بيبليوغرافيا من يكون محسن اعريوة؟

–من يكون محسن اعريوة ؟
مُحسن اعريوة من مواليد قلعة السراغنة، حاصل على الاجازة من جامعة القرويين بفاس، وعلى شهادة الماستر من كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة السلطان مولاي سليمان ببني ملال. أشتغل حاليا أستاذاً بسلك الثانوي بمديرية الفقيه بن صالح.

– أيهما أقرب إليك، فعل القراءة ام الكتابة؟
القراءةُ والكتابة صنوان، فالذي لا يقرأ لا ولن يكتب، لكون القراءة تعطينا الأداة الأولى للفهم والنقد وتمحيص الآراء والأقوال، وتزوِّدنا كذلك بالألفاظ والمصطلحات اللغوية الفصيحة التي تساعدنا على الكتابة، ولهذا من الأفضل الاعتماد على القراءة ابتداءً، لأن نشر ثقافة الكتابة قبل القراءة هو تخسيرٌ للكاغد!
فالذي لم يقرأ للقدامى والمحدثين ولم يستفد من منهجهم في الكتابة وذوقهم في نسج القول وطريقتهم في سرد الأحداث لن يكتب لنا أي شيء.. لكون الإبداع سلسلة من التجارب المتراكمة والممتدة!
لهذا كلّه كتبتُ ذات مرّة:
قرأتُ لأكونَ
وأكون… وأعيش
قرأتُ لأحيا، لأكتب، وأقول!
وبعد فعل القراءة تأتي الكتابةُ تبعاً وبدون تمحّل أو تكلّف. وليأتي بعد ذلك سؤال لمَ تكتُب؟ بدل لمن تكتُب؟!
ولا أعلمُ -صراحةً- هل عانى شعراؤنا وأدباؤنا وكتّابنا -عليهم رحمةُ الله جميعاً- مثل ما نعانيه اليوم، وهل بلغت السخافة والسذاجة بقرائهم مبلغَ الحضيض وسألوهم: لمن تكتبون؟
إني لا أرى داعياً لإثارة هذا السؤال، وطرحه للنقاش، لأنّ العاقلَ يعرفُ أن رسالة الأديب، رسالة الشاعر، رسالة الكاتب… ليستْ حِكراً على جماعةٍ ما أو طائفةٍ ما أو زمنٍ ما… ولا تعني عرقاً دون آخر، فلا يرى حاجةً في تصنيفها، إذ السؤال الوجيه الذي من الواجب أن يطرح: لمَ تكتب؟ وليس لمن؟
هل تكتبُ من أجل الكتابة فقط، كي يُقال فلانٌ كـاتبٌ، شـاعرٌ، قـاصٌّ، روائيٌّ، مُفكِّرٌ…؟
انصرف.. فقد قيلَ.
أم تكتب لأنّك تجد راحتك في الرّسم بالقلم ؟؟ للتّرفيه!
أم لديك رسالةٌ هادفةٌ تريدُ أن تقرأها الأمة كي تحدثَ تغييرا في التّفكير وفي التّعامل…؟ إن كـانَ جوابكَ نعم، فمـاذا أنتجتَ لنا! أما أنا فما كتبتُ ليُقال: كـاتبٌ. ولكن لمّا رخُصَ شأنُ الكُـتّاب، وشأوُ الكتابة في وطني
أصبحتْ في قاموسي ضرباً من أضرب الضرورة، وفرضَ عينٍ على كلّ قـارئ وذي بصيرة.
لماذا تكتُب؟
أكتُبُ؛ كي لا تموتَ أصـابعي من شدّة البرد.
نكتبُ؛ كي لا يشيخَ الحُلمُ بداخلنا و تذبل الأعمار.
نكتُبُ ليتّسع الحزنُ ويسيل القلم.
نحنُ نختـارُ الكتـابةَ فقط عندما نريد الإبحار بمخيلتنا للانعتاق، فنستقلّ الأوراق مركباً، ونجدفُ بأقلامنا نحو العوالم الخفية لسبر أغوارها واكتشاف دررها… فمن حسنات أقلامنا أنها صوتٌ لكلّ الناس الذين عجزوا عن البوح، وعن مصاحبة الأقلام ومضاجعة الكتب… إنّنا لا نكتبُ لنا أو لوقتنا الحاضر، بل نكتبُ لأجيال تعقبنا.. فنحن مؤرّخو المشاعر وإثنولوجيو الأحاسيس..

– ماذا حقق المبدع فيك؟
كل مبدع يريد من خلال إبداعه أن يقدّم للإنسانية شيئاً جميلاً يخفّف عنها نكابتها المتوالية. والمبدع بداخلي أنِفَ الرّكاكة والرّتابة، وتمرّد على المألوف في الدراسات اللغوية والشعرية والفكرية.. أن تُبدع فتلك هي الطريقة الوحيدة لإثبات الذات وبسط التجربة ليستفيد منها الناس… المبدع الذي بداخلي ثار على كل شيء لأجل شيء واحد ووحيد؛ أن أكون أنا كما أنا!

– حدثنا عن مؤلفاتك :

لدي ديوان شعري فيه قصائد شعرية متنوعة: الشعر العمودي، شعر التفعلة، الهايكو.
قصائد تتحدث عن الحب والوطن والأم.. لهذا سميته “ثورة وطن”
ولدي كتاب “حديث الأوراق” هو عبارة عن مقالات نشرتها مسبقا في جريدة المنعطف التي كان لي فيها عمود أسبوعي وأخرى لم أنشرها.. جُلُّها يتحدّث عن الثقافة والأدب والفكر.
شاركتُ كذلك في كتاب جماعي “مداخل منهاج التربية الإسلامية بين الدراسة العلمية والمقاربة البيداغوجية”.
والآن أشتغل على تهذيب وتنقيح رسالتي في سلك الماستر حول “الهرمنيوطيقا وتطبيقاتها الفكر التأويلي الإسلامي”.

– لماذا تشكلت كلماتك على شكل قصائد؟ بمعنى، لماذا الشعر؟
الشِّعْرُ؛ فيضُ وجدان وتألّق خيال!
إنَّ صنعةَ الشِّعْرِ تختلفُ عن جميعِ الحِرَفِ والصَّنـائع، لا من حيثُ الشّكل فقط، بل لكونها صنعةُ قلبٍ وبنانٍ وفكرٍ ولسانٍ! وما جمعتْ حِرفةٌ قطُّ مثلَ هذه الشّمـائلِ العظيمةِ والمناقبِ القيّمة… ومـا أتقَنَ حِرَفيٌّ عظيمٌ صنعتَهُ مثلما أتْقَنَ الشَّـاعرُ الفحلُ، ذو القول الجزل، والرّأي الفصل فنَّهُ في إقـامةِ المعنى ونظمِ اللّفظِ وسبكِ المبنى.
هكذا هيَ نفسُ الشُّعراء والأدباء، انظروا إلى جميع ألوان الحياة ونوائبها (وجعُ الموت، حروبُ الوطن، فقدُ الأحبّة، نكسةُ الأمة، ألمُ الإنسان…) وانظروا إلى أعينهم، حتما ستجدونها مكتحلةً بجميع هذه الألوان! نفسٌ كالطود لا تُطاوعها الظواهرُ الطبيعية فكأنّها فصلٌ واحدٌ لا يتزحزح. لقد أخذوا من أنفسهم وقلوبهم وفكرهم وحياتهم… وخاضوا بهم غمارَ الوغى، وغاصوا في بحر الحياة كي يسبروا أغوارها ويلتقطونَ من دُرَرِها ولآلإها لأجلِ روحِ الإنسان، لأجل الإنسـانية.
فالقصيدةُ ابتداءً؛ هيَ مقصلةُ الشّاعر والمنفى الذي يجرّب فيه طقوس الانتحـار.

– تحدثت في مقال لك بعنوان “تفكيك خطاب النهايات في الفكر الغربي” عن نهاية التاريخ، نهاية الفن، موت الإله، موت الإنسان الخ، هل نشهد كذلك نهاية للمثقف بعد فشله في قيام علاقة نقدية مع ذاته و فكره، و عجزه عن قود المجتمع نحو مجتمع اكثر تقدما؟ و أين يتجلى دور مثقف اليوم في نظرك؟
الحديث عن المثقف اليوم يقتضي الحديث عن السلط، لكون هذه الثنائية الجدلية كانت ولازالت وستبقى مطروحة، لكوننا نتأرجح بين مفهومين:
– سلطة المثقف؛ وهي التي يكون فيها المثّقفُ فاعلاً في مجتمعه، أي؛ بتعبير المناضل الإيطالي أنطونيو غرامشي “مثقفاً عضويا”، وهذا هو المثقف الحرّ الذي يمارس النقد ويعارض استحمار الشعوب ويناهض الاستبداد والاضطهاد والاستعباد.. ويذود بفكره وقلمه عن آلام المجتمعات المقهورة.. وهو نفسه المفهوم الذي اقترحه ابن خلدون رحمه الله، لكون الثقافة عنده صنعة فكرية تمتلكها فئة تتميز عن عامة الناس.
فالمثقف الحقيقي هو كل من لديه موهبة خاصة تمكنه من حمل رسالة، أو تمثيل وجهة نظر، أو موقف والإفصاح عنه إلى المجتمع!
– أما “مثقف السلطة” فهذا هو دأب الكثيرين الآن في الأوطان العربية، الذين باعوا ضمائرهم قبل أقلامهم للسلطة وقد وصفتهم ذات مرة في مقال لي “المثقف العربي بين التجديد والتقليد” على جريدة المنعطف -نسيت العدد- “جُلُّ مثقفّي عصرنا صراصيرٌ وبلابيصٌ تدوس عليهم قدم السائس، وما بقي يتقاضون رواتب شهريةً من الدولة كي يلتزموا بالصمت”!
وستبقى هذه الجدلية قائمة.

– ما دعواك المتقدمة للشباب اليوم في علاقتهم بالثقافة و حاجتهم اليها؟
إننا اليوم بحاجة ماسة إلى الوعي والثقافة، و لا يمكن زرع هذه الثقافة وهذا الوعي إلا عن طريق القراءة والبحث والتنقيب، لهذا أنصح نفسي ابتداءً وجميع إخوتي وأخواتي بفعل القراءة وأضفت “فِعل” للقراءة، لكي تكون قراءتُنا ناجعة وناجحة ومثمرة، لأننا نفتقد كثيرا للقارئ كناقد وباحث وأيضاً كمترجم للقراءة في فِعله وسلوكه داخل المجتمع!
فلدينا الكثير من القراء لكن هؤلاء القرّاء لا يترجمون ما استفادوا في تجربتهم وسلوكهم وتعاملهم…

– كلمة اخيرة؟
أوجه شكري العميق لكِ ولجميع أعضاء مجلة “أصوات أدبية” على هذا العمل النبيل، الذي يعيد للأدب رونقه ومكانته في تهذيب النفوس وترقيتها في مدارج الجمال، كما أشد على أياديكم، راجياً أن تستمر هذه المجلة في العطاء التميّز.

الكاتب محسن اعريوة: أكتُبُ كي لا تموتَ أصـابعي من شدّة البرد