4-الفلسفة الإسلامية

1- مادة الفلسفة

2- المستوى جذع مشترك, جميع الشعب والمسالك

3- دروس الأسدس الأول

4- مجزوءة ما الفلسفة

5- الموضوع الفلسفة الإسلامية

6- الأستاذ محمد بضاض

مدخل

لقد كان أكبر اتصال بين المسلمين وبين الفلسفة اليونانية عن طريق الترجمة التي بدأت في أواخر القرن الأول الهجري، وتقوت في عهد العباسيين ابتداء من عصر المنصور (توفي 108 م)، وخصوصا في عهد المأمون الذي أنشأ سنة 215 هـ لهذا الغرض “بيت الحكمة” مهمته الإشراف على ترجمة كل ما يصل الى أيدي المسلمين من ثرات اليونان وغيرهم من الأمم.

وقد كان جل المترجمين الأوائل أطباء ومنجمين اتجهت أكثر جهودهم في البداية الى ترجمة الكتب الطبيعية والفلكية، وعن طريقهم اتجهت الأنظار في البداية الى الفقرات الفلسفية، ثم بعد ذلك الى الكتب الفلسفية الخالصة. وقد كان المترجمون الأوائل من أصول غير عربية الى أن  برز يعقوب بن اسحاق الكندي كأول مترجم مسلم لم يلبث أن تحول إلى أول فيلسوف في الإسلام، عمل على تفسير كتب أرسطو وتأليف كتب فلسفية في الرياضيات والطب والكيمياء والفلك والإلهيات وذلك في حوالي 241 كتاب ورسالة.

إن الإشكالية الرئيسية التي خاض فيها فلاسفة الإسلام هي إشكالية التوفيق بين الدين والفلسفة، والمقصود هو الدين الإسلامي والفلسفة اليونانية خصوصا فلسفة أفلاطون وأرسطو.

فكيف عالج الفلاسفة المسلمون هذه الإشكالية؟

نص الكندي: ص 22

أسئلة حول النص

  • ماهو التعريف الذي يقدمه الكندي للفلسفة ؟
  • ماهي الأهداف المتوخاة من الفلسفة حسب الكندي ؟
  • هل تتوافق هذه الأهداف في نظرك مع أهداف الدين الإسلامي ؟
  • كيف يمكن التمييز حسب النص بين علم العلة وعلم المعلول؟ وما الذي يجعل أحدهما أشرف من الآخر ؟

أجوبة مقترحة

يرى الكندي أن أشرف العلوم مرتبة هو علم الفلسفة، التي يعتبرها صناعة عقلية وفكرية تستهدف العلم بحقائق الأشياء، وبحسب ما تستطيعه الطاقة العقلية للإنسان.

يحدد الكندي هدفين أساسين للممارسة  الفكرية للفيلسوف: هدف نظري يتمثل في المعرفة المجردة بحقائق الأشياء وجواهرها، أي تكوين أحكام عقلية مطابقة لحقيقة الشيء، وهدف عملي يتمثل في أن يسلك الفيلسوف ويتصرف وفقا للقيم الأخلاقية الحقة التي يحددها العقل العملي. وهذا التقسيم الذي نجده عند الكندي يعود الى تقليد معروف في فلسفة أفلاطون وأرسطو، وهو تقسيم الفلسفة الى قسمين: فلسفة نظرية وفلسفة عملية

يبدو أن الأهداف التي يحددها الكندي للفلسفة، والمتمثلة في معرفة الحق والعمل به، هي أهداف تتوافق مع الغاية الأساسية من وجود الدين. وهكذا نلاحظ لدى الكندي نزعة توفيقية واضحة حاول من خلالها المصالحة بين الفلسفة والدين والبحث عن خيوط مشتركة بينهما.

إن علم العلة عند الكندي هو العلم الذي يهدف الى معرفة السبب الأول (الله) باعتباره أصل كل الموجودات الأخرى، إنه علم ميتافيزيقي أو هو الفلسفة الأولى التي تبحث في المبادئ الأولى للوجود، والتي بمعرفتها نحيط علما بكل الموجودات. لذلك اعتبر الكندي أن علم العلة أو السبب هو أشرف من علم المعلول الذي هو مجرد نتيجة.

العلة = ما يتوقف عليه وجود الشيء وما يجاب به على السؤال “لماذا”؟

العلة = ما يحتاج إليه الشيء إما في ماهيته كالمادة (علة مادية) وصورة (علة صورية) او في الوجود كالغاية (علة غائية) والفاعل (علة فاعلة)

نص ابن رشد: ص 24

أسئلة حول النص

  • ماهو التعريف الذي يقدمه ابن رشد للفلسفة ؟
  • ماهو حكم الشرع على فعل التفلسف حسب النص ؟
  • استخرج الأساليب الحجامية التي استخدمها ابن رشد للدفاع عن الفلسفة وتبيان موافقتها للدين ؟

أجوبة مقترحة

الفلسفة حسب ابن رشد هي نوع من النظر العقلي في الموجودات من أجل أخذ العبرة والاهتداء من خلالها الى معرفة الصانع/ الله.

الشرع يدعو الى ممارسة التفلسف باعتباره نظرا عقليا في الموجودات لمعرفة الصانع.

اعتمد ابن رشد على أدلة نقلية تتمثل في الاستشهاد بآيات قرآنية من اجل التأكيد على القضية التي يدافع عنها، وهي مشروعية الممارسة الفلسفية من وجهة نظر الدين. هكذا فإذا لم تكن الفلسفة سوى نظر عقلي في الموجودات لأخذ العبرة فإن القرآن يدعو الى ذلك في الكثير من الآيات منها “فاعتبروا يا أولي الأبصار” وقوله تعالى: “أو لم ينظروا في ملكوت السماوارت والأرض وما خلق الله من شيء”. كما اعتمد ابن رشد على أسلوب الاستدلال المنطقي حيث انتقل من قضية عامة وهي تعريف الفلسفة، ثم قام بتحليل عناصرها الجزئية، منتهيا باستنتاج منطقي يمكن التعبير عنه بالشكل التالي:

  • الفلسفة نظر في الموجودات لدلالتها على الصانع.
  • الشرع يدعو الى النظر في الموجودات لدلالتها على الصانع.

إذن الشرع يدعو الى الفلسفة

خلاصة تركيبية

تمثل الفلسفة الإسلامية إحدى اللحظات الأساسية في تاريخ الفلسفة وتطورها. وبالرغم من ترجمة فلاسفتها لكتب الفلسفة اليونانية وشرحها لاسيما كتب أفلاطون وأرسطو، فإنه كانت للفلسفة الإسلامية قضاياها التي تخصها، والتي أملتها عليها طبيعة المجتمع الإسلامي وثقافته ودينه. ومن أبرز هذه القضايا نجد قضية العلاقة بين الحكمة والشريعة أو بين الفلسفة والدين.

وفي هذا الإطار عمل الكندي على توضيح الغايات الأساسية من التفكير الفلسفي، والتي لا تتعارض في جوهرها مع ما جاء به الدين ودعا إليه. كما بين الفارابي أن الاختلاف بين الدين والفسلفة ليس سوى اختلاف في طريقة التعبير أما الأهداف فواحدة. وفي الغرب الإسلامي عمل ابن رشد على الدفاع عن الفلسفة وبين كيف أنها مأمور بها شرعا.

لكل المسلمين لم يطورا فلسفة ابن رشد ويواصلوا مسارها العقلاني، بل ستنتقل فلسفة ابن رشد الى أوربا، لترتكز عليها النهضة الأوروبية لاحقا.

جدول يعرف بأهم فلاسفة الإسلام

فلاسفة مسلمونمؤلفاتهم الأساسيةقضايا اهتموا بها
الكندي (801ء867م)رسالة في حدود الأشياء ورسومها
رسالة في الفلسفة الأولى
رسالة القول في النفس
الفلسفة والدين
شرح وترجمة الفلسفة اليونانية  الى العربية
الفارابي (864ء944م)آراء أهل المدينة الفاضلة
إحصاء العلوم
لجمع بين رأيي الحكيمين
الألفاظ المستعملة في المنطق
الفلسفة والدين
شرح الفلسفة اليونانية
المنطق
السياسة
ابن باجة (1138ء1082م)تدبير المتوحد
رسالة اتصال العقل بالإنسان
الفلسفة والدين
المعرفة
الأخلاق
شرح الفلسفة اليونانية
ابن رشد (1126ء1198م)فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال
تهافت التهافت
الكشف عن مناهج الأدلة
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
الفلسفة والدين
شرح الفلسفة اليونانية انطلاقا من أصولها،  وخصوصا فلسفة أرسطو
الفقه والقضاء
الأخلاق
الفلاسفة المسلمين و مؤلفاتهم الأساسية و قضايا اهتموا بها

3-محطات في تطور الفلسفة

1-  مادة الفلسفة

2- المستوى جذع مشترك, جميع الشعب والمسالك

  • دروس الأسدس الأول

4- مجزوءة ما الفلسفة

5- الموضوع محطات في تطور الفلسفة

6- الأستاذ محمد بضاض

الإشكال المحوري

  • هل تعد الفلسفة اليونانية هي الشكل الواحد الأوحد الذي عرفه تاريخ الفكر الفلسفي الإنساني، أم هناك أشكال فلسفية أخرى؟
  • أليس للحضارة الإسلامية والحضارة الغربية الحديثة والمعاصرة انتاجات فلسفية مثلت محطات أساسية في تطور الفكر الفلسفي؟

تقديم

أشرنا في المحور السابق إلى صعوبة تحديد تعريف عام للفلسفة، وذلك لأنه لا وجود لفلسفة واحدة، بل هناك عدة فلسفات متعددة بتعدد فلاسفتها، وهذا يعني أننا لا ندرس الفلسفة كما ندرس أي علم من العلوم، بل إنما ندرس فلسفات الفلاسفة، أي أفكار ونظريات رجال عاشوا عبر التاريخ، بمعنى أننا لا ندرس الفلسفة بل تاريخها، والواقع أن الفلسفة وتاريخ الفلسفة جانبان مرتبطان من الصعب الفصل بينهما، إن دراسة أفكار أي فيلسوف ما كثيرا ما تضطرنا إلى الرجوع إلى أفكار فلاسفة آخرين سبقوه أو عاصروه، بمعنى أن دراسة الفلسفة لا تعني في الحقيقة أكثر من دراسة تاريخها.

محطات من تاريخ تطور الفلسفة

إن تاريخ الفكر الإنساني هو تاريخ تطور هذا الفكر، والفلسفة باعتبارها شكلا من أشكال الفكر الإنساني عرفت هي الأخرى تطورا، بل تطورات خلال تاريخها، وخلال هذه التطورات كانت الفلسفة تعكس اهتمامات وانشغالات البيئات التي ظهرت داخلها، لذلك جاءت أفكار وتصورات ومفاهيم الفلاسفة متمايزة ومختلفة، وذلك لأن كل فلسفة هي إجابة على أسئلة عصرها، فالفلسفة اليونانية في بدايتها كانت في مواجهة التساؤل الأنطولوجي المتعلق بالبحث في الوجود، وهذا راجع لكون اليونانيين كانوا منشغلين بالبحث في الطبيعة وإيجاد أسبابها وعللها.

إن الفلسفة لم تعرف مسارا أو اتجاها واحدا، ولكنها عرفت مسارات واتجاهات متباينة، فكان تاريخها هو تاريخ التعدد والتنوع والاختلاف، وهذا المظهر لا يظهر بين فلسفة وأخرى، بل يظهر داخل الفلسفة الواحدة، وإذا كنا قد أبرزنا أن الفلسفة تاريخا، فما هي المحطات أو اللحظات الكبرى لهذا التاريخ؟

يمكن وبإيجاز أن نقدم هذه الخطاطة التي تعكس التطور العام للفلسفة عبر التاريخ، وهي على النحو التالي:

  • المرحلة القديمة: نشأة الفلسفة اليونانية في القرن 6 ق.م.
  • مرحلة العصور الوسطى: انتقال الفلسفة إلى أوروبا والعالم الإسلامي من القرن 5 إلى 15م.
  • المرحلة الحديثة: ارتباط الفلسفة الأوروبية بالعلم في القرن 17م.
  • المرحلة المعاصرة: ابتدأت من القرن 19 إلى يومنا هذا.

انطلاقا من هذه الخطاطة، يمكن القول أن الفلسفة شهدت محطات أو لحظات كبرى خلال تطورها، ولم يكن الانتقال من لحظة لأخرى مجرد انتقال في الزمان والمكان، ولكنه انتقال في فضاء الفكر واللغة، فما هي طبيعة هذه المسارات التي قطعتها الفلسفة؟

ترافق تطور العلوم عند العرب والمسلمين ابتداء من القرن الثاني الهجري مع ظهور اهتمام بالفلسفات الشرقية واليونانية والعمل على ترجمتها، ما أدى إلى تشكيل حركة فلسفية قادها عدد من المفكرين المسلمين من العرب وغير العرب وأهمهم ابن رشد الذي دافع عن ضرورة دراسة الفلسفة وتعلمها، لان الشرع يدعو إلى التعبير والتأمل في الموجودات لأنها تدل على وجود الصانع، وبما أن الفلسفة ليست شيئا أكثر من النظر في الموجودات للوصول إلى وجود الصانع، فان الفلسفة إذن لا تعارض الدين، بل تدعمه وتؤيده، وهذا هو رد ابن رشد على الغزالي الذي كفر الفلاسفة، ودعا إلى تحريم الفلسفة باعتبارها تخالف الشريعة، وهناك عدة فلاسفة مسلمين من أهمهم: الكندي، الفارابي، ابن سينا، ابن طفيل، ابن باجة وغيرهم، هذا فيما يخص الفلسفة الإسلامية، أما الفلسفة الغربية فقد انقسم تاريخها إلى أربعة مراحل: القديمة والوسطى والحديثة والمعاصرة، وتمتد مرحلة الفلسفة القديمة من القرن السابع عشرة ق.م إلى القرن الخامس الميلادي، وتمتد مرحلة الفلسفة الوسطى من القرن الخامس إلى القرن السابع عشر، أما الفلسفة الحديثة فتمتد حتى القرن التاسع عشر، أما الفلسفة المعاصرة فتمتد من القرن العشرين إلى العصر الحالي.

الفلسفة القديمة

كانت في معظمها يونانية، وأعظم الفلاسفة من العهد القديم كانوا ثلاثة من اليونانيين في القرن الخامس والرابع قبل الميلاد وهم “سقراط” و”أفلاطون” و”أرسطو”، حيث أثرت فلسفتهم في الثقافة الغربية المتأخرة، أما فلسفة القرون الوسطى فتميزت بالتطور بكيفية جعلتها جزأ من اللاهوت النصراني، وهكذا لم يبق للفلسفة اليونانية والرومانية من آثار سوى ما تركته من أثر على الفكر الديني، وبعد القديس أوغسطين أشهر فلاسفة العصور الوسطى، كما انه في هذا العصر سادت منظومة فكرية تسمى بالمدرسية بين القرن الثاني عشر والقرن الخامس عشر، والمدرسية تشير إلى منهج فلسفي للاستقصاء، استعمله أساتذة الفلسفة واللاهوت في الجامعات الأولى التي ظهرت في أوربا الغربية، ولقد نشأت هذه المدرسة نتيجة لترجمة أعمال أرسطو إلى اللاتينية التي هي لغة الكنيسة النصرانية في العصر الوسيط، فهذه الأعمال حثت المفكرين آنذاك على التوفيق بين أفكار أرسطو الرئيسية والتوراة والعقيدة النصرانية، إن أشهر المدرسين هو القديس توما الاكويني، حيث اجتمع في فلسفته فكر أرسطو والفكر اللاهوتي حتى أنها أصبحت هي الفلسفة الرسمية الرومانية الكاثوليكية.

الفلسفة الحديثة

أما الفلسفة الحديثة، فهي نتيجة لحركة ثقافية كبرى تسمى النهضة، أعقبت نهاية العصور الوسطى وشكلت فترة انتقالية بين فلسفة القرون الوسطى، والفلسفة الحديثة، حيث نشأت النهضة في إيطاليا نجمت عن إعادة اكتشاف الثقافة اليونانية والرومانية، وأيضا للتقدم الكبير خاصة في مجال الفلك والفيزياء والرياضيات، وأيضا لظهور النزعة الإنسية التي أعادت الاعتبار إلى الإنسان ومجدته، ويعد فرانسيس بيكون الإنجليزي من أوائل الفلاسفة المؤيدين للمنهج التجريبي العلمي وإلى جانبه رينيه ديكارت الفرنسي مؤسس الفلسفة الحديثة في القرن 17م، خاصة في كتابه الشهير “مقال في المنهج” الذي عرض فيه رؤية جديدة في التفكير تقوم على النقد ومراجعة المعارف المكتسبة، وضرورة تأسيس طريقة جديدة تقوم على قواعد محددة لتوجيه العقل (الشك، تقسيم المشكلة إلى أجزاء، ترتيب الأفكار، مراجعة عامة للنتائج)، كما أنه أولى أهمية كبرى للأنا المفكر أي الوعي بالذات، وقد تجلى ذلك في قولته الشهيرة “أنا أفكر، أنا موجود” وإلى جانب ديكارت هناك فلاسفة آخرين (سبينوزا، لايبنيز، جون لوك، دافيد هيوم، إيمانول كانط، هيجل، ماركس، نيتشه) كل هؤلاء الفلاسفة ساهموا في تطوير الفلسفة الحديثة القائمة على العقلانية والتجريبية والجدلية …

الفلسفة المعاصرة

أما الفلسفة المعاصرة أو فلسفة القرن العشرين، فقد شهدت انتشار خمس حركات رئيسية، اثنان منها: الوجودية والظواهرية كان لهما تأثير كبير في بلدان أوربا الغربية، أما الحركات الثلاث الأخرى: الذرائعية البرجماتية (المنفعية) والوضعية المنطقية، والبنيوية التفكيكية فقد مارست تأثيرها خصوصا في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، وفي منتصف القرن العشرين أصبح تأثير الوجودية ملحوظا،

وذلك أن الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945) ولدت شعورا عاما باليأس والقطيعة من الوضع القائم، هذا الشعور قد أفضى إلى الاعتقاد بأن الناس عليهم أن ينشئوا القيم التي تليق بهم في عالم أصبحت القيم القديمة فيه عديمة الجدوى، كما أن الوجودية تلح على القول:

 إن الأفراد يجب عليهم أن يحددوا اختياراتهم وبذلك يعبرون عن شخصيتهم المتميزة، لأنه لا توجد أنماط موضوعية تفرض على الفرد فرضا، ويعتبر الكاتب الفرنسي جان بول سارتر أشهر الفلاسفة الوجوديين، أما الفلسفة الظاهرية فقد أنشأها الفيلسوف الألماني إدموند هوسرل، الذي تصور أن مهمة الظاهرية وبالتالي مهمة الفلسفة تتمثل في وصف الظاهرة، أي موضوعات التجربة الشعورية بصفة دقيقة وبكيفية مستقلة عن كل الافتراضات المشتقة من العلم، ويعتقد هوسرل أن هذا العمل من شأنه أن يؤدي إلى إدراك الواقع إدراكا فلسفيا،

 أما الفلسفة النفعية البرجماتية والتي يمثلها الأمريكيان وليم جيمس وجون ديوي، فتؤكد أن المعرفة خاضعة للعمل، وذلك أن اشتمال الأفكار على المعاني والحقائق متعلق بمدى ارتباطها بالتطبيق، أما الفلسفة الوضعية المنطقية فقد نشأت في ڤيينا بالنمسا في العشرينات من القرن العشرين فتقول: إن الفلسفة ينبغي أن تحلل منطق لغة العلم، وهي تعتبر العلم المصدر الوحيد للمعرفة وتدعي بأن ما وراء الطبيعة لا فائدة منه، اعتمادا على مبدأ إمكانية التحقق، أي أن القول لا يكون له معنى إلا إذا ثبت بالتجربة الحسية أنه مطابق للحقيقة، ويعد البريطاني ألفرد جون أير من أكبر فلاسفة المذهب الوضعي المنطقي، والمشكلات الفلسفية التقليدية تنحل تلقائيا أي أنها تزول بمجرد تحليل للعبارات التي صيغت،

أما الفلسفة البنيوية التفكيكية فقد حاولت أن توجد الحلول للمشكلات الفلسفية عن طريق تحليل مفردات اللغة ومفاهيمها كما حاولت بعض اتجاهات هذه الفلسفة أن تبرهن على أن بعض المشكلات الفلسفية التقليدية تنحل تلقائيا بمجرد تحليل العبارات التي صيغت بها، ومن أشهر الفلاسفة الذين مارسوا التفكيك والتحليل الفلسفي هناك برتر اندراسل، ولود فيتجنشتاين.

محطات في تطور الفلسفة

مدخل

إن للفلسفة قصة طويلة بدأت مع اليونان في القرن 6 ق.م، ولازالت مستمرة إلى الآن، وطيلة تاريخها الطويل عرفت الفلسفة تحولات فكرية تجلت في ظهور عدة فلاسفة، وعدة مذاهب واتجاهات فلسفية، وقد كان التفكير الفلسفي دائما مرتبطا بقضايا عصره ويعكس الهموم والقضايا التي عرفها ذلك العصر، هكذا وبعد ظهور الفلسفة عند اليونان، سيعمل الفلاسفة في الإسلام على ترجمة الكتب الفلسفية عن اليونانية ويقومون بشرحها والاستفادة منها في معالجة قضايا تتعلق بالمجتمع الإسلامي،

غير أن الفلسفة سوف لن تستمر في بلاد الإسلام بل ستعود إلى أوروبا خلال العصر الحديث الذي سيعرف ظهور فلاسفة سيغيرون مسار التاريخ الفلسفي، وسيساهمون في التطور الذي عرفته الحضارة الأوروبية، ثم ستتطور الفلسفة في ما بعد وستهتم بقضايا جديدة، من أهمها التفكير في قضايا المعرفة العلمية.

  • فما الذي يميز تاريخ الفلسفة؟
  • وما هي الخصائص التي ميزت مختلف محطاته الكبرى؟
  • ومن هم أبرز فلاسفة كل محطة؟

إشكالية الفلسفة والدين، نص ابن رشد

مؤلف النص

هو الفيلسوف العربي المسلم ابن رشد )( 1198 – 1126م ، من كبار فلاسفة الإسلام، ومن أعظم شراح فلسفة أرسطو، وقد وجد في هذه الفلسفة إمكانية تأسيس فلسفة عقلانية قادته إلى الفصل بين الدين والفلسفة على مستوى المنهج دون أن يضاد أحدهما الآخر على مستوى الغاية، من أهم مؤلفاته “تهافت التفاهت” و”فصل المقال”.

فهم النص
  • يبدأ النص بتعريف فعل التفلسف، ويتجلى في اعتبار الفلسفة بحث في الموجودات لدلالتها على الصانع.
  • يدعو الشرع حسب النص إلى التأمل في الموجودات باعتبار دلالتها على الصانع.
  • تعني عبارة ”الحق لا يضاد الحق“ أن الحقيقة التي يتوصل إليها عن طريق النظر العقلي الفلسفي لا تخالف الحقيقة الدينية التي يعتبر الوحي مصدرها الأساسي.
موضوع النص

يتناول هذا النص موضوع العلاقة بين الدين والفلسفة أو بين الحكمة والشريعة، كما أن هذا النص يتناول في نفس الوقت موقف الدين من الفلسفة.

إشكال النص

يطرح هذا النص إشكالا فلسفيا متعلقا بمسألة العلاقة الموجودة بين الدين والفلسفة، وكذا مسألة رأي الدين في الفلسفة، وهما مسألتان يمكن التعبير عنهما بالتساؤلات الآتية:

  • أية علاقة بين الفلسفة والدين، هل هي علاقة انفصال وقطيعة، أم هي علاقة ترابط واتصال؟
  • ما هو موقف الدين من الفلسفة؟
  • هل الدين يحرم فعل الفلسفة؟ أم هل الدين يدعو إلى التفلسف ويأمر به؟
الإطار المفاهيمي

يستعمل ابن رشد في هذا النص مفردات خاصة تنتمي إلى معجمين رئيسين للتأكيد على أن الشرع يدعو إلى النظر في الموجودات، والمعجمان هما:

  • المعجم الديني الشرعي: الشرع – الواجب – المندوب – القياس الشرعي – الاعتبار.
  • المعجم الفلسفي: النظر – الموجودات – الاستنباط.
القياس العقلي

كل إنسان فان ← مقدمة كبرى.
سقراط إنسان ← مقدمة صغرى.
سقراط فان ← النتيجة.
← النتيجة في القياس العقلي تكون متضمنة في المقدمتين.

المعجم الشرعي المعجم الفلسفي
الشرع – الآية القرآنية – الواجب – المندوب – الاعتبار – القياس الشرعي – الحق.الصانع – النظر – المعرفة – الموجودات – القياس العقلي – فعل الفلسفة.

التدبر هو التفكير العقلي الذي يستهدف معرفة الحقيقة وأخذ العبرة، وهو من شأنه أن يؤدي إلى إثبات صحة الأحكام الشرعية وأهميتها في حياة الإنسان، لذلك فالعلاقة بينهما هي علاقة توافق وانسجام، والأدوات التي يستعملها الفيلسوف للوصول إلى الصانع هي: النظر – الموجودات – القياس العقلي.

الإطار الحجاجي

وظف النص طريقة حجاجية اعتمدت على نصوص مستمدة من الحقل الديني، وهي قوله تعالى ”فاعتبروا أولى الأبصار“، وقوله تعالى ”أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق آلله من شيء“، ووظيفتها الحجاجية هي تدعيم رأي ابن رشد القائل بضرورة الفلسفة ووجوبها شرعا.

الأفعال المنطقية دلالاتها الفلسفية
إن كان ….. فإن…….إذا كانت الفلسفة نظر في الموجودات لمعرفة صانعها، فإن المعرفة الدقيقة بالصانع تكون من خلال معرفة صنعته.
فأما أن الشرع … فذلك بين في غيرما آية.إثبات ابن رشد أن الشرع يدعو إلى النظر العقلي في الموجودات لأخذ العبرة.

هكذا اعتمد ابن رشد على أسلوب الاستدلال، حيث انتقل من قضية عامة وهي تعريف فعل الفلسفة، ثم قام بتحليل عناصرها الجزئية منتهيا باستنتاج منطقي يمكن التعبير عنه بالشكل التالي: “الفلسفة نظر في الموجودات لدلالتها على الصانع”، الشرع يدعو إلى النظر في الموجودات لدلالتها على الصانع، إذن الشرع يدعو إلى الفلسفة.

تعليق حول النص

إن هذا النص يمثل مرافعة نقدية أراد من خلالها ابن رشد الدفاع عن الفلسفة وإثبات مشروعيتها، وابن رشد في هذا إنما أراد أن يرد الاعتبار للفلسفة أي إلى العقل، وهذا ليس بشيء غريب عند فيلسوف تزود من معين الفلسفة اليونانية خاصة في ملامحها العقلانية مع بعض الفلاسفة أمثال: أرسطو.

الفلسفة في العصور الحديثة: الفلسفة والمنهج

تقديم

غالبا ما يربط مؤرخو الفلسفة بداية الفلسفة الحديثة بديكارت، وهكذا يلقبونه بأب الفلسفة الحديثة. فما هي الخصائص العامة التي تميز هذه الفلسفة؟

تعتبر الفلسفة الحديثة فترة تأسيس لعهد جديد، وإحداث قطيعة مع الماضي من خلال ظهور جهاز مفاهيمي جديد، وكذا تحول على المستوى الإشكالي، هكذا فقد تم إعطاء الأسبقية في الفلسفة الحديثة لمبحث المعرفة على مبحث الوجود الذي كانت له الأولوية في العصور السابقة، والإشكال الرئيسي في الفلسفة الحديثة هو إشكال معرفي، يتمثل في التساؤل عن إمكانية وحدود المعرفة العقلية، وقد تميزت الفلسفة الحديثة بسيادة نزعة الأنسنة التي أعادت الاعتبار للعقل البشري وآمنت بقدرته على فهم العالم والسيطرة على الطبيعة.

تحليل نص ديكارت، ص 28

مؤلف النص

هو الفيلسوف الفرنسي روني ديكارت (1596 – 1650) يعتبر من كبار فلاسفة القرن 17م، ويلقب بأب الفلسفة الحديثة، كما يعتبر زعيم النزعة العقلانية في العصر الحديث، كما أنه عالم رياضي ويعتبر من مؤسسي الرياضيات الحديثة.

من أهم مؤلفاته “تأملات ميتافيزيقية“، وكتاب ”قواعد في المنهج“، درس ديكارت مجموعة من العلوم في حداثة سنه، من بينها الفلسفة والرياضيات، وعندما اختبر هذه العلوم استبعد المنطق، لأن هذا العلم لا ينفع في تعلم الأشياء.

سؤال النص

يطرح هذا النص سؤالا ضمنيا هو: ما هي الطريقة الصحيحة للوصول إلى معرفة جميع الأشياء؟

إن ديكارت من خلال هذا السؤال يطرح مشكلة ذات طبيعة منهجية، فالسؤال هنا سؤال يتعلق بالمنهج، أي بالطريقة التي تؤمن عملية المعرفة وتصون وتحمي الذات من الوقوع في الأخطاء.

رأي صاحب النص

انطلق ديكارت من الإقرار بضرورة اتخاذ الحيطة والحذر وعدم التسرع في إصدار الأحكام التي لم تستمد من العقل، ولقد اعتبر ديكارت على أن الوصول إلى معرفة جميع الأشياء يتطلب امتلاك طريقة أو منهج، ولقد انتهى ديكارت من خلال دراسته لعدد من العلوم والفلسفة إلى استنباط أربعة قواعد منطقية لحسن استخدام العقل وهي:

  • قاعدة البداهة أو الشك: وهي تعني أنه لا يجب علي أن أقبل من الأفكار إلا ما يبدو بديهيا، واضحا ومتميزا في الذهن، وأن أشك في كل الأحكام والأفكار غير البديهية.
  • قاعدة التحليل أو التقسيم: وهي تعني أنه يجب علي أن أقسم المسألة إلى أبسط عناصرها، وأن أحل كل عنصر لوحده حتى يسهل علي حل المسألة ككل.
  • قاعدة التركيب أو النظام: وهي تعني أنه يجب البدء بأبسط العناصر إلى أصعبها وبشكل مرتب لحل المسألة على أحسن وجه.
  • قاعدة المراجعة أو الإحصاء: وهي تعني أنه يجب القيام بمراجعات وإحصاأت شاملة لكي أتأكد من أنني لم أغفل أي شيء.

لقد كان هم ديكارت هو البحث عن منهج أو طريقة للوصول إلى الحقيقة، فاستلهم الرياضيات ووضع أربع قواعد لحسن استخدام العقل، ولقد شك ديكارت في كل شيء، لكنه لم يستطع أن يشك في أنه يشك، وما دام الشك هو عملية عقلية، فهو إذا نوع من التفكير، لذلك قال ديكارت “أنا أشك إذا أنا أفكر، وإذا كنت أفكر فأنا موجود”.

الإطار المفاهيمي للنص

الألفاظ التي تدل على تأسيس منهج أو طريقة جديدة في التفلسف هي: الحيطة، العقل، المنطق، البحث، البداهة، القاعدة، التدرج، المراجعة، الوضوح والتميز، والمنهج هو الطريقة التي تسلكها الذات العارفة للوصول إلى موضوع المعرفة اعتمادا على قواعد عقلية.

الإطار الحجاجي

يبدأ النص بلفظ “مثل“ التي تدل على تصوير حسي لفكرة مجردة، النظام المنطقي الذي يحكم بناء القواعد الأربعة التي وضعها ديكارت هو نظام يتميز بالتدرج والانتقال من البسيط إلى المركب، ويتبين في القاعدة الثالثة التي هي قاعدة النظام أو التركيب والتي تقول أنه يجب البدء بأبسط العناصر إلى أصعبها، أي أن يتميز فكرنا بالترتيب والنظام والتدرج، هكذا اعتمد ديكارت على أسلوب التمثيل من أجل توضيح فكرته عن المنهج وتصويرها حسيا، فقد تخيل ديكارت أنه يشبه رجلا يسير في الظلام، لذلك ولكي لا يسقط كان لزاما عليه اتخاذ الحيطة والحذر المتمثل في الشك في كل الأفكار غير البديهية والواضحة، وهذا الشك هو شك منهجي، الغرض منه هو الوصول إلى الحقيقة، ومن أجل الوصول إليها لابد أن يعتمد العقل على قواعد تجنبه السقوط في الخطأ وتجعله يفكر بكيفية سليمة، وقد اختصر ديكارت هذه القواعد في: قاعدة البداهة، قاعدة التقسيم، قاعدة النظام وقاعدة المراجعة.

تعليق حول النص

يعكس هذا النص اهتماما من بين الاهتمامات التي انشغل بها ديكارت والمتعلقة بمسألة المنهج، حيث أنه اعتبر أن الوصول إلى الحقيقة لا يمكن أن يتم إلا إذا تسلح العقل بمنهج يعصمه من الوقوع في الأخطاء.

الفلسفة الغربية المعاصرة: الفلسفة والعلم

تقديم

غالبا ما يربط مؤرخو الفلسفة بداية الفلسفة المعاصرة ببداية المنتصف الثاني من القرن 19م، ومن أهم الأحداث التي عرفتها الفلسفة المعاصرة هناك حدثان بارزان: يتمثل الأول في الثورة العلمية في مجال العلوم الدقيقة كالرياضيات والفيزياء والبيولوجيا، اما الحدث الثاني فيتمثل في ظهور ما يسمى بالعلوم الإنسانية كعلم النفس وعلم الاجتماع والأنتربولوجيا، وقد استفادت الفلسفة المعاصرة من هذين الحدثين فاتجه اهتمامها أولا إلى دراسة ونقد المعرفة العملية في إطار ما يسمى بالدراسات الأبستمولوجيا (فلسفة العلم)، واتجه اهتمامها ثانيا إلى دراسة الإنسان والاهتمام بقضاياه الأساسية كمسألة الإدراك والوعي وعلاقتها بالعالم، وكذلك البحث عن معنى الوجود الإنساني، ومعالجة قضايا الإنسان السياسية والاجتماعية، كما يمكن أن نشير أيضا إلى اهتمام كثير من الفلاسفة المعاصرين بنقد المفاهيم الفلسفية الكلاسيكية في محاولة منهم لتجاوز الفلسفة الميتافيزيقية وإعادة الاعتبار للجوانب المهمشة واللامفكر فيها.

تحليل نص لبرتراندر راسل

مؤلف النص

هو برتراند راسل (1872 – 1970) فيلسوف وعالم رياضي انجليزي اهتم بالدراسات المنطقية والإبستمولوجية، كما اهتم بقضايا ومشكلات الفلسفة، من مؤلفاته ”مبادئ الرياضيات“ و“مشكلات الفلسفة“.

سؤال النص

يطرح هذا النص سؤالا يتعلق بمهمة الفلاسفة ووظيفة الفلسفة، ويمكن أن نصغ هذا السؤال كالآتي: ما هي الوظيفة التي تقوم بها الفلسفة؟

رأي صاحب النص

أبرز “راسل” أن مجال العلم يختلف عن مجال الفلسفة، فالعلم يهتم بدراسة الأشياء والظواهر مثل: الآلات والإنسان والكواكب، أما الفلسفة فهي تهتم بالتأمل والاستطلاع والاستكشاف، إنها عبارة عن مغامرة فكرية، يرى صاحب النص أيضا على أن خطاب الفلسفة يبدأ عندما يغادر الإنسان نطاق العلم، وفي نفس الوقت يبين على أن هناك علاقة بين الفلسفة والعلم، غير أن العلم عندما يتأسس على قوة متينة، فإنه يستقل عن الفلسفة ويصبح قائما بذاته، ويبدو من خلال هذا النص أن الفلسفة المعاصرة من بين ما اهتمت به موضوع العلاقة بين العلم والفلسفة، وعلى الرغم من الاختلاف الموجود بينهما، فإنهما في حاجة إلى بعضهما البعض، كما أن الإنسان في حاجة ماسة إليهما معا.

فهم النص، ص 31
  • تصبح معرفة ما علما عندما تصبح مرتكزة على أسس متينة.
  • من بين الأعمال التي يقوم بها الفيلسوف هو التفكير في مناهج العلوم، والتأمل الشمولي في القضايا المصيرية للإنسان.
  • يبدأ التفكير الفلسفي التأملي حين يصل المرء إلى مناطق الحدود ويتجاوزها وتعتبر مناطق مجهولة بالنسبة إليه.
  • الفلسفة مغامرة فكرية يستهدف من خلالها الفيلسوف البحث عن الحقيقة لذاتها وليس لأي غرض آخر.
  • من أهم القضايا التي اهتمت بها الفلسفة المعاصرة هي قضية العلاقة بين الفلسفة والعلم ورسم الحدود الفاصلة بينهما، فالعلم يهتم بالحاجات المباشرة والحيوية والمادية والتقنية بينما تهتم الفلسفة بالقضايا الأخلاقية والروحية والمصيرية للإنسان.
الإطار المفاهيمي للنص

يكون العلم علما عندما يرتكز على أسس متينة، والمقصود بالأسس المتينة هي احتواء العلم على موضوع معزول ومحدد من جهة، واحتوائه على مفاهيم ومناهج تجريبية من جهة أخرى، والفلسفة هي التفكير في مناطق مجهولة توجد خارج أرض العلم، ويمكن تقديم مثالين على ذلك:

  • الفلسفة دراسة نقدية للمناهج العلمية.
  • الفلسفة تفكير تأملي في مسار العلم وغايته.

الفلسفة مغامرة استكشافية تأملية تقوم بوظيفتين رئيسيتين:

  • وظيفة أنطولوجية: استكشافية تتوجه إلى آفاق العلم ومقاصده بالنسبة للإنسان.
  • وظيفة إبستمولوجية: نقدية تتوجه إلى مسائل وقضايا منهجية في العلم.

استنتاجات

إن النماذج الفلسفية التي استقيناها من تاريخ الفلسفة (طاليس، ابن رشد، ديكارت، برتراند راسل) تجسد اللحظات التاريخية المختلفة التي شهدها الفكر الفلسفي، لقد توصلنا إلى أن كل لحظة من تلك اللحظات عالجت وبطرقة خاصة إشكالا فلسفيا محددا وبلورت مفاهيم فلسفية خاصة، فبالنسبة للفلسفة الإسلامية في العصر الوسيط رأينا كيف أن ابن رشد كان في مواجهة إشكالية محددة هي إشكالية العلاقة بين الدين والفلسفة،

حيث انتهى ابن رشد إلى التأكيد إلى أن لا خلاف بين الدين والفلسفة، وأن العلاقة بينهما هي علاقة اتصال وانسجام وتوافق، وخلال الحقبة الحديثة من تاريخ أوروبا ظهر ديكارت الذي اعتبر أعظم فلاسفة عصره، وقد عالج ديكارت قضايا فلسفية ميتافيزيقية (آلله، العالم، النفس، الإنسان…)،

كما أنه عالج قضايا منهجية تتعلق بالبحث عن المنهج السليم المؤدي إلى الحقيقة، من هنا رفع ديكارت شعار الشك باعتباره منهاجا سديدا يؤدي إلى اليقين، وفي المرحلة المعاصرة من تاريخ الفلسفة توقفنا عند أحد الفلاسفة الغربيين وهو برتروند راسل الذي طرح قضية العلاقة بين الفلسفة والعلم، مبينا أن الفلسفة تهتم بالبحث في مناطق المجهول، إنها استطلاع أو مغامرة استكشافية مطلوبة لذاتها، أما العلم فهو معرفة مرتبطة بالأهداف العملية ذات صلة بالحياة الإنسانية.

2- نشأة الفلسفة

1-  مادة الفلسفة

2- المستوى جذع مشترك, جميع الشعب والمسالك

  • 3- دروس الأسدس الأول

4- مجزوءة ما الفلسفة

5- الموضوع نشأة الفلسفة

6- الأستاذ محمد بضاض

تمهيد إشكالي

جرت العادة أننا عندما نريد أن نعرف شيئا ما، نسأل عن تاريخه (تاريخ تسميته، تاريخ حياته، تاريخ علاقاته، تاريخ صراعاته …)، لعل هذا يدلنا على المعرفة الحقة بذلك الشيء الذي نريد أن نعرفه، سنسلك الطريق نفسه مع سؤال:

  • ما الفلسفة؟
  • ماذا تعني هذه الكلمة؟
  • أين بدأت؟
  • وكيف تطورت؟
  • وهل نستطيع أن نعرف الفلسفة إذا ما اكتفينا بتتبع مسارها التاريخي منذ لحظة ولادتها إلى يومنا هذا؟
  • هل يكفي أن نعرف تاريخ الفلسفة لنقول إننا عرفنا ما هي الفلسفة؟
  • هل يكفي أن نحفظ مقولات فلسفية عن ظهر قلب ونستظهرها في كل مرة، لنقول إننا نعرف الفلسفة؟

ربما قد نجد بعض الإجابات عن أسئلتنا إذا ما نحن تتبعنا تاريخ الفلسفة.

تقديم

الفلسفة لفظ استعارته العربية من اللغة اليونانية، وأصله في اليونانية كلمة تتألف من مقطعين:

  • فيلوس: وهو بمعنى صديق أو محب.
  • سوفيا: أي حكمة.

فيكون معناها (محب الحكمة)، وبذلك تدل كلمة الفلسفة من الناحية الاشتقاقية على محبة الحكمة أو إيثارها، وقد نقلها العرب إلى لغتهم بهذا المعنى في عصر الترجمة، وكان فيثاغورس (572  497 ق.م) أول حكيم وصف نفسه من القدماء بأنه فيلسوف، وعرف الفلاسفة بأنهم الباحثون عن الحقيقة بتأمل الأشياء، فجعل حب الحكمة هو البحث عن الحقيقة، وجعل الحكمة هي المعرفة القائمة على التأمل، وعلى هذا أضحى تعريف الفلسفة بأنها “العلم الذي يبحث فيه عن حقائق الأشياء على ما هي عليه بقدر الطاقة البشرية”، وتجدر الإشارة إلى أن كلمة الفلسفة استعملت في معاني متعددة عبر التاريخ، واتسع معناها في بعض المراحل ليستوعب العلوم العقلية بأسرها، فيما تقلص هذا المعنى في مراحل أخرى فاستعمل عند البعض كما في التراث الإسلامي فيما يخص الفلسفة الأولى، التي تبحث عن المسائل الكلية للوجود التي لا ترتبط بموضوع خاص.

نشأة الفلسفة

الفلسفة أو فيلوسوفيا..أين ظهرت؟ ومتى ظهرت؟ لماذا ظهرت في هذا البلد وليس في ذاك؟ لماذا في هذا الزمان دون غيره من الأزمنة؟ ما هي الشروط التي ساهمت في بروز هذا النمط من التفكير وفي انتشاره؟ وكيف تم الانتقال من التفكير الأسطوري إلى التفكير الفلسفي؟ ثم ما هو الجديد الذي حملته الفلسفة بصفة عامة معها بالقياس إلى أنواع التفكير التي كانت سائدة آنذاك؟ كيف نفسر فعل نشأة الفلسفة وانتشارها؟ هل بالحروب أم بالهجرات؟ أم بالثقافة السائدة آنذاك؟ أم بشكل النظام السياسي والاقتصادي؟ أم ببنية المدينة اليونانية وخصوصيات تركيبتها؟ أم ماذا؟

يتكون إطار نشأة الفلسفة من ثلاثة مجالات هي اللغة والمكان والزمان، وترتبط هذه المجالات باليونان القديمة، ففي بلاد اليونان، وفي بداية القرن السادس قبل الميلاد، وفي مدينتي “أثينا” و”ملطية” اليونانيتين ظهر بعض المفكرين الذين لم يهتموا بالأحداث والمظاهر ولكن بالمبادئ الكامنة وراء مختلف الأشياء، وكان يطلق على هؤلاء اسم حكماء طبيعيين، هؤلاء الحكماء الطبيعيون الذين اندهشوا من التغير الذي يطرأ على الأشياء، الأمر الذي دفعهم إلى البحث عن طبيعة تلك المبادئ بإرجاع المتعدد إلى الواحد والمتغير إلى الثابت، وهذا ما حاول “نيتشه” أن يبرزه في النص ص 15، إلا أن صفة الحكمة لا تنحصر في الحضارات اليونانية وحدها، بل سبقتها إلى ذلك حضارات وشعوب أخرى في الشرق القديم (الصين، الهند…)، غير أن تلك الحكمة ارتبطت عندهم بالأساطير والمقدسات الدينية فقط، وليس بالطبيعة كما حصل عند حكماء اليونان الأوائل، كان أول هؤلاء “طاليس” الذي أرجع أصل الأشياء كلها إلى عنصر واحد هو الماء، أما بالنسبة ل “انكسماندر” فقد اعتبر “اللانهائي” هو العنصر الأولي في الطبيعة، أما “أنكسماس” فقد قال بالهواء كعنصر أولي في الطبيعة، في حين قال “هيراقليطس” بالنار كعنصر أولي في الطبيعة …

وهكذا فمنذ بداية ظهور الحكمة سيتبين أنها جاءت معارضة للأساطير المفسرة لأصل العالم، لذا قدمت نفسها على شكل علم ومعرفة حقيقية بالطبيعة، هذه المعرفة هي التي سمحت للإنسان أن يحتل مكانه الحقيقي بين الآلهة والحيوانات في قلب العناصر الطبيعية، وفي القرن الرابع قبل الميلاد سيتم الانتقال من الحكمة إلى الفلسفة مع “سقراط” الذي يرجع إليه الفضل في إرساء أسس التفكير الفلسفي القائم على الحوار التوليدي، ورغم أن سقراط لم يخلف أثرا مكتوبا، إلا أن أفلاطون أحد تلامذته هو الذي خلده من خلال محاوراته الشهيرة.

وهكذا جاءت الفلسفة في بدايتها الأولى في القرن السادس قبل الميلاد لمعارضة ومواجهة الأسطورة ليحل اللوغوس (كلمة يونانية تعني الخطاب، المبدأ، العقل والعلم) محل الميتوس (كلمة يونانية تعني الأسطورة)، وهكذا سيحل اللوغوس الذي يستعمل البرهان من خلال توظيف الحجة محل الميتوس الذي يستعمل فيه السرد الخيالي، فاللوغوس ظهر بشكل بارز مع ظهور الخطاب المكتوب الذي يعتمد العقلانية والصرامة المنطقية والحجة والبرهان، وهذا ما يذهب إلى تأكيده “جون بيير فرنان”، بالإضافة إلى هذه العوامل هناك عامل آخر أساسي في ظهور نظام سياسي هو نظام الدولة المدينة حيث كانت تعتبر الساحة العمومية (أكورا) قلبها النابض، وفي هذه الساحة كان اللقاء يتم بين المواطنين لتبادل الرأي والمشورة ومناقشة كل قضاياهم الفكرية والسياسية والاجتماعية وكذا الاستمتاع بالمسرح والفنون عامة، مما أشاع الثقافة والمعرفة بين مواطني المدينة، ومن تم أصبحت السلطة والمعرفة شأنا عاما بعد أن كانت حكرا على عائلات وأسر معينة، وهكذا أظهرت الديموقراطية كنظام يحافظ على السير العام للمجتمع، وقد ساهم إلى جانب المدينة/الدولة، انفتاح المدن اليونانية وخاصة منها أثينا (نظرا لموقعها الجغرافي)على الدول المجاورة بفضل مينائها التجاري الذي يبوئها مكانة إستراتيجية بعد انتهاء الحروب وسيادة السلم عقب ذلك، في تطور وانتشار الفلسفة.

ما الفرق بين السؤال والإشكال والإشكالية الفلسفية؟

يتم تحديد الإختلاف الكائن بين السؤال والإشكال والإشكالية في الفلسفة من خلال المحاور التالية:

أولا: السؤال الفلسفي

ثانيا: الإشكال الفلسفي

ثالثا: الإشكالية الفلسفية

أولا: السؤال الفلسفي

السؤال: قضية استفهامية لا تقتضي الإجابة عنها استدعاء أطروحة معينة بالذات.

مثال: ما الإنسان؟ ما هي الثقافة؟ ما هي الحقيقة؟

 ولتوضح كيف أن هذه الأسئلة لا تقتضي استدعاء أطروحة بعينها للإجابة عنها، سنستدعي الإشكال الذي هو على عكس ذلك، تقتضي الإجابة عنه استدعاء أطروحة معية بالذات.

ثانيا: الإشكال الفلسفي

الإشكال: قضية استفهامية تتضمن أطروحتين أو أكثر توجد بينهما  أو بينها مفارقة أو اختلاف أو تعارض… وتقتضي الإجابة عنها استدعاء أطروحة أو أطروحات معينة بالذات.

إذن فالإشكال يدعو إلى البحث عن نتيجة معينة انطلاقا من معطيات معروفة سلفا.

مثال: 

·       المعطى الأول: الأطروحة الأولى:  الحقيقة مطلقة

·       المعطى الثاني: الأطروحة الثانية: الحقيقة نسبية.

⇐انطلاقا من المعطيين الأول والثاني يتحدد الإشكال كالتالي: هل الحقيقة مطلقة أم نسبية؟ أما ما الحقيقة؟ فهو مجرد سؤال.

مثال ثاني:

هل يوجد توجد حقائق مطلقة؟ هو إشكال؟. أما: ما الحقيقة؟ فيبقى مجرد سؤال.

ثالثا: الإشكالية الفلسفية

الإشكالية: هي الإشكالات التي يمكن طرحها بصدد مجال من مجالات التفكير. وبكيفية أدق فهي الطريقة النوعية التي تطرح بها تلك الإشكالات وشبكة الأسئلة التي توجه التساؤل.

وهذه الطريقة في طرح الأسئلة يحددها نسق من الشروط الخاصة باديولوجية فترة معينة وبجملة التمثلات الموجودة في سياق ثقافي وتاريخي معين.

فاختلاف الشروط العامة لإنتاج المعرفة لدى اليونان عن الشروط العامة لإنتاج المعرفة في القرن 18 مع إيمانويل كانط مثلا، هو الذي يفسر اختلاف التساؤلات التي طرحت بصدد نظرية المعرفة لدى فلاسفة اليونان والفيلسوف إيمانويل كانط. كما أن المعرفة في المرحلة اليونانية لم تهتم بالعلوم عكس المعرفة في المرحلة المعاصرة التي كانت بمثابة دراسة نقدية للمعرفة العلمية

المرجع:

Henri Pena-Ruiz.Philosophie, La Dissertation. Méthode, Exemples, Exercices

ترجمة، عبد الفتاح الكمري،أستاذ مبرز، بتصرف

مواضيع ذات صلة

الكتابة والقراءة الفلسفيتين: قواعد وضوابط منهجية تقديم ذ. محمد شيكر

فن طرح السؤال بما هو المقام اللائق بالفيلسوف – د. زهير الخويلدي

خصائص السؤال الفلسفي – ألان جيرانفيل

1-تقديم عام لمجزوءة الفلسفة

1-مادة الفلسفة

2- المستوى جذع مشترك, جميع الشعب والمسالك

3- دروس الأسدس الأول

4- مجزوءة ما الفلسفة

5- الموضوع تقديم عام لمجزوءة الفلسفة

6- الأستاذ محمد بضاض

تقديم إشكالي

إن كلمة «الفلسفة» ليست غريبة عن مسامعنا، فهي متداولة بشكل واسع في لغتنا اليومية، إلا أن استعمالها كثيرا ما يتميز بنوع من الاستهزاء والتهكم، حيث أنها توصف بالثرثرة والكلام الفارغ وغير المفيد، وتنعت بالتعقيد والغموض، والغريب هو أن الفلسفة تتوخى الوضوح والدقة حتى في الأمور التي يعتقد الناس عادة بوضوحها، كما أنها تتهم بكونها أفكارا غير مألوفة، والحقيقة أن في هذه التهمة نصيب من الصحة لأن التفلسف في أحد معانيه هو خروج عن المعتقدات السائدة، والأفكار المألوفة، ونحن ننطق كلمة «فلسفة» ندرك فجأة أننا نصدر كلمة يونانية الاشتقاق اللغوي، حيث يمكن تجزئة اللفظ اليوناني «فيلوسوفيا» إلى مفردتين وهما: «فيليا» وتعني المحبة، و«سوفيا» وتعني الحكمة، ومن ثمة تكون الفلسفة هي محبة الحكمة، والذي يمارس هذا التعلق بالحكمة يسمى «فيلوسوفوس» أي الفيلسوف، ولمعرفة الفلسفة معرفة وافية لا بد من الإجابة عن الأسئلة التالية:

  • كيف نشأت الفلسفة؟
  • ما أهم المراحل في تاريخها؟
  • ما هي مظاهر التفلسف؟
  • ما هي أدوات التفكير الفلسفي؟

نشأة الفلسفة

تقديم

عندما وعى الإنسان ذاته في هذا العالم تساءل حول حقيقة وجوده، ووجود هذا العالم من حوله، وبما أن تفكيره كان في مرحلته البدائية، فقد اكتفى ببعض الإجابات البسيطة، دينية وأسطورية، ترجع أصل العالم إلى صراع بين قوى غيبية (الآلهة)، لكن ظهر بعد ذلك رجال لم يقتنعوا بهذه الإجابات، فأعادوا طرح نفس الأسئلة، لكنهم قدموا هذه المرة إجابات تعتمد على العقل، هذه الإجابات هي التي تسمى “الفلسفة”.

  • فأين ظهرت الفلسفة؟ ومتى؟
  • لماذا ظهرت في هذا البلد دون ذاك؟
  • ما هي الظروف التي أدت إلى ظهور الفلسفة؟

إطار النشأة

الإطار المكاني

لقد ظهرت الفلسفة لأول مرة في بلاد اليونان التي تحدها جنوبا جزيرة «كريت» التي شهدت بداية الحضارة والمدنية، وشرقا آسيا الصغرى التي كانت تعرف ازدهارا صناعيا وتجاريا وفكريا، أما غربا فتحدها إيطاليا، وأخيرا تحدها من جهة الشمال مقدونيا، تتميز بلاد اليونان من الناحية التضاريسية بالحواجز الطبيعية كالمرتفعات (الجبال والهضاب) مما جعلها عبارة عن مناطق منعزلة، ومع صعوبة المواصلات فقد تطورت كل مدينة في استقلال عن المدن الأخرى، حيث اعتمدت كل مدينة على الاكتفاء الذاتي اقتصاديا، كما كان لكل مدينة نظامها السياسي الخاص وحكومتها المستقلة سياسيا، ودينها وحضارتها المتيزة ثقافيا، وأشهر مدنها مدينتي إسبرطة وأثينا، حيث تقع مدينة أثينا في شرق بلاد اليونان، مما جعل منها البوابة التي يدخل من خلالها ترف وحضارة مدن آسيا الصغرى إلى المدن الإغريقية الناشئة، وكانت تملك ميناء وأسطولا تجاريا بحريا كبيرا، بعد أن حولت أسطولها العسكري الذي ساهمت به إلى جانب إسبارطة لصد أطماع الفرس الاستعمارية زمن داريوس، فأصبحت من أعظم المدن التجارية في العالم القديم.

الإطار الزماني

لقد ظهرت البوادر الأولى للتفكير الفلسفي في بداية القرن 6 ق.م في مدينة ملطية على ضفاف آسيا الصغرى، حيث أقام الأيونيون مستعمرات غنية ومزدهرة، وقد كان ظهورها على يد طاليس، وأنكسمندر، وأنكسمانس، الذين أرجعوا أصل الكون إلى قوى طبيعية: الماء، الهواء…، لكن الفلسفة بشكلها المكتمل لم تظهر إلا في القرن 4 ق.م بأثينا مع فلاسفة اليونان الكبار سقراط، أفلاطون، أرسطو.

فعل النشأة

لقد نشأت الفلسفة بفعل توفر سلسلة كاملة من الشروط في بلاد اليونان، ما بين القرنين 8 و4 ق.م وهي:

  • على المستوى الاقتصادي: نظرا لارتباط الإغريق بالبحر فقد ازدهرت لديهم الملاحة والتجارة والصناعة، مما أدى إلى بروز تقسيم العمل والمبادرة الفردية الحرة، كما ظهر النقد في المبادلات التجارية بدل المقايضة.
  • على المستوى الاجتماعي: ظهور الطبقات الاجتماعية نتيجة تقسيم العمل (الأحرار/العبيد) إضافة إلى ظهور المدينة – الدولة، التي سمحت ببزوغ عقلية جديدة، وقد اتسمت بالانسجام والتناغم، سواء على صعيد الفضاء الهندسي أو الجماعة البشرية التي تقطنها.
  • على المستوى السياسي: لقد تميزت المدينة اليونانية بسيادة الديمقراطية التي تمثلت في المساواة بين المجال الحضري والمجال القروي الذي كانت تشمله، فللقرويين والحضريين نفس الحقوق ونفس الواجبات، حيث يحتكمون إلى نفس المحاكم، ينتخبون نفس النواب، ويجتمعون تحت قبة نفس البرلمان.
  • على المستوى الثقافي: لقد كانت الثقافة مشتركة ومشاعة بين اليونانيين، ولم تعد امتيازا لبعض العائلات أو بعض الأدباء والمثقفين، نتيجة انتشار الكتابة الأبجدية التي أتاحت للمواطنين جميعا تعلم القراءة والكتابة، كما أن المجال كان مفتوحا أمامهم للمشاركة في الحفلات والحضور إلى المسارح للاستمتاع بجميع الإبداعات الفنية والأدبية.
  • على المستوى الفكري: لقد كان للديمقراطية السياسية، وإشاعة الثقافة تأثير على تطور الأفكار عند اليونان، فبعد أن كانت الحقيقة تعد سرا غيبيا يوحى، محروسا من قبل أسر معينة، صارت المعارف والتقنيات الذهنية معروضة أمام الجميع وفي واضحة النهار، وأصبحت قواعد العمل السياسي المتمثلة في الإشهار والنقاش الحر والحجاج، قواعد للفكر كذلك، تتجلى في نشر المذاهب والنظريات، وإخضاعها للنقد والمناظرة، وإعطاءها صورة استدلالية برهانية، وهذه هي مظاهر التفكير الفلسفي.

استنتاج

إن الفلسفة ليست معجزة إغريقية خص بها آلله اليونان دون غيرهم من الشعوب والأمم، وإنما هي ظاهرة تاريخية جاءت نتيجة تفاعل عدة شروط تاريخية: اقتصادية، اجتماعية، سياسية، ثقافية.

لحظات أساسية في تطور الفلسفة

إن الفلسفة ليست استثناء يونانيا، بل إن هذا الشكل من التفكير الإنساني قد ظهر في حضارات ومجتمعات أخرى بعد أفول الحضارة اليونانية، كالحضارة العربية الإسلامية، والحضارة الأوربية.

  • فما هي خصائص الفلسفة الإسلامية؟
  • وبما تتميز الفلسفة الغربية الحديثة؟
  • وما هي القضايا التي اهتمت بها الفلسفة المعاصرة؟

الفلسفة الإسلامية

تمهيد

لقد أنشأ الخليفة العباسي المأمون “بيت الحكمة”، وأمر بترجمة كل العلوم والمعارف اليونانية وعلى رأسها الفلسفة، مما أتاح للكثير من المفكرين العرب والمسلمين التعرف على التفكير الفلسفي، فاستوعبوه وأبدعوا فيه، فتمخض عن ذلك ظهور الفلسفة الإسلامية.

  • فما هي الفلسفة الإسلامية؟
  • وما علاقتها بالدين الإسلامي؟
  • وما موقف الشرع من التفكير الفلسفي؟

ماهية الفلسفة الإسلامية

تعتبر الفلسفة من أسمى الإبداعات الفكرية البشرية، ويعرفها الكندي بكونها معرفة حقائق الأشياء حسب قدرة الإنسان، لأن غاية الفيلسوف هي توخي الحقيقة على مستوى علمه وعمله، وأعلى درجة من درجات التفلسف هي الفلسفة الأولى (الميتافيزيقا)، التي تعنى بمعرفة الحقيقة الأولى (آلله)، التي هي سبب كل الحقائق الأخرى، لأن علم العلة أي السبب، أهم من علم المعلول أي النتيجة.

العلاقة بين الفلسفة والدين

إن الأفكار الواردة في الملة الفاضلة (الدين) كلها حقائق، والحقيقة في نظر أبو نصر الفارابي هي ما تيقن منه الإنسان إما عن طريق البداهة أو ببرهان، والملة الفاضلة شبيهة بالفلسفة، وبما أن الفلسفة فيها جزء عملي وآخر نظري، فإن الجزء العملي من الفلسفة هو الذي يعطي براهين (أسباب، وشروط، وغايات) الأفعال الواردة في الملة، كما أن الجزء النظري من الفلسفة هو الذي يعطي براهين الأفكار الواردة في الملة الفاضلة، إذن فالفلسفة حسب الفارابي، هي التي تعطي براهين ما تحتوي عليه الملة الفاضلة.

موقف الشرع من الفلسفة

مدخل

لقد تم القضاء على الفلسفة في المشرق بسبب الحملة المعادية التي تعرضت لها على يد الكثير من الفقهاء والعلماء، وعلى رأسهم أبو حامد الغزالي الذي ذهب إلى حد تكفير الفلاسفة في كتابه «تهافت الفلاسفة»، لكنها انبعثت من جديد في المغرب ووصلت أوجها على يد ابن رشد الذي دافع عن ممارسة التفلسف، ورد على الغزالي فلسفيا في كتابه “تهافت التهافت”، وفقهيا في كتابه “فصل المقال”.

الفلسفة عند ابن رشد

إن التفلسف في تصور أبو الوليد بن رشد هو نظر عقلي وتأمل في الموجودات، لغاية معرفة صانعها (آلله)، وذلك بواسطة الاعتبار، أي استخراج المجهول من المعلوم، وهو المسمى برهانا، لأنه كلما كانت معرفتنا بالصنعة أتم، كانت معرفتنا بالصانع أكمل.

فتوى ابن رشد

إن التعاطي للفلسفة حسب ابن رشد هو أمر مأمور به من جهة الندب (مستحب) بالنسبة لعامة الناس، ودليله في ذلك الآية التالية ﴿ أَولَم ينظُروا في ملَكُوت السّماوات والأَرضِ وما خلَق آللهُ من شيءٍ ﴾، ومن جهة الوجوب (فرض) بالنسبة للعلماء، ودليله في ذلك الآية التالية ﴿ فاعتبِروا يا أُولي الأَبصارِ ﴾.

استنتاج

إن العلاقة التي ربطت الفلسفة الإسلامية بالدين الإسلامي هي علاقة توافق وتكامل، على عكس الفلسفة اليونانية التي كانت متناقضة ومتصارعة مع الأساطير والمعتقدات الدينية لدى اليونان.

الفلسفة الغربية الحديثة

تمهيد

شهدت أوربا انطلاقا من عصر النهضة تطورا شاملا تمثل في تطور الرأسمالية اقتصاديا، وصعود البورجوازية اجتماعيا، وظهور الدولة الوطنية، وانتشار الحرية والديمقراطية سياسيا، وتشجيع الإبداع والعلوم، وانتشار المذاهب الفكرية ثقافيا، في خضم هذه التطورات ظهرت الفلسفة الغربية الحديثة انطلاقا من رافدين فلسفيين وهما رافد يوناني يتمثل في الرجوع إلى التراث الفلسفي اليوناني قصد غربلته، وإعادة إحياءه، ورافد إسلامي يتمثل في الاستفادة من إضافات وإبداعات الفلسفة الإسلامية، وخاصة الرشدية منها.

  • بماذا تتميز الفلسفة الغربية الحديثة؟
  • ما هي الخطوات التي ينبغي إتباعها للوصول إلى الحقيقة؟

الفلسفة العقلانية الديكارتية

إذا كان عامة الناس يصلون إلى الحقيقة بواسطة بحوث مضطربة تعتمد على الصدفة، فإن الفيلسوف في نظر رونيه ديكارت يصل إليها بواسطة منهج يعتمد قواعد يقينية، يبدأ بدراسة الأمور البسيطة والمنظمة، لينتهي إلى معرفة الأشياء المعقدة والصعبة.

الفلسفة النقدية الكانطية

إن العقل في تصور إيمانويل كانط عبارة عن مبادئ وتخطيطات خاصة تصدر أحكاما وفق قوانين ثابتة وضرورية، وينبغي عليه أن يتجه نحو الطبيعة ماسكا بإحدى يديه مبادئه، وباليد الأخرى التجربة، وأن يرغمها على الإجابة عن أسئلته لكي يبني الحقيقة.

الفلسفة الجدلية الهيغلية

لقد أحدث فريدريك هيغل منهجا ثلاثي الأبعاد في المعرفة أطلق عليه اسم الديالكتيك (الجدل)، يتكون من ثلاث لحظات وهي: القضية، نقيض القضية، التركيب، ينطلق من القضية التي تدخل في صراع مع نقيض القضية، فيصدر عنهما تركيب، هذا التركيب يتحول بدوره إلى قضية تدخل في صراع مع نقيض القضية، فيصدر عنهما تركيب، وهكذا دواليك.

استنتاج

إذا كان مركز الاهتمام في الفلسفة الإسلامية يتمثل في معرفة آلله، فإن الفلسفة الغربية الحديثة قد اهتمت أكثر بالإنسان، وقدرة الذات على الوصول إلى الحقيقة.

الفلسفة المعاصرة

تمهيد

إن التاريخ المعاصر الذي يعيشه العالم الآن قد بدأ انطلاقا من منتصف القرن 19م مع الثورة الصناعية بإنجلترا، وسيادة ظاهرة الاستعمار، وقد وصل حاليا إلى مرحلة تسمى العولمة، وقد تميزت هذه الفترة بسيادة العلم وسيطرة التكنولوجيا، والاهتمام أكثر بحقوق الإنسان، في هذا السياق الدولي ظهرت الفلسفة المعاصرة التي اتخذت بعدا كونيا.

  • فما هي القضايا التي اهتمت بها الفلسفة المعاصرة؟

الفلسفة والعلم

إن المعرفة العلمية في تصور إدغار موران ليست انعكاسا للواقع، بل ترجمة له، تحوله إلى نظريات متغيرة قابلة للتكذيب، لأن النظريات العلمية فانية، إن المعرفة العلمية تتطور على المستوى التجريبي بمراكمة «الحقائق»، وعلى المستوى النظري بإلغاء الأخطاء، إن العلم إذن هو معركة من أجل بلوغ الحقيقة من خلال الصراع مع الخطأ.

الفلسفة والإنسان

إن الإنسان في نظر جان بول سارتر كائن يتميز بخاصية أساسية هي الحرية التي تتمثل في قدرته على أن يخلق من ذاته ما يشاء في المستقبل، وإرادته في الاختيار بين كل الإمكانات المتاحة أمامه، كون هذه الحرية مرتبطة بالمسؤولية، وهي ليست مسؤولية اتجاه ذاته فقط، بل مسؤولية تجاه الإنسانية جمعاء، لأن الإنسان لا يختار الشر، بل ما يختاره دائما هو الخير لذاته ولجميع الناس.

الفلسفة والحقيقة

إن الحقيقة في تصور فريديريك نيتشه هي مجموعة حية من الاستعارات والمجازات والتشبيهات بالإنسان، لكن مع طول استعمالها غدت تتميز بالشرعية والسلطة والإكراه، إن الحقائق أوهام نسينا أنها كذلك، إن الحقيقة تقتل، بل إنها تقتل نفسها كذلك عندما تكتشف أنها عبارة عن أوهام.

استنتاج

إن الفلسفة عندما ظهرت كانت غايتها هي البحث عن الحقيقة، لكن هذه القضية ظلت محور اهتمامها إلى حدود الفترة المعاصرة.

استنتاج حول المحور

إن الفلسفة منذ ظهورها قد عالجت قضايا متنوعة، لكن كانت تركز في كل فترة على قضية معينة أكثر من غيرها من القضايا، فالفلسفة اليونانية اهتمت بحقيقة الوجود، في حين ركزت الفلسفة الإسلامية على الأمور الدينية، أما الفلسفة الحديثة فقد كرست جهدا كبيرا لوضع منهج يوصل إلى الحقيقة، وأخيرا نجد الفلسفة المعاصرة اهتمت أكثر بنقد المعرفة العلمية.

مظاهر فعل التفلسف

تمهيد

إن كنا نقصد بالتفلسف طرح أسئلة حول حقيقة الذات والوجود، فإننا سنجده عند كل الناس، لأن كل فرد يطرح مثل هذه الأسئلة على ذاته، بل سنجده حتى عند الأطفال، أما إن كنا نقصد به طريقة خاصة في التفكير تختلف عن الطرق أخرى كالتفكير الخرافي – الأسطوري – الديني، والتفكير العلمي…، فإن للفلسفة معالم ومظاهر تميزها عن باقي الأشكال الأخرى من التفكير.

  • فما هي المظاهر الأساسية التي تميز التفكير الفلسفي؟

العقلانية في التفكير

إن التفكير الفلسفي يقدم ذاته كتفكير عقلاني، أي تفكير مبني على العقل، والعقل في تصور أرسطو ينبني على أربعة مبادئ أساسية وهي:

مبدأ الهوية

أ هي هي أ، ويقضي بأن الشيء يكون دائما مطابقا لذاته، فالجبل هو هو الجبل وليس نهرا، والوجود هو هو الوجود وليس عدما.

مبدأ عدم التناقض

لا يمكن ل: أ أن تكون في نفس الوقت لا – أ ، ويقضي بأن النقيضين لا يجتمعان، وأن القضية ونقيضها لا يكونان معا صادقتين، بل إذا كانت أحدهما صادقة كانت الأخرى كاذبة بالضرورة، إذا كانت القضية أ = ب قضية صادقة، فإن نقيضها أ ≠ ب تكون قضية كاذبة بالضرورة.

مبدأ الثالث المرفوع

بين أ و لا – أ لا وجود لطرف ثالث، ويقضي بأنه لا وسط بين الصدق والكذب، فإما أن تكون قضية ما صادقة، وإما أن تكون كاذبة، ولا يمكن أن تكون صادقة وكاذبة في آن واحد، ومن جهة واحدة.

مبدأ السبب الكافي

لا شيء من لا شيءـ ويقضي بأنه لا يمكن لأي قضية أن تكون صادقة، ولا لواقعة أن تكون موجودة، دون سبب كافي يبرر لماذا تكونان على هذا النحو وليس على نحو آخر، وهو الذي يسمى بمبدأ العلية (السببية)، أي أن كل شيء موجود، الكرسي مثلا، لابد له من أربع علل وهي:

  • العلة المادية: المادة التي صنع منها الكرسي، أي الخشب.
  • العلة الصورية: صورة الكرسي، أي شكله وهيئته.
  • العلة الفاعلة: الصانع الذي صنع الكرسي، أي النجار.
  • العلة الغائية: الغاية التي من أجلها صنع الكرسي، أي الجلوس.

الدهشة الفلسفية

إذا كان الإنسان العادي يندهش من الظواهر الغريبة، فإن الفيلسوف يندهش من الأمور المألوفة والعادية، مثل الاندهاش من وجوده الخاص، ووجود العالم من حوله، إن الاندهاش من الظواهر العادية هو الذي يدفع الإنسان إلى التفكير الفلسفي، حسب شوبنهاور، إن الدهشة الفلسفية هي نتيجة لعدة شروط وهي:

  • درجة عالية من استعمال العقل.
  • الأمور المتعلقة بالموت.
  • التفكير في الألم.
  • التفكير في بؤس الحياة.

منهج الشك

لقد قدم لنا رونيه ديكارت منهجا إذا ما التزمنا بخطواته وشروطه سنصل حتما إلى الحقيقة، وهذا المنهج هو منهج الشك، أي الشك في كل الأحكام المسبقة، سواء التي ورثناها أو تلقيناها من العالم الخارجي، وخاصة تلك التي تبدو معقدة وغامضة، والتي تتشبث بنفوسنا تشبثا كبيرا، وأن لا نقبل إلا الأفكار البسيطة والبديهية، أي الواضحة بذاتها والتي لا تحتاج إلى برهان، فهذه الأفكار وحدها يمكن اعتبارها أفكارا حقيقية.

البحث عن الحقيقة

إن الفلسفة على حد تعبير اليونانيين نوع من المغامرة الاستكشافية التي نقوم بها لذاتها، إن جوهر الفلسفة هو البحث عن الحقيقة لا في امتلاكها، إن الاشتغال بالفلسفة حسب ياسبرز معناه المضي في الطريق، والأسئلة في الفلسفة أكثر أهمية من الأجوبة، فكل جواب يصبح بدوره سؤالا جديدا.

استنتاج

إن التفكير الفلسفي ينبني على أساس العقل، ويتخذ الشك منهجا له، وإذا كان دافعه الاندهاش من الأمور العادية، فإن غايته هي البحث عن الحقيقة.

أدوات التفكير الفلسفي

تقديم

إذا كانت الفلسفة طريقة خاصة في التفكير كما ذهب إلى ذلك فريدريك هيغل، فإن هذا الشكل من التفكير له معالمه التي تميزه عن باقي الأشكال الأخرى من التفكير، وله نمط اشتغاله الذي يرتكز على مجموعة من الآليات والتقنيات الخاصة بالفلسفة.

  • فما هي الأدوات التي يستعملها التفكير الفلسفي؟

1-طرح السؤال

إن أهم أداة يقوم عليها التفكير الفلسفي هي السؤال، ويختلف السؤال الفلسفي مثل «ما هو الوجود؟»، عن السؤال العادي مثل «أين توجد المحطة؟»، بكون الأول يتجه نحو الأسس العميقة للموضوعات التي يعالجها، إن الأسئلة الفلسفية في نظر راسل تعمل على إغناء تصورنا للممكن، وإثراء خيالنا العقلي، كما تحارب نظرتنا الدوغمائية (المتحجرة) التي تؤدي إلى انغلاق فكرنا، وتعمل في المقابل على توسيع هذا الفكر ليصبح بشساعة الكون الذي يتأمله.

2-بناء المفهوم

يكمن موضوع الفلسفة حسب جيل دولوز في بناء وإبداع مفاهيم جديدة بواسطة الحدس، وتكون قادرة على حمل تصورات الفيلسوف الخاصة، إن المفهوم هو الأداة التي تنقل اللغة من مستواها العادي والطبيعي، إلى مستواها الفلسفي المجرد.

3-البرهنة والحجاج

تعتبر البرهنة والحجاج حسب كوسيطا من الأدوات المهمة في التفكير الفلسفي.

  • البرهنة: إن البرهنة هي إقامة علاقة ضرورية بين المقدمات والنتائج، ونبحث فيها عما إذا كان الاستدلال يأخذ صورة القياس ويستجيب لمقتضيات المنطق.
  • الحجاج: يبحث الحجاج عما إذا كانت قضية ما صادقة أو خاطئة بالنسبة للمتحاور، كما يهتم بكيفية تسلسل القضايا داخل النص.

4-النسقية

إن النسق في نظر إيمانويل كانط عبارة عن وحدة معارف مختلفة، خاضعة لفكرة تتمثل في المفهوم العقلي لصورة الكل، إلا أنه داخل هذا الكل تتحدد كل عناصره المختلفة، كما تتحدد مكانة كل عنصر على حدة، إذن فالنسق شكل عضوي، وليس مجموعة مبعثرة.

5-استنتاج

للتفكير الفلسفي أدوات خاصة به وهي: السؤال، المفهوم، النسق، البرهنة والحجاج…، وتشكل كلها سلسلة متكاملة تسهم في معرفة واستكشاف حقيقة الإنسان والوجود.

استنتاجات عامة حول مجزوءة الفلسفة

إن الفلسفة ظاهرة تاريخية نتجت بفعل تضافر مجموعة من العوامل الاقتصادية، الاجتماعية، السياسية، الثقافية، وقد شهدت في تاريخها عدة مراحل، حيث اهتمت في المرحلة اليونانية بالقضايا الأنطولوجية (الوجودية)، في حين ركزت في المرحلة الإسلامية على العلاقة بين الفلسفة والدين، أما في الفترة الحديثة فقد كرست مجهودها لصياغة منهج يوصل إلى الحقيقة، لتنتهي في العصر الحالي إلى دراسة العلم والتقنية.

إن الفلسفة باعتبارها معرفة إنسانية، تتميز عن باقي الأشكال الأخرى من المعرفة بمجموعة من المظاهر، وعلى رأسها: العقلانية، أي ارتكاز التفكير الفلسفي على مبادئ المنطق، واعتمادها على منهج الشك، أي مراجعة كل قناعاتنا السابقة، ووضعها موضع تساؤل، إن الدافع الأساسي للتفلسف هو الاندهاش من الظواهر المألوفة والاعتيادية، أما غاية الفلسفة فهي البحث عن الحقيقة.

إن الفلسفة طريقة خاصة في التفكير تعتمد على مجموعة من الأدوات وعلى رأسها السؤال الفلسفي، والمفهوم، وهو الأداة التي تنقل لغة الفيلسوف من مستواها العادي والطبيعي إلى مستواها النظري المجرد، والبرهنة والحجاج، وهي آليات يوظفها الفيلسوف للدفاع عن مواقفه وتصوراته، وأخيرا النسقية التي تضفي على الأفكار الفلسفية نوع من الوحدة والتكامل.

إن الفلسفة تسعى إلى إنتاج قيم إنسانية نبيلة ومثل عليا باعتبارها غايات قصوى للوجود الإنساني، مثل: الإيمان بالاختلاف، والحوار، والتسامح والتعايش، ونبذ التعصب، واحترام حقوق الإنسان، والمرأة، والطفل، وذي الاحتياجات الخاصة… وهذا ما يوضح أن الفلسفة ليست مجرد ترف فكري لا علاقة له بالواقع الإنساني، بل هي معرفة مرتبطة بحياة الإنسان وسلوكاته.