التعلق المرضي : (( بحث في اعماق سيكولوجية التعلق))

يرى بولبي – وهو من أكثر العلماء الذين اهتموا بدراسة التعلق بين الطفل والأم – أن دافع التعلق دافع أساسي كدوافع الجوع والعطش والجنس ، فعلاقة الطفل بأمه ضرورية لنموه كضرورة الغذاء والشراب .
وقد أجرى لورنز دراساته على الطيور فتوصل إلى أنه يمكن ملاحظة ميل قوي عند صغار البط والأوز إلى اتباع أي شيء يتحرك في مجالهم البصري . وهو ما يسمى ” الانطباع imprinting ” ، والذي يعني : السياق الذي يحدد عملية التفضيل الاجتماعية لتشمل فقط مجموعة معينة دون غيرها من الأفراد أو الأشياء.

مراحل التعلق :

يبدأ التعلق مع الإنسان من بداية نشأته ، فهو ملتصقٌ بأمه – وهي أول مواضيع تعلقه – ، مقترنٌ عالمُه بعالَمِها ، كلما ابتعَدَت عنه بكى يطلبُها ، فإذا عادت إليه عادت دنياهُ من جديد !!
ثم يحبو في مدارجِ النُّمو فيتعلقُ بأبيه ، ويرى فيه صورةَ القادرِ الذي يُعَوِّض عجزَه ، والمالكِ الذي يسد ثغرةَ فقرِه ، والمثالِ الذي يسعى إلى أن يصوغ نفسه وِفقَ رؤيته .
ثم ينفك عنه الإِسَارُ ، ويخرج من بيت الأسرة إلى فضاء المدرسة ، فيتعلق بكثيرٍ من أقرانه أو أساتذته ، ويرى فيهم نماذجَ لما يُحِبُّ أن يكون عليه ، أو موضوعاتٍ تمنحُه اللذة .
ثم تأتي المراهقة بعواصفها ، فتتناثر عليه التَعَلُّقَات من كل حدب وصوب .
إذن .. فهناك تعلق سوي ، يعتبر دافعاً أساسياً لنمو الإنسان ، وبدونه يتشوه بناؤه النفسي ، وهو الذي يظهر في علاقة الطفل بأمه ، ثم أبيه ، ثم إخوته وأصدقائه ، وبدلاء الأم ، وبدلاء الأب .

التعلق المرضي :

هو : الميل المبالغ فيه إلى موضوع من الموضوعات ، بحيث يفقد المتعلِّق استقلاليته ، ويتبع المتعلَّق به تبعيةً كاملةً ، وكأنما تذوب شخصيته عنده .
_

أسبابالتعلق_المرضي :

1- الحرمان العاطفي في الأسرة : سواء كان بسبب خلافات أسرية ، أو مخطوطات معرفية خاطئة تمنع الآباء من إظهار عواطفهم لأبنائهم .
2- التأثر بالنموذج : والنماذج التي يمكن أن يتأثر بها الإنسان متعددة ، ومنها :
• نماذج أسرية : الأب ، الأم ، الأخوات ، الإخوة ، الأعمام ، العمات ، الأخوال ، الخالات .
• نماذج الرفاق في الحي أو المدرسة أو العمل .
• نماذج إعلامية : في الأفلام أو المسلسلات أو البرامج أو الأغاني ( الفيديو كليب) .
• نماذج مقروءة : القصص والروايات .
3- ضعف الثقة بالنفس ، والبحث عن شخصية يتوحد فيها لكي يشعر بشي من القوة .
4- ضعف الصلة بالله جل وعلا : والأصل في ذلك قوله تعالى ” ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله ، والذي آمنوا أشد حباً لله ” والإمام ابن تيمية رحمه الله يقرر قاعدة متميزة في ذلك فيقول في كتاب ” العبودية ” : من لم يكن عبداً لله كان عبداً لهواه ، شاء أم أبى.
5- وفرة التعزيز في العلاقة : فإذا كان الفرد يشعر بالحرمان ، ثم يجد لذة بالغة في تعلقه المرضي ، فستكون هذه اللذة دافعاً لاستمرار العلاقة .
6- اضطراب الشخصية : هناك اضطرابات خاصة في الشخصية يمكن أن تؤدي إلى التعلق المرضي ؛ فالشخصية الاعتمادية : بطبعها تبحث عمن يسيرها ، وتدور حوله ، وكثير من التعلقات المرضية تنشأ بسبب اعتمادية كامنة . وكذلك اضطراب الشخصية الحدية عند المتعلق ، واضطراب الشخصية النرجسية عند المتعلق به .
7- أسباب اجتماعية : أهمها :
• ضعف رقابة الأسرة على الأبناء .
• وفرة وسائل الاتصال دون ضابط أو موجه ( الجوال والإنترنت والهاتف ) .
• تيسر المواصلات .
• الاختلاط في العلاقات الاجتماعية أو في الدراسة أو العمل ( وذلك في التعلق بين الجنسين ).
• ضعف العقوبة الرادعة عن الفعل سواء على مستوى الأسرة أو الدولة .

_آثارالتعلق_المرضي :

يترك التعلق المرضي آثاره على حياة المتعلق بكاملها ، ومن أهم #آثاره :
• انخفاض مستوى التحصيل العلمي .
• اضطراب العمل وضعف الفاعلية فيه .
• فشل الحياة الزوجية : وذلك على أكثر من صورة ، فيمكن أن يكون التعلق قبل الزواج أو بعده ، ويكون من نفس الجنس أو الجنس الآخر :
فإذا كان المتعلق به من نفس الجنس شغل المتعلق عن زوجه وأسرته ، وأصبحت لذته دائرة حوله .
وإذا كان من جنس آخر واشتد تعلقه به ، فإما أن يتم زواجه به أو لا يتم ، وإذا تم الزواج بعد تعلق شديد ، فيمكن أن يفشل ، لأن التعلق الشديد يرفع مستوى التوقعات ، وتكون توقعات كل طرفٍ من الآخر توقعات خيالية مثالية .. فإذا نزلوا إلى عالم الواقع بالزواج لم يجدوا فيه ما تخيلوه ، وكان ذلك سبباً في كثير من المشاكل الزوجية ، والشعور بأن الطرف الآخر كان يمنحه الكثير في فترة الحب قبل الزواج .. وهذا غير صحيح ، لأن الحرمان هو الذي كان يزيد العلاقة اتقاداً .
أما إذا تعلق الإنسان بمحبوب ثم تزوج غيره ، فيمكن أن يكون ذلك سبباً في كثير من الخلافات بينه وبين من اقترن به ، لأنه يقارن على الدوام بينه وبين محبوبه السابق ، وهي مقارنة خاطئة ، لأنه يقارن بين علاقة زواج واقعية وعلاقة حب خيالية يؤججها “الحرمان” ، ويزيد من مثاليتها ” الفقدان ” .
• الخيانة الزوجية : إذا زاد التعلق المرضي فيمكن أن يؤدي بالمتعلق – مع ضعف الدين – إلى الخيانة الزوجية .
• البعد عن الله تعالى والانشغال عن طاعته بحقير الأعمال .

الكاتب: admin

ذ. بضاض محمد Pr. BADADE Med باحث في:علم النفس،علوم التربية،والعلوم الشرعية. خريج جامعة سيدي محمد بن عبد الله-كلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز-فاس خريج جامعة مولاي اسماعيل-كلية الآداب والعلوم الإنسانية-مكناس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *