في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، يشكل الجار جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية، حيث تُبنى العلاقات الاجتماعية في الحيّ على الاحترام المتبادل والتعاون. لكن عندما يتحول هذا الجار إلى مصدر إزعاج دائم، تبدأ معاناة نفسية واجتماعية حقيقية، تُختبر فيها قدرة الإنسان على الصبر وضبط النفس. هذا هو حال كثيرين ممن ابتُلوا بما يُعرف في الموروث الشعبي والديني بـ”جار السوء”.
الجار في ميزان الشريعة
الدين الإسلامي أولى الجار مكانة عظيمة، وجعل الإحسان إليه من دلائل الإيمان. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه” (رواه البخاري ومسلم). وفي حديث آخر، شدد صلى الله عليه وسلم على خطر إيذاء الجار قائلاً: “والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن”، قيل: من يا رسول الله؟ قال: “الذي لا يأمن جاره بوائقه” (رواه البخاري).
⚠️ إلى كل جارٍ لا يراعي جاره… انتبه!
إن من يرمي النفايات أمام بيت جاره،
أو يركن سيارته بطريقة تمنع غيره من الدخول أو الخروج،
أو يترك أبناءه يلعبون الكرة أمام منازل الناس بإزعاج،
أو يفتح باب الإقامة دون احترام لخصوصية الآخرين…
فهو لا يُخالف فقط قواعد الذوق العام والتعايش،
بل يخلّ بواجب الجوار، ويتعدى على حق من حقوق الغير.
☝️ وهذا ليس مجرد سلوك اجتماعي خاطئ، بل هو ذنب يُحاسَب عليه الإنسان أمام الله،
لأنه يحمل في طياته ظلماً وتعدياً.
البعد السوسيولوجي: خلل في قيم العيش المشترك
من الزاوية السوسيولوجية، فإن الجار الذي لا يحترم قواعد السلوك المشترك يعكس أزمة أعمق من مجرد تصرف فردي، بل يعبر عن ضعف في منظومة القيم التي يفترض أن تُحكم علاقات السكن المشترك. هذه السلوكيات تشير إلى انعدام حسّ الانتماء للمجتمع المصغر (الحيّ)، وانفصام العلاقة بين “الحق الفردي” و”الواجب الجماعي”.
سلوكيات مثل رمي النفايات عشوائيًا، أو احتلال الفضاء العام بطريقة أنانية، تكشف عن ثقافة استهتار، تُفسد نسيج المجتمع وتضعف روابط الثقة والتعاون بين الناس. والنتيجة هي مشاعر مستمرة من التوتر، وارتفاع في منسوب العدوانية داخل الأحياء، وتراجع ملحوظ في جودة الحياة اليومية.
ما العمل؟
إزاء هذه المعاناة، يبقى الحل متعدد الأبعاد:
- التذكير بالحكمة والخلق: البدء بالحوار والنصيحة اللطيفة، فقد تؤثر الكلمة الطيبة حيث تفشل الشكاوى.
- اللجوء إلى الوساطة الاجتماعية: الاستعانة بمختار الحي، أو جهة محلية، لحل النزاعات دون تصعيد.
- التوثيق والشكوى القانونية: في حال تكرار الأذى ورفض الاستجابة، يمكن اللجوء إلى القنوات القانونية، شريطة أن يكون ذلك آخر الحلول.
- التسلّح بالصبر والدعاء: فإن الله لا يضيع أجر من صبر على الأذى واحتسب، خاصة إذا كان ذلك من أجل تجنب فتنة أكبر.
خاتمة
الجار السيئ ابتلاء، واختبار لإيمان الفرد ووعيه الاجتماعي. وإن كانت المعاناة مؤلمة، فإن التعامل معها بحكمة وضبط للنفس يرقّي الإنسان عند الله، ويُسهم في حماية النسيج الاجتماعي من التمزق. فكما أن الدين يدعو إلى حسن الجوار، فإن المجتمع المتماسك لا يُبنى إلا على احترام الحقوق والواجبات بين أفراده، وأوّلها: حق الجار.
فلنراجع أنفسنا، ولنحرص على أن نكون جيران خير ورحمة لا أذى وظلم.