الطلاق الشفوي.. والخلاف الفقهي في توثيقه..

الطلاق الشفوي (3)
للدكتور احمد كافي حفظه الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الخلاف الفقهي في توثيق الطلاق:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اختلف العلماء في توثيق الطلاق على قولين:
الأول: يصح وإن من غير توثيق. وهذا هو المشهور الذي جرى به العمل، وغالب كتب الفقه تؤصل له وتتكلم فيه
الثاني: لا يصح الطلاق إلا بالتوثيق. وهو الذي نريد الكلام فيه.
بم يكون التوثيق؟
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وأول ما ينبغي البداءة به أن نحدد التوثيق عند العلماء، بم يكون، قالوا من غير خلاف: إنه كائن:

  • إما بالكتابة
  • وإما بالإشهاد
  • وإما بالرهن( وهذه الوسيلة لا تتعلق بالزواج ولا بالطلاق، بل يتعلق بموضوعات أخرى).
    آية التوثيق:
    ـــــــــــــــــــ
    وهي عمدة جميع الفقهاء، في قوله تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأخرى وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلا تَرْتَابُوا إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾[البقرة:282].
    دلالة الآية القرآنية:
    ـــــــــــــــــــــــــــــــ
    إن الآية واضحة في أن مستويات التوثيق، هي:
    الكتابة:﴿ فَاكْتُبُوهُ﴾، ﴿ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ﴾، ﴿ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ﴾، ﴿ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ﴾، ﴿ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلا تَكْتُبُوهَا﴾، ﴿وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ﴾، ﴿ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ ﴾.
    الإشهاد: ﴿ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ﴾، ﴿ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ﴾، ﴿ وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾، ﴿ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ﴾، ﴿ وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ﴾، ﴿ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ﴾.
    وأما التوثيق بالرهن فليس من موضوعنا اليوم.
    الخلاصة:
    ـــــــــــــــ
    وبه قالوا لا بد من الإشهاد على الطلاق لتوثيقه، وتجنب ما سلف بيانه من المفاسد. والإشهاد اليوم هو التصريح به وتسجيله عند المنتصبين لهذه المهمة.
    فإذا كان إشهاد الزواج يكون اليوم عند العدلين، فمثله يكون عند فرق النكاح. ولهذا قررت مدونة الأسرة وجوبه.
    لا نتحدث عن طلاق القاضي:
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    لا زال الطلاق بيد من أمسك بالساق، وإنما دور القضاء اليوم هو إنجاز مسطرة الطلاق التي يتجاوزها الكثيرون، فاحتاجوا لصيانة الحقوق أن يكون القاضي وسيطا محايدا يضمن للطرفين حقهما في هذه الفترة العصيبة.
    فيحفظ القاضي: الأموال المشتركة بينهما، ومؤخر الصداق، والمتعة، والنسب، وحقوق الأبناء…فالقاضي لا يطلق وإنما يشرف على الطلاق. ولا يمكن لمحكمة أن تفرض إرادتها على الناس إذا قرروا الانفصال.
    وهناك من يتكلم بجهل، ويصر على أن هذا الأمر فيه تعسف بتعليق الأزواج العام والعامين. وهذا الجهل عائد إلى عدم معرفة نص المدونة التي يحتكم إليها المغاربة، والتي حددت الأقصى في فرق النكاح أن لا تتجاوز ستة أشهر.
    سبب الخلاف؟
    ـــــــــــــــــــــــــ
    وسبب الخلاف في قبول توثيق الطلاق بالإشهاد عليه للاعتراف به شرعا، أو رفض توثيقه بالإشهاد عند العلماء، يعود إلى آية الطلاق نفسها من سورة الطلاق، حيث قال الله تعالى:﴿ يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن ياتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا﴾ [الطلاق:2].
    الآية :
    ــــــــــ
    والآية تتحدث عن الطلاق وأن له مسطرة شرعية منصوصة، وإذا لم تحترم كان ذلك ظلم كما نص على ذلك كثير من الفقهاء أخذا من منطوق قوله عز من قائل:” وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه”.
    ولذلك رفضوا قبول الموافقة على الظلم، أو تيسيره، أو الشهادة له بالمشروعية. وإن نطق به ناطق. وكثير منهم أدرجوه في الطلاق البدعي، وقد علمت أن الراجح عدم نفاذه، لأننا لا ننفذ البدع، وإنما ننفذ السنن.
    اختلفوا:
    ـــــــــــــ
    واختلف علماؤنا في هذا الإشهاد المأمور به في الطلاق:﴿ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾، ﴿ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ﴾، من جهتين اثنين:
    الأولى: هل هو واجب لا يصح الطلاق إلا به، أم أنه مندوب إليه، يكون الطلاق نافذا بدونه، وإن كانت الصيغة من صيغ الأمر:﴿ وَأَشْهِدُوا﴾، ﴿ وَأَقِيمُوا﴾؟
    واختلفوا ثانيا في هذا الإشهاد على أي سنن كان حكمه الشرعي، هل هو راجع إلى الرجعة ﴿ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾، أو راجع إلى الطلاق ﴿ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾؟ أو يعود عليهما معا؟
    القائلون بوجوب الإشهاد:
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    قالوا: لا يقع الطلاق نافذا معتبرا إلا إذا اعتبرنا الأمر بالإشهاد في الآية للوجوب، وأنه راجع إلى الطلاق والرجعة معا.
    وأكدوا قولهم بأدلة ستأتي معنا إن شاء الله تعالى، ومنها من المعقول أنه لا يعقل أن يكون للزواج مراسيم(من خطبة، وولي، ومهر، وصيغة، وإشادة النكاح في الناس…)، ثم لا يكون للطلاق مرسوم يتبع. وآيات الطلاق من سورة الطلاق قد تحدث عن مرسومه المعتبر، وطريقته التي يجب أن تتبع.
    ابن الفرس:
    ــــــــــــــــــ
    قال ابن الفرس الأندلسي المالكي(ت597هـ) عند تفسيره لقوله تعالى:﴿ وأشهدوا ذوي عدل منكم﴾:” اختلف في الإشهاد المأمور به، على أي شيء أمر الله تعالى أن يكون؟
    فقال الجمهور: على الرجعة.
    وقال ابن عباس: على الرجعة وعلى الطلاق”( ).
    وتجدون حكاية هذا الخلاف عند غالب كتب التفسير، وعند جميع كتب أحكام القرآن الكريم.
    جمال الدين القاسمي:
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    وذهب القاسمي عند تفسيره لآية الطلاق:﴿وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله﴾، أن الأمر بالإشهاد الوارد في الآية يقتضي الوجوب، قال:” وهذا الإشهاد على المراجعة والطلاق مندوب، ومنهم من ذهب إلى وجوبه عليهما، ومنهم من فرق بين المراجعة فأوجبه فيها، وبين الطلاق فاستحبه. وظاهر الأمر في الآية الوجوب فيهما، والترجيح يكون بدليل مرجح. ومما يؤيد الوجوب أن الأوامر في الآية كلها، قبل وبعد، للوجوب إجماعا، ولا دليل يصرف الأمر بالإشهاد عن ظاهره، فبقي كسابقه ولاحقه”( ).
    ابن عاشور:
    ـــــــــــــــــــ
    ومع أنه على رأي مذهبه المالكي، لكنه رحمه الله تعالى حكى الخلاف، وأكد أن قول من قال بأن الإشهاد للندب، ورجوع الإشهاد إلى الرجعة فقط دون الطلاق، مدخول، فقال:” أما مقتضى صيغة الأمر في قوله تعالى:﴿ وأشهدوا ذوي عدل﴾ فقيل: هو مستحب …ولعل مستند هذا القول عدم جريان العمل بالتزامه بين المسلمين في عصر الصحابة وعصور أهل العلم، وقياسه على الإشهاد بالبيع. فإنهم اتفقوا على عدم وجوبه وكلا هذين مدخول…وقيل الأمر للوجوب المراجعة دون الفرقة»().
    ولقد بين فقيه المقاصد لماذا منعوا القول بالوجوب:
    السبب الأول: عدم جريان العمل به
    السبب الثاني: قياسه على البيع. يشير هاهنا إلى ﴿ فاكتبوه﴾ وأن الأمر للوجوب لوجود القرينة..(وفي تفسيره رجح الوجوب وأن هذه القرينة تؤكده ولا تصرفه، فانظر غير مأموره في تحقيقه).
    وهذان السببان ـ عنده رحمه الله تعالى ـ ضعيفان، بتعبيره:” وكلا هذين مدخول”.

الكاتب: admin

ذ. بضاض محمد Pr. BADADE Med باحث في:علم النفس،علوم التربية،والعلوم الشرعية. خريج جامعة سيدي محمد بن عبد الله-كلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز-فاس خريج جامعة مولاي اسماعيل-كلية الآداب والعلوم الإنسانية-مكناس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *