻣﻦ ﻧﻈﺮﻳﺔ ﻋﻠﻤﻴﺔ،ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺼﺎﺋﺺ ﻭﺍﻟﺸﺮﻭﻁ ﻣﺎ ﻳﺆﻫﻠﻬﺎ ﻟﺘﻮﺳﻢ ﺑﺎﻟﻌﻠﻤﻴﺔ،ﻭﻟﻌﻞ ﺃﻫﻢ ﺷﺮﻭﻁ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻫﻲ،ﺍﻟﻮﺿﻮﺡ ﻭﺍﻟﺪﻗﺔ ﻭﺍﻹﻳﺠﺎﺯ،ﻭﺍﻟﺘﻔﺮﺩ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﻨﻲ ﺗﺠﻨﺐ ﺗﻜﺮﺍﺭ ﻣﺎ ﻻﻳﺠﺐ ﺗﻜﺮﺍﺭﻩ،ﻭﺃﻥ ﺗﺘﺴﻢ ﺑﺎﻟﻮﺍﻗﻌﻴﺔ ﻓﻲ ﺻﻴﺎﻏﺘﻬﺎ ﻭﻃﺮﺣﻬﺎ،ﻭﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻼﺧﺘﺒﺎﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻴﺪﺍﻥ،ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﻗﺪﺭﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻨﺒﺆ ﺑﻤﺴﺎﺭ ﺍﻟﻮﻗﺎﺋﻊ ﻭﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺍﺕ .
    ﻭﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻳﺘﺠﻠﻰ ﻟﻨﺎ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻭﻫﻲ ﻛﻤﺎ ﻋﺮﻓﻬﺎ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺒﺎﺳﻂ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻤﻌﻄﻲ :
    ” ﻧﺴﻖ ﻓﻜﺮﻱ ﺍﺳﺘﻨﺒﺎﻃﻲ ﻣﺘﺴﻖ ﺣﻮﻝ ﻇﺎﻫﺮﺓ ﺃﻭ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺍﺕ ﺍﻟﻤﺘﺠﺎﻧﺴﺔ،ﻳﺤﻮﻱ – ﺃﻱ ﺍﻟﻨﺴﻖ – ﺇﻃﺎﺭﺍ ﺗﺼﻮﺭﻳﺎ ﻭﻣﻔﻬﻮﻣﺎﺕ ﻭﻗﻀﺎﻳﺎ ﻧﻈﺮﻳﺔ ﺗﻮﺿﺢ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﻭﺗﻨﻈﻤﻬﺎ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺩﺍﻟﺔ ﻭﺫﺍﺕ ﻣﻌﻨﻰ،ﻛﻤﺎ ﺃﻧﻬﺎ ﺫﺍﺕ ﺑﻌﺪ ﺇﺑﺮﻳﻘﻲ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺍﻋﺘﻤﺎﺩﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﻭﻣﻌﻄﻴﺎﺗﻪ،ﻭﺫﺍﺕ ﺗﻮﺟﻴﻪ ﺗﻨﺒﺌﻲ ﻳﺴﺎﻋﺪ ﻋﻠﻰ ﺗﻔﻬﻢ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻭﻟﻮ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺗﻌﻤﻴﻤﺎﺕ ﺍﺣﺘﻤﺎﻟﻴﺔ )” ‏)
    ﻓﺈﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻭﺻﻔﻴﺔ ﻭﺗﻔﺴﻴﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻷﺳﺎﺱ، ﻓﺈﻥ ﻭﻇﻴﻔﺔ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻳﺔ – ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮﻝ ﺑﻮﻝ ﻫﻴﺮﺳﺖ – ﻫﻲ ﺍﻟﺘﺸﺨﻴﺺ ﻭﺍﻟﻌﻼﺝ . ﻭﺇﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﺗﺤﺎﻭﻝ ﻭﺻﻒ ﻭﺗﻔﺴﻴﺮ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻗﺎﺋﻢ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻳﺔ ﺗﺼﻒ ﻭﺗﻘﺮﺭ ﻣﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻋﻤﻠﻪ ﻣﻊ ﺍﻟﻨﺎﺷﺌﺔ، ﻭﺗﻮﺟﻪ ﻭﺗﺮﺷﺪ ﺍﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺎﺕ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻳﺔ . ‏( ‏)
    ﻭﺗﺘﺴﻢ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺎﺕ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻳﺔ ﺑﺠﻤﻠﺔ ﻣﻦ ﺍﻷﻫﺪﺍﻑ ﺗﺠﻌﻞ ﻟﻬﺎ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﻣﺮﻣﻮﻗﺔ ﻓﻲ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ،ﻭﻟﻌﻞ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺃﻫﻢ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻫﺪﺍﻑ ﻣﺎﻳﻠﻲ :
    -1 ﺩﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﻈﻮﺍﻫﺮ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻳﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻃﺒﻴﻌﺘﻬﺎ ﻭﻣﺎ ﺗﺘﺴﻢ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺧﺼﺎﺋﺺ ﻭﺳﻤﺎﺕ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺑﻔﻀﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ ﺗﺠﻌﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻮﺿﻮﻋﺎ ﻣﺘﻤﻴﺰﺍً ﻟﻌﻠﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ .
    -2 ﺍﻟﺘﻌﺮﻑ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﻗﺎﺋﻊ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻭﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺎﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻳﺔ ﻓﻲ ﻧﺸﺄﺗﻬﺎ ﻭﺗﻄﻮﺭﻫﺎ .
    -3 ﻓﻬﻢ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺮﺑﻂ ﺍﻟﻈﻮﺍﻫﺮ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻳﺔ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﺒﻌﺾ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﺮﺑﻄﻬﺎ ﺑﻐﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻈﻮﺍﻫﺮ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ .
    -4 ﺍﻟﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﺃﺑﻌﺎﺩ ﺃﻭ ﺍﻟﻮﻇﺎﺋﻒ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ،ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺆﺩﻳﻬﺎ ﺍﻟﻈﻮﺍﻫﺮ ﻭﺍﻟﻨﻈﻢ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻳﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺠﻮﺍﻧﺐ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ .
    -5 ﺗﺤﺪﻳﺪ ﺍﻟﻤﻀﻤﻮﻥ ﺍﻷﻳﺪﻟﻮﺟﻲ ﻟﻠﺘﺮﺑﻴﺔ ﻭﺁﺛﺎﺭﻩ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺎﺕ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻳﺔ .
    -6 ﺗﺤﺪﻳﺪ ﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻜﻢ ﺍﻟﻈﻮﺍﻫﺮ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻳﺔ ﻭﻣﺎ ﻳﺮﺗﺒﻂ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﻭﻗﺎﺋﻊ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ﻭﺷﺨﺼﻴﺔ .
    -7 ﺗﺤﻠﻴﻞ ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﻛﻮﺳﻴﻠﺔ ﻟﻠﺘﻘﺪﻡ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ .
  • ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻗﺪﻣﻨﺎ ﻟﻤﺤﺔ ﺑﺴﻴﻄﺔ ﻋﻦ ﺗﻌﺮﻳﻒ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﻭﻣﺎ ﺗﺘﺴﻢ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺷﺮﻭﻁ، ﻭﻣﺎ ﺍﻷﻫﺪﺍﻑ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺮﻣﻲ ﺇﻟﻴﻬﺎ، ﺳﻮﻑ ﻧﺤﺎﻭﻝ ﻓﻲ ﺍﻷﺳﻄﺮ ﺍﻟﻘﺎﺩﻣﺔ ﺃﻥ ﻧﻌﺮﺝ ﻋﻠﻰ ﺃﻫﻢ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺎﺕ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﺎﻟﺠﺖ ﻣﻮﺿﻮﻋﺎﺕ ﻭﻣﻴﺎﺩﻳﻦ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﺘﺮﺑﻴﺔ، ﻭﻟﻌﻞ ﺃﺑﺮﺯ ﻣﺎ ﻧﺘﻌﺮﺽ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺎﺕ ﻫﻲ :
    ﺃﻭﻻً : ﺍﻟﺘﻔﺎﻋﻠﻴﺔ ﺍﻟﺮﻣﺰﻳﺔ Symbolic Interactionalism :
    ﺗﻌﺘﺒﺮ ﺍﻟﺘﻔﺎﻋﻠﻴﺔ ﺍﻟﺮﻣﺰﻳﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺤﺎﻭﺭ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔِ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﻓﻲ ﺗﺤﻠﻴﻞ ﺍﻷﻧﺴﺎﻕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ .
    ﻭﻫﻲ ﺗﺒﺪﺃ ﺑﻤﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﻮﺣﺪﺍﺕ ﺍﻟﺼﻐﺮﻯ ‏( MICRO ‏) ، ﻣﻨﻄﻠﻘﺔً ﻣﻨﻬﺎ ﻟﻔﻬﻢ ﺍﻟﻮﺣﺪﺍﺕ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ، ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺒﺪﺃ ﺑﺎﻷﻓﺮﺍﺩ ﻭﺳﻠﻮﻛﻬﻢ ﻛﻤﺪﺧﻞ ﻟﻔﻬﻢ ﺍﻟﻨﺴﻖ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ‏( 1 ‏) . ﻓﺄﻓﻌﺎﻝُ ﺍﻷﻓﺮﺍﺩ ﺗﺼﺒﺢ ﺛﺎﺑﺘﺔً ﻟﺘﺸﻜﻞ ﺑﻨﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻷﺩﻭﺍﺭ؛ ﻭﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺩﻭﺍﺭ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺗﻮﻗﻌﺎﺕ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺗﺠﺎﻩ ﺑﻌﺾ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﻭﺍﻟﺮﻣﻮﺯ ‏( 2 ‏) . ﻭﻫﻨﺎ ﻳﺼﺒﺢ ﺍﻟﺘﺮﻛﻴﺰ ﺇﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﺑُﻨﻰ ﺍﻷﺩﻭﺍﺭ ﻭﺍﻷﻧﺴﺎﻕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﺃﻭ ﻋﻠﻰ ﺳﻠﻮﻙ ﺍﻟﺪﻭﺭ ﻭﺍﻟﻔﻌﻞ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ .
    ﻭﻣﻊ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺮﻯ ﺍﻟﺒﻨﻰ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺿﻤﻨﺎ، ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭﻫﺎ ﺑﻨﻰ ﻟﻸﺩﻭﺍﺭ ﺑﻨﻔﺲ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺑﺎﺭﺳﻮﻧﺰ Parsons ، ﺇﻻ ﺃﻧﻬﺎ ﻻ ﺗُﺸﻐﻞ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺑﺎﻟﺘﺤﻠﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻷﻧﺴﺎﻕ ‏( 3 ‏) ، ﺑﻘﺪﺭ ﺍﻫﺘﻤﺎﻣﻬﺎ ﺑﺎﻟﺘﻔﺎﻋﻞ ﺍﻟﺮﻣﺰﻱ ﺍﻟﻤﺘﺸﻜﻞ ﻋﺒﺮ ﺍﻟﻠﻐﺔ، ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ، ﻭﺍﻟﺼﻮﺭ ﺍﻟﺬﻫﻨﻴﺔ، ﺍﺳﺘﻨﺎﺩﺍ ﺇﻟﻰ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻣﻬﻤﺔ، ﻫﻲ ﺃﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻮﻋﺐ ﺃﺩﻭﺍﺭ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ .
    ﺇﻥ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻔﺎﻋﻠﻴﺔ ﻳﺒﺪﺃﻭﻥ ﺑﺪﺭﺍﺳﺘﻬﻢ ﻟﻠﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﻲ ‏( ﻣﻜﺎﻥ ﺣﺪﻭﺙ ﺍﻟﻔﻌﻞ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ‏) . ﻓﺎﻟﻌﻼﻗﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﻲ ﻭﺍﻟﺘﻼﻣﻴﺬ ﻭﺍﻟﻤﻌﻠﻢ، ﻫﻲ ﻋﻼﻗﺔ ﺣﺎﺳﻤﺔ؛ ﻷﻧﻪ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﺘﻔﺎﻭﺽ ﺣﻮﻝ
    ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﺼﻒ، ﺇﺫ ﻳﺪﺭﻙ ﺍﻟﺘﻼﻣﻴﺬ ﺣﻘﻴﻘﺔﻛﻮﻧﻬﻢ ﻣﺎﻫﺮﻳﻦ ﺃﻭ ﺃﻏﺒﻴﺎﺀ ﺃﻭ ﻛﺴﺎﻟﻰ . ﻭﻓﻲ ﺿﻮﺀ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻘﻮﻻﺕ ﻳﺘﻔﺎﻋﻞ ﺍﻟﺘﻼﻣﻴﺬ ﻭﺍﻟﻤﺪﺭﺳﻮﻥ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻣﻊ ﺑﻌﺾ، ﺣﻴﺚ ﻳﺤﻘﻘﻮﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﻧﺠﺎﺣﺎ ﺃﻭ ﻓﺸﻼ ﺗﻌﻠﻴﻤﻴﺎ ‏( 4 ‏) .
    ﺃﺷﻬﺮ ﻣﻤﺜﻠﻲ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻔﺎﻋﻠﻴﺔ ﺍﻟﺮﻣﺰﻳﺔ :
    1 ‏) ﺟﻮﺭﺝ ﻫﺮﺑﺮﺕ ﻣﻴﺪ George H. Mead (1863-1931 ‏) :
    ﺍﺳﺘﻄﺎﻉ ﺟﻮﺭﺝ ﻣﻴﺪ ﻓﻲ ﻣﺤﺎﺿﺮﺍﺗﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻥ ﻳﻠﻘﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺷﻴﻜﺎﻏﻮ، ﻋﻠﻰ ﻃﻮﻝِ ﺍﻟﻔﺘﺮﺓ ﻣﻦ ‏( 1931-1894 ‏) ﺃﻥ ﻳﺒﻠﻮﺭ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻣﺘﻘﻦ، ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ‏( 5 ‏) .
    ﻭﻗﺪ ﺟﻤﻊ ﻟﻪ ﺗﻼﻣﻴﺬﻩ ﻛﺘﺎﺑﺎ ﺑﻌﺪ ﻭﻓﺎﺗﻪ، ﻳﺤﺘﻮﻱ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻈﻢ ﺃﻓﻜﺎﺭﻩ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﺪﻭﻧﻮﻫﺎ ﻓﻲ ﻣﺤﺎﺿﺮﺍﺗﻪ، ﺗﺤﺖ ﻋﻨﻮﺍﻥ : ‏( Mind, Self and Society, 1934 ‏) .
    ﻭﻳﺒﺪﺃ ﻣﻴﺪ ﺑﺘﺤﻠﻴﻞ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻻﺗﺼﺎﻝ، ﻭﺗﺼﻨﻴﻔﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺻﻨﻔﻴﻦ : ﺍﻻﺗﺼﺎﻝ ﺍﻟﺮﻣﺰﻱ، ﻭﺍﻻﺗﺼﺎﻝ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﺮﻣﺰﻱ . ﻓﺒﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻼﺗﺼﺎﻝ ﺍﻟﺮﻣﺰﻱ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺆﻛﺪ ﺑﻮﺿﻮﺡ ﻋﻠﻰ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﻭﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ، ﻭﺑﺬﻟﻚ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺫﺍﺕ
    ﺃﻫﻤﻴﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺍﻻﺗﺼﺎﻝ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻮﺍﻗﻒ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ، ﻭﻋﻠﻴﻪ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻫﻮ ﻧﺘﺎﺝ ﺍﻷﻓﻌﺎﻝ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺼﻨﻌﻬﺎ ﺃﻓﺮﺍﺩ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، ﻭﻳﺸﻴﺮ ﺫﻟﻚ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﻟﻴﺲ ﻣﻔﺮﻭﺿﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻮﺿﻮﻉ ﺧﺎﺿﻊ ﻟﻠﺘﻔﺎﻭﺽ ﻭﺍﻟﺘﺪﺍﻭﻝ ﺑﻴﻦ ﺍﻷﻓﺮﺍﺩ ‏( 6 ‏) .
    2 ‏) ﻫﺮﺑﺮﺕ ﺑﻠﻮﻣﺮ H. Blumer (1900-1986 ‏) :
    ﻭﻫﻮ ﻳﺘﻔﻖ ﻣﻊ ﺟﻮﺭﺝ ﻣﻴﺪ ﻓﻲ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﻔﺎﻋﻞ ﺍﻟﺮﻣﺰﻱ ﻫﻮ ﺍﻟﺴﻤﺔ ﺍﻟﻤﻤﻴﺰﺓ ﻟﻠﺘﻔﺎﻋﻞ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ، ﻭﺃﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺴﻤﺔ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺗﻨﻄﻮﻱ ﻋﻠﻰ ﺗﺮﺟﻤﺔ ﺭﻣﻮﺯ ﻭﺃﺣﺪﺍﺙ ﺍﻷﻓﺮﺍﺩ ﻭﺃﻓﻌﺎﻟﻬﻢ ﺍﻟﻤﺘﺒﺎﺩﻟﺔ . ﻭﻗﺪ ﺃﻭﺟﺰ ﻓﺮﺿﻴﺎﺗﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻘﺎﻁ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ‏( 7 ‏) :
    • ﺇﻥ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻳﺘﺼﺮﻓﻮﻥ ﺣﻴﺎﻝ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺃﺳﺎﺱ ﻣﺎ ﺗﻌﻨﻴﻪ ﺗﻠﻚ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻴﻬﻢ .
    • ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﻫﻲ ﻧﺘﺎﺝ ﻟﻠﺘﻔﺎﻋﻞ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ .
    • ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﺗﺤﻮَّﺭُ ﻭﺗﻌﺪّﻝ، ﻭﻳﺘﻢ ﺗﺪﺍﻭﻟﻬﺎ ﻋﺒﺮ ﻋﻤﻠﻴﺎﺕ ﺗﺄﻭﻳﻞ ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻬﺎ ﻛﻞ ﻓﺮﺩ ﻓﻲ ﺗﻌﺎﻣﻠﻪ ﻣﻊ ﺍﻹﺷﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻮﺍﺟﻬﻬﺎ .
    3 ‏) ﺇﺭﻓﻨﺞ ﺟﻮﻓﻤﺎﻥ ErvingGoffman (1922-1982 ‏) :
    ﻭﻗﺪ ﻭﺟﻪ ﺍﻫﺘﻤﺎﻣﻪ ﻟﺘﻄﻮﻳﺮ ﻣﺪﺧﻞ ﺍﻟﺘﻔﺎﻋﻠﻴﺔ ﺍﻟﺮﻣﺰﻳﺔ ﻟﺘﺤﻠﻴﻞ ﺍﻷﻧﺴﺎﻕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﻣﺆﻛﺪﺍ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﻔﺎﻋﻞ – ﻭﺧﺎﺻﺔ ﺍﻟﻨﻤﻂ ﺍﻟﻤﻌﻴﺎﺭﻱ ﻭﺍﻷﺧﻼﻗﻲ – ﻣﺎ ﻫﻮ ﺇﻻ ﺍﻻﻧﻄﺒﺎﻉ ﺍﻟﺬﻫﻨﻲ ﺍﻹﺭﺍﺩﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﻢ ﻓﻲ ﻧﻄﺎﻕ ﺍﻟﻤﻮﺍﺟﻬﺔ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺕ ﺗﺴﻬﻢ ﻓﻲ ﺗﻌﺮﻳﻒ ﺍﻟﻤﻮﻗﻒ، ﻭﺗﻮﺿﻴﺢ ﺗﻮﻗﻌﺎﺕ ﺍﻟﺪﻭﺭ ‏( 8 ‏) .
    4 ‏) ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻋﺪﺩﺍً ﻛﺒﻴﺮﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻟﻢ ﺗﻨﺎﻗﺶ ﺃﻋﻤﺎﻟﻬﻢ ﺑﺸﻜﻞ ﻭﺍﺳﻊ، ﻣﻊ ﺃﻧﻬﻢ ﻣﻦ ﺃﻋﻼﻡ ﻭﻣﺆﺳﺴﻲ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻔﺎﻋﻠﻴﺔ ﺍﻟﺮﻣﺰﻳﺔ . ﻭﻣﻨﻬﻢ :
    • ﺭﻭﺑﺮﺕ ﺑﺎﺭﻙ Robert Park ، (1864-1944 ‏) . ﻭﻭﻟﻴﻢ ﺇﺳﺤﺎﻕ ﺗﻮﻣﺎﺱ W. I. Thomas، (1863-1947 ‏) . ﻭﻫﻤﺎ ﻣﻦ ﻣﺆﺳﺴﻲ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ .
    • ﻣﺎﻧﻔﺮﺩ ﻛﻮﻥ ManferdKuhn ، (1911-1963 ‏) . ﻭﻫﻮ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﺟﺘﻤﺎﻉ ﺃﻣﺮﻳﻜﻲ، ﻭﻣﻦ ﺭﻭﺍﺩ ﻣﺪﺭﺳﺔ ‏( ﺁﻳﻮﺍ ‏) ﻟﻠﺘﻔﺎﻋﻠﻴﺔ ﺍﻟﺮﻣﺰﻳﺔ .
    • ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻣﻴﻠﺘﺰﺭ Meltzer ، ﻭﻫﻴﺮﻣﺎﻥ Herman ، ﻭﺟﻼﺳﺮ Glaser ، ﻭﺳﺘﺮﺍﻭﺱ Sturauss ، ﻭﻏﻴﺮِﻫﻢ .
    ﻣﺼﻄﻠﺤﺎﺕ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ :
    .1 ﺍﻟﺘﻔﺎﻋﻞ :Interaction ﻭﻫﻮ ﺳﻠﺴﺔ ﻣﺘﺒﺎﺩﻟﺔ ﻭﻣﺴﺘﻤﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻻﺗﺼﺎﻻﺕ ﺑﻴﻦ ﻓﺮﺩ ﻭﻓﺮﺩ، ﺃﻭ ﻓﺮﺩ ﻣﻊ ﺟﻤﺎﻋﺔ، ﺃﻭ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻊ ﺟﻤﺎﻋﺔ .
    .2 ﺍﻟﻤﺮﻭﻧﺔ :Flexibility ﻭﻳﻘﺼﺪ ﺑﻬﺎ ﺍﺳﺘﻄﺎﻋﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺃﻥ ﻳﺘﺼﺮﻑ ﻓﻲ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻇﺮﻭﻑ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻓﻲ ﻭﻗﺖ ﻭﺍﺣﺪ، ﻭﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻓﻲ ﻭﻗﺖ ﺁﺧﺮ، ﻭﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺔ ﻓﻲ ﻓﺮﺻﺔ ﺛﺎﻟﺜﺔ .
    .3 ﺍﻟﺮﻣﻮﺯ :Symbols ﻭﻫﻲ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻹﺷﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﻤﺼﻄﻨﻌﺔ، ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻬﺎ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻟﺘﺴﻬﻴﻞ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻮﺍﺻﻞ، ﻭﻫﻲ ﺳﻤﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ . ﻭﺗﺸﻤﻞ ﻋﻨﺪ ﺟﻮﺭﺝ ﻣﻴﺪ ﺍﻟﻠﻐﺔ، ﻭﻋﻨﺪ ﺑﻠﻮﻣﺮ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ، ﻭﻋﻨﺪ ﺟﻮﻓﻤﺎﻥ ﺍﻻﻧﻄﺒﺎﻋﺎﺕ ﻭﺍﻟﺼﻮﺭ ﺍﻟﺬﻫﻨﻴﺔ ‏( 9 ‏) .
    .4 ﺍﻟﻮﻋﻲ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ Self- Consciousness : ﻭﻫﻮ ﻣﻘﺪﺭﺓ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺗﻤﺜﻞ ﺍﻟﺪﻭﺭ، ﻓﺎﻟﺘﻮﻗﻌﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻜﻮﻥ ﻟﺪﻯ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ ﻋﻦ ﺳﻠﻮﻛﻨﺎ ﻓﻲ ﻇﺮﻭﻑ ﻣﻌﻴﻨﺔ، ﻫﻲ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻧﺼﻮﺹ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﻌﻴﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﻧﻤﺜﻠﻬﺎ، ﻋﻠﻰ ﺣﺪ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﺟﻮﻓﻤﺎﻥ ‏( 10 ‏) .
    ﺛﺎﻧﻴﺎ : ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﻴﺔ ﻓﻲ ﻋﻠﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ :
    ﻳﻌﺮﻑ ﺟﻮﺭﺝ ﻏﻮﺭﻓﻴﺘﺶ ﻋﻠﻢ ﺍﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻪ : ﺩﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﺘﺮﺍﺑﻄﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ ﻗﻴﺎﻣﻬﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻷﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻟﻠﻤﻌﺮﻓﺔ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ، ﻭﺍﻷﻃﺮ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺛﺎﻧﻴﺔ ‏( 11 ‏) . ﻓﻌﻠﻢ ﺍﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻳﺮﻛﺰ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺮﺍﺑﻄﺎﺕ ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﻴﺔ ﺍﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﺑﻴﻦ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﻭﺃﺷﻜﺎﻝِ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ، ﺑﺤﺪ ﺫﺍﺗﻬﺎ، ﺛﻢ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻷﻃﺮ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﻣﻤﺎ ﻳﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﺃﻥ ﻋﺼﺐ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻳﻜﻤﻦ ﻓﻲ ﻭﻇﺎﺋﻔﻬﺎ ‏( 12 ‏) .
    ﺃﻣﺎ ﻋﻠﻢ ﺍﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ ﻓﻴﻌﺮﻓﻪ ﻳﻮﻧﺞ M. Young ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻪ : ﺍﻟﻤﺒﺎﺩﺉ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﻒ ﺧﻠﻒ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﺗﻮﺯﻳﻊ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻳﺔ ﻭﺗﻨﻈﻴﻤﻬﺎ، ﻭﻛﻴﻔﻴﺔ ﺍﻧﺘﻘﺎﺋﻬﺎ ﻭﺇﻋﻄﺎﺋِﻬﺎ ﻗﻴﻤﺘﻬﺎ، ﻭﻣﻌﺮﻓﺔ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﺤﺲ ﺍﻟﻌﺎﻡ، ﻭﻛﻴﻒ ﻳﻤﻜﻦ ﺭﺑﻄﻬﺎ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻤﻘﺪﻣﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺪﺍﺭﺱ، ﻭﺍﻋﺘﺒﺎﺭﻫﺎ ﺍﻟﻤﺪﺧﻞ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ ‏( 13 ‏) .
    ﻭﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﻳﻬﺘﻢ ﻋﻠﻢ ﺍﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﻲ ﺑﺎﻟﺒﺤﺚ ﻓﻲ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺎﺕ ﺍﻟﻔﺮﻋﻴﺔ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، ﻭﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻨﺸﺌﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﻭﺃﺛﺮ ﺫﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﻗﻴﻢ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﻭﺍﺗﺠﺎﻫﺎﺗﻪ، ﻭﻣﺴﺘﻮﻯ ﺗﺤﺼﻴﻠﻪ ﺍﻷﻛﺎﺩﻳﻤﻲ ﻭﺍﻟﻠﻐﻮﻱ . ﻭﻳﻬﺘﻢ ﺃﻳﻀﺎ ﺑﺎﻟﺒﺤﺚ ﻓﻲ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺍﻟﻤﺘﺒﺎﺩﻟﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻭﺍﻟﺘﻐﻴﺮ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ، ﻭﺗﺤﻠﻴﻞ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﺔ ﻛﻤﺆﺳﺴﺔ ﺗﺮﺑﻮﻳﺔ، ﻣﻌﺘﻤﺪﺍ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻷﺳﻠﻮﺏ ﺍﻟﺴﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻲ ﺍﻟﺪﻗﻴﻖ Micro – SociologicalApproach(14 ‏) .
    ﻣﺼﻄﻠﺤﺎﺕُ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﻴﺔ :
    .1 ﻧﻈﻢ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ : ﻭﻳﻌﻨﻰ ﺑﻬﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ؛ ﻷﻥ ﺇﻧﺘﺎﺝ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻟﻴﺲ ﻋﻤﻼ ﻓﺮﺩﻳﺎ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻋﻤﻞ ﺟﻤﺎﻋﻲ .
    .2 ﺗﻮﺯﻳﻊ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ : ﺗﺄﺧﺬ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺃﺷﻜﺎﻻ ﻫﺮﻣﻴﺔ ﺗﺒﻌﺎ ﻟﺘﺪﺭﺟﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻴﻤﺔ؛ ﻷﻥ ﺗﻤﻴﺰ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﻑ ﻋﻦ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺍﻵﺧﺮ ﺷﺮﻁ ﺿﺮﻭﺭﻱ ﻟﺒﻌﺾ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺎﺕ، ﻭﺫﻟﻚ ﻟﻜﻲ ﻳﻜﺘﺴﺐ ﺍﻟﻤﻨﺘﻔﻌﻮﻥ ﻣﻨﻬﻢ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﻭﺷﺮﻋﻴﺔ ﻟﻤﻜﺎﻧﺘﻬﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻴﺔ .
    .3 ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﻨﺴﺒﻴﺔ : ﺇﻥ ﺍﻟﻤﻌﻴﺎﺭ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ ﻟﻠﻤﻌﺮﻓﺔ ﻫﻮ ﺗﺤﺴﻴﻦ ﺍﻷﻭﺿﺎﻉ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ، ﻓﺎﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻴﺎﻗﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺟﺎﺀﺕ ﻟﺤﻞ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ‏( 15 ‏) .
    .4 ﺭﺃﺱ ﺍﻟﻤﺎﻝ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻲ Cultural Capital : ﻳﻌﺮﻓﻪ ﺑﻮﺭﺩﻳﻮ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻪ : ﺍﻟﺪﻭﺭ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻠﻌﺒﻪ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﻤﺴﻴﻄﺮﺓ ﺃﻭ ﺍﻟﺴﺎﺋﺪﺓ ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻣﺎ، ﻓﻲ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺇﻧﺘﺎﺝ ﺃﻭ ﺗﺮﺳﻴﺦ ﺑﻨﻴﺔ ﺍﻟﺘﻔﺎﻭﺕ ﺍﻟﻄﺒﻘﻲ ﺍﻟﺴﺎﺋﺪ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ .
    ﻭﻣﻦ ﺃﺷﻬﺮ ﻣﻤﺜﻠﻲ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔِ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﻴﺔ :
    .1 ﻣﺎﻳﻜﻞ ﻳﻮﻧﺞ M. Young :
    ﺍﻟﺬﻱ ﺃَﻋﻠﻦ ﻣﻮﻟﺪ ﻋﻠﻢ ﺍﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻋﺎﻡ 1971 ، ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ : ‏( ﻋﻠﻢ ﺍﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ ‏) . ﻭﻫﻮ ﻳﺮﻯ ﺑﺄﻥ ﻋﻠﻢ ﺍﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻱ ﻛﻠﻪ ﺑﺎﺀ ﺑﺎﻟﻔﺸﻞ؛ ﻷﻥ ﺍﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ ﺃﺧﺬﻭﺍ ﺍﻟﻤﺸﻜﻼﺕ ﻣﺄﺧﺬ ﺍﻟﺘﺴﻠﻴﻢ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻬﺎ ﻣﺸﻜﻼﺕ ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﺠﺪﻳﺮﺓ ﺑﺎﻟﺪﺭﺍﺳﺔ، ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﻳﺤﺎﻭﻟﻮﺍ ﻓﺤﺺ ﻗﻴﻤﺔ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺸﻜﻼﺕ ﻧﻔﺴﻬﺎ، ﻟﺘﺒﻴﻦ ﺃﻫﻤﻴﺘﻬﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺘﺮﺑﻴﺔ . ﻓﺎﻟﻤﺪﺧﻞ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻟﻺﺻﻼﺡ ﻫﻮ ﺧﻠﻖ ﺍﻟﻤﻮﺍﻗﻒ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ، ﻭﺃﻥ ﺗﻀﻊ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻳﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻣﻮﺿﻊ ﺍﻟﺸﻚ ﻭﺍﻟﺘﺴﺎﺅﻝ، ﻓﻴﺘﻐﻴﺮ ﺍﻟﺠﺪﻝ ﺣﻮﻝ ﻗﻀﺎﻳﺎ ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ، ﻭﺗﺘﻮﻟﺪ ﻧﻈﺮﻳﺎﺕ ﺧﺼﺒﺔ، ﻭﺑﺤﻮﺙ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻝ ﺍﻟﺒﺮﺍﻣﺞ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﻴﺔ‏( 16 ‏) .
    .2 ﺑﺮﻭﻧﺮ J. Bruner :
    ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺰﻋﻢ ﺣﺮﻛﺔ ﺍﻟﻌﻮﺩﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺎﺕ Back – to Basic – .Movement ﺇﺛﺮ ﻣﺤﺎﻭﻻﺕ ﺇﺻﻼﺡ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ، ﺑﻌﺪ ﺃﺯﻣﺔ ﺳﺒﻮﺗﻨﻴﻚ ﻋﺎﻡ 1957 ﻡ . ﻭﻛﺎﻥ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﺍﻟﺸﻬﻴﺮ ‏( ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱﺓ ‏) The Process of Education . ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺇﻧﺠﻴﻞ ﺇﺻﻼﺡ ﺍﻟﻤﻨﻬﺞ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﺍﻻﺑﺘﺪﺍﺋﻲ ﻭﺍﻟﺜﺎﻧﻮﻱ .
    ﻭﻟﺐ ﻧﻈﺮﻳﺔ ﺑﺮﻭﻧﺮ ﻫﻮ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﺇﻟﻰ ﺗﺠﺪﻳﺪ ﺍﻟﺒﻨﻴﺔ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ، ﻣﻊ ﺍﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻮﺍﺟﺰ ﺑﻴﻦ ﻛﻞ ﻣﺎﺩﺓ ﻭﺃﺧﺮﻯ . ﻭﻫﻮ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﻠﻤﺔ ﻣﺆﺩﺍﻫﺎ : ﺃﻥ ﻛﻞ ﺍﻷﻧﺸﻄﺔ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﻓﻲ ﺃﻱ ﻣﻮﻗﻊ ﻣﻦ ﻣﻴﺎﺩﻳﻦ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻫﻲ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﻣﻬﻤﺎ ﺗﻀﺨﻤﺖ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺃﻭ ﺗﻘﻠﺼﺖ ‏( 17 ‏) .
    .3 ﺑﻴﻴﺮ ﺑﻮﺭﺩﻳﻮ :
    ﺇﻥ ﺍﻟﻤﻘﻮﻟﺔ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺑﻨﻰ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﻮﺭﺩﻳﻮ ﻧﻈﺮﻳﺘﻪ، ﻫﻲ ﺃﻥ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻭﺳﻂ ﻳﺘﻢ ﺑﻪ، ﻭﻣﻦ ﺧﻼﻟﻪ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺇﻋﺎﺩﺓ
    ﺇﻧﺘﺎﺝ ﺑﻨﻴﺔ ﺍﻟﺘﻔﺎﻭﺕ ﺍﻟﻄﺒﻘﻲ . ﻭﻳﺴﺘﻨﺪ ﺑﻮﺭﺩﻳﻮ ﻓﻲ ﺇﺛﺒﺎﺕ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻘﻮﻟﺔ ﻭﺗﺤﻠﻴﻠﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﻧﻈﺮﻳﺘﻴﻦ، ﻫﻤﺎ ‏( 18 ‏) :
    • ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺭﺃﺱ ﺍﻟﻤﺎﻝ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻲ TheCultural Capital .
    • ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺨﺼﺎﺋﺺ ﺍﻟﻨﻔﺴﻴﺔ The Habitus .
    ﻓﺎﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻋﻨﺪ ﺑﻮﺭﺩﻳﻮ ﺗﻔﺮﺽ ﻣﺒﺎﺩﺉ ﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ، ﻛﻤﺎ ﺃﻧﻬﺎ – ﻛﺄﻧﺴﺎﻕ ﺭﻣﺰﻳﺔ – ﻫﻲ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺭﺃﺱ ﻣﺎﻝ ﻗﺎﺑﻞ ﻟﻠﺘﺤﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺭﺃﺱ ﻣﺎﻝ ﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﺃﻭ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺃﻭ ﺃﻱ ﺷﻜﻞ ﺁﺧﺮ ﻣﻦ ﺭﺅﻭﺱ ﺍﻷﻣﻮﺍﻝ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ‏( 19 ‏) .
    .4 ﻭﻣﻦ ﻣﻤﺜﻠﻲ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﻴﺔ ﻓﻲ ﻋﻠﻢ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ ﻛﻞ ﻣﻦ :
    ﻓﻠﻮﺩ Floud ، ﻭﻫﺎﻟﺴﻲ Halsey ، ﻭﻣﺎﺭﺗﻦ .Martin
    ﺗﻌﻘﻴﺐ
    ﺇﻥ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻔﺎﻋﻠﻴﺔ ﺍﻟﺮﻣﺰﻳﺔ، ﻻ ﺗﻘﺪﻡ ﻣﻔﻬﻮﻣﺎ ﺷﺎﻣﻼ ﻟﻠﺸﺨﺼﻴﺔ، ﻓﺄﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﻭﻋﻠﻰ ﺭﺃﺳﻬﻢ ﺑﻠﻮﻣﺮ ﻳﻘﺮﻭﻥ ﺑﺄﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﻳﺠﺐ ﺃﻻ ﺗﺸﻐﻞ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺑﻤﻮﺿﻮﻉ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﻛﻤﺎ ﻳﻨﺸﻐﻞ ﺑﻬﺎ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻨﻔﺲ . ﻭﻫﺬﺍ ﺳﺒﺐ ﻭﺍﺿﺢ، ﻭﻣﺒﺮﺭ ﺟﻮﻫﺮﻱ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺔ ﺍﻻﺳﺘﻔﺎﺩﺓ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻴﺪﺍﻥ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ، ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻭﺟﻮﺩ ﺑﻌﺾ ﺍﻷﺑﺤﺎﺙ ﺍﻟﻘﻠﻴﻠﺔ ﺍﻟﻤﻨﺸﻮﺭﺓ ﻫﻨﺎ ﻭﻫﻨﺎﻙ .
    ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﻔﺎﻋﻠﻴﺔ ﺍﻟﺮﻣﺰﻳﺔ ﺃﻏﻔﻠﺖ ﺍﻟﺠﻮﺍﻧﺐ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ ﻟﻠﺒﻨﻴﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ؛ ﻟﺬﻟﻚ ﻧﺠﺪﻫﺎ ﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﻗﻮﻝ ﺃﻱ ﺷﺊ ﻋﻦ ﻇﻮﺍﻫﺮ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻛﺎﻟﻘﻮﺓ ﻭﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﻭﺍﻟﺘﻐﻴﺮ، ﻭﺃﻥ ﺻﻴﺎﻏﺘﻬﺎ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﻣﻐﺮﻗﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﻤﻮﺽ، ﻭﺃﻧﻬﺎ ﺗﻘﺪﻡ ﺻﻮﺭﺓ ﻧﺎﻗﺼﺔ ﻋﻦ ﺍﻟﻔﺮﺩ .
    ﺃﻣﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﻋﻠﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻉ، ﻓﻴﻤﻜﻦ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺍﻟﻤﺠﺎﻝ ﺍﻟﺴﺎﺋﺪ ﺣﺎﻟﻴﺎ ﻓﻲ ﻋﻠﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ، ﻭﻗﺪ ﺍﻧﻔﺮﺩﺕ ﺑﺎﺳﻢ : ‏( ﻋﻠﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ ‏) ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﺟﻤﻌﺖ ﺑﻴﻦ ﺃﺳﻠﻮﺏ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺍﻟﺪﻗﻴﻖ، ﺑﺎﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺃﺳﻠﻮﺏ ﺍﻟﻤﻼﺣﻈﺔ، ﻭﺍﻟﻤﻼﺣﻈﺔ ﺑﺎﻟﻤﺸﺎﺭﻛﺔ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻐﺮﻓﺔ ﺍﻟﺼﻔﻴﺔ، ﻭﺑﻴﻦ ﺃﺳﻠﻮﺏ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺍﻟﻮﺍﺳﻊ، ﺍﻟﺬﻱ ﺍﺷﺘﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﻗﻀﺎﻳﺎ ﻭﺍﺳﻌﺔٍ ﻛﺎﻟﻘﻬﺮ، ﻭﺍﻟﺼﺮﺍﻉ، ﻭﺍﻟﺘﻐﻴﺮ، ﻭﺍﻟﺤﺮﺍﻙ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ، ﻭﺩﻭﺭ ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ .
    ﻭﻟﻌﻞ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻗﺎﻣﺖ ﺑﻬﺎ ﻧﻴﻞ ﻛﻴﺪﻱ Nell Keddie . ﻓﻲ ﺇﺣﺪﻯ ﺍﻟﻤﺪﺍﺭﺱ ﺍﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ، ﺑﻌﻨﻮﺍﻥ :
    ” ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﻲ ” ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻟﻘﻠﻴﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺟﺮﻳﺖ ﻓﻲ ﺇﻃﺎﺭ ﻫﺬﺍ ﺍﻻﻫﺘﻤﺎﻡ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻮﺟﺪ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﻤﻌﻠﻤﻴﻦ ﺣﻮﻝ ﺗﻼﻣﻴﺬﻫﻢ، ، ﻭﻫﻲ ﻧﻤﻮﺫﺝ ﻻﻫﺘﻤﺎﻣﺎﺕ ﻋﻠﻢ ﺇﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ .
    ﺧﺎﺗﻤﺔ :
    ﻳﺤﻈﻰ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ ﺑﺎﻫﺘﻤﺎﻡ ﻛﺒﻴﺮ، ﻛﻮﻧﻪ ﺍﻟﻤﻨﻄﻠﻖ ﺍﻷﺳﺎﺳﻲ ﻟﺘﻜﺮﻳﺲ ﻗﻴﻢ ﺍﻷﺻﺎﻟﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻭﺍﻟﻤﺮﺗﻜﺰ ﺍﻷﻫﻢ ﻓﻲ ﺑﻨﺎﺀ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ﻳﺤﻘﻖ ﺍﺳﺘﺜﻤﺎﺭﺍ ﺃﻣﺜﻞ ﻟﻤﻌﻄﻴﺎﺕ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ، ﻣﺠﺴﺪﺍ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺫﻟﻚ ﺗﻄﻠﻌﺎﺕ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻭﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻋﻠﻰ ﺣﺪ ﺳﻮﺍﺀ، ﻓﻲ ﺇﻃﺎﺭ ﻣﺸﺮﻭﻉ ﺣﻀﺎﺭﻱ ﻣﺘﻜﺎﻣﻞ .
    ﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻳﺒﺪﻭ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻮﻉ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ ، ﻣﺮﺗﺒﻄﺎ ﺑﺎﻟﺒﺤﺚ ﻓﻲ ﻣﻀﺎﻣﻴﻦ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ ، ﻓﻲ ﻣﺎﺿﻴﻪ ﻭﺣﺎﺿﺮﻩ، ﻭﻓﻲ ﺍﻫﺘﻤﺎﻣﺎﺗﻪ ﻭﺗﻄﻠﻌﺎﺗﻪ، ﻭﻓﻲ ﺃﺳﺎﻟﻴﺒﻪ ﻭﺃﻏﺮﺍﺿﻪ،ﻓﺎﻟﻤﺠﺘﻢﻉ ﻣﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ،ﻭﺧﺎﺻﺔ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﺗﻬﺪﻑ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﺎ ﺗﻬﺪﻑ ﺇﻟﻴﻪ ﺇﻟﻰ ﺗﻜﻴﻴﻒ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﻊ ﻣﺠﺘﻤﻌﻪ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺃﻧﻤﺎﻁ ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ﻭﻋﺎﺩﺍﺕ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ،ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺎﺳﺘﻔﺎﺩﺗﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻮﺻﻞ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻋﻠﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ ﻭﺗﺴﻌﻰ ﺇﻟﻰ ﺗﻄﺒﻴﻘﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻴﺪﺍﻥ، ﻫﺬﺍ ﺍﻷﺧﻴﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺪﺭﺱ ﺍﻷﻧﺸﻄﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﺎﻡ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﺔ ﻭﻳﺮﺻﺪ ﺍﻟﺘﻔﺎﻋﻼﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﻨﻔﺴﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻢ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻨﺴﻖ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺔ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ ، ﻛﻤﺎ ﻳﻌﻜﺲ ﺗﺄﺛﻴﺮﺍﺕ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﺔ ﻭﺍﻟﺘﻼﻣﻴﺬ ﻭﺍﻟﻤﺪﺭﺳﻴﻦ ﻭﺭﺟﺎﻝ ﺍﻹﺩﺍﺭﺓ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻳﺔ . ﻭ ﻳﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﻠﻴﻞ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﺍﻷﻧﺸﻄﺔ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻳﺔ، ﻛﺄﻧﺸﻄﺔ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﻴﻦ ﻭﺍﻟﺘﻼﻣﻴﺬ ﻭﺍﻹﺩﺍﺭﻳﻴﻦ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺔ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﻴﺔ . ﻭﻳﻘﻮﻡ ﺑﻮﺻﻒ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﻭﺍﻷﻧﺸﻄﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻢ ﺑﻴﻨﻬﻢ .
    ﻭﻟﻜﻦ ﻣﺎ ﻳﺘﺒﺎﺩﺭ ﻟﻸﺫﻫﺎﻥ ﻫﻮ ﺇﻟﻰ ﺃﻱ ﺣﺪ ﻳﻌﻤﻞ ﻋﻠﻢ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ ﻋﻠﻰ ﻛﺸﻒ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍﻟﺴﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻲ ﺍﻟﻤﻌﺎﺵ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺘﻪ ﺍﻟﺘﻔﺎﻋﻠﻴﺔ ﻣﻊ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ؟ ﺧﺼﻮﺻﺎ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﺻﻄﺪﺍﻣﻪ ﻣﻊ ﻣﺎ ﺗﺸﻬﺪﻩ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﻣﻦ ﺗﻐﻴﺮ ﻓﻲ ﺑﻨﻴﺘﻬﺎ ﻭﺛﻘﺎﻓﺘﻬﺎ،ﻓﻬﻞ ﺑﺎﺳﺘﻄﺎﻋﺘﻪ ﺃﻥ ﻳﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﺑﻌﺪ ﺳﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻲ ﺟﺪﻳﺪ ﻟﻠﻮﻗﺎﺋﻊ ﻭﺍﻟﻈﻮﺍﻫﺮ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﺪﺙ ﻓﻲ ﻋﺼﺮﻧﺎ ﻫﺬﺍ؟ ﻭﻫﻞ ﻧﺠﺢ ﻓﻌﻼ ﻋﻠﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ ﻓﻲ ﺗﺸﺨﻴﺺ ﺍﻟﻈﻮﺍﻫﺮ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻳﺔ ﻭ ﻣﻌﺎﻟﺠﺘﻬﺎ ﺑﺎﻟﺸﻜﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺨﺪﻡ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﺍﻟﻨﺶﺀ ؟ ﺃﻡ ﺻﺎﺭ ﻣﺠﺮﺩ ﺃﺩﺍﺓ ﻣﺴﺨﺮﺓ ﻓﻲ ﺃﻳﺪﻱ ﻃﻴﻘﺔ ﻣﺴﻴﻄﺮﺓ ﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺎ ﺗﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺇﻧﺘﺎﺝ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻄﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﺮﻣﺰﻳﺔ، ﺃﻱ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﺔ ﺗﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﻧﻔﺲ ﻗﻴﻢ ﺍﻟﻄﺒﻘﺔ ﺍﻟﺤﺎﻛﻤﺔ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺗﺸﺮﻳﺐ ﺃﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﻄﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻭﺍﻟﻠﻐﻮﻳﺔ ﻟﻠﻄﺒﻘﺔ ﺍﻟﺤﺎﻛﻤﺔ ؟ ﻭﻣﻦ ﻫﻨﺎ، ﻓﺎﻟﻔﻘﺮﺍﺀ ﻻﻳﻨﺘﺠﻮﻥ ﻋﺒﺮ ﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺔ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ ﺳﻮﻯ ﺍﻟﻄﺒﻘﺔ ﺍﻟﺒﺮﻭﻟﻴﺘﺎﺭﻳﺔ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﺒﻮﺭﺟﻮﺍﺯﻳﻮﻥ ﻻﻳﻜﻮﻧﻮﻥ ﺳﻮﻯ ﻭﺭﺛﺔ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﻭﺍﻟﺠﺎﻩ .
    ﺍﻟﻬﻮﺍﻣﺶ
    1 . ﻋﻠﻢ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺘﺄﻟﻴﻒ ﻭ ﺍﻟﺘﺪﺭﻳﺲ ﺩ . ﻓﺎﻳﺰ ﻣﺮﺍﺩ ﺩﻧﺪﺵ
    : ﻓﺎﺩﻳﺔ ﻋﻤﺮ ﺍﻟﺠﻮﻻﻧﻲ . ‏( 1997 ‏) ، ﻋﻠﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ، ﻣﺮﻛﺰ ﺍﻻﺳﻜﻨﺪﺭﻳﺔ ﻟﻠﻜﺘﺎﺏ . ﺹ 215
    2 ﺇﻳﺎﻥ ﻛﺮﻳﺐ . ‏( 1999 ‏) ، ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻣﻦ ﺑﺎﺭﺳﻮﻧﺰ ﺇﻟﻰ ﻫﺎﺑﺮﻣﺎﺱ، ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻣﺤﻤﺪ ﺣﺴﻴﻦ ﻏﻠﻮﻡ، ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ، ﻉ ‏( 244 ‏) ، ﺍﻟﻜﻮﻳﺖ
    3 ﺇﻳﺎﻥ ﻛﺮﻳﺐ . ‏( 1999 ‏) ، ﺍﻟﻤﺮﺟﻊ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ . ﺹ 131
    :4 ﺣﻤﺪﻱ ﻋﻠﻲ ﺃﺣﻤﺪ . ‏( 1995 ‏) ، ﻣﻘﺪﻣﺔ ﻓﻲ ﻋﻠﻢ ﺍﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ، ﺩﺍﺭ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﻴﺔ، ﺍﻻﺳﻜﻨﺪﺭﻳﺔ . ﺹ 180
    :5 ﻋﻠﻲ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺮﺯﺍﻕ ﺟﻠﺒﻲ . ‏( 1993 ‏) ، ﺍﻻﺗﺠﺎﻫﺎﺕ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻓﻲ ﻧﻈﺮﻳﺔ ﻋﻠﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻉ، ﺩﺍﺭ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﻴﺔ، ﺍﻻﺳﻜﻨﺪﺭﻳﺔ . ﺹ 237
    .6 ﻓﺎﺩﻳﺔ ﺍﻟﺠﻮﻻﻧﻲ . ‏( 1997 ‏) ، ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ . ﺹ 216
    .7 ﺇﻳﺎﻥ ﻛﺮﻳﺐ . ‏( 1999 ‏) ، ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ . ﺹ 132
    .8 ﻓﺎﺩﻳﺔ ﺍﻟﺠﻮﻻﻧﻲ . ‏( 1997 ‏) ، ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ . ﺹ 218
    .9 ﻋﻠﻲ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺮﺯﺍﻕ ﺟﻠﺒﻲ . ‏( 1993 ‏) ، ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ .
    10 ﺇﻳﺎﻥ ﻛﺮﻳﺐ . ‏( 1999 ‏) ، ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ . ﺹ 135
    11 ﺟﻮﺭﺝ ﻏﻮﺭﻓﻴﺘﺶ . ‏( 1981 ‏) ، ﺍﻷﻃﺮ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻠﻤﻌﺮﻓﺔ، ﺗﺮﺟﻤﺔ ﺧﻠﻴﻞ ﺃﺣﻤﺪ ﺧﻠﻴﻞ، ﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺔ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﻴﺔ ﻟﻠﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﻭﺍﻟﻨﺸﺮ، ﺑﻴﺮﻭﺕ . ﺹ 23
    12 ﻓﺎﻃﻤﺔ ﺑﺪﻭﻱ . ‏( 1988 ‏) ، ﻋﻠﻢ ﺍﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ، ﻣﻨﺸﻮﺭﺍﺕ ﺟﺮﻭﺱ ﺑﺮﺱ . ﺹ 69
    13 ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺴﻤﻴﻊ ﺳﻴﺪ ﺃﺣﻤﺪ . ‏( 1993 ‏) ، ﺩﺭﺍﺳﺎﺕ ﻓﻲ ﻋﻠﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ، ﺩﺍﺭ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﻴﺔ، ﺍﻻﺳﻜﻨﺪﺭﻳﺔ . ﺹ 43
    14 ﻋﻠﻲ ﺍﻟﺴﻴﺪ ﺍﻟﺸﺨﻴﺒﻲ . ‏( 2002 ‏) ، ﻋﻠﻢ ﺍﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ، ﺩﺍﺭ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ، ﺍﻟﻘﺎﻫﺮﺓ . ﺹ 67
    15 ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺴﻤﻴﻊ ﺳﻴﺪ ﺃﺣﻤﺪ . ‏( 1993 ‏) ، ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ . ﺹ 47-44
    16 ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺴﻤﻴﻊ ﺳﻴﺪ ﺃﺣﻤﺪ . ‏( 1993 ‏) ، ﺍﻟﻤﺮﺟﻊ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ . ﺹ 43
    17 ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺴﻤﻴﻊ ﺳﻴﺪ ﺃﺣﻤﺪ . ‏( 1993 ‏) ، ﺍﻟﻤﺮﺟﻊ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ . ﺹ 56
    18 ﺣﺴﻦ ﺍﻟﺒﻼﻭﻱ، ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﻭﺑُﻨﻴﺔ ﺍﻟﺘﻔﺎﻭﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺍﻟﻄﺒﻘﻲ : ﺩﺭﺍﺳﺔ ﻓﻲ ﻓﻜﺮ ﺑﻴﻴﺮ ﺑﻮﺭﺩﻭ . 125
    19 ﺣﺴﻦ ﺍﻟﺒﻼﻭﻱ، ﺍﻟﻤﺮﺟﻊ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ . ﺹ 127
    ✅ م .ن

ألان تورينAlain Touraine ودينامية السوسيولوجيا.


ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺍﻧﺘﻤﺎﺀ ﺁﻻﻥ ﺗﻮﺭﻳﻦ Alain Touraine ﻟﻠﺴﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﻧﺘﺎﺟﺎ ﻟﻠﺼﺪﻓﺔ ﻛﻤﺎ ﻳﺨﻴﻞ ﻟﻠﺒﻌﺾ؛ ﻓﺎﻧﺘﻤﺎﺋﻪ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻟﻤﺸﺎﺭﻛﺔ ﻓﻲ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ، ﻭﺷﺮﻃﺎ ﻟﻘﻴﺎﻡ ﺍﻟﺴﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﻛﻌﻠﻢ ﻣﻠﺘﺰﻡ ﻭﺭﺍﺩﻳﻜﺎﻟﻲ، ﻧﻈﺮﺍ ﻷﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻳﻬﺪﻑ ﺇﻟﻰ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﺟﻮﻫﺮﻱ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻮﻉ ﺍﻟﺴﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﻋﺎﻡ . ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺃﺑﺤﺎﺛﻪ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻤﻴﺪﺍﻧﻴﺔ ﺗﺴﻌﻰ ﺇﻟﻰ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺍﻻﻋﺘﺒﺎﺭ ﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ﺍﻟﺴﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﻔﺎﻋﻞ ﻛﻜﺎﺋﻦ ﺗﺎﺭﻳﺨﻲ ﻣﺮﺗﺒﻂ ﺑﺸﺮﻭﻁ ﻭﻭﺿﻌﻴﺎﺕ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﺣﻴﺚ ﻻ ﻳﺘﺨﺬ ﺍﻟﻔﻌﻞ ﻣﻌﻨﺎﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﺇﻻ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺘﻪ ﻣﻊ ﺍﻟﺒﻨﻴﺔ .
ﺃﻻﻥ ﺗﻮﺭﻳﻦ ﻫﻮ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﺟﺘﻤﺎﻉ ﻓﺮﻧﺴﻲ ‏( ﻣﻦ ﻣﻮﺍﻟﻴﺪ ﻋﺎﻡ 1925 ﻡ ‏) ، ﺣﺼﻞ ﻋﻠﻰ ﺷﻬﺎﺩﺓ ﺍﻟﺘﺒﺮﻳﺰ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﺔ ﺍﻟﻌﻠﻴﺎ ﻟﻸﺳﺎﺗﺬﺓ ﻋﺎﻡ 1950 ، ﻭﺍﻟﺘﺤﻖ ﺑﺎﻟﻤﺮﻛﺰ ﺍﻟﻮﻃﻨﻲ ﻟﻠﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﻟﻴﻌﻤﻞ ﻓﻴﻪ ﺑﺎﺣﺜﺎ ﺣﺘﻰ ﻋﺎﻡ 1958 ، ﻭﻫﻮ ﺣﺎﺻﻞ ﻋﻠﻰ ﺷﻬﺎﺩﺓ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭﺍﻩ ﻓﻲ ﻋﻠﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻉ ﺗﺤﺖ ﺇﺷﺮﺍﻑ ﺟﻮﺭﺝ ﻓﺮﻳﺪﻣﺎﻥ Georges Friedman ﻋﺎﻡ 1955 ، ﻭﻗﺪ ﻗﺎﻡ ﺑﺘﺄﺳﻴﺲ ﻣﺠﻠﺔ Sociologie du travail ﻋﺎﻡ 1959 ﺑﻤﻌﻴﺔ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﻋﻠﻤﺎﺀ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﻴﻦ ﻣﺜﻞ ﻣﻴﺸﻴﻞ ﻛﺮﻭﺯﻳﻲ Michel Crozier . ﻛﻤﺎ ﺃﻧﺠﺰ ﺍﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﻭﺍﻷﺑﺤﺎﺙ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﺤﺮﻛﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﻮﻋﻲ ﺍﻟﻌﻤﺎﻟﻲ .
ﻳﻌﺮﻑ ﺁﻻﻥ ﺗﻮﺭﻳﻦ ﺑﺄﺑﺤﺎﺛﻪ ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻝ ﺳﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺍﻟﺤﺮﻛﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﻭﺣﻮﻝ ﻧﻈﺮﻳﺔ ﺍﻟﻔﻌﻞ، ﻭﻣﻦ ﺃﻫﻢ ﺃﻋﻤﺎﻟﻪ، ﻋﻤﻠﻪ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﺑﻌﻨﻮﺍﻥ ﺳﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺍﻟﻔﻌﻞ Sociologie de l’action (1965 ‏) . ﺇﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺫﻟﻚ، ﻓﺈﻥ ﻟﻪ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺛﻼﺛﻴﻦ ﻣﺆﻟﻔﺎ ﻣﺜﻞ : ﺗﻄﻮﺭ ﻋﻤﻞ ﺍﻟﻌﻤﺎﻝ ﻓﻲ ﻣﻌﺎﻣﻞ ﺭﻳﻨﻮ L’évolution du travail aux usines Renault (1955 ‏) ، ﺇﻧﺘﺎﺝ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ Production de la société (1973 ‏) ، ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻋﻠﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻉ Pour la sociologie (1974 ‏) ، ﻋﻮﺩﺓ ﺍﻟﺬﺍﺕ Le Retour de l’acteur (1984 ‏) ، ﻧﻘﺪ ﺍﻟﺤﺪﺍﺛﺔ Critique de la modernité (1992 ‏) ، ﻣﺎ ﻫﻲ ﺍﻟﺪﻳﻤﻘﺮﺍﻃﻴﺔ؟ Qu’est-ce que la démocratie ? (1994 ‏) ، ﺃﻥ ﻧﻔﻜﺮ ﺑﺎﺧﺘﻼﻑ Penser autrement (2007 ‏) ، ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ La fin des sociétés (2011 ‏) ، ﺇﻟﺦ .
ﺳﻌﺖ ﺍﻟﺴﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﻣﻊ ﺗﻮﺭﻳﻦ ﺇﻟﻰ ﺍﻻﻧﺘﺼﺎﺭ ﻟﻠﻔﻌﻞ ﺑﺪﻻ ﻣﻦ ﺍﻻﻧﺘﺼﺎﺭ ﻟﻤﺎ ﻳﺴﻤﻰ ﺑﺎﻟﻨﺴﻖ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﺗﺒﻂ ﺑﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﺔ، ﺍﻟﺪﻭﺭ، ﺍﻟﺜﺒﺎﺕ، ﺍﻟﺘﻜﻴﻒ ﺃﻭ ﺍﻻﻧﺪﻣﺎﺝ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ . ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺴﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﻓﻲ ﺃﻭﺍﺳﻂ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﺗﺮﺗﺒﻂ ﺑﻨﻈﺮﻳﺔ ﺗﺎﻟﻜﻮﺕ ﺑﺎﺭﺳﻮﻧﺰ ‏( Talcott Parsons ‏) ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﺘﺠﺎﻭﺯ ﺇﻃﺎﺭ ﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺎﺕ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮﻡ ﺑﺘﻐﻴﻴﺐ ﺩﻭﺭ ﺍﻟﻔﺎﻋﻞ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ، ﻭﺗﺘﻤﺜﻞ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻛﻜﺎﺋﻦ ﺣﻲ ﻳﺨﻀﻊ ﻟﻠﺘﻄﻮﺭ ﺍﻟﻌﻀﻮﻱ، ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﺃﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺟﺰﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺤﻲ، ﻭﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺟﺰﺀ ﻣﻦ ﺗﻘﺪﻡ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ . ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﺴﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺍﻟﻨﻘﺪﻳﺔ ﺣﺎﻭﻟﺖ ﺍﻟﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﺍﻟﻮﻫﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺛﺎﺭﺗﻪ ﺍﻟﺴﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺍﻟﻜﻼﺳﻴﻜﻴﺔ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﻤﻌﺎﻳﻴﺮ ﻭﺍﻷﺩﻭﺍﺭ ﻭﺍﻟﻮﻇﺎﺋﻒ، ﻭﺍﻋﺘﺒﺎﺭ ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻰ ﺑﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻟﻬﻴﻤﻨﺔ ﻭﺍﻟﺴﻴﻄﺮﺓ، ﻓﺈﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺳﺮﻋﺎﻥ ﻣﺎ ﺳﻮﻑ ﺗﺘﺤﻮﻝ ﺃﺳﻠﺤﺘﻬﺎ ﺍﻟﻨﻘﺪﻳﺔ ﺇﻟﻰ ﺿﺪﻫﺎ، ﻧﻈﺮﺍ ﻟﻠﻤﻐﺎﻻﺓ ﻓﻲ ﺩﻭﺭ ﺍﻟﻔﺎﻋﻞ ﻭﻓﺼﻠﻪ ﻋﻦ ﺍﻧﺘﻤﺎﺋﻪ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻨﺴﻖ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ .
ﻭﻗﺪ ﺍﻋﺘﺒﺮ ﺗﻮﺭﻳﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﺴﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺍﻟﻜﻼﺳﻴﻜﻴﺔ ﺗﺼﻮﺭ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻪ ﻣﺠﺮﺩ ﻧﺴﻖ ﻣﻨﻈﻢ ﻳﺴﺘﻤﺪ ﻭﺟﻮﺩﻩ ﻣﻦ ﺗﻘﺪﻣﻪ ﻭﺗﻄﻮﺭﻩ ﺍﻟﻤﺘﻮﺍﺻﻞ ﻋﺒﺮ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻨﺸﺌﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﻜﻴﻒ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻭﺍﻟﻀﺒﻂ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ . ﻛﻤﺎ ﺍﻋﺘﺒﺮ ﺃﻥ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﺴﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺍﻟﻨﻘﺪﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻔﺎﻋﻠﻴﺔ ﺍﻟﺮﻣﺰﻳﺔ ﻭﺍﻟﻔﺮﺩﺍﻧﻴﺔ ﺍﻟﻤﻨﻬﺠﻴﺔ ﺗﻜﻤﻦ ﻓﻲ ﺗﻤﺠﻴﺪ ﺍﻟﻔﺎﻋﻞ، ﻭﺗﻘﻮﻡ ﺑﺘﻀﺨﻴﻢ ﺇﻣﻜﺎﻧﻴﺎﺗﻪ ﺍﻹﺳﺘﺮﺍﺗﻴﺠﻴﺔ، ﻭﺇﻏﻔﺎﻝ ﺍﻟﻘﻀﺎﻳﺎ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺎﻟﻘﻮﺓ ﻭﺑﺎﻟﺒﻨﺎﺀ، ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺗﺄﻛﻴﺪﻫﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻔﺎﻋﻞ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﻭﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ . ﻓﺒﻌﺪﻣﺎ ﻇﻬﺮﺕ ﻟﻨﺎ ﺳﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺍﻟﻨﺴﻖ ﺑﺪﻭﻥ ﻓﺎﻋﻞ ‏( ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﻴﺔ، ﺍﻟﻤﺎﺭﻛﺴﻴﺔ، ﺍﻟﺒﻨﻴﻮﻳﺔ ‏) ﻇﻬﺮ ﻟﻨﺎ ﺧﻄﺮ ﺍﻻﻧﺴﻴﺎﻕ ﻧﺤﻮ ﺳﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺍﻟﻔﺎﻋﻞ ﺑﺪﻭﻥ ﻧﺴﻖ ‏( ﺍﻟﺘﻔﺎﻋﻠﻴﺔ ﺍﻟﺮﻣﺰﻳﺔ، ﺍﻟﻔﺮﺩﺍﻧﻴﺔ ﺍﻟﻤﻨﻬﺠﻴﺔ ‏) ، ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻛﺎﻥ ﻫﺪﻑ ﺗﻮﺭﻳﻦ ﻫﻮ ﺑﻨﺎﺀ ﺳﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺗﻄﺎﺑﻖ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻔﺎﻋﻞ ﻭﺍﻟﻨﺴﻖ .
ﺿﻤﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﻃﺎﺭ، ﻳﻘﺘﺮﺡ ﺗﻮﺭﻳﻦ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺗﻌﺮﻳﻒ ﺍﻟﺴﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭﻫﺎ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﻟﻠﻔﻌﻞ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ، ﻓﻌﻞ ﺫﺍﺕ ﺗﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﺗﺘﺤﺪﺩ ﺗﻮﺟﻬﺎﺗﻬﺎ ﺑﺎﻟﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻣﺠﻤﻮﻉ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ . ﻓﺎﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﺷﻤﻮﻟﻴﺘﻬﺎ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﺘﻢ ﺗﺤﻠﻴﻠﻬﺎ ﻋﺒﺮ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺃﻧﺴﺎﻕ ﺍﻷﻓﻌﺎﻝ ‏[ 1 ‏] . ﻭﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﺤﻮ، ﻗﺎﻡ ﺗﻮﺭﻳﻦ ﺑﻤﺠﻬﻮﺩ ﻧﻈﺮﻱ ﻟﺘﺠﺎﻭﺯ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﺿﻌﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺳﻘﻄﺖ ﺍﻟﺴﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﻓﻲ ﺛﻨﺎﺋﻴﺔ ﺍﻟﻨﺴﻖ ﻭﺍﻟﻔﺎﻋﻞ، ﻋﺒﺮ ﻣﻘﻮﻟﺔ ﻧﺴﻖ ﺍﻟﻔﻌﻞ، ﻓﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻬﻢ، ﻫﻮ ﺃﻥ ﻳﺘﻢ ﺍﺳﺘﺒﺪﺍﻝ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺴﺎﻓﺔ ﺍﻟﻔﺎﺻﻠﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻔﺎﻋﻞ ﻭﺍﻟﻨﺴﻖ ﺑﺎﻻﺭﺗﺒﺎﻁ ﻣﻌﺎ، ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﺗﺴﻤﺢ ﺑﻪ ﻓﻜﺮﺓ ﻧﺴﻖ ﺍﻟﻔﻌﻞ ﻋﻨﺪ ﺗﻮﺭﻳﻦ ﻋﺒﺮ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻳﻨﺎﻣﻴﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﻴﺰ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻐﺮﺑﻴﺔ، ﻣﺮﻛﺰﺍ ﻓﻲ ﺗﺤﻠﻴﻼﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﺮﺍﻋﺎﺕ ﻭﺍﻟﺘﻨﺎﻗﻀﺎﺕ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻄﺒﻘﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻣﺘﻼﻙ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﺎﻧﻴﺔ، ﻓﺪﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺗﻜﻤﻦ ﻓﻲ ﺣﺮﻛﻴﺘﻪ ﻭﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﺳﻜﻨﺎﺗﻪ .
ﻳﻤﺜﻞ ﻛﺘﺎﺏ ” ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻟﺴﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ” ﻋﻨﺪ ﺗﻮﺭﻳﻦ ﻣﻴﻼﺩ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻰ ﺑﻤﻨﻬﺠﻴﺔ ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﺍﻟﺴﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻲ ‏( l’intervention sociologique ‏) ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻬﺪﻑ ﺇﻟﻰ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﺤﺮﻛﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ‏( Mouvements sociaux ‏) ، ﺣﻴﺚ ﻳﻔﺘﺮﺽ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻉ ﺃﻥ ﻳﻨﺨﺮﻁ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ، ﻭﺃﻥ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﺪﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﻔﻌﻞ ﻣﻦ ﺩﺍﺧﻠﻬﺎ ﺩﻭﻥ ﺗﺒﻨﻲ ﺇﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﺍﻟﻔﺎﻋﻠﻴﻦ ‏( ﺍﻟﻘﺎﺋﻤﻴﻦ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ‏) ، ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﺆﻛﺪﻩ ﺣﻮﻝ ﻣﻬﻤﺔ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻉ ﺑﻘﻮﻟﻪ : ” ﻳﻨﺨﺮﻁ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ، ﻧﻌﻢ؛ ﻭﻟﻜﻦ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻳﻀﺎ ﺃﻥ ﻳﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﺗﻨﻈﻴﻤﻬﺎ ” ‏[ 2 ‏] ، ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺣﺮّﺍ ﺗﺠﺎﻩ ﺗﻨﻈﻴﻤﻬﺎ . ﻫﺬﺍ ﻳﻌﻨﻲ ﺃﻳﻀﺎ ﺍﻟﺘﺮﻛﻴﺰ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻨﺎﺿﻠﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﻭﻟﻴﺲ ﻣﻊ ﺍﻟﻘﺎﺩﺓ ﺃﻭ ﺍﻹﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﻴﻦ ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﻴﻦ ﺗﺤﺖ ﺗﺄﺛﻴﺮ ﺍﻟﺘﺮﺳﻴﻤﺎﺕ ﺍﻟﻤﺨﺼﺼﺔ ﻟﻠﺤﻔﺎﻅ ﻋﻠﻰ ﺃﺩﻭﺍﺭﻫﻢ ‏[ 3 ‏] .
ﺗﺴﻤﺢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻟﺪﻯ ﺗﻮﺭﻳﻦ ﺑﺘﻔﻌﻴﻞ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻭﺇﻇﻬﺎﺭ ﺣﺮﻛﺎﺗﻪ ﻭﺍﻟﻤﺴﺎﻫﻤﺔ ﻓﻲ ﺗﺸﻜﻴﻠﻬﺎ، ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﺴﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﺳﺒﺒﺎ ﻓﻲ ﺇﻧﺸﺎﺀ ﻣﺮﻛﺰ ﺍﻟﺘﺤﻠﻴﻞ ﻭﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﺍﻟﺴﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻲ ‏( EHESS ‏) ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ‏( 1981 ـ 1982 ‏) ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺗﺨﻠﻰ ﺗﻮﺭﻳﻦ ﻋﻦ ﻣﺮﻛﺰ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﺤﺮﻛﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ‏( CEMS ‏) ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻢ ﺗﺄﺳﻴﺴﻪ ﻋﺎﻡ .1970
ﻳﻤﺰﺝ ﺗﻮﺭﻳﻦ ﺑﻴﻦ ﺍﻻﻟﺘﺰﺍﻡ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ ﻭﺍﻻﻟﺘﺰﺍﻡ ﺍﻷﺧﻼﻗﻲ ﻓﻲ ﺳﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺘﻪ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻣﻨﻬﺠﻴﺔ ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﺍﻟﺴﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺠﻤﻊ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﻼﺣﻈﺔ ﺑﺎﻟﻤﺸﺎﺭﻛﺔ ﻭﺍﻟﻤﻨﻬﺞ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ ﺑﻬﺪﻑ ﺇﺣﺪﺍﺙ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺴﺎﻓﺔ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻳﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺒﺎﺣﺚ ﻭﻣﻮﺿﻮﻋﻪ، ﺣﻴﺚ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺗﺼﻮﺭﺍ ﺟﺪﻳﺪﺍ ﻟﺤﺮﻓﺔ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻉ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺗﺠﺎﻭﺯ ﺃﺩﻭﺍﺭ ﺍﻻﺳﺘﻜﺸﺎﻑ ﻓﻘﻂ ﻭﺍﻟﺘﺤﻠﻴﻞ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻲ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻋﺒﺮ ﺍﻻﻧﺨﺮﺍﻁ ﻓﻲ ﺗﻐﻴﻴﺮﻩ، ﻣﺴﺘﻠﻬﻤﺎ ﺑﺬﻟﻚ ﻛﻞ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﻑ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺴﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﺤﺮﻛﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺻﻴﺎﻏﺔ ﻭﻋﻴﻬﺎ ﺑﺮﻫﺎﻧﺎﺗﻬﺎ ﻭﺧﺼﻮﻣﻬﺎ ﻭﻣﺸﺮﻭﻋﻬﺎ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺤﻤﻠﻪ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ ﺷﺮﻳﻄﺔ ﺃﻻ ﻳﺴﻌﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻉ ﺇﻟﻰ ﻓﺮﺽ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ‏[ 4 ‏] .
ﻭﻳﺮﺗﺒﻂ ﺍﻟﺘﺤﻠﻴﻞ ﺍﻟﺴﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻲ ﻟﺪﻯ ﺗﻮﺭﻳﻦ ﺑﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻴﺔ، ﻣﺜﻞ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﺎﻧﻴﺔ ‏( L’historicité ‏) ، ﺍﻟﺤﺮﻛﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﺍﻟﺬﺍﺕ ‏( Sujet ‏) . ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﻧﺠﺪﻫﺎ ﻣﺘﺮﺍﺑﻄﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﺑﺴﺒﺐ ﺭﻓﺾ ﺗﻮﺭﻳﻦ ﻟﻜﻞ ﺍﻟﺘﺤﻠﻴﻼﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﻌﻰ ﺇﻟﻰ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺑﺄﻧﻪ ﻳﺨﻀﻊ ﻟﻤﺒﺪﺃ ﻏﻴﺮ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻲ، ﻣﺤﺪﺩ ﻣﻦ ﻃﺮﻑ ﻗﻮﺓ ﻏﻴﺮ ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺈﺭﺍﺩﺓ ﺍﻟﻔﺎﻋﻞ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﻮﺻﺎﻳﺔ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ، ﺍﻟﺼﺪﻓﺔ، ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ … ﺇﻟﺦ .
ﺇﻥ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻓﻲ ﻧﻈﺮ ﺗﻮﺭﻳﻦ ﻫﻮ ﻧﺘﺎﺝ ﻷﻓﻌﺎﻟﻪ ﻭﻣﻤﺎﺭﺳﺎﺗﻪ ﻭﻟﻠﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻟﻤﻤﻴﺰﺓ، ﻳﻔﺘﺮﺽ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻭﺍﻋﻴﺎ ﺑﺬﺍﺗﻪ، ﻭﻗﺎﺩﺭﺍ ﻋﻠﻰ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﻧﻔﺴﻪ، ﻭﻣﺪﻋﻮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺍﻟﻔﺎﻋﻠﻴﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﻴﻦ . ﻓﺎﻟﻔﺎﻋﻞ ﺩﺍﺋﻢ ﺍﻟﻔﻌﻞ ﻭﺍﻟﺤﺮﻛﺔ، ﻗﺎﺩﺭ ﻋﻠﻰ ﺍﺳﺘﺜﻤﺎﺭ ﻧﻔﺴﻪ ﻭﺗﻔﻌﻴﻞ ﺫﺍﺗﻪ . ﻭﻟﺬﻟﻚ ﻳﻘﺪﻡ ﻟﻨﺎ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﺎﻧﻴﺔ ﻛﻤﻔﻬﻮﻡ ﻣﺮﻛﺰﻱ، ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﺨﺬﻩ ﺍﻟﻔﻌﻞ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻔﺎﻋﻞ، ﺣﻴﺚ ﻳﻘﻮﻝ ﺗﻮﺭﻳﻦ :
” ﺃﺳﻤﻲ ﻣﺎ ﺃﺩﻋﻮﻩ ﺗﺎﺭﻳﺨﺎﻧﻴﺔ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺒﻌﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﺨﺬﻩ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﺗﺠﺎﻩ ﻧﺸﺎﻃﻪ، ﻭﺍﻟﻔﻌﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﺪﺩ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻪ ﻣﻘﻮﻻﺕ ﻣﻤﺎﺭﺳﺘﻪ، ﻓﻠﻴﺲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻛﺎﺋﻦ، ﻭﻟﻜﻦ ﻣﺎ ﻳﻔﻌﻠﻪ ﻟﻜﻲ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺨﻠﻖ ﻭﺿﻌﺎ ﻟﻠﻌﻼﻗﺎﺕ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻭﻣﺤﻴﻄﻪ، ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﺘﺮﺍﻛﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﺘﻄﻊ ﺟﺰﺀﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺗﺞ ﺍﻟﻤﺘﻮﻓﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻤﺆﺩﻳﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻻﺳﺘﻬﻼﻙ، ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻨﻤﻮﺫﺝ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﺤﻜﻢ ﻓﻲ ﺍﻹﺑﺪﺍﻋﻴﺔ ﺑﺄﺷﻜﺎﻝ ﺗﺨﻀﻊ ﻟﻠﻨﻔﻮﺫ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺳﻴﺮﻩ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ، ﻓﻬﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺨﻠﻖ ﻣﺠﻤﻮﻉ ﺗﻮﺟﻬﺎﺗﻪ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﺑﻔﻌﻞ ﺗﺎﺭﻳﺨﻲ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻌﻼ ﻭﻣﻌﻨﻰ ” ‏[ 5 ‏] .
ﻳﻘﺘﺮﺡ ﺗﻮﺭﻳﻦ ﻫﻨﺎ ﺛﻼﺙ ﻣﻴﺰﺍﺕ ﺃﺳﺎﺳﻴﺔ ﺗﺴﻬﻢ ﻓﻲ ﺗﻜﻮﻳﻦ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻴﻪ ﺑﺎﻟﺘﺎﺭﻳﺨﺎﻧﻴﺔ ﻭﺗﻮﺟﻴﻪ ﻋﻤﻞ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻓﻲ ﻣﻤﺎﺭﺳﺘﻪ، ﻭﻫﻲ ﻛﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ‏[ 6 ‏] :
ـ ﻧﻤﻂ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ، ﻭﺑﺨﺎﺻﺔ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻭﻋﻦ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﻋﻦ ﺍﻟﻼﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻲ Non-social ﻭﺍﻟﻠﻐﺔ، ﻛﻠﻬﺎ ﺗﺴﺎﻫﻢ ﻓﻲ ﺗﻮﺟﻴﻪ ﺍﻟﺘﺼﺮﻓﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻛﻤﺎ ﺗﺴﺎﻫﻢ ﻓﻲ ﺗﻌﺮﻳﻒ ﺍﻟﻮﺿﻌﻴﺔ .situation
ـ ﺍﻟﺘﺮﺍﻛﻢ l’accumulation ﺍﻟﺬﻱ ﺑﻮﺍﺳﻄﺘﻪ ﻳﻮﻇﻒ ﻗﺴﻢ ﻣﻦ ﺍﻹﻧﺘﺎﺝ ﺍﻟﻘﺎﺑﻞ ﻟﻼﺳﺘﻬﻼﻙ ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻹﻧﺘﺎﺝ، ﻭﻳﺴﺎﻫﻢ ﻟﻴﺲ ﻓﻘﻂ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﻞ، ﺑﻞ ﻓﻲ ﺇﻧﺘﺎﺝ ﺍﻟﻌﻤﻞ .
ـ ﺍﻟﻨﻤﻮﺫﺝ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻋﺒﺮﻩ ﻳﺪﺭﻙ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻧﻔﺴﻪ ﻭﻳﺴﺘﻮﻋﺐ ﺇﺑﺪﺍﻋﻴﺘﻪ .créativité
ﻓﺎﻟﺘﺎﺭﻳﺨﺎﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﻧﻈﺮ ﺗﻮﺭﻳﻦ ﻫﻲ ﻗﺪﺭﺓ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻋﻠﻰ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺇﻧﺘﺎﺝ ﻧﻔﺴﻪ؛ ﺃﻱ ﺇﻧﺘﺎﺝ ﺗﻮﺟﻬﺎﺗﻪ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻣﻤﺎﺭﺳﺎﺗﻪ ﻭﺃﻧﺸﻄﺘﻪ، ﺍﻟﺸﻲﺀ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺠﻌﻠﻪ ﻛﺎﺋﻦ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﻭﻟﻴﺲ ﻣﺎ ﻳﻔﺘﺮﺽ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻘﻮﻯ ﻏﻴﺮ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ . ﻛﻤﺎ ﺃﻧﻪ ﻳﻘﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻤﻮﺫﺝ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﻄﻲ ﻟﻠﺘﺎﺭﻳﺨﺎﻧﻴﺔ ﻣﻌﻨﻰ ﻟﻠﻤﻤﺎﺭﺳﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺗﻮﺟﻴﻪ ﺍﻟﻔﻌﻞ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ . ﻓﺎﻟﺘﺎﺭﻳﺨﺎﻧﻴﺔ ﺃﺷﺒﻪ ﺑﻨﻈﺎﻡ ﻣﻌﻘﺪ ﻳﻘﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﻌﻞ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ ﻭﻋﻠﻰ ﺃﻧﻈﻤﺔ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ، ﻭﺃﺷﻜﺎﻝ ﺍﻟﺘﺮﺍﻛﻢ ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻤﻂ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻲ، ﺣﻴﺚ ﻳﺘﻢ ﺗﺴﻴﻴﺮﻫﺎ ﻭﺗﻮﺟﻴﻬﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻗﻮﻯ ﺗﻨﺎﻓﺴﻴﺔ ﻣﺘﺼﺎﺭﻋﺔ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ .
ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﺎﻧﻴﺔ ﻳﻌﺪّ ﻣﻔﻬﻮﻣﺎ ﺩﻳﻨﺎﻣﻴﺎ، ﺇﻻ ﺃﻧﻨﺎ ﻧﺠﺪ ﺗﻮﺭﻳﻦ ﻳﺮﻓﺾ ﻛﻞ ﺗﺼﻮﺭ ﺍﺧﺘﺰﺍﻟﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻧﻈﺮﺓ ﺗﻄﻮﺭﻳﺔ، ﻓﺎﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻻ ﻳﺨﻀﻊ ﺇﻟﻰ ﻭﺿﻊ ﻣﺴﺒﻖ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺧﺎﺿﻊ ﻟﺘﻮﺟﻴﻬﺎﺕ ﺍﻟﻔﺎﻋﻠﻴﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺮﺳﻤﻮﻥ ﺧﻄﻮﻃﻪ ﺍﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ﻭﺍﻟﻌﺮﻳﻀﺔ . ﻓﻼ ” ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻧﻔﻬﻢ ﺍﻟﻔﺎﻋﻞ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﺘﻤﻲ ﺇﻟﻴﻪ، ﺑﻞ ﻳﺠﺐ ﺍﻻﻧﻄﻼﻕ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺎﻋﻠﻴﻦ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﻴﻦ ﻭﻣﻦ ﺍﻟﺼﺮﺍﻋﺎﺕ ﺍﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺠﻌﻞ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻓﻲ ﻣﻮﺍﺟﻬﺔ ﺍﻟﺒﻌﺾ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻳﻨﺘﺞ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﺒﺮﻫﺎ، ﻭﺫﻟﻚ ﺣﺘﻰ ﻧﻔﻬﻢ ﻛﻴﻒ ﺗﻨﺸﺄ ﻣﻘﻮﻻﺕ ﺍﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺔ ” ‏[ 7 ‏] .
ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ، ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﺎﻋﻠﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﺃﺳﺎﺱ ﻗﺪﺭﺗﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺄﺛﻴﺮ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻨﺴﻖ، ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﺟﻌﻞ ﺗﻮﺭﻳﻦ ﻳﻘﺎﺭﻥ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻤﻴﺰ ﺑﺘﺎﺭﻳﺨﺎﻧﻴﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ، ﻭﻣﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺗﺘﻤﻴﺰ ﺑﺘﺎﺭﻳﺨﺎﻧﻴﺔ ﺿﻌﻴﻔﺔ . ﻓﻔﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺿﻌﻴﻔﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﺎﻧﻴﺔ، ﻳﺪﺭﻙ ﺍﻟﻨﻤﻮﺫﺝ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﺑﺼﻔﺔ ﻣﺠﺮﺩﺓ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻪ ﻧﻈﺎﻡ ﻛﻠﻲ ” ﻣﻴﺘﺎ ـ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ” ‏( Méta-Social ‏) ، ﻭﻫﻲ ﻻ ﺗﺆﻣﻦ ﺑﺎﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﻭﺍﻹﺑﺪﺍﻉ ﻭﻧﺠﺪﻫﺎ ﺗﻤﻴﻞ ﺇﻟﻰ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺇﻧﺘﺎﺝ ﺍﻟﻨﺴﻖ، ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺘﻢ ﺗﻬﺪﻳﺪ ﻣﺼﺎﻟﺤﻬﺎ ﻭﻭﺟﻮﺩﻫﺎ . ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﻋﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﺎﻧﻴﺔ ﻳﻜﻮﻥ ” ﺗﺄﺛﻴﺮ ﺇﻧﺘﺎﺝ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺇﻧﺘﺎﺝ ﺍﻟﺨﻴﺎﺭﺍﺕ ﻛﺒﻴﺮﺍ، ﻳﻜﻮﻥ ﺇﺩﺭﺍﻙ ﺍﻹﺑﺪﺍﻋﻴﺔ ﻋﻤﻠﻴﺎ، ﻓﻴﻌﺮﻑ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻪ ﺇﺑﺪﺍﻋﻴﺔ، ﻭﻗﻮﺓ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ ﻟﺘﺤﻮﻳﻞ ﺣﺎﻟﺔ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ” ‏[ 8 ‏] .
ﻳﺮﻯ ﺗﻮﺭﻳﻦ ﺃﻥ ﺟﻮﻫﺮ ﺩﻳﻨﺎﻣﻴﺔ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻳﻜﻤﻦ ﺃﺳﺎﺳﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺮﻛﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭﻫﺎ ﺫﻭﺍﺕ ﻓﺎﻋﻠﻴﺔ، ﺣﻴﺚ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﺑﺄﻥ ﻣﻮﺿﻮﻉ ﺍﻟﺴﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﻫﻮ ” ﺩﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﺘﺼﺮﻓﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺪﺭﺟﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ، ﺩﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﺘﺼﺮﻓﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺮﺗﺒﻂ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ ﺑﺎﻟﺘﺎﺭﻳﺨﺎﻧﻴﺔ؛ ﺃﻱ ﺑﻌﻼﻗﺎﺕ ﻭﺻﺮﺍﻋﺎﺕ ﺍﻟﻄﺒﻘﺎﺕ، ﺗﺼﺮﻓﺎﺕ ﻧﺪﻋﻮﻫﺎ ﺍﻟﺤﺮﻛﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ” ‏[ 9 ‏] ، ﻭﻫﻮ ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﺟﻌﻠﻪ ﻳﺮﺍﻫﻦ ﻛﺜﻴﺮﺍ ﻋﻠﻰ ﺳﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺍﻟﻔﻌﻞ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻬﺘﻢ ﺑﺪﺭﺍﺳﺔ ﺍﻷﻓﻌﺎﻝ ﻭﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﻭﺍﻟﺼﺮﺍﻋﺎﺕ ﻭﺍﻟﺘﻨﺎﻓﺴﺎﺕ ﻭﺍﻷﻧﺴﺎﻕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ .
ﻳﻌﺮﻑ ﺗﻮﺭﻳﻦ ﺍﻟﺤﺮﻛﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺑﺄﻧﻬﺎ ” ﻓﻌﻞ ﺗﻨﺎﺯﻋﻲ ﺑﻴﻦ ﻭﻛﻼﺀ ﺍﻟﻄﺒﻘﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﻤﺘﺼﺎﺭﻋﻴﻦ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻣﺮﺍﻗﺒﺔ ﻧﺴﻖ ﺍﻟﻔﻌﻞ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ ” ‏[ 10 ‏] . ﺇﻧﻬﺎ ﺗﻌﻤﻞ ﺑﺬﻟﻚ، ﺩﺍﺋﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺗﻤﺘﻠﻚ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻟﻨﻔﺴﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ ﻋﻦ ﻫﻮﻳﺘﻬﺎ ﻭﺍﺳﺘﻘﻼﻟﻬﺎ ﺿﺪ ﺧﺼﻮﻣﻬﺎ ﻛﻠﻤﺎ ﺩﻋﺖ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ . ﻓﺄﻫﻢ ﻣﺎ ﻳﻤﻴﺰ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺮﻭﺭ ﻣﻦ ﺍﻟﻬﻮﻳﺔ ﺍﻟﺪﻓﺎﻋﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻬﻮﻳﺔ ﺍﻟﻬﺠﻮﻣﻴﺔ، ﻓﻌﻦ ﻃﺮﻳﻘﻬﺎ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺃﻥ ﻳﻨﺘﺼﺮ ﻟﻮﺟﻮﺩﻩ ﻋﺒﺮ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺒﺎﺩﺉ ﺍﻟﺘﻲ ﻭﺿﻊ ﻟﻬﺎ ﺗﻮﺭﻳﻦ ﺗﺴﻤﻰ ﻣﺒﺎﺩﺉ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﺣﻴﺚ ﺗﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ ﺛﻼﺛﺔ ﻣﺒﺎﺩﺉ، ﻭﻫﻲ ﻛﺎﻟﺘﺎﻟﻲ :
ـ ﻣﺒﺪﺃ ﺍﻟﻬﻮﻳﺔ : ﺇﺫ ﻳﺘﻌﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺃﻥ ﺗﻌﻠﻦ ﻋﻦ ﻫﻮﻳﺘﻬﺎ ﻭﻣﻦ ﻳﻤﺜﻠﻬﺎ .
ـ ﻣﺒﺪﺃ ﺍﻟﺘﻌﺎﺭﺽ : ﺗﺤﺪﻳﺪ ﺍﻟﺨﺼﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﻌﺎﺭﺽ ﻣﻊ ﺃﻫﺪﺍﻑ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺗﻮﺿﻴﺤﻪ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﻮﺿﻮﻋﻲ .
ـ ﻣﺒﺪﺃ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ : ﻭﻫﻮ ﺃﻫﻢ ﻣﺒﺪﺃ ﻋﻨﺪ ﺗﻮﺭﻳﻦ، ﺣﻴﺚ ﻳﻔﺘﺮﺽ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﻜﻮﻧﺔ ﻣﻦ ﻭﻋﻲ ﺟﻤﻌﻲ ﻭﺷﻤﻮﻟﻲ؛ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺁﺧﺮ ﺃﻻ ﺗﻜﻮﻥ ﺃﻗﻠﻴﺔ ﺃﻭ ﻓﺮﺩﻳﺔ، ﻷﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺒﺪﺃ ﻳﺴﺎﻫﻢ ﺑﺸﻜﻞ ﻛﺒﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺄﺛﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﺃﻱ ﺍﻟﻌﺎﻡ، ﻭﻋﻠﻰ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺍﻟﻤﻄﺎﻟﺐ ﻭﺍﻟﻤﻜﺘﺴﺒﺎﺕ ﻭﺿﻤﺎﻥ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ .
ﺗﻠﻚ ﻫﻲ ﺃﻫﻢ ﺍﻟﻤﺒﺎﺩﺉ ﺍﻟﺘﻲ ﻭﺿﻌﻬﺎ ﺗﻮﺭﻳﻦ ﻟﺘﻮﺟﻴﻪ ﺍﻟﺤﺮﻛﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻟﺴﻴﻄﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﺷﻜﺎﻝ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻭﺑﻨﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ؛ ﻓﺎﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻳﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻻﻧﺪﻣﺎﺝ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﺤﺮﻛﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺗﻌﻨﻲ ﻓﻌﻼ ﺻﺮﺍﻋﻴﺎ ﻳﻌﺎﺭﺽ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﺍﻻﻧﺪﻣﺎﺝ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﺪﺛﻬﺎ ﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ .
ﻫﺬﺍ، ﻭﻗﺪ ﺗﻤﻴﺰﺕ ﺳﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺗﻮﺭﻳﻦ ﻓﻲ ﺑﺪﺍﻳﺔ ﺍﻟﺜﻤﺎﻧﻴﻨﻴﺎﺕ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﺑﻌﻮﺩﺓ ﺍﻟﻔﺎﻋﻞ Retour de L’acteur ، ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻮﺩﺓ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻋﻔﻮﻳﺔ ﻋﺮﺿﻴﺔ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺗﻀﺎﻓﺮﺕ ﻓﻴﻬﺎ ﺣﻴﺜﻴﺎﺕ ﻭﺷﺮﻭﻁ ﻛﺜﻴﺮﺓ، ﻭﺳﺎﻫﻤﺖ ﻓﻲ ﺑﺮﻭﺯ ﺍﻟﻔﺎﻋﻞ ﺑﺸﻜﻞ ﻗﻮﻱ، ﻭﻣﻦ ﺿﻤﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻴﺜﻴﺎﺕ ﻭﺍﻟﺸﺮﻭﻁ ﺿﻌﻒ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺎﺕ ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﻴﺔ ﻭﺍﻟﺒﻨﻴﻮﻳﺔ ﻓﻲ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺍﻟﻈﻮﺍﻫﺮ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﺛﻢ ﺍﻟﺘﺤﻮﻻﺕ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﺮﻓﻬﺎ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺧﻼﻝ ﻓﺘﺮﺓ ﺍﻟﺴﺒﻌﻴﻨﻴﺎﺕ ﻣﺜﻞ ﺗﻔﻜﻚ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻘﻮﻣﻴﺔ، ﻭﺍﻧﺤﻼﻝ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺍﻟﻤﻄﺎﻑ ﺗﻤﺜﻞ ﺳﻠﻄﺔ ﻗﻬﺮﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻓﺮﺍﺩ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺎﺕ ﺍﻟﺼﻐﺮﻯ، ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺎﺕ ﺗﻨﻈﺮ ﻟﻨﻔﺴﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﻮﻗﻊ ﺍﻟﺘﺒﻌﻴﺔ .
ﺇﻥ ﻋﻮﺩﺓ ﺍﻟﻔﺎﻋﻞ ﺳﺘﺒﺮﺯ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺯﻭﺍﻳﺎ ﻣﺘﻌﺪﺩﺓ ﻭﻣﺨﺘﻠﻔﺔ، ﺗﺘﻤﺜﻞ ﻣﺜﻼ ﻓﻲ ﺑﺮﻭﺯ ﺣﺮﻛﺎﺕ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﻭﺍﻟﺤﺮﻛﺎﺕ ﺍﻟﻨﺴﺎﺋﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﻋﺘﺒﺮﻫﺎ ﺗﻮﺭﻳﻦ ﻣﻦ ﺃﻫﻢ ﺍﻟﺤﺮﻛﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺃﻓﺮﺯﺗﻬﺎ ﻣﺨﻠﻔﺎﺕ ﺍﻟﺤﺪﺍﺛﺔ .
ﺳﻴﺮﻛﺰ ﺗﻮﺭﻳﻦ ﻋﻠﻰ ﻓﻜﺮﺓ ﺃﺳﺎﺳﻴﺔ ﻣﻔﺎﺩﻫﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﺸﻜﻞ ﻓﻲ ﺍﺳﺘﻘﻼﻝ ﻧﺴﺒﻲ ﻋﻦ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﻌﻰ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ ﺍﻣﺘﻼﻛﻬﺎ ﻟﻠﺘﺎﺭﻳﺨﺎﻧﻴﺔ، ﺣﻴﺚ ﺳﻴﺘﻢ ﺍﻟﺘﺮﻛﻴﺰ ﻫﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﺮﻛﻴﺔ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺘﻬﺎ ﺑﻘﻀﺎﻳﺎ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ، ﻭﺳﻮﻑ ﻳﺒﻠﻮﺭ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺍﻟﻔﺎﻋﻠﺔ ﻛﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺮﻛﻴﺔ، ﻓﺄﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺫﺍﺗﺎ ﻓﺎﻋﻠﺔ ﻫﻮ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻗﺎﺩﺭﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﻌﻞ ﻭﺍﻟﺤﺮﻛﺔ، ﻛﻤﺎ ﺃﻧﻪ ﺳﻴﻬﺘﻢ ﺑﺪﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﺤﺮﻛﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﻓﺎﻟﻬﺪﻑ ﻣﻨﻬﺎ ﻫﻲ ﺗﺤﺮﻳﺮ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﻣﻦ ﺍﻟﻬﻴﻤﻨﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻤﺎﺭﺳﻬﺎ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﺮﺩ . ﻓﺎﻟﺬﺍﺕ ﻓﻲ ﻧﻈﺮ ﺗﻮﺭﻳﻦ : ” ﻟﻴﺲ ﻋﻨﺼﺮﺍ ﻣﻦ ﻋﻨﺎﺻﺮ ﺍﻟﺘﻌﺎﺭﺽ ‏( ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺍﻟﻔﺎﻋﻠﺔ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﻭﺍﻟﻌﻘﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻬﺔ ﺍﻷﺧﺮﻯ ‏) ، ﺑﻞ ﻛﺘﻌﺒﻴﺮ ﻣﺤﺴﻮﺱ ﻋﻦ ﺭﻓﺾ ﻣﺰﺩﻭﺝ ﻭﻋﻦ ﻗﺮﺍﺭ . ﻫﻨﺎﻙ ﺭﻓﺾ ﻟﻠﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺘﻜﻨﻮﻗﺮﺍﻃﻴﺔ، ﻟﻠﻌﻘﻠﻨﺔ ﺑﺎﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺘﺎﻳﻠﻮﺭﻱ، ﻭﺭﻓﺾ ﻟﻠﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺠﺎﻟﻴﺎﺗﻴﺔ، ﻟﺘﺴﻠﻂ ﺍﻟﻬﻮﻳﺔ؛ ﻷﻥ ﻛﻞ ﺫﺍﺕ ﻓﺎﻋﻠﺔ ﻫﻲ ﻓﻲ ﺁﻥ ﻭﺍﺣﺪ ﻛﻮﻧﻴﺔ ﻭﺟﺎﻟﻴﺎﺗﻴﺔ ” ‏[ 11 ‏] .
ﻳﺪﺍﻓﻊ ﺗﻮﺭﻳﻦ ﻋﻦ ﻓﻜﺮﺓ ﻣﻬﻤﺔ، ﻭﻫﻲ ﺃﻻ ﻳﺼﺒﺢ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻗﻄﻌﺔ ﺷﻄﺮﻧﺞ ﻳﺘﻢ ﺍﻟﺘﻼﻋﺐ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﻃﺮﻑ ﺍﻟﻨﻈﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ؛ ﺃﻱ ﺃﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻣﺴﺘﻌﺒﺪﺍ ﺃﻭ ﺩﺍﺧﻞ ﻣﺼﻔﻮﻓﺔ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻳﺘﻢ ﺑﺮﻣﺠﺘﻪ ﻭﻓﻖ ﻧﻤﻂ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻭﺇﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻲ ﻳﺨﺪﻡ ﻓﺌﺔ ﺃﻗﻠﻴﺔ ﻣﺘﺤﻜﻤﺔ، ﻓﺎﻟﻔﺮﺩ ﻋﻨﺪ ﺗﻮﺭﻳﻦ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﺎﻋﻼ، ﻷﻧﻪ ﺣﺮّ ﻓﻲ ﺗﻮﺟﻬﺎﺗﻪ ﻭﺍﺧﺘﻴﺎﺭﺍﺗﻪ ﻭﻗﺎﺩﺭ ﻋﻠﻰ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﻣﺤﻴﻄﻪ، ﻭﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻪ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺫﺍﺕ ﻓﺎﻋﻠﺔ ﺇﻻ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﺆﻣﻦ ﺑﻔﺮﺩﻳﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﻌﻞ، ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﻳﻤﻴﺰ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺍﻟﻔﺎﻋﻠﺔ ﻋﻨﺪ ﺗﻮﺭﻳﻦ، ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺴﻌﻰ ﺇﻟﻰ ﺗﺤﺮﻳﺮ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﺍﻟﺘﺤﻜﻢ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻤﺎﺭﺳﻬﺎ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻤﺒﺮﻣﺞ .
ﺇﻥ ﻫﺪﻑ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻋﻨﺪ ﺗﻮﺭﻳﻦ ﻫﻮ ﺗﺤﺮﻳﺮ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﻣﻦ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﺍﻟﻬﻴﻤﻨﺔ ﻭﺍﻟﺴﻴﻄﺮﺓ ﻋﺒﺮ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﻟﺘﻘﻨﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﻘﺪﻡ ‏[ 12 ‏] ، ﻭﺍﻟﺬﺍﺕ ﻋﻨﺪﻩ ﺗﺘﺠﺴﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﺎﻋﻞ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﻂ ﺑﺎﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﻭﺍﻟﺼﺮﺍﻋﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ . ﻓﺎﻟﺬﺍﺕ ﻫﻲ ﺍﻟﻔﺎﻋﻞ ” ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﻔﺎﻋﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﻹﻧﺘﺎﺝ ﺗﻮﺟﻬﺎﺕ ﻛﺒﺮﻯ ﻣﻌﻴﺎﺭﻳﺔ ﻟﻠﺤﻴﺎﺓ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ” ‏[ 13 ‏] . ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﻫﻲ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺣﺮﻛﺎﺕ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﺣﻴﺚ ﻳﻘﻮﻝ : ” ﻻ ﺗﻮﺟﺪ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺇﻻ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭﻫﺎ ﺣﺮﻛﺔ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﺇﻻ ﻛﺎﻋﺘﺮﺍﺽ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﻄﻖ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ‏( ordre ‏) ، ﺳﻮﺍﺀ ﺍﺗﺨﺬ ﺷﻜﻼ ﻧﻔﻌﻴﺎ ﺃﻭ ﻛﺎﻥ ﺑﺤﺜﺎ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﻜﺎﻣﻞ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ .” ‏[ 14 ‏]
ﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻳﺘﻀﺢ ﺃﻥ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺍﻟﻔﺎﻋﻠﺔ ﻫﻲ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺗﺤﺮﺭ ﻣﻦ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﺍﻟﻬﻴﻤﻨﺔ ﻭﺍﻟﺴﻴﻄﺮﺓ، ﺣﻴﺚ ﺗﻔﺘﺮﺽ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺑﻨﺎﺀ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻟﻤﻮﺍﺟﻬﺔ ﺍﻵﺧﺮ؛ ﺃﻱ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺘﺄﺳﺲ ﻟﻤﻮﺍﺟﻬﺔ ﻭﻣﻘﺎﻭﻣﺔ ﻣﺮﺍﻛﺰ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﻓﻲ ‏( ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻣﺒﺮﻣﺞ ‏) ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﻨﻲ ﺑﻪ ﺁﻻﻥ ﺗﻮﺭﻳﻦ ﺍﻟﺘﺤﻜﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺸﺮ، ﻟﻜﻲ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻬﺎ ﻣﺸﺮﻭﻉ ﺳﻮﺳﻴﻮ ـ ﺛﻘﺎﻓﻲ ﺗﺘﺸﺎﺭﻙ ﻓﻴﻪ ﻣﻊ ﺑﺎﻗﻲ ﺍﻟﺬﻭﺍﺕ ﺍﻟﻔﺎﻋﻠﺔ ﻭﺍﻟﻤﺘﻤﺜﻞ ﺑﺎﻟﺪﺭﺟﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ، ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﺮﺩﺩﻩ ﺑﻘﻮﻟﻪ :
” ﺇﻥ ﻓﻜﺮﺓ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺍﻟﻔﺎﻋﻠﺔ ﺗﺴﺘﺪﻋﻲ ﺇﻟﻰ ﺧﺎﻃﺮﻱ ﻓﻜﺮﺓ ﺍﻟﻨﻀﺎﻝ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ، ﺇﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﻓﻜﺮﺓ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﺍﻟﻄﺒﻘﻲ ﻭﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﺍﻟﻘﻮﻣﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺳﺎﻟﻔﺔ، ﻭﻟﻜﻦ ﺑﻤﻀﻤﻮﻥ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﻳﻨﺄﻯ ﻋﻦ ﻛﻞ ﺗﻤﻈﻬﺮ ﺧﺎﺭﺟﻲ، ﻭﻳﺘﺠﻪ، ﻣﻊ ﺑﻘﺎﺋﻪ ﺻﺮﺍﻋﻴﺎ، ﻧﺤﻮ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺍﻟﻜﺎﻣﻠﺔ . ﻟﺬﺍ ﻛﺎﻥ ﺃﻭﻝ ﻣﺎ ﺧﻄﺮ ﺑﺒﺎﻟﻲ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺗﻮﺿﻴﺢ ﻓﻜﺮﺓ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺍﻟﻔﺎﻋﻠﺔ ﺻﻮﺭ ﺍﻟﻤﻘﺎﻭﻣﻴﻦ، ﺻﻮﺭ ﺍﻟﻤﻘﺎﺗﻠﻴﻦ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ” ‏[ 15 ‏] .
ﻳﺤﺎﻭﻝ ﺗﻮﺭﻳﻦ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ” ﻧﻘﺪ ﺍﻟﺤﺪﺍﺛﺔ ” ‏[ 16 ‏] ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺍﻻﻋﺘﺒﺎﺭ ﺑﺸﻜﻞ ﻛﺒﻴﺮ ﻟﻠﺬﺍﺕ ﺍﻟﻔﺎﻋﻠﺔ، ﻭﺃﻥ ﻳﻨﻔﻲ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺗﺤﻜﻢ ﺍﻟﺒﻨﻴﺎﺕ ﻓﻲ ﺍﻷﻓﺮﺍﺩ، ﻷﻥ ﺍﻟﺤﺮﻛﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺗﻌﻤﻞ ﻛﻮﺳﻴﻂ، ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﻳﺼﺒﺢ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻓﺎﻋﻼ، ﻭﻳﻜﺘﺴﺐ ﻫﺎﻣﺸﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ، ﻓﺎﻟﺤﺮﻛﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﻫﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻮﺳﺎﻃﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺑﻤﻮﺟﺒﻬﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻠﻔﺮﺩ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻱ ﺣﺮﻳﺘﻪ ﺍﻟﻔﺮﺩﻳﺔ .
ﺇﻥ ﻓﻜﺮﺓ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺍﻟﻔﺎﻋﻠﺔ ﻋﻨﺪ ﺗﻮﺭﻳﻦ ﺗﺠﻤﻊ ﺑﻴﻦ ﺛﻼﺛﺔ ﻋﻨﺎﺻﺮ ﺃﺳﺎﺳﻴﺔ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺑﻴﻨﻬﺎ؛ ﺍﻷﻭﻝ ﻫﻮ ﻣﻘﺎﻭﻣﺔ ﺍﻟﺴﻴﻄﺮﺓ، ﻭﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻫﻮ ﺣﺐ ﺍﻟﺬﺍﺕ، ﻭﺑﻪ ﻳﻄﺮﺡ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﺣﺮﻳﺘﻪ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭﻫﺎ ﺍﻟﺸﺮﻁ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﻟﺴﻌﺎﺩﺗﻪ ﻭﻫﺪﻓﺎ ﻣﺮﻛﺰﻳﺎ ﻟﺤﻴﺎﺗﻪ، ﻭﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﻫﻮ ﺍﻻﻋﺘﺮﺍﻑ ﺑﺎﻵﺧﺮﻳﻦ ﻛﺬﻭﺍﺕ ﻓﺎﻋﻠﺔ، ﻭﻣﻦ ﺛﻢ ﺩﻋﻢ ﺍﻟﻘﻮﺍﻋﺪ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﻨﺢ ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻷﻛﺒﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺃﻛﺒﺮ ﺍﻟﻔﺮﺹ ﺍﻟﻤﻤﻜﻨﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﻜﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻴﺶ ﻛﺬﻭﺍﺕ ‏[ 17 ‏] . ﻓﺎﻟﺬﺍﺕ ﺍﻟﻔﺎﻋﻠﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﺑﺎﻟﺪﺭﺟﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ، ﺣﻴﺚ ﺗﻌﺘﺒﺮ ﺍﻟﺪﻳﻤﻘﺮﺍﻃﻴﺔ ﺷﺮﻃﺎ ﻟﻮﺟﻮﺩﻫﺎ، ﻋﻠﻤﺎ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﻣﻬﺪﺩﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ﻭﺍﻟﻤﻐﻠﻮﺑﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﻣﺮﻫﺎ ﺑﺴﺒﺐ ﻏﻴﺎﺏ ﺍﻟﺪﻳﻤﻘﺮﺍﻃﻴﺔ . ﻛﻤﺎ ﺃﻧﻬﺎ ﻣﻬﺪﺩﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻤﺤﺪﺛﺔ، ﺑﺎﻻﻧﺤﻼﻝ ﺑﺴﺒﺐ ﻣﻨﻄﻖ ﺍﻟﺴﻮﻕ ﻭﺍﻻﺳﺘﻬﻼﻙ . ﻭﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺃﻥ ﺗﺘﺤﺪﺩ ﻭﺃﻥ ﺗﺪﺭﻙ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺇﻻ ﺑﺼﺮﺍﻋﻬﺎ ﺿﺪ ﻣﻨﻄﻖ ﺍﻟﺴﻮﻕ ﻭﺍﻷﺟﻬﺰﺓ ﺍﻟﺘﻘﻨﻴﺔ … ﻓﺎﻟﺬﺍﺕ ﻋﻘﻞ ﻭﺣﺮﻳﺔ ﻭﺫﺍﻛﺮﺓ ﻓﻲ ﺁﻥ ﻣﻌﺎ . ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻷﺑﻌﺎﺩ ﺍﻟﺜﻼﺛﺔ ﺗﺘﺠﺎﻭﺏ ﻣﻊ ﺃﺑﻌﺎﺩ ﺍﻟﺪﻳﻤﻘﺮﺍﻃﻴﺔ ‏[ 18 ‏] .
ﻭﻳﺮﻯ ﺗﻮﺭﻳﻦ ﺃﻧﻪ ﺇﺫﺍ ﺃﺭﺩﻧﺎ ﺃﻥ ﻧﺨﺘﺒﺮ ﺫﻭﺍﺗﻨﺎ ﻛﺬﻭﺍﺕ ﻓﺎﻋﻠﺔ، ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻈﻬﺮ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﺘﺰﺍﻣﺎﺗﻨﺎ ﻭﻣﺴﺆﻭﻟﻴﺘﻨﺎ ” ﺗﺠﺎﻩ ﺣﻖ ﻛﻞ ﻓﺮﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻴﺶ ﺑﻜﺮﺍﻣﺔ ﻭﺍﻻﻋﺘﺮﺍﻑ ﻟﻪ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻜﺮﺍﻣﺔ؛ ﺃﻱ ﺑﻤﺎ ﻳﺴﺘﺤﻴﻞ ﺍﻧﺘﺰﺍﻋﻪ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﺗﻔﻘﺪ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻛﻞ ﻣﻌﻨﺎﻫﺎ ” ‏[ 19 ‏] .
ﻓﻔﻲ ﻣﺆﻟﻔﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﻤﻞ ﻋﻨﻮﺍﻥ ” ﻧﺤﻦ، ﺍﻟﺬﻭﺍﺕ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ” ‏[ 20 ‏] ﺗﺘﺠﻠﻰ ﻓﻜﺮﺓ ﺍﻟﻜﺮﺍﻣﺔ ﺑﻮﺿﻮﺡ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﺮﻯ ﺃﻧﻬﺎ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﻫﻲ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﺍﻟﻤﺮﻛﺰﻳﺔ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻔﺎﻋﻠﻴﻦ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﻴﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺼﺎﺭﻋﻮﻥ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﻌﻰ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻴﻄﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﺫﻭﺍﺗﻬﻢ، ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺗﺘﻤﻴﺰ ﺑﻜﻮﻧﻬﺎ ﺗﻤﺘﻠﻚ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺗﺘﺤﻜﻢ ﻭﺗﺴﻴﻄﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻮﺍﺭﺩ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻭﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺎﻝ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻟﻬﺎ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻓﻲ ﺃﻥ ﺗﺴﻴﻄﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﺘﺤﻜﻢ ﻓﻲ ﺗﺄﻭﻳﻼﺕ ﺍﻷﻓﺮﺍﺩ ﻷﻧﻔﺴﻬﻢ ﻭﻷﻓﻌﺎﻟﻬﻢ ﻋﺒﺮ ﺍﻟﺘﺴﻮﻳﻖ ﻭﺍﻹﺷﻬﺎﺭ ﻭﺍﻹﻋﻼﻡ … ﺇﻟﺦ . ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺗﺒﻘﻰ ﻓﻲ ﺍﻷﺧﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﺻﻄﻨﺎﻉ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﺑﺎﻟﺪﺭﺟﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ، ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﺃﻭ ﺗﻘﻨﻴﺔ . ﺇﻥ ﻓﻜﺮﺓ ﺍﻟﻜﺮﺍﻣﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﺒﺮ ﻋﻨﻬﺎ ﺍﻟﻔﺎﻋﻠﻮﻥ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﻮﻥ ﻓﻲ ﺷﻌﺎﺭﺍﺗﻬﻢ ﻟﻴﺴﺖ ﻓﻜﺮﺓ ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻓﻜﺮﺓ ﺃﺧﻼﻗﻴﺔ، ﻷﻧﻬﺎ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ، ﻭﻫﻤﺎ ﻛﻠﻤﺘﺎﻥ ﻣﺘﺼﻠﺘﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻌﺐ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ، ﻭﻣﻨﻬﻤﺎ ﺗﻨﺒﻊ ﻓﻜﺮﺓ ﺍﻟﻜﺮﺍﻣﺔ، ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻳﻈﻬﺮ ﺟﻠﻴﺎ ﺃﻥ ﻣﻘﺎﻭﻣﺔ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﺸﻤﻮﻟﻴﺔ ﺗﺘﻢ ﻋﺒﺮ ﺑﻨﺎﺀ ﺣﺮﻛﺎﺕ ﺃﺧﻼﻗﻴﺔ، ﺗﻄﺮﺡ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻜﺮﺍﻣﺔ ﻛﻤﺪﺧﻞ ﻟﻠﺪﻓﺎﻉ ﻋﻦ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ، ﻭﻟﺬﻟﻚ ﻳﺮﻯ ﺗﻮﺭﻳﻦ ﺃﻧﻪ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺍﻟﺤﺮﻛﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺃﺧﻼﻗﻴﺔ ﻭﺩﻳﻤﻘﺮﺍﻃﻴﺔ ﻓﻲ ﺁﻥ ﻣﻌﺎ .
ﻭﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﺒﺪﻭ، ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ﺣﺴﺐ ﺗﻮﺭﻳﻦ ﻫﻮ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻳﻤﻴﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻬﻴﻤﻨﺔ ﻭﺍﻟﺘﺴﻠﻂ ﻭﺍﻟﺴﻴﻄﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﺎﻋﻠﻴﻦ، ﻭﺃﻥ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭﻫﺎ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺍﻟﻔﺎﻋﻠﺔ، ﻣﺎ ﻫﻲ ﺇﻻ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ ﺭﻓﻀﻬﺎ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻬﻴﻤﻨﺔ ﻭﺍﻟﺘﺴﻠﻂ ﻭﺍﻟﺴﻴﻄﺮﺓ ﺑﻤﺨﺘﻠﻒ ﺃﺑﻌﺎﺩﻫﺎ، ﻓﻬﻲ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﺗﻤﺮﺩ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻳﺘﻢ ﻓﻲ ﻫﺎﻣﺶ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺃﺯﻣﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻄﺒﻘﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﺣﻴﺚ ﺗﺒﻨﻰ ﻛﻔﺎﻋﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺰﺍﻋﺎﺕ ﻭﺍﻟﺼﺮﺍﻋﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ .
ﻳﺆﻛﺪ ﺗﻮﺭﻳﻦ ﺃﻧﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻄﺒﻘﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺮﺍﺗﺒﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﻤﺎﻳﺰ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻧﻔﺼﻞ ﺍﻟﺴﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻲ ﻋﻦ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺳﻴﺎﺳﻲ؛ ﻓﺎﻟﺴﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﻛﻌﻠﻢ ﻭﻣﻤﺎﺭﺳﺔ ﻭﺍﻟﺘﺰﺍﻡ ﻫﻲ ” ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻧﻀﺎﻟﻴﺔ ” ﺑﺎﻣﺘﻴﺎﺯ . ﺇﻧﻬﺎ ﻋﻠﻢ ﻟﻠﺘﺤﺮﺭ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻬﻴﻤﻨﺔ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻳﻤﺎﺭﺳﻬﺎ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ؛ ﻓﺎﻟﺴﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻲ ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮﻝ ﺗﻮﺭﻳﻦ : ” ﻣﻠﺘﺰﻡ ﺑﺎﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﺿﻤﻦ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻟﺘﻌﺮﻑ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻨﻬﺎ ﺿﺪ ﺳﻴﻄﺮﺓ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ، ﻭﺧﺎﺻﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﺧﻴﺮ ﺍﺳﺘﺒﺪﺍﺩﻳﺎ ” ‏[ 21 ‏] ، ﺣﻴﺚ ﻳﻔﺘﺮﺽ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻉ ﺃﻥ ﻳﺴﺎﻫﻢ ﺑﺸﻜﻞ ﺃﻭ ﺑﺂﺧﺮ ﻓﻲ ﺩﻓﻊ ﺑﺎﻟﺤﺮﻛﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻧﺤﻮ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﺑﻬﺪﻑ ﺍﻣﺘﻼﻙ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﺎﻧﻴﺔ، ﻧﻈﺮﺍ ﻷﻥ ﺍﻟﻔﻌﻞ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﺪﺩ ﺍﻷﻭﺿﺎﻉ ﻭﺍﻟﻈﺮﻭﻑ، ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺘﺤﻴﻞ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﺤﺮﻛﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﻨﺨﺮﻁ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻉ، ﻷﻥ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻴﺔ ﺍﻟﺒﺎﺭﺩﺓ ﺑﺤﺴﺐ ﺗﻮﺭﻳﻦ ﺗﺘﻌﺎﺭﺽ ﻣﻊ ﺣﺮﺍﺭﺓ ﺍﻟﺤﺮﻛﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ .
ﻓﻲ ﺧﺘﺎﻡ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﻭﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﻤﻨﺠﺰﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻧﺠﺰﻫﺎ ﺃﻻﻥ ﺗﻮﺭﻳﻦ، ﻧﻼﺣﻆ ﺃﻥ ﻟﻪ ﺣﻀﻮﺭﺍ ﻗﻮﻳﺎ ﻭﻣﺘﻤﻴﺰﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﺎﺣﺔ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ، ﻭﺧﺎﺻﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺨﺺ ﺗﺤﻠﻴﻠﻪ ﺍﻟﻌﻤﻴﻖ ﻟﻠﺤﺮﻛﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﻓﻬﻮ ﻳﻌﺪ ﻣﻦ ﺃﺷﻬﺮ ﻣﻨﻈﺮﻱ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ، ﻭﻳﺮﻓﺾ ﺍﻻﻧﺴﻴﺎﻕ ﻭﺭﺍﺀ ﺍﻟﻤﺼﺎﻟﺢ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ، ﻓﻬﻮ ﻳﻌﺒﺮ ﻋﻦ ﻧﻤﻮﺫﺝ ﺍﻟﻤﺜﻘﻒ ﺍﻟﻌﻀﻮﻱ، ﻭﻳﺆﻛﺪ ﺩﺍﺋﻤﺎ ﺃﻥ ﺩﻭﺭ ﺍﻟﺴﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻲ ﻫﻮ ﺭﻫﺎﻧﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﺮﻛﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﻣﻮﺍﺟﻬﺔ ﺍﻟﻘﻮﻯ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﻌﻰ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻴﻄﺮﺓ ﻭﺍﻟﻬﻴﻤﻨﺔ . ﻓﻤﻦ ﻭﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮﻩ، ﻓﺈﻥ ﻣﻬﻤﺔ ﺍﻟﺴﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻲ ﻫﻲ ﺍﻟﻨﻀﺎﻝ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﺿﺪ ﺍﻟﻨﻈﻢ ﻭﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﺎﺭﺱ ﺍﻟﻀﻐﻮﻃﺎﺕ ﻭﺍﻹﻛﺮﺍﻫﺎﺕ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺬﻭﺍﺕ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ .
ﺍﻟﻤﺮﺍﺟﻊ ﻭﺍﻟﻤﺼﺎﺩﺭ :
ﺃﻧﺼﺎﺭ، ﺑﻴﺎﺭ . ‏( 1992 ‏) : ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﺻﺮﺓ، ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻧﺨﻠﻔﺔ ﻓﺮﻳﻔﺮ، ﺍﻟﻤﺮﻛﺰ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﺍﻟﻌﺮﻱ، ﺑﻴﺮﻭﺕ ـ ﻟﺒﻨﺎﻥ، ﺍﻟﻄﺒﻌﺔ 1
ﺗﻮﺭﻳﻦ ﺁﻻﻥ . ‏( 1979 ‏) : ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻋﻠﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻉ، ﺗﺮﺟﻤﺔ، ﺗﻴﺴﻴﺮ ﺷﻴﺦ ﺍﻷﺭﺽ، ﻣﻨﺸﻮﺭﺍﺕ ﻭﺯﺍﺭﺓ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻭﺍﻹﺭﺷﺎﺩ ﺍﻟﻘﻮﻣﻲ، ﺩﻣﺸﻖ ـ ﺳﻮﺭﻳﺔ .
ﺗﻮﺭﻳﻦ، ﺁﻻﻥ . ‏( 2011 ‏) : ﺑﺮﺍﺩﻳﻐﻤﺎ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻟﻔﻬﻢ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻴﻮﻡ، ﺗﺮﺟﻤﺔ ﺟﻮﺭﺝ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ، ﻣﺮﺍﺟﻌﺔ ﺳﻤﻴﺮﺓ ﺭﻳﺸﺎ، ﺍﻟﻤﻨﻈﻤﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻟﻠﺘﺮﺟﻤﺔ، ﻣﺮﻛﺰ ﺩﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، ﺑﻴﺮﻭﺕ ـ ﻟﺒﻨﺎﻥ، ﺍﻟﻄﺒﻌﺔ 1
ﺗﻮﺭﻳﻦ، ﺁﻻﻥ . ‏( 2016 ‏) : ﻣﺎ ﻫﻲ ﺍﻟﺪﻳﻤﻘﺮﺍﻃﻴﺔ؟ ﺣﻜﻢ ﺍﻷﻛﺜﺮﻳﺔ ﺃﻡ ﺿﻤﺎﻧﺎﺕ ﺍﻷﻗﻠﻴﺔ، ﺩﺍﺭ ﺍﻟﺴﺎﻗﻲ، ﺑﻴﺮﻭﺕ ـ ﻟﺒﻨﺎﻥ، ﺍﻟﻄﺒﻌﺔ 3
ﻛﺎﺑﺎﻥ، ﻓﻴﻠﻴﺐ & ﺩﻭﺗﻴﻪ، ﺟﺎﻥ ﻓﺮﺍﻧﺴﻮﺍ . ‏( 2010 ‏) : ﻋﻠﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻉ : ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺎﺕ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﺆﻭﻥ ﺍﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ﺃﻋﻼﻡ ﻭﺗﻮﺍﺭﻳﺦ ﻭﺗﻴﺎﺭﺍﺕ، ﺗﺮﺟﻤﺔ ﺇﻳﺎﺱ ﺣﺴﻦ، ﺩﺍﺭ ﺍﻟﻔﺮﻗﺪ ﻟﻠﻄﺒﺎﻋﺔ ﻭﺍﻟﻨﺸﺮ ﻭﺍﻟﺘﻮﺯﻳﻊ، ﺳﻮﺭﻳﺔ ـ ﺩﻣﺸﻖ، ﺍﻟﻄﺒﻌﺔ 1
ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﺆﻟﻔﻴﻦ . ‏( 2009 ‏) : ﺇﺷﻜﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ، ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻣﺤﻤﺪ ﺳﺒﻴﻼ، ﺳﻠﺴﻠﺔ ﺿﻔﺎﻑ، ﻣﻨﺸﻮﺭﺍﺕ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ، ﺍﻟﻄﺒﻌﺔ 1
Touraine, Alain. (1973): Production de la société, Paris, Le Seuil .
Touraine, Alain. (1984): Le Retour de L’acteur, Paris, Fayard .
Touraine, Alain. (2015): Nous- sujets humains, éd. Du Seuil .
‏[ 1 ‏] . ﺑﻴﺎﺭ ﺃﻧﺼﺎﺭ، ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﺻﺮﺓ، ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻧﺨﻠﻔﺔ ﻓﺮﻳﻔﺮ، ﺍﻟﻤﺮﻛﺰ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﺍﻟﻌﺮﻱ، ﺑﻴﺮﻭﺕ ـ ﻟﺒﻨﺎﻥ، ﺍﻟﻄﺒﻌﺔ 1 ، 1992 ، ﺹ 52
‏[ 2 ‏] . ﺁﻻﻥ ﺗﻮﺭﻳﻦ، ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻋﻠﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻉ، ﺗﺮﺟﻤﺔ، ﺗﻴﺴﻴﺮ ﺷﻴﺦ ﺍﻷﺭﺽ، ﻣﻨﺸﻮﺭﺍﺕ ﻭﺯﺍﺭﺓ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻭﺍﻹﺭﺷﺎﺩ ﺍﻟﻘﻮﻣﻲ، ﺩﻣﺸﻖ ـ ﺳﻮﺭﻳﺔ، 1979 ، ﺹ 53
‏[ 3 ‏] . ﺑﻴﺎﺭ ﺃﻧﺼﺎﺭ، ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮﺓ، ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ، ﺹ 258
‏[ 4 ‏] . ﺍﻟﻤﺮﺟﻊ ﻧﻔﺴﻪ، ﺹ 258
‏[ 5 ‏] . Alain touraine (1973): Production de la société, Paris: Le Seuil, P. 10
‏[ 6 ‏] . ﺑﻴﺎﺭ ﺃﻧﺼﺎﺭ، ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮﺓ، ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ، ﺹ 54
‏[ 7 ‏] . ﺃﻻﻥ ﺗﻮﺭﺍﻥ، ﻫﻞ ﻓﻜﺮﺓ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻓﻜﺮﺓ ﺿﺮﻭﺭﻳﺔ؟، ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻣﺤﻤﺪ ﺳﺒﻴﻼ، ﺇﺷﻜﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ، ﺳﻠﺴﻠﺔ ﺿﻔﺎﻑ، ﻣﻨﺸﻮﺭﺍﺕ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ، ﺍﻟﻄﺒﻌﺔ 1 ، 2009 ، ﺹ 19
‏[ 8 ‏] . Alain touraine (1973): Op.Cit, P.29
‏[ 9 ‏] . Ibid. P. 19
‏[ 10 ‏] . Ibid. P. 347
‏[ 11 ‏] . ﻓﻴﻠﻴﺐ ﻛﺎﺑﺎﻥ ﻭﺟﺎﻥ ﻓﺮﺍﻧﺴﻮﺍ ﺩﻭﺗﻴﻪ، ﻋﻠﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻉ : ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺎﺕ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﺆﻭﻥ ﺍﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ﺃﻋﻼﻡ ﻭﺗﻮﺍﺭﻳﺦ ﻭﺗﻴﺎﺭﺍﺕ، ﺗﺮﺟﻤﺔ ﺇﻳﺎﺱ ﺣﺴﻦ، ﺩﺍﺭ ﺍﻟﻔﺮﻗﺪ ﻟﻠﻄﺒﺎﻋﺔ ﻭﺍﻟﻨﺸﺮ ﻭﺍﻟﺘﻮﺯﻳﻊ، ﺳﻮﺭﻳﺔ ـ ﺩﻣﺸﻖ، ﺍﻟﻄﺒﻌﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ 2010 ، ﺹ 226
‏[ 12 ‏] . ﻣﻨﺬ ﺳﻨﺔ 1968 ، ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﺁﻻﻥ ﺗﻮﺭﻳﻦ ﻳﺆﻣﻦ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﺘﻘﺪﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﻑ ﻣﺘﻼﺯﻡ ﻣﻊ ﺗﺤﺮﻳﺮ ﺍﻟﻔﺮﺩ، ﺣﻴﺚ ﺃﺻﺒﺢ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﺧﻴﺮ ﻣﻨﻬﻚ ﺍﺗﺠﺎﻩ ﺗﺪﻓﻖ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺕ ﻭﺍﻟﺨﺪﻣﺎﺕ ﻭﺍﻹﻋﻼﻧﺎﺕ ﻭﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻻﺗﺼﺎﻝ ﻭﺍﻷﺳﻮﺍﻕ .
‏[ 13 ‏] . Alain Touraine (1984): Le Retour de L’acteur, Paris: Fayard, P.15
‏[ 14 ‏] . ﺁﻻﻥ ﺗﻮﺭﻳﻦ، ﻧﻘﺪ ﺍﻟﺤﺪﺍﺛﺔ، ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﺍﻟﻄﻮﻳﻞ، ﻣﺮﺍﺟﻌﺔ ﻣﺤﻤﺪ ﺳﺒﻴﻼ، ﺇﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ﺍﻟﺸﺮﻕ، ﺍﻟﺪﺍﺭ ﺍﻟﺒﻴﻀﺎﺀ ـ ﺍﻟﻤﻐﺮﺏ، 2010 ، ﺹ 239
‏[ 15 ‏] . ﺁﻻﻥ ﺗﻮﺭﻳﻦ، ﺑﺮﺍﺩﻳﻐﻤﺎ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻟﻔﻬﻢ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻴﻮﻡ، ﺗﺮﺟﻤﺔ ﺟﻮﺭﺝ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ، ﻣﺮﺍﺟﻌﺔ ﺳﻤﻴﺮﺓ ﺭﻳﺸﺎ، ﺍﻟﻤﻨﻈﻤﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻟﻠﺘﺮﺟﻤﺔ، ﻣﺮﻛﺰ ﺩﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، ﺑﻴﺮﻭﺕ ـ ﻟﺒﻨﺎﻥ، ﺍﻟﻄﺒﻌﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ 2011 ، ﺹ 179
‏[ 16 ‏] . ﺁﻻﻥ ﺗﻮﺭﻳﻦ، ﻧﻘﺪ ﺍﻟﺤﺪﺍﺛﺔ، ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ، ﺹ 213
‏[ 17 ‏] . ﺁﻻﻥ ﺗﻮﺭﻳﻦ، ﻣﺎ ﻫﻲ ﺍﻟﺪﻳﻤﻘﺮﺍﻃﻴﺔ؟ ﺣﻜﻢ ﺍﻷﻛﺜﺮﻳﺔ ﺃﻡ ﺿﻤﺎﻧﺎﺕ ﺍﻷﻗﻠﻴﺔ، ﺩﺍﺭ ﺍﻟﺴﺎﻗﻲ، ﺑﻴﺮﻭﺕ ـ ﻟﺒﻨﺎﻥ، ﺍﻟﻄﺒﻌﺔ 3 ، 2016 ، ﺹ 166
‏[ 18 ‏] . ﺍﻟﻤﺮﺟﻊ ﻧﻔﺴﻪ، ﺹ 167
‏[ 19 ‏] . ﺁﻻﻥ ﺗﻮﺭﻳﻦ، ﺑﺮﺍﺩﻳﻐﻤﺎ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻟﻔﻬﻢ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻴﻮﻡ، ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ، ﺹ 233
‏[ 20 ‏] . Alain Touraine (2015): Nous- sujets humains, éd. Du Seuil .
‏[ 21 ‏] . ﺁﻻﻥ ﺗﻮﺭﺍﻥ، ﻫﻞ ﻓﻜﺮﺓ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻓﻜﺮﺓ ﺿﺮﻭﺭﻳﺔ؟، ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ، ﺹ ﺹ 21 ـ 22