العدمية والتشائم بين أبوالعلاء المعري والفيلسوف الالماني شوبنهاور – فكرة وجود وخلاص

عندما اتخذ مؤسس الفلسفة الحديثة رينيه ديكارت مبدأ الشك لليقين، كان الإمام الفيلسوف أبو حامد الغزالي قد سبقه فى ذلك بعدة قرون، وكذلك كانت أسبقية ابن خلدون على كارل ماركس فى علم الاجتماع. وإذا كان دانتي قد اقتبس فكرة “الكوميديا الإلهية” من كتاب المعري “رسالة الغفران” بعد ترجمتها إلى اللغة اللاتينية، فإن الأخير كان أيضاً سباقاً بطرح “العدمية” قبل شوبنهاور والفلسفة الوجودية عموماً وبزمن بعيد.

ولقد فضلنا المقارنة هنا بين أبي العلاء المعري “973-1057” والفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور “1788-1860”، دون سارتر وغيره، لأن القاسم المشترك فيما بينهما هو التشاؤم من جهة. وتقارب نوع ما للوضع الفردي حياتياً من جهة أخرى. وسوف نعتمد بشكل عام على ديوان “اللزوميات”، وعلى كتاب “العالم كإرادة وفكرة” الترجمة الإنكليزية. وقبل أن نحلل العدمية بين هذين الكبيرين، علينا أن نعلم بأن تشاؤمية المعري كانت أسبابها: أنه فقد بصره بعدما أُصابه الجدري وهو في سن الرابعة من عمره.

وقطع دراسته فى كبرى مكتبات طرابلس الشام بعد وفاة أبيه المفاجئ ، وكذلك ترك دراسته فى بغداد عندما سمع بمرض أمه، ثم خبر وفاتها وهو في طريق العودة إليها. علاوة على الاضطراب السياسي والحزبي بين الحمدانيين والفاطميين، والنزاعات الحربية مع الروم البيزنطيين. أما بالنسبة إلى شوبنهاور فإن أباه قد مات منتحراً عام 1805، وسلوكية أمه معه لم تكن بالموقع الحسن، حيث كانت من أروع من نبغ فى عصرها بكتابة القصة، وترفض أن يعلو شأنها الأدبي أى شخص حتى لو كان وحيدها آرثر.

فكانت تقسو عليه وتجافيه، خصوصاً بعدما أخبرها الشاعر الكبير غوته بعظمة عقلية ابنها في المستقبل. فضلاً على ذلك سلسلة الحروب النابليونية والاضطرابات السياسية التى كانت تسود أوربا على مدى عقدين من الزمن.

وهكذا طغت الصفة التشاؤمية على عقلية وتفكير المعري وشوبنهاور، إذ جمعتهما حالة متقاربة الشبه رغم الفارق بين ظرفي الزمان والمكان والوضع العائلي والتناحر السياسي ورحى الحروب الطاحنة.

لذا أمسيا ينظران إلى العالم والطبيعة والمجتمع والفرد من زاوية كالحة لا تطاق. ما الخير والسعادة عندهما إلا أمور سلبية سرعان ما تأتي سرعان ما تزول، لأن الحياة ملؤها التعب ليس فيها سكينة طوال الامتداد الزمني، والوجود كله شر. وفي هذا يقول المعري:

ألا إنما الدنيا نحوسٍ لأهلها

فما من زمانٍ أنتَ فيه سعيد

أو

نزول كما زال آباؤنا

ويبقى الزمان على ما ترى …

ويرى شوبنهاور بأن في “كل فرد حوض من الألم لا محيص عنه”، وحتى إذا فرضنا جدلاً بأن هذا الألم له نهاية، فإنه سوف “يحل مكانه على الفور عناء آخراً” وليس لدينا من ذلك لا مفر ولا محيص.

إذن فإن القاعدة الحقيقية للبشرية جمعاء داخل هذا العالم هو الألم المستديم، وإذا تساءلنا علام كل هذا التشاؤم الدامس؟ يأتينا الجواب من المعري:

فى العدمِ كنا وَحُكمُ الله أوجدنا

ثم اتفقنا على ثانٍ من العدمِ

أو

-نمرُ سراعاً بين عدمينِ مالنا

لباثُ كإنا عابرون على جسرِ

وينص شوبنهاور أيضاً على أن “الحياة تتأرجح كالبندول إلى الأمام والخلف بين الألم والسأم”، وفى كلتا الحالتين لا خير فى هذا العالم سوى حياة بائسة عافرة.

العقل

◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇

رغم أن المعري وشبونهور يعتبران فيلسوفين مثاليين، إلا أن المعري كونه شاعر أولاَ، لذا فإنه يمتلك ذبذبة غير مستقرة تجاه العقل، عكس شوبنهاور الذى يمتلك فكراً فلسفياً مستقراً، فإذا كان الأخير قد وضع العقل بعد الإرادة منزلة، فإن المعري نراه تارة ينظر إلى العقل على أنه المرشد الصحيح لأصول المعرفة حيث يقول:

إذا تفكرتَ فكراً لا يمازجهُ

فساد عقلٍ صحيحٍ هانَ ما صعبا

أو

ولو صفا العقل ألقى الثقلَ حاملُه

عنه ولم ترَ في الهيجاء معترِكا

وتارة أخرى يمجده أيما تمجيد ويعلو من شأن قدرته حتى يصل به إلى درجة النبوة فى عالم الغيب، وعلينا أن نشاوره وحده:

أيها الغر إن خُصصتَ بعقلٍ

فاسألنهُ فكل عقلٍ نبي

أو

فشاور العقل واترك غيره هدراً

فالعقل خير مشير ضمه النادي …

ولكن فجأةً يعود ويحط من شأنه وقدرته ويساوي بين منزلة العالِم والجاهل:

وما العلماء والجهال إلا

قريب حين تنظر من قريبِ …

هي ذي تذبذبات المعري، ولا غرابة فى ذلك لكونه شاعراً وتغلبه روح التوصية. علاوة على أنه صاحب عاهة مستديمة:

فاحذر ولا تدع الأمور مضاعة

وانظر بقلبِ مفكرٍ متبصرِ

أما شوبنهاور فالعقل عنده الأساس في البحث عن الحقيقة ويهاجم الفلسفة المادية متسائلاً: كيف نفسر العقل بأنه مادة ما دمنا لا نعلم المادة إلا بواسطة العقل؟ ..ثم لا يمكن أن نستدل عن كنه الحقيقة بالبحث عن المادة ذاتها وثم ننتقل إلى التفكير والعكس هو الصحيح عنده، حيث “أننا لن نصل إلى طبيعة الأشياء الحقيقية إذا بدأنا السير من الخارج”. لذلك أوجب معرفة طبيعة عقولنا أولاً، ثم ننظر إلى العالم الخارجي ثانياً.

وهنا يفسر لنا شوبنهاور لماذا يعتبر العقل أقل أهمية من الإرادة. وحسب تصوره، أن “أغبى إنسان ينقلب إلى مرهف الذكاء إذا ما كانت المسألة المطروحة عليه للبحث تمس رغباته مساً قريباً.

وإذا حاولنا أن نجعل العقل محل “الإرادة” فهذا خطأ يجب علينا تجنبه. لأن العقل “قد أنتجته الطبيعة ليخدم إرادة الفرد”. كما وأن شخصية الفرد تشكلها إرادته لا عقله، كون أن الإرادة “هي العنصر الوحيد الدائم الثابت”. فالعالم والطبيعة والإنسان عنصرهم الحقيقي هي الإرادة.

إذا أردنا أن نشير إلى الفارق هنا بين المعري وشوبنهاور، فإن الأول لم يتأثر بفكر فلسفي معين، ولم يبن فلسفته على أنقاض من سبقه أو يضعها مقابل من عاصره. أعني أن مبدأه في العقل نابع من إحساسه الفكري الممزوج بالروح الشعرية، بينما الثاني فقد شيد مبدأه فى العقل مقابل فكرة مواطنه عمانوئيل كانت “الشيء فى ذاته”. ومعاصره جورج هيجل في “الفكر وحدة عضوية”.

حكمة الموت

♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧

إن المعري وشوبنهاور ينظران إلى الموت بأنه نعيم، حيث يقطع عنا عناء الألم، بل إنه راحة أبدية ورقاد يستريح فيه الإنسان حسب قول المعري:

ضجعة الموت رقدة يستريح –

الجسم فيها والعيش مثل السهادِ

أو

موتٌ يسير معه راحةٌ

خيرٌ من اليسرِ وطول البقاء

ويذهب بعدميته بُعداً تشاؤمياً حاداً عندما يتمنى أن ينقطع النسل ويموت حتى الطفل الرضيع، ويرى العدم نعمة:

فليت وليداً ماتَ ساعة وضعهِ

ولم يرتضع من أمهِ النفساء

أو

وأرحتُ أولادي فهم في نعمة

العدمِ التي فضلت نعيمَ العاجلِ

ورغم أن شوبنهاور يعتبر الموت مروعاً مفزعاً لكنه أعظم النِعم البشرية، حيث أن حب الحياة مسألة باطلة كاذبة ويجب مقاومة إرادة النسل، إذ “أن إشباع الغريزة الجنسية هو الذي يستوجب المنع لأنه أقوى ما يثبت شهوة الحياة”.

إن هذه السوداوية المضنية إنما تعكس الوضع السلبي الذى عاناه المتشائمان المعري وشوبنهاور حياتياً واجتماعياً. فقد بقيا وحيدين دون أهل ولا أصدقاء، أو لنقل رفضا الزواج والخلان وفضلا الانطواء عن المحيط الذى لم يعزلهم.

الخلود

♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧

يذهب الفيلسوفان في هذا المجال بالامتداد التشاؤمي عن أمور الدنيا وما يتعلق بأمر الخلود، فالمعري، وكما معروف لنا، يخضع إلى الشحنات النفسية التي تجتاح جوانحه. فإن كانت سلبية كفر الدين والآخرين، وإن كانت إيجابية تعيده إلى ركن الإيمان. ومع ذلك نجده فى كلتا الحالتين ينفي وجود حياة بعد الموت:

حياةٌ ثم موتٌ ثم بعثٌ

حديثُ خرافةٍ يا أم عمرو

أو

-أرى هذيانا طال من كل أمة

يضمنه ايجازها وشروحها

وأوصال جسم للتراب ما لها

ولم يدر دار أين تذهب روحها ؟

ثم يخبرنا بأنه سيرحل عن هذا العالم المادي، ولكن إلى أين؟ لا يعلم! ولذلك يطالبنا بأن لا نرجو منه عودة:

سأرحل عن وشيك ولست بعالم ٍ

على أي أمرٍ لا ابالك أقدم

أو

أترجون أن أعود إليكم

لا ترجوا فإنني لا أعودُ

ولجسمي إلى التراب هبوطُ

ولروحي إلى الهواء صعودُ

إنها فعلاً حيرة مستعصية عند شاعرنا المعري، وليس له منها من محيص حيث لا يوجد من يسأله فيخبره عما سمع ورأى فى مماته:

فهل قامَ من جدثً ٍميتٍ

فيخبر عن مسمعٍ أو رأى؟

ثم:

هل فازَ بالجنةِ عمالها؟

وهل ثوى في النارِ نوبخت؟

أما شوبنهاور فيشير إلى أن “الإنسان بعد أن كون من آلامه وعذابه فكرة الجحيم رأى أن لم يبق لديه شيء يكون منه الجنة إلا الملل”. وحسب تصوره فإن الإنسان منذ نعومة أظافره يحس ويلتمس بمرارة هذا العالم الكريه المملوء شراً.

وبما أن شوبنهاور قد آمن بفكرة “النيرفانا” أو تناسخ الأرواح وفق العقيدة البوذية، والمعري يرفض هذه الفكرة.

لذا فإنه أكثر وضحاً من شوبنهاور في هذا الشأن، حيث يؤمن بقدرة الله المطلقة بإحياء الموتى وحشر الخلق:

وقدرة الله حق ليس يعجزها

حشرٌ خلقٍ ولا بعث لأجسادِ

أو

-ومتى شاء الذى صورنا

أشعر الميت نشوراً فنشرنا

كان وما يزال التشاؤم صفة شائعة بين الشعراء والأدباء على مختلف العصور؛ لم يسلم منه ابن الرومي ولا الخيام ولا نازك الملائكة حتى.. والمعري – نسبة إلى بلده معرة النعمان- أحد هؤلاء الذين اصطبغ شعرهم بهذه الصبغة حتى سمي بها حين لقبوه برهين المحبسين، محبس التشاؤم ومحبس العمى وإن كان هو نفسه في أحد أشعاره يُعدد محابسه بالثلاثة، داء العمى، واعتزال الناس، وحبس نفسه في جسد خبيث:

أَراني في الثَلاثَةِ مِن سُجوني
فَلا تَسأَل عَنِ الخَبَرِ النَبيثِ
لِفَقدِيَ ناظِري وَلُزومِ بَيتي
وَكَونِ النَفسِ في الجَسَدِ الخَبيثِ
ويعدد عبد الزراق أيوب في كتابه “انعکاس الفكر السياسي على الأدب العربي في العصر العباسی” أسباب ودواعي التشاؤم عند المعري فيقول إنّه کان يعاني من فقد بصره؛ فقده بالجُدری بعد أربعة أعوام من مولده فذهب بصره، ولم يعرف من الألوان إلّا اللون الأحمر، وهو لون الثوب الذي لبسه يوم أصابه الداء، يضاف إلى ذلك موت والديه وفقره الشديد. وقد ملأ كتابه اللزوميات بهذا التشاؤم من الدنيا ووصف الحياة بأنّها دار الآلام والعذاب، ويضاف إلى ذلك أيضًا أنّه عاش في زمن مليء بالفساد بکل أشکاله وهو العصر العباسي الذي قسمه طه حسين إلى قسمين: عصر القوّة وعصر الضعف، وکان أبو العلاء يعيش في عصر الضعف والفساد.
ويضيف حنا الفاخوري إلى العمى دواع تشاؤمية أخرى بقوله إنّ المعري كان ذا خلق ذميم، قصير القامة، نحيف الجسم، واسع الجبهة مشوه الوجه بآثار الجدري؛ ويصفه مُعجبًا: “غير أنّ ذلك الثوب الرث كان يحوي نفسا كبيرة”. ويورد ابن العديم في “الإنصاف والتحري في دفع الظلم والتجري عن أبي العلاء المعري” أنّه “کان منذ حداثته يسيئ الظن بالناس، ولا ينظر إليهم نظرة الرضی والطمأنينة، ويميل إلى الانقباض عنهم؛ وحُبّبت إليه العزلة”..
وبالنظر إلى ذلك يمكن تصنيف تشاؤم المعري في اتجاهين؛ أولهما الاتجاه النفسي المتمثل في المرض بالعمى واليتم والفاقة، وثانيهما الاتجاه الاجتماعي بعيشه في عصر کانت الحياة الاجتماعية والسياسية فيه مضطربة، وقد انعکس ذلك في كثير من شعره.
بل بلغ حد التشاؤم بالمعري أن يذم اسمه فهو أحمد بن عبد الله بن سليمان أبو العلاء التنوخي، ففي أشعاره يعكس وجهة النظر هذه بأنّ اسمه يجب أن يشتق من الذم لا الحمد وذلك لكثرة أفعاله المذمومة:

رويدك لو كشفت ما أنا مضمر
من الأمر ما سميتني أبدًا باسمي
أطهر جسمي شاتيًا ومقيظًا
وقلبي أولى بالطهارة من جسمي

ولم يقف الأمر على كره اسمه بل لحق حتى بكنيته فهو يرى أنَّ كنية أبي العلاء تتعلق بالعلو والرفعة، والأولى أن تكون بدنو المنزلة وأسفلها حيث يقول:
دُعيت أبا العلاء وذاك مَيْنٌ
ولكن الصحيح أبو النزول
لم يولد أبو العلاء كفيفا بل ولد مبصرا إلا أن الجدري الذي داهمه في سن الرابعة تسبب في فقدانه البصر، وقد حاول التعايش والتصالح مع عماه والاستفادة منه في حياته بل عدَّه نعمة تستوجب الحمد بقوله “أنا أحمد الله على العمى كما يحمده غيري على البصر، وقد صنع لي وأحسن بي إذ كفاني رؤية الثقلاء والبغضاء”:
قالوا العمى منظر قبيح
قلت بفقدي لكم يهون
والله ما في الوجود شيء
تأسى على فقده العيون
مرد اعتزال المعري للنَّاس اعتقاده بفساد المُجتمع لغياب قيمتي العدل والمساواة، وتفشي الخيانة والبغض والظلم، ويرى أنه في مجتمع طالح كهذا يعد الإنجاب جريمة وتجنياً على القادمين الجدد، ويعزو الكاتب عمر فروخ هذه النظرة التشاؤمية إلى تأثر المعري بمذهب مزدك الفارسي ومذاهب الزهاد الهنود التي ترى أن الكون مليء بالشرور وعدم السعادة:
دُنياكَ دارُ شرورٍ لا سرورَ بها
وليسَ يَدري أخوها كيفَ يحترسُ
ويكتب إسلام محمد أنّ العقاد أوجد كثيرا من التشابه بين نزعة المعري التشاؤمية، ونزعة الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور؛ لاسيما في فلسفتهما حول النوم؛ فشوبنهاور يرى أنّ النوم سلفة مستعارة من الموت، وهذا ذات ما كتبه أبو العلاء في شعره:

ونومي موت قريب النشور
وموتي نوم طويل الكرى

وقريبا من هذا يقول في موضع آخر:

وموت المرء نوم طال جدًا
عليه، وكل عيشته سهاد

ويرى عماد الجبوري في معرض مقاربته بين المعري وشوبنهاور أن كلاهما ينظر إلى العالم والطبيعة والمجتمع من زاوية كالحة لا تطاق؛ فالخير والسعادة عندهما أمور سلبية زائلة؛ لأنّ الحياة كلها كد وتعب وليس فيها سكينة طوال الامتداد الزمني، فالوجود كله شر. وفي هذا يقول المعري:
ألا إنما الدنيا نحوسٍ لأهلها
فما من زمانٍ أنتَ فيه سعيد
ويتفق ذلك مع فلسفة شوبنهاور بأنّ “في كلّ فرد حوض من الألم لا محيص عنه”، وحتى إذا فرضنا جدلاً بأنّ هذا الألم له نهاية، فإنه سوف “يحل مكانه على الفور عناء آخراً” وليس لدينا من ذلك لا مفر ولا محيص.
ويتساءل الجبوري حول أسباب هذا التشاؤم الدامس وهذه العدمية المطلقة ليأتيه الجواب من المعري:
في العدمِ كنا وَحُكمُ الله أوجدنا
ثم اتفقنا على ثانٍ من العدمِ
ويتناص ذلك مع مقولة شوبنهاور: “الحياة تتأرجح كالبندول إلى الأمام والخلف بين الألم والسأم” وفي كلتا الحالتين لا خير في هذا العالم سوى حياة بائسة عافرة.

الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور-
ومن مواطن التشابه بينه وبين شوبنهاور أن هذا الأخير يرى أن النوم جيد باعتباره سلفة مستعارة من الموت، وأبو العلاء يقول عن هذا الاعتقاد في شعره:
ونومي موت قريب النشور … وموتي نوم طويل الكرى
وهو يقول أيضًا:
وموت المرء نوم طال جدًا … عليه، وكل عيشته سهاد

الاخلاق والدين عند براتند راسل

أسهم راسل إسهامًا كبيرًا في المناقشات التي دارت حول الأخلاق والسياسة والدين والتعليم وقضايا الحرب والسلام. ولم يَرَ هذه الإسهامات باعتبارها إسهامات فلسفية بالمعنى الضيق للكلمة. فكما يوضح الفصل السابق، كان يرى الفلسفة باعتبارها فرعًا فنيًّا من فروع المعرفة يتناول الأسئلة المجردة التي تُعنَى بالمنطق والمعرفة والميتافيزيقا. وهذه المناقشات الأخرى في المقابل — في رأيه — عبارة عن قضايا تتعلق بالعاطفة والرأي، وترتبط بالنواحي العملية للحياة. وقد أقر راسل بإمكانية وجود تحليلٍ للخطاب الأخلاقي والسياسي في إطارٍ صوري؛ أي كدراسة منهجية تتناول منطق الخطابات الأخلاقية والسياسية بدلًا من جوهرها؛ ولكن ما كان يهمه هو القضايا العملية والمشكلات الواقعية، خاصةً بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى.
ومع ذلك تصدى راسل في بعض كتاباته لعرض أساس الأخلاق. لم يكن يحاول صياغة نظرية جديدة، بل اكتفى بوجهات النظر الثانوية التي (بعد أن أصبح اهتمامه بالقضايا العملية اهتمامًا جديًّا) كانت تتَّسم بطابع «نظرية العواقبية»؛ أي إنها كانت ترى أنه يجب الحكم على القيمة الأخلاقية لأفعال الناس والحكومات بالنتائج. وفي الوقت نفسه — وليس على نحوٍ متسق مطلقًا — كان يكتب وكأنه كان يؤمن بالقيمة الأخلاقية الجوهرية لأشياء معينة، مثل الخصال الشخصية كالشجاعة والشهامة والأمانة. وقدم كذلك — في بعض كتاباته الأولى — وجهة نظر غير متسقة كذلك مع هذه الآراء، مفادها أن الأحكام الأخلاقية عبارة عن أقوال مُضمرة معبرة عن الموقف الذاتي. والمشكلة الأساسية التي واجهت راسل هي كيفية التوفيق بين جانبين متعارضين: من ناحيةٍ، الإخلاص لمعتقدات أخلاقية يؤمن بها بثبات وحماس، ومن ناحيةٍ أخرى، ما يبدو من انعدام وجود مبررات للحكم الأخلاقي. وازدادت الصعوبة التي تواجهه في تحقيق هذا التوفيق بفعل موقفه المتشكك حول ما إذا كانت المعرفة الأخلاقية موجودة أساسًا.
لعل أفضل طريقة لوصف إسهام راسل في المجال الأخلاقي هو القول بأنه كان معلمًا أخلاقيًّا معنيًّا برفع مستوى الأخلاق عند الناس أكثر مما كان فيلسوفًا أخلاقيًّا. وكان شأنه شأن أرسطو من قبله يرى الأخلاق والسياسة مستمرين؛ فلا فارق في النوع بين الحكم الأخلاقي أن الحرب شر والمطلب السياسي لتحقيق السلام؛ من ثَمَّ نجد أن فكر راسل عن الأخلاق والسياسة والمجتمع يتَّسم بالسلاسة والاتساق؛ مما يفسر سبب تناولها معًا في أشمل كتبه عن هذه المسائل، وهو كتاب «المجتمع البشري في الأخلاق والسياسة».
وفي السياسة كان راسل طيلة حياته راديكاليًّا وليبراليًّا من دون مغالاة. وبعد الحرب العالمية الأولى أصبح عضوًا في حزب العمال وترشَّح في سباقَين انتخابيَّين كمرشح للحزب. وقد مزَّق بطاقة العضوية في ستينيات القرن العشرين في استياء من دعم هارولد ويلسون للحرب التي شنتها أمريكا في فيتنام. ولكنه لم يكن اشتراكيًّا بالمعنى العتيق للكلمة؛ إذ لم تقنعه الماركسية حين درسها في ألمانيا في تسعينيات القرن التاسع عشر أثناء الإعداد لكتابه الأول: «الديمقراطية الاجتماعية الألمانية» (كانت «الديمقراطية الاجتماعية» تعني الماركسية آنذاك). وكان معارضًا بالفطرة للاتجاه للمركزية الذي تنادي به الاشتراكية حسب مفهومها آنذاك — وكانت تلك هي السمة الوحيدة تقريبًا للاشتراكية التي طُبقت بالكامل في الدول السوفييتية — ولذلك جذبته أكثرَ الاشتراكيةُ النقابية، وهي شكل لا مركزي من الملكية والسيطرة التعاونية يحكم الناس أنفسهم بموجبه في ظروف — على المستوى المثالي — تدمج حياتهم الاجتماعية والترفيهية والعملية.

كان راسل في أفضل حالاته حين انتقد الأحوال الأخلاقية والسياسية المعاصرة. وكانت البدائل الإيجابية التي طرحها تبدو عادةً غير مقنعة؛ إذ كانت عادةً إما مثالية إلى حدٍّ خيالي أو على أقل تقدير — إذا أخذنا بعين الاعتبار الظروف التي قدَّمها فيها — غير عملية إلى حدٍّ ما. ولكن كناقد شديد القسوة لاذع الكلمات، كان في مكانة سقراط وفولتير نفسها.
لا أحد يحتاج إلى عذر أو رخصة للإسهام في المناقشات التي تتناول القضايا المهمة في المجتمع، وهي قضايا السياسة والأخلاق والتعليم. إنه واجب كل مواطن أن يشارك عن معرفة وفهم. إذنْ فأنشطة راسل في هذه المجالات لا تتطلب أي تبرير. ولكن يوجد سبب وجيه يفسر لماذا تتَّسم إسهاماته بقوة إقناع معينة. ولم يكن سبب ذلك أنه كان وريثًا لتراث جليل تميَّزَ به حزب الأحرار البريطاني في المشاركة في الشئون العامة، مع أن هذا بلا شك حفز اهتمامه بالشئون العامة وإحساسه بواجب المشاركة؛ بل كان السبب هو أن اهتمامه وإحساسه بالواجب كان يدعمهما أربع مميزات قيمة: ذكاء نادر، وفصاحة واضحة الأسلوب، ومعرفة واسعة بالتاريخ، وجرأة كبيرة في وجه المعارضة؛ مما جعله مناقشًا مَهيبًا. ولم يَبْدُ أسلوبه مفرطًا في التذمر وغير ملائم إلا عند نهاية حياته، حين كان الآخرون من حوله يتحدثون ويكتبون باسمه.
لم تَجِدْ بعضُ أفكاره — مثل الإيمان بالحكومة العالمية — حتى الآن أي دعم يُذكر. وساعدت بعض الأفكار الأخرى في تغيير وجه المشهد الاجتماعي في العالم الغربي، كما في مواقفه تجاه الزواج والأخلاق الجنسية، على سبيل المثال. وفي مجالات أخرى أيضًا — تتعلق بالدين بالأخص — ساعد راسل على تحرير عقول كثيرة، ولكنه لم يكن ليندهش — عند الأخذ في عين الاعتبار فهمه للطبيعة البشرية — إذا اكتشف أن التفكير الخرافي يزدهر حاليًّا أكثر مما كان في عصره، وأن المعتقدات الدوجمائية — «الإيمان هو ما أموت من أجله، أما معتقداتي الدوجمائية فهي ما أقتل من أجلها.» — قد عادت بقوة.

الأخلاق النظرية

يتضح من الفكر المبكر لراسل عن الأخلاق أنه كان يؤمن بوجهة النظر الرومانتيكية الهيجلية القائلة بأن الكون خيِّر في حد ذاته وأنه هدف مناسب «للمحبة الفكرية». وكان ماك تاجارت هو من أوحى له بقبول وجهة النظر هذه، ولكنها لم تسيطر عليه لمدة طويلة. وتوضح أول مناقشة جادة للقضايا الأخلاقية يتصدى لها راسل — وعرضها في بحثه المعنون «عناصر الأخلاق» ونشره في عام ١٩١٠ — أنه يتبع التعاليم الواردة في كتاب «المبادئ الأخلاقية» من تأليف جي إي مور، ويؤكد فيه مور أن الصلاح خاصية غير قابلة للتعريف وغير قابلة للتحليل ولكنها خاصية موضوعية لوصف الأشياء والأفعال والبشر، وأننا ندرك الصلاح عن طريق فعل قائم على حدْس أخلاقي مباشر. كان مور يؤمن بشكلٍ من أشكال مذهب النفعية، ويمكن إيجازه بأنه وجهة النظر القائلة بأن الصواب الذي نفعله في أي حالة معينة هو أي فعل من شأنه أن يؤديَ إلى زيادة نسبة الخير على الشر في تلك الحالة. وأثرت آراء مور في أعضاء جماعة بلومزبري، وخصوصًا في تعزيز الفكرة الجذابة القائلة بأن الصداقة والاستمتاع بالجمال هما أسمى القيم الأخلاقية. (ادَّعى الخبثاء ممن انتقدوا الفكرة أن أعضاء جماعة بلومزبري أعجبتهم وجهة النظر هذه لأنها أتاحت لهم فرصة التوفير — إذا جاز التعبير — بأن يكون لديهم أصدقاء يتميزون بالجمال.)
تُطرح الصعوبات نفسها على الفور فيما يتصل بوجهة النظر النفعية. ومن بين هذه الصعوبات أنه يتعذر علينا معرفة العواقب المترتبة على التصرف بطريقة معينة بدلًا من طريقة أخرى؛ ومن ثَمَّ قد نتسبَّب دون قصد في عواقب سيئة كنتيجة للتفكير المضطرب أو الأفكار الحدْسية الكاذبة. ويقر راسل بهذا في رؤيته لوجهة نظر مور، ولكنه يؤكد أننا نكون قد تصرفنا تصرفًا صحيحًا حين نشعر بالرضا؛ لأننا أمعنَّا التفكير في الأمور بعناية، وبذلنا كل ما في وسعنا باستخدام المعلومات المتاحة. ومع ذلك، الادِّعاء بأن الصلاح أمر موضوعي هو أمر مختلف، ولم يستطع راسل أن يشعر بالرضا عن وجهة النظر هذه لمدةٍ طويلة، فمع أنها — إن شئنا الدقة — ربما يتعذَّر دحضها، فلا يمكن إثبات صحتها كذلك، وخصوصًا في مواجهة شخص يختلف بلا مواربة مع الفكرة الحدْسية التي أعلنها غيره، والقائلة بأن الصلاح موجود في فعل بعينه أو موقف بعينه.
دفعت هذه الصعوبة راسل إلى اتخاذ وجهة النظر — التي عبَّر عنها في كتاب «موجز للفلسفة» (١٩٢٧) — القائلة بأن الأحكام الأخلاقية ليست موضوعية — بمعنى أنها ليست صحيحة ولا كاذبة — بل إنها جُمل دالة على أمر أو جُمل دالة على التمني أو جُمل دالة على الموقف. والجملة الدالة على الأمر هي أمر، مثل «لا تكذب.» والجملة الدالة على التمني عبارة عن خيار أو أُمنية — كما يختار المرء شيئًا بدلًا من شيء آخر — في الحالة الأخلاقية ترمز إليها جملة «ليت لا أحد يكذب.» أما جملة «أرفض الكذب» فهي قول معبر عن موقف قائلها من الكذب. ومن الواضح أن الجُمل الدالة على الأمر والجُمل الدالة على التمني تفتقر إلى قيمة الصواب. ومع أن الأمر يكون بخلاف ذلك فيما يتعلق بالأقوال المعبرة عن الموقف، فهذا فقط لأنها عبارة عن أوصاف للحقيقة النفسية ذات الصلة الخاصة بقائليها؛ فلا يُقال شيء صادق أو كاذب عن القيمة الأخلاقية للكذب، فما يقال يتعلَّق فقط برأي القائل في الكذب.
ربما يُطلق على هذا الرأي — في مقابل «الموضوعية» التي كان يؤمن بها مور — «الذاتانية». وهذا المذهب يتسم بمشكلات جسيمة هو الآخر، وأهمها أنه منفر بدرجةٍ كبيرة. فلنتأمل مثلًا جريمة المحرقة النازية. فمن غير المقبول القول بأن مبرر المرء للحكم أن المحرقة النازية شر هو أنه يستنكرها فقط. شعر راسل بهذه الصعوبة بشدة؛ ولذلك حاول في مناقشته الأخيرة والمستفيضة لهذه القضايا (في كتاب «المجتمع البشري في الأخلاق والسياسة») أن يصل إلى موقف يمثل حلًّا وسطًا بين الموضوعية والذاتانية يحتفظ بالمميزات ولكن يتجنب الصعوبات الموجودة في وجهتَي النظر كلتيهما.
ويؤكد راسل في كتاب «المجتمع البشري في الأخلاق والسياسة» أن الأحكام الأخلاقية هي في الواقع تتعلق بخير المجتمع وأفراده. وهذه الأحكام تشمل أو تعبر عن الشعور السائد إلى حدٍّ ما في مجتمعٍ معين حيال ما يصب عمومًا في مصلحة الجميع. وهذا موضوع من الممكن أن تدور حوله مناقشة عاقلة بِناءً على فهْم علمي أو على الأقل منطقي للعالم. وكثيرًا ما كاد راسل يفقد هذا الإيمان بإمكانية الحلول المنطقية للمعضلات الأخلاقية حين كان يتأمل حماقة الإنسان، ولكنه مع ذلك ظل يتمسك به.
يقول راسل إن البيانات الأساسية للأخلاق هي المشاعر والانفعالات. ووفقًا لذلك فإن الأحكام الأخلاقية هي عبارة عن مشاعر متخفية تعبر عن آمالنا أو مخاوفنا أو رغباتنا أو الأشياء التي نكرهها؛ فنحن نحكم على الأشياء بأنها صالحة حين تلبِّي رغباتنا؛ ومن ثَمَّ فإن الخير العام — أي خير المجتمع ككلٍّ — يكمن في تلبية الرغبة تلبيةً كاملة، بصرف النظر عمن يتمتع بها. وعلى المنوال نفسه يكمن خير أي قسم من المجتمع في تلبية رغبات أفراده تلبيةً كاملة، ويكمن خير الفرد في تلبية رغباته الشخصية. وعلى هذا الأساس يمكن تعريف التصرف الصائب بالقول إنه أي شيء — في أي مناسبة معينة — من المرجح أن يؤديَ إلى الخير العام (أو إذا كان يتعلق بفرد واحد فحسب، خير الفرد)؛ وهذا بدوره يمنحنا تفسيرًا للواجب الأخلاقي، فكرة أنه يوجد أشياء «يجب» أن يفعلها المرء؛ وهو أنه يجب على المرء أن يفعل التصرف الصائب حسب هذا الفهم (المجتمع البشري في الأخلاق والسياسة، ص٢٥، ٥١، ٦٠، ٧٢).
يقر راسل بالطبع بوجود مشكلات في هذا الوصف، ويناقش عددًا منها. فعلى سبيل المثال: يتسبب تعريف «الخير» بأنه «تلبية للرغبة» في توجيه انتقادٍ منطقي بأن بعض الرغبات شر، وأن تلبيتها شر أسوأ. ويتأمل راسل مثال القسوة. هل من الممكن أن يكون من الخير أن يتمنى شخصٌ ما أن يتسبب في معاناة شخص آخر؟ وأليس من الأسوأ أن ينجح في تنفيذ أمنيته؟ يقول راسل إن تعريفه لا يقتضي ضمنًا أن مثل هذه المواقف من قبيل الخير؛ أولًا: لأن ذلك يتضمن إحباط رغبات الضحية؛ لأن الضحية بالطبع ترغب في تجنُّب المعاناة على أيدي المتسبِّب فيها، وثانيًا: لأن المجتمع ككلٍّ لا يريد عمومًا أن يقع أفراده ضحايا للقسوة، وسيؤدي ذلك إلى إحباط رغباته أيضًا في هذا الصدد؛ ومن ثَمَّ سيؤدي ذلك إلى زيادة هائلة في الرغبات غير المحققة عند ارتكاب فعل يتَّسم بالقسوة؛ مما يجعل ذلك الفعل سيئًا.
ومن الصعوبات الأخرى التي يتَّسم بها الوصف الذي يقدمه راسل أن الرغبات قد تتعارض. ويجيب راسل عن ذلك بقوله إن هذا يتطلَّب منَّا أن نختار الرغبات التي يقل احتمال تنافسها بعضها مع بعض. ويستعير راسل مصطلحًا فنيًّا من لايبنتس، فيطلق على الاتساق بين الرغبات أنه «التوافق» بينها. إذنْ يمكن تعريف الرغبات الصالحة والسيئة على أنها الرغبات المتوافقة — بالترتيب — مع أكبر عدد وأقل عدد ممكن من الرغبات الأخرى.
يخصص راسل فصلًا يناقش فيه السؤال المتعلق بما إذا كانت الأحكام مثل «القسوة خاطئة» ليست إلا تعبيرات متخفية تعبر عن موقف ذاتي. وكما سبق وذكرنا، هذا السؤال مهم، وقد أزعج راسل بشدة. وتوصل راسل إلى ما قد يُطلق عليه إجابته المبنية على علم الاجتماع — أن القيمة الأخلاقية هي نتاج نوعٍ من الإجماع الاجتماعي — بعد دراسةٍ في الاحتمالات البديلة التي تقدمها المناقشة الأخلاقية.
من الممكن عرض المشكلة بأن نذكر أن الاختلاف الأساسي بين الخطاب الواقعي العادي والخطاب الأخلاقي يكمن في وجود مصطلحات مثل «يجب» و«الخير» ومرادفاتها في الخطاب الأخلاقي. هل هذه المصطلحات جزء من «المفردات الأساسية» للأخلاق، بمعنى أنها غير قابلة للتعريف وأساسية لأي فهم للمفاهيم الأخلاقية؟ أم هل يمكن تعريفها في إطار شيء آخر، كالمشاعر والانفعالات مثلًا؟ وإذا كانت الإجابة بالإيجاب عن السؤال الأخير، فهل العواطف التي نحن بصددها هي عواطف الفرد الذي يصدر حكمًا أخلاقيًّا؟ أم لها مرجعية أشمل، تعود إلى الرغبات والمشاعر البشرية؟ (المجتمع البشري في الأخلاق والسياسة، ص١١٠-١١).
يذكر راسل أثناء مناقشة هذه الأسئلة أنه عند دراسة الخلافات الأخلاقية المتعلقة بما يجب فعله في حالة معينة، نجد أن الكثير من تلك الخلافات ينشأ من النزاع حول النتيجة التي ستنشأ من هذا الخيار أو ذاك. ويُثبت هذا أن التقييمات الأخلاقية تعتمد على تقديرات النتائج، وأنه لذلك يمكننا تعريف «يجب» بالقول إنه يجب تنفيذ فعلٍ ما — من بين كل الأفعال الممكنة في تلك الحالة — إذا كان هو الفعل الذي من المرجح أن يؤديَ إلى أكبر قدرٍ من «القيمة الجوهرية» (وهو تعبير يستخدمه راسل كبديل أدقَّ عن كلمة «الخير»).
هل «القيمة الجوهرية» قابلة للتعريف؟ يعتقد راسل أنها كذلك؛ إذ يقول: «حين ندرس الأشياء التي نميل لأن نرى فيها قيمة جوهرية نجد أنها هي كل الأشياء التي نرغب فيها أو نستمتع بها؛ فمن الصعب أن نصدق أن أي شيء من الممكن أن يحمل قيمة جوهرية في كونٍ مجردٍ من الوعي الأوَّلي. ويوحي ذلك بأن «القيمة الجوهرية» قد تكون قابلة للتعريف في إطار الرغبة أو المتعة أو كلتيهما» (المجتمع البشري في الأخلاق والسياسة، ص١١٣). وما دام يتعذَّر أن تكون كل الرغبات ذات قيمة جوهرية لأن الرغبات تتعارض، ينقح راسل المفهوم بحيث تُفهم القيمة الجوهرية باعتبارها سمة ﻟ «حالات مزاجية» يرغب فيها من يتعرضون لها.
وبهذا التعديل يقدِّم راسل الموجزَ الآتي لوجهة نظره. إن استحساننا أو استقباحنا لأفعالٍ معينة عادةً ما يتوقف على العواقب التي نعتقد أنه من المُرجح أن تنتج عنها. ونسمي عواقب الأفعال التي نوافق عليها «صالحة»، ونسمي العواقب التي نرفضها «سيئة». ونسمي الأفعال نفسها «صائبة» و«خاطئة» بالترتيب. وما «يجب» أن نفعله هو كل فعل صحيح في هذه الحالة، بمعنى كل ما مِن شأنه أن يؤديَ إلى زيادة نسبة الخير.
ومن بين هذه النقاط تحمل النقطة الأولى القدر الأكبر من الأهمية. إذا كان التقييم الأخلاقي مسألة تعتمد على ما يوافق عليه الناس وما يرفضونه، أَفَلَسْنَا عالقين في المعضلة الذاتانية، دون أسس منطقية لتوريط أنفسنا في خطأ العنصرية والتعصب والقسوة وغيرها؟ وإجابة راسل هي أنه في واقع الأمر يوافق الناس موافقةً واسعة الانتشار على كل ما هو مرغوب. ويتفق مع هنري سيدجويك في أن الأفعال التي عادةً ما يوافق عليها الناس هي الأفعال التي تؤدي إلى أكبر قدْر من السعادة أو المُتع. وإذا كان هذا يشمل تلبية الاهتمامات الفكرية والجمالية («إذا اقتنعنا فعلًا بأن الخنازير أسعد من البشر، فلا ينبغي لذلك السبب أن نرحب بالخدمات التي قدمتها الساحرة سيرسي التي جاء ذكرها في الأساطير الإغريقية.» فبعض المُتع مفضلة «فطريًّا» عن غيرها)، يصبح لدينا وسيلة للإفلات من الذاتانية؛ إذ إن وجهة النظر هذه تمنحنا إفادات عما يجب فعله، وهي ليست جُملًا دالة على التمني أو أوامر متخفية؛ ومن ثَمَّ تحمل قيمة صواب؛ ولكنها تستند إلى وقائع تتعلق بمشاعرنا وبتلبية رغباتنا؛ فالوقائع المتعلقة بمشاعرنا هي أساس تعريف «الصواب» و«الخطأ»، والوقائع المتعلقة بتلبية رغباتنا هي أساس تعريف «القيمة الجوهرية». وهكذا يحقق راسل نجاحًا في صياغة موقف وسيط يقع بين الموضوعية والذاتانية، ويحمل نجاحه — في الوقت نفسه — شهادة معتمدة عملية على نحوٍ دقيق إلى حدٍّ ما؛ إذ يوفر سبيلًا ليس فقط لتقييم الأفعال من النوع الذي يكون عادةً محلَّ خلاف في المناقشات الأخلاقية، بل كذلك العادات الاجتماعية والقوانين والسياسات الحكومية.
بالرغم من تفاؤل راسل حيال وجهة النظر هذه، فهي تتضمن عددًا من الصعوبات؛ إذ تقول في الواقع إن أساس التقييم هو إجماع الرغبات. ولكن هذا معناه أنه إذا كانت الأكثرية في مجتمعٍ معينٍ مستاءةً من المثلية الجنسية — مثلًا — فإن المثلية الجنسية إذنْ تُعد سيئة، فيما إذا كانت الأكثرية في مجتمع أكثر تسامحًا يسري فيه إجماع مختلف، فلن تكون المثلية الجنسية سيئة. هل النسبية الأخلاقية من هذه الدرجة جديرة بالتصديق؟ وتتصل هذه الصعوبة بصعوبةٍ أخرى، وهي أنه ما دامت قيمة العواقب تقاس بقدر الرغبات التي تلبيها، فإن درجة الشر التي تتسم بها المحرقة النازية تصبح نتيجة متوقفة على درجة تفوُّق نسبة إحباط رغبات ضحايا النازيين ورغبات السواد الأعظم من سكان العالم — ممن قد لا يريدون أن يشيع القتل الجماعي (ربما تحسبًا لاحتمال أن يقعوا هم ضحايا له) — على نسبة تلبية رغبات النازيين. وكان راسل نفسه يشعر بوجود شيء أكثر إقناعًا يكمن خلف الهلع الأخلاقي الذي نشعر به حيال المحرقة النازية، ولكن مبادئه لا تشرحه.
إن أي قدر من الإلمام بالمناقشات المتعلقة بالأخلاق يوضح أن جهود راسل في هذا المجال سطحية؛ فحتى في كتاب «المجتمع البشري في الأخلاق والسياسة» تتسم المناقشة بطابع نُصحي أكثر منه فلسفيًّا. ويقوم كتاب «المجتمع البشري في الأخلاق والسياسة» على عموميات سيكولوجية شاملة، ولا يحتوي إلا على إشارة واحدة عن الدقة، وهدف الكتاب هو إقناعنا بقَبول منهجٍ عملي للتقييم الأخلاقي بدلًا من تقديم الأخلاق مدعمة بأساسٍ نظري. ويعود جزء من سبب ذلك — كما ذُكر فيما سبق — إلى أن راسل لم يكن يعتقد أنه يمكن تطبيق الدقة على مناقشة الأخلاق؛ فكان من المقرر في البداية أن تكون الفصول التي تتناول الأخلاق في كتاب «المجتمع البشري في الأخلاق والسياسة» عبارة عن تكملةٍ لكتاب «المعرفة البشرية»، ولكنه لم يدرجها في الكتاب، لعدم رضاه عنها، ولم ينشرها — مدعمة بفصولٍ عن المسائل السياسية — إلا بعد أن قرر أخيرًا أنه لم يستطع عرض الحجج التي تحتويها عرضًا منهجيًّا أكثر. ولكنه لم يشكُ من ذلك؛ فهدفه الأساسي من الأخلاق — كما هي الحال بخصوص كل المسائل الاجتماعية التي تصدَّى لها — كان على كلٍّ هو الجدل. كان يتمنَّى أن يكون مؤثرًا في طريقة حياة الناس، وكان راضيًا لتوريط نفسه في مجال الدفاع عن قضايا معينة والإقناع لبلوغ تلك الغاية.

المُثُل الأخلاقية العملية

نال راسل جائزة نوبل في فرع الآداب، وكان الكتاب الذي ورد في حيثيات نيل الجائزة هو كتاب «الزواج والأخلاق». ألَّف راسل الكثير عن المسائل المتعلقة بالمُثل الأخلاقية العملية، ونجد بعض أفضل ما ألَّفه في هذا المجال في عشرات المقالات القصيرة التي كان يكتبها للصُّحف، وأهمها المقالات التي نشرتها دار نشر هيرست بريس في أمريكا إبان أوائل الثلاثينيات من القرن العشرين. وفي هذه المقالات (دائمًا ما كانت لا تزيد عن ٧٥٠ كلمة، حسبما يتطلب حجم العمود المخصص لها في صفحة الجريدة) يمنحنا راسل انطباعًا بأنه سريع الملاحظة ومتسامح وعطوف ومتعقل، ولم يكن يسبق عصره فقط، بل وعصرنا نحن أيضًا في الكثير من المسائل.

فلنأخذ مثلًا مقاله «عن اللباقة». يقول في هذا المقال إننا نخصص للباقة والصدق مكانَين منفصلَين تمامًا، ولكن يأتي هذا على حساب أمرٍ آخر:

كنت أمرُّ أحيانًا بجوار أطفال يلعبون في الحديقة العامة، فأسمعهم يقولون بصوتٍ عالٍ واضح: «ماما، من ذلك العجوز المضحك؟» فأسمع من يرد بصوتٍ هامس مرتاع: «اسكت! اسكت!» فيدرك الأطفال إدراكًا مبهمًا أنهم ارتكبوا شيئًا خاطئًا، ولكنهم يعجزون تمامًا عن تصوُّر كنه ذلك الخطأ. يتلقَّى كل الأطفال من آنٍ إلى آخر هدايا لا تعجبهم ويلقنهم آباؤهم أنه يجب أن يبدوَ عليهم وكأنهم فرحوا بالهدايا. وحين يأمرونهم كذلك بأنه يجب عليهم ألا يكذبوا، يؤدي ذلك إلى تشوُّش أخلاقي.

(«عن اللباقة»، في كتاب «البشر وغيرهم» (ألين وأنوين، ١٩٧٥) ص١٥٨)

تتحدث هذه الفقرة عن التربية القائمة على اللباقة. ويقول راسل إن اللباقة من الفضائل يقينًا، ولكن لا يفصلها عن النفاق إلا خيطٌ رفيع للغاية. ويتوقف الفارق بينهما على الدافع. فإذا كان العطف يدفعنا لإرضاء شخصٍ ما في ظروف قد تؤدي الفظاظة فيها إلى إزعاجه، تصبح اللباقة ملائمة؛ ولكنها تصبح أقل لطفًا حين يكون الدافع هو الخوف من الإساءة، أو الرغبة في الحصول على ميزة بالتملُّق. ولا تعجب اللباقة من يتسمون بالجدية الشديدة؛ فحين زار بيتهوفن جوته في مدينة فايمار صُعق حين رآه يتصرف بأدب مع مجموعة من المتملِّقين الحمقى. إن من يواظبون على الصدق ولا يكذبون قط بدافع التهذيب عادةً ما يحظَوْن بالتقدير، ولكن يقول راسل إن هذا سببه أن الصادقين الحقيقيين مجردون من الحسد والحقد والتفاهة. «معظمنا يدخل في تكوينه شيء من هذه الرذائل؛ ولذلك علينا أن نستخدم اللباقة لتجنُّب الإساءة للغير. وليس من الممكن أن نصبح جميعًا من القديسين، وإذا كان بلوغ مرتبة القديسين أمرًا مستحيلًا، فلنا أن نحاول على الأقل أن نتجنب أن نكون سيئي الطبع.»

ربما تبدو هذه مادة سطحية واهية، ولكنها تتسم بالأثر العميق، وتطرح نقاطًا جديرة بالدراسة والتأمل؛ فكتابات راسل الصحفية عن المسائل الاجتماعية ذات طابع ممتع ومسلٍّ ومثَقِّف، وهو ما تميز به.
ويتناول كتاب «الزواج والأخلاق» مسائل أكبر وأكثر إلحاحًا؛ فهو يركز على الجنس والحياة الأسرية. ومن وجهة نظر راسل، للمُثل الأخلاقية الجنسية مصدران أساسيان: رغبة الرجال في التيقن من أنهم حقًّا آباء الأطفال الذين تلدُهم زوجاتهم، والاعتقاد الديني بأن الجنس آثم. كان راسل مستعدًّا دائمًا لتلقِّي الإرشاد من العلم في عصره، وفي هذه الحالة لجأ إلى علم البيولوجيا (الأحياء) للبحث عن تفسيرٍ لأصول تلك العادة. وقد دفعه علم الأحياء إلى الاعتقاد بأن المُثل الأخلاقية الجنسية في العصور القديمة كان الغرض البيولوجي منها هو توفير حماية الأبوين لكل طفل، وهو دافع يحرص راسل على الموافقة على أنه دافع وجيه. ويقول إن الكثير من الضغوط تهدد الحياة الأسرية في العصر الحديث ويجب التصدي لها؛ فالأطفال بحاجة إلى عاطفة كلا الأبوين؛ أما البديل المتمثل في ترك تنشئة الأطفال جزئيًّا أو حتى كليًّا للدولة — كما تمنَّى أفلاطون — فليس مستحسنًا؛ فإذا تولَّت الدولة تنشئة الأطفال، فسينتج عن ذلك قدْر مفرط من التماثل، وربما قدْر مفرط من القسوة؛ ومن الممكن استغلال الأطفال الذين يُربَّوْن بهذه الطريقة ليصيروا أتباعًا مخلصين لمروجي الدعاية السياسية ومثيري الفتنة والاضطرابات.
ولكن فيما يتصل بالمُثل الأخلاقية الجنسية — من وجهة نظر راسل — فالاتجاه الحديث نحو زيادة حرية التعبير والسلوك أمر طيب؛ فالآراء الأكثر تحررًا تنشأ من تراخي قبضة المُثل الأخلاقية التقليدية، ولا سيما المُثل الأخلاقية الدينية؛ ويصبح السلوك الأكثر تحررًا ممكنًا بفعل التطورات التي حدثت بخصوص منع الحمل؛ مما وضع النساء على قدم المساواة مع الرجال من حيث التحكم في حياتهن الجنسية.
في رأي راسل، تسببت العقيدة القائلة بأن الجنس آثم في ضررٍ فادح، ويبدأ الضرر في الطفولة ويستمر حتى النضج في صورة النواهي وما تسببه من ضغوط. يؤدي كبت الدوافع الجنسية إلى تسبب المُثل الأخلاقية التقليدية في إفساد أنواع الشعور الودي الأخرى أيضًا؛ مما يجعل الناس أقل تسامحًا وعطفًا، وأكثر ميلًا إلى القسوة والأنانية. لا بد بالطبع من أن يحكم الجنسَ مبدأٌ أخلاقيٌّ، كما هي الحال مع التجارة أو الرياضة، ولكن لا ينبغي أن يقوم «على محظورات عتيقة يعرضها غير المتعلمين في مجتمع يختلف تمامًا عن مجتمعنا»، ويقصد راسل بهذا تعاليم آباء الكنيسة القدماء. «ففي الجنس، كما هي الحال في الاقتصاد والسياسة، ما زال مبدؤنا الأخلاقي تهيمن عليه المخاوف التي جعلتها الاكتشافات الحديثة غير منطقية» (الزواج والأخلاق، ص١٩٦-١٩٧).
لا بد من مُثل أخلاقية جديدة قوامها رفض المذهب البيوريتاني المتزمِّت، على أن تُبنى على الاعتقاد بضرورة تدريب الغريزة وليس التصدي لها. ولا ينطوي الموقف الأكثر تحررًا تجاه الحياة الجنسية على أنه من المسموح لنا أن نطيع دوافعنا ونتصرف كما نشاء؛ وذلك لأنه لا بد من وجود اتساق في الحياة، ومن بين أهم جهودنا المفيدةِ الجهودُ الموجهة نحو الأهداف الطويلة المدى؛ مما يقتضي تأجيل المتع القصيرة المدى. أيضًا، لا بد من مراعاة الآخرين و«قواعد الاستقامة». ولكن ضبط النفس — كما يؤكد راسل — ليس غاية في حد ذاته، وينبغي أن تضمن الأعراف الأخلاقية أن تكون ضرورة اللجوء إليه في حدها الأدنى لا الأقصى. ومن الممكن اللجوء إلى ضبط النفس إلى الحد الأدنى في حالة حسن توجيه الغرائز بدءًا من الطفولة وإلى المراحل التي تليها. ولأن الغرائز الجنسية قوية للغاية، فإن دعاة علم الأخلاق التقليديين يرَوْن أنه لا بد من كبحها بشدةٍ في الطفولة، خوفًا من أن تصير فوضوية وبذيئة. ولكن لا يمكن أن تُبنى حياة رغدة على المخاوف والمحظورات.
ومن ثَمَّ، فإن المبادئ العامة التي يعتقد راسل بأن المُثل الأخلاقية الجنسية يجب أن تقوم عليها بسيطة وقليلة. أولًا: ينبغي أن تقوم العلاقات الجنسية «بقدر الإمكان على تلك المحبة العميقة الجادة بين الرجل والمرأة التي تشمل الشخصية الكاملة لكلٍّ منهما، وتؤدي إلى اندماجٍ يثري كلًّا منهما». وثانيًا: إذا نتج أطفال عن تلك العلاقات، ينبغي رعايتهم بدنيًّا ونفسيًّا على نحوٍ مناسب. ويعلق راسل متهكمًا بأن أيًّا من هذين المبدأين ليس شديد الفظاعة؛ إذ يدرك الخزي الذي لحق به لما عُرف عنه من زنًا وطلاقٍ ومساكنة دون زواج وبسبب لا مبالاته بإخفاء كل ذلك عن العيون، وكانت كلها سلوكيات فاضحة إلى حدٍّ فادح آنذاك. ولكن المبدأين معًا يعنيان ضمنًا أن مجموعة القوانين الأخلاقية التقليدية قد طرأت عليها تعديلات مهمة معينة.
أحد هذه التعديلات هو أنها تسمح بدرجةٍ مما يُطلق عليه عادةً «الخيانة». فإذا لم ينشأ الناس وهم يرَوْن أن الجنس تقيده المحرمات، وإذا لم تكن الغيرة تحمل موافقة المعلمين المعنيين بعلم الأخلاق، لَاستطاع الناس أن يتعاملوا بعضهم مع بعضٍ بمزيد من الإخلاص والتسامح؛ فالغيرة تدفع الحبيبين إلى حبس كلٍّ منهما للآخر في سجن مشترك، وكأنها منحت كلًّا منهما حقًّا في السيطرة على كيان الآخر واحتياجاته. كتب راسل يقول: «لا ينبغي تناول الخيانة على أنها أمر فظيع.» إذ إن وجود «ثقة في القوة المطلقة لعاطفة عميقة ودائمة» هو رابطة أفضل بكثير من الغيرة (الزواج والأخلاق، ص٢٠٠-٢٠١). ويؤكد راسل في مواضع أخرى أنه لا يوجد مبرر للاعتراض على الزواج المفتوح — كما يُطلَق أحيانًا على ذلك النظام — بشرط ألا تُنجب المرأة أطفالًا من عشيق وتتوقع أن يربيهم زوجها. وقد انتهى زواجه هو ودورا جزئيًّا بسبب هذه المشكلة.
ويختتم راسل كتاب «الزواج والأخلاق» بالقول إن المبدأ الذي يقدمه — رغم هذه التعليقات التي تتناول الخيانة — ليس مبدأً يقوم على الفسق؛ فهو يشمل حقًّا قدر ضبط النفس عينه تقريبًا الذي تطالب به المُثل الأخلاقية التقليدية، والفارق الملحوظ هو أن ممارسة ضبط النفس تكون بالامتناع عن التدخل في حرية الآخرين بدلًا من كبت حريتنا نحن. وكتب راسل يقول: «من المأمول — في رأيي — أنه عن طريق التعليم المناسب من البداية يصبح هذا الاحترام للهوية الشخصية وحرية الآخرين سهلًا بعض الشيء؛ ولكن من وجهة نظر مَن نشأ منَّا وهو يرى أنه يحق لنا أن نعترض على تصرفات الآخرين باسم الفضيلة، فلا شك أنه من الصعب الامتناع عن ممارسة هذا النوع المحبب من الاضطهاد.» إن جوهر الزواج الناجح هو الاحترام المتبادل والأُلفة العميقة؛ فعند وجود هذه العناصر، يصبح الحب الحقيقي بين الرجل والمرأة هو «أكثر تجربة مثمرة من بين كل التجارب الإنسانية»؛ وهذا هو الهدف الذي ينبغي أن يشجعه كل من يتأملون في الزواج والأخلاق (الزواج والأخلاق، ص٢٠٢-٢٠٣).
وقد شعر الكثيرون آنذاك بأن آراء راسل شائنة إلى حدٍّ مروِّع. وتسبب كتاب «الزواج والأخلاق» في فقدانه وظيفته في نيويورك في عام ١٩٤٠ (مع أنه أدَّى إلى فوزه بجائزة نوبل بعد ذلك بعشر سنوات — كما ذُكر آنفًا — وهو ما يوضح كيف من الممكن أن تكون الحياة متقلبة وغير متوقعة)، وأوحى الكتاب — وكذلك سمعته بحب صحبة النساء — إلى الكثيرين للربط بينه وبين شخصية الرجل الشهواني. ولكن ربما يمكن أن نذكر نقطتين عن هذه الآراء؛ أولاهما هي ما تتسم به من عقلانية هادئة ومتسامحة، والأخرى هي أن آراءه لم تنشأ من فراغ؛ فهي في الواقع تعبر عن موقف يشاركه فيه طليعة المثقفين اليساريين إبان عشرينيات القرن العشرين وثلاثينياته؛ إذ كانوا يرَوْن أن حرية العلاقات الجنسية ورفض الغيرة الجنسية بمنزلة مبادئ غير مكتوبة. كان راسل يمتلك الشجاعة والفصاحة المنطقية الجازمة، وهو ما يلزم للدفاع عن هذه الأفكار أملًا في تغيير وجه مجالٍ من مجالات الحياة في أمسِّ الحاجة إلى ذلك. ومع التغير الجذري الذي طرأ على الاتجاهات والعادات بعد ذلك بجيل — الذي أسهم فيه جزئيًّا نشاط راسل — فإن حججه ما زالت تستحقُّ القراءة كعلاج فعَّال ضد الرجعية.
كثيرًا ما تتكرر في آراء راسل عن العلاقات الإنسانية ثلاثة موضوعات؛ أولها: هو ضرر الدين، والثاني: هو ضرورة التعليم الجيد، والثالث: هو الحرية الفردية. وكلٌّ منها عبارة عن فكرة رئيسة ثابتة في فكر راسل الاجتماعي، وقد أولى راسل كلًّا منها اهتمامًا كبيرًا. وسأعرض لهذه الموضوعات بالترتيب.

الدين

يفاجأ الناس حين يعلمون أن راسل لم يكن ملحدًا؛ إذ كان بالأحرى لاأدريًّا. وقد دفعه الثبات على المبدأ إلى قبول «الاحتمال» القائل بأنه ربما يكون للكون إله، ولكنه كان يعتقد أن وجود شيء من هذا القبيل مستبعد للغاية، وأنه لو كان يوجد شيء من هذا القبيل — خاصَّةً إذا كان أقرب إلى فكرة الله في المعتقد التقليدي للمسيحية — لكان النفور الأخلاقي للكون أكبر مما هو عليه؛ لأنه في تلك الحالة سنُضطَرُّ إلى قبول فكرة أن كيانًا قادرًا على كل شيء يسمح — أو يشاء — بوجود الشر الطبيعي والأخلاقي في العالم («الشر الطبيعي» يعني المرض والكوارث مثل الزلازل والبراكين، وما شابه). ومن وجهة نظر راسل، ينبغي أن تكفيَ زيارة واحدة إلى عنابر أي مستشفًى للأطفال لتجعلنا نشعر إما بأنه من غير المحتمل وجود إله، أو أنه إذا كان يوجد إله فعلًا، فإنه قاسٍ.
سُئل راسل ذات مرة في واقعةٍ شهيرة عما عساه أن يفعل إذا اكتشف عند موته أن الله موجود على كلٍّ؛ فرد أنه سيلوم الله لأنه لم يقدم أدلة كافية على وجوده. وسُئل كذلك عن رأيه في «رهان باسكال»، وهو الرأي القائل بأننا ينبغي أن نؤمن بالله حتى لو كانت أدلة وجوده واهية للغاية، لأن فائدة الإيمان بالله — في حالة وجود الله — تفوق بكثيرٍ الخسارة في حالة عدم وجوده. ورد راسل بأنه إذا كان الله موجودًا لَاستحسن موقف غير المؤمنين لأنهم استخدموا عقولهم ووجدوا أن الأدلة التي تدعم الإيمان غير كافية.
وكان من الأساليب التي درج راسل على استخدامها رفضُ قبول أي قضية إلا في حالة وجود سبب وجيه يقنعه بذلك. ومن أهم أركان الحجة المستخدمة في اللاهوت الطبيعي لدعم قضية وجود الله («اللاهوت الطبيعي» معناه مناقشة مفهوم الإله بمعزلٍ عن أي وحيٍ معين ورد في كتب مقدسة أو تجربة صوفية) مجموعةٌ معروفة من «البراهين على وجود الله». وقد ناقش راسل هذه البراهين في كتابه «لماذا لستُ مسيحيًّا؟» (نُشر في عام ١٩٥٧، وكان عبارة عن مجموعة محاضرات ألقاها للمرة الأولى في عام ١٩٢٧).
أحد هذه البراهين هو حجة السبب الأول، وتقول بأن لكل شيء سببًا؛ إذنْ لا بد من وجود سبب أول. ولكن هذه الحجة — كما يقول راسل — متناقضة مع نفسها؛ لأنه إذا كان لكل شيء سبب فكيف يمكن أن يكون السبب الأول بلا مسبب؟ حسب بعض وجهات النظر، فإن الله هو السبب المسبب بذاته (حسب أرسطو، المحرِّك بذاته)، ولكن هذا المفهوم غير مترابط، وإذا دلَّ على شيء ممكن، إذنْ فإما يكون مبدأ السببية الكلية الذي تستند إليه الحجة بأكملها مبدأً باطلًا إذا اتضح أنه لا بد أن تكون الأسباب غير نتائجها (كما يوحي المبدأ فعلًا فيما يبدو)، أو إذا كان من المحتمل أن تكون الأسباب هي مسبباتها نفسها، فلماذا يكون من المحتمل وجود سبب واحد فقط؟
وتوجد حجة ثانية تستنتج من مظاهر التدبير في الكون نتيجة مفادها أنه لا بد من وجود مدبِّر. ولكن من ناحيةٍ، مظاهر الخلق في الأشياء تعللها على نحوٍ أفضل نظريةُ التطور، وهي نظرية لا تتضمَّن كيانات إضافية في الكون، وتتفق مع البيانات التجريبية؛ ومن ناحيةٍ أخرى، لا يوجد على أي حال أي أدلة على وجود تدبير «كلي» في العالم؛ حيث توحي الوقائع — باتساقٍ مع القانون الثاني للديناميكا الحرارية، الذي يخبرنا بأن العالم يتحلل في حقيقة الأمر — بعكس ذلك تمامًا.
لدينا أيضًا حجة ثالثة تقول إنه لا بد من وجود إلهٍ كي يوجد مبرِّر للمُثل الأخلاقية. ومع ذلك، فهذه الحجة لا تفيد؛ لأنه كما يؤكد راسل في مكان آخر بإيجاز، قائلًا: «لطالما لقَّنَنَا علماء اللاهوت أن الأحكام التي يقدِّرها الله خير، وأنه لا سبيل لإنكار صحة هذه الحقيقة؛ إذ يترتب على ذلك أن الخير مستقل منطقيًّا عن أحكام الله» (المجتمع البشري في الأخلاق والسياسة، ص٤٨). وربما نضيف أنه إذا اعتبرنا أن مشيئة الإله مبرر للمُثل الأخلاقية، إذنْ يصبح السبب الذي يدفعنا إلى التحلي بالأخلاق هو الحذر من عواقب أفعالنا؛ إذ يكمن في الرغبة في الإفلات من العقاب. ولكن هذا المبرر ليس أبدًا أساسًا مقنعًا لتقوم عليه الحياة الأخلاقية، والتهديدات ليست على أي حال مقدمات مقنعة «من الناحية المنطقية» لأي حجة.
وتقول حجة ذات صلة — استخدمها كانط — إنه لا بد من وجود إله لإثابة الفضيلة وعقاب الشر؛ لأنه يتضح لنا من التجربة أن الفضيلة في هذه الحياة لا تُقابَل دائمًا أو حتى كثيرًا بالثواب. ولكن هذا — كما يقول راسل — أشبه بالقول إنه ما دام كل البرتقال الموجود أعلى صندوق الفاكهة فاسدًا، فلا بد أن البرتقال الموجود تحته في الصندوق طيب؛ وهو استنتاج منافٍ للعقل.
يهاجم الكثيرون من مناهضي الدين الأثر المضر للدين في العالم باعتباره يتسبب في الاضطهاد والشقاق، ومع ذلك يرَوْن أن المسيح شخصية جذابة، ولكن موقف راسل كان مختلفًا؛ إذ كان يعتبره أقل لطفًا ورأفةً من بوذا وأدنى منزلةً بكثير من سقراط فكرًا وخُلقًا. ويرى راسل أن بعض تصرفاته غير لطيفة؛ فمثلًا حين أذبل شجرة التين — ولم يكن ليفيد أن تصير الشجرة غير مثمرة، ما دامت في غير أوان التين — وهدد بإصابة من رفضوا أن يؤمنوا به بالكرب الأبدي. ولفت راسل إلى أنه على مدى قرونٍ طويلة ظل الناس يُلقَّنون أن يؤمنوا حرفيًّا بصحة هذه التحذيرات الوحشية، ما دام ذلك كان يخدم مصالح الكنيسة. ولكن حين أشار المنتقدون في عصرٍ أكثر إنسانيةً إلى مدى قبحها، بدأت الكنيسة في تغيير موقفها بالقول إنه ينبغي فهم التحذيرات فهمًا مجازيًّا.
ولكن راسل كان يوجه معظم انتقاداته ضد المسيحية نفسها كظاهرة «منظمة». وكان يكره الإيمان بالمعتقدات الخرافية — «تعتقد الكنيسة الكاثوليكية أن القس يمكنه تحويل كسرة خبز إلى جسد المسيح ودمه بالتحدث إليها باللاتينية» — وسخفه المطبق؛ فمثلًا «هم يأمروننا بألا نعمل في أيام السبت، ويفهم البروتستانت هذا على أن معناه أنه ليس لنا أن نلهوَ في أيام الآحاد.» يرى راسل أن المسيحية تتميز على الأديان الأخرى بميلها إلى الاضطهاد؛ فالمسيحيون ضايقوا وقتلوا المنشقِّين واليهود والملحدين وبعضهم بعضًا؛ وأغرقوا آلاف البريئات وأحرقوهن وقتلوهن بطرقٍ أخرى بتهمة «السحر»؛ وأزهقوا حياة مئات الملايين من البشر بِناءً على عقائدهم المنافية للعقل المتعلقة بالخطيئة والسلوك الجنسي.
استخدم راسل في حربه على الدين أسلحة تتألف غالبًا من التهكم والازدراء. كان ملمًّا بالكتاب المقدس على نحوٍ يفوق الكثيرين من خصومه، وكان باستطاعته أن يفحمهم باقتباسٍ مناسب؛ ومثال ذلك حين يقول — وهو يناقش المزايا المقارنة بين الدين والعلم — إن «الكتاب المقدس يخبرنا أن الأرنب الوحشي يمضغ الطعام المجتر»؛ مما يسبب صعوبات للأصوليين عند مواجهتهم بعلم الحيوان. وفعلًا لم يكن التباين بين العلم والدين ليكون على نحوٍ أشد وضوحًا. يتناول الدين حقائق مطلقة ولا تقبل الجدل تظل سارية إلى الأبد؛ أما العلم فهو أشد حذرًا وترددًا. يفرض الدين قيودًا على الفكر، ويحرم الاستقصاء حين يتعارض مع ما تسنه الكنيسة؛ أما العلم فيتسم بسعة الأفق (الدين والعلم، ص١٤–١٦). وهذه اختلافات لافتة؛ ففي مواجهة المنطق العلمي أفضل ما يستطيع الدين أن يفعله — حين لا يحاول أن يظل أصوليًّا على نحوٍ متعنت — هو إعادة تفسير النصوص المقدسة بأسلوب مجازي، والتخفي خلف الادِّعاء بأن الحقائق الدينية تتخطى الفهم البشري.

ولكن مع أن راسل كان معاديًا للدين، فقد كان رجلًا متدينًا، وهذا تناقض ظاهري فحسب؛ فمن الجائز أن يكون للمرء موقف متدين للحياة دون الإيمان بوجود كائنات وأحداث خارقة للطبيعة. وفي هذا الموقف يؤدي تذوق الفن والحب والمعرفة إلى تعضيد الروح الإنسانية، وينطوي على شعور بالإجلال حيال العالم وأحبائنا، وينطوي كذلك على شعور مصاحب من الرحابة التي يكون المرء جزءًا منها. وفي مقال شهير وإن كان يتسم بأسلوب متكلف — بعنوان «عبادة الإنسان الحر» — كتبه راسل تحت تأثير فشل زواجه الأول وما صاحَب ذلك من تغيرات في نظرته للأمور، يعرض هذه الرؤية بعينها. ولكن كلماته تحمل بعض التحفظات المبهمة إذ يقول:

حين يتضح في البداية تعارض الوقائع والمُثل العليا، يصبح من الحتمي التحلي بروحٍ يفيض بالتمرد الناري وبكراهية جارفة للآلهة للدفاع عن الحرية. فأن نتحدى عالمًا معاديًا بإخلاص كإخلاص بروميثيوس وأن نراقب شروره دومًا، ونظل نكرهه دومًا، وأن نرفض الألم الذي قد ينزله أذى السلطة المتعمد؛ هو فيما يبدو واجب كل من يرفضون الاستسلام للمحتوم. ولكن السخط ما زال قيدًا، إذ يجبر أفكارنا على الانشغال بعالم خبيث؛ وفي خضم ضراوة الرغبة التي ينبع منها التمرد يوجد نوع من توكيد الذات الذي يجب على الحكماء التغلب عليه؛ فالسخط هو خضوع أفكارنا ولكن ليس رغباتنا؛ والحرية المنزهة عن الانفعال بالفرح أو الترح التي تكمن فيها الحكمة نجدها في خضوع رغباتنا، وليس أفكارنا. وتنشأ من خضوع رغباتنا فضيلة التسليم بالقضاء؛ وينشأ من حرية أفكارنا عالم الفن والفلسفة بأكمله، والقدرة على رؤية الجمال الذي من خلاله نتمكن من استعادة العالم النافر.

(مقال «عبادة الإنسان الحر»، ١٩٠٣، أعيد طبعه في كتاب «التصوف والمنطق»)

وكما يتضح، كان راسل يرى دائمًا أن التوق إلى السموِّ — لحلم الفيلسوف سبينوزا بفهم واضح ونزيه وشامل تمامًا لكل الأشياء التي من شأنها أن تحرر المرء — تلطفه الوقائع القاسية للمعاناة في العالم. وفي ديباجة سيرته الذاتية يكتب قائلًا: كان الحب والمعرفة — بقدر توافرهما — يرفعانِنِي إلى سماء الفردوس. ولكن الشفقة دائمًا ما كانت تعيدني إلى الأرض. ومن ثَمَّ، كان راسل يَتُوقُ بأسلوبه اللاأدري إلى الفردوس، وسعى إلى اكتشاف السُّبل التي من شأنها أن تقود البشر إلى هناك.

التعليم

كان راسل يأمل أن يكون أهم تلك السبل هو التعليم، الذي كان يرى أنه يتناول السؤال المتعلق بالكيفية التي ينبغي بها إعداد البشر للحياة. ولم يتناول راسل التفاصيل الإدارية المتعلقة بإعداد المدارس والجامعات وتدريب المعلمين — مثلما كان من الممكن أن يفعل سيدني وبياتريس ويب — ولكنه تحدَّث بدلًا من ذلك عما قد نسمِّيه الأهداف الروحية (بمعنًى علماني) للتعليم. وكتب راسل أن ما يهدف إليه التعليم هو بناء الخُلق؛ وأن أفضل خُلق هو الحيوية والشجاعة ورهافة الحس والذكاء، على أن تكون كلها «بأعلى مرتبة». وهكذا يعبر عن الموضوع في كتاب «عن التعليم»، الذي نُشر في عام ١٩٢٦، وذلك قبل أن يؤسس هو ودورا مدرسة بيكون هيل بعام واحد. ويتناول هذا الكتاب أساسًا سنوات الطفولة المبكرة، ويُقِرُّ راسل في سيرته الذاتية أنه كان «مفرطًا في التفاؤل حيال علم النفس»، وأنه كان أيضًا في بعض النواحي «مفرطًا في القسوة» في المناهج التي اقترحها. ومن أمثلة ذلك وجهة النظر — التي اتخذها من مبادئ مونتيسوري — القائلة بأنه إذا كان أحد الأطفال سيئ السلوك فينبغي فصله عن غيره من الأطفال حتى يتعلم أن يصبح صالحًا. وبات راسل يرى لاحقًا أن هذا نمط قاسٍ من قواعد ضبط السلوك.
ومع ذلك يحتوي الكتاب على بعض النصائح الوجيهة. ويبدأ راسل بالأطفال الصغار في سنٍّ مبكرة جدًّا، فيؤكد بأنه ينبغي وضع روتين منتظم للأطفال الرضع وإمدادهم بأكبر عدد ممكن من فرص التعلم، وأنه ينبغي إخفاء أي قلق يبديه الأبوان حتى لا «ينتقل القلق إلى الطفل بالإيحاء». وتعكس هذه العقيدة إيمان راسل بأنه ما دام القلق ليس فطريًّا بين الثدييات العليا الأخرى، فلا بد أن ظهوره على الأطفال يأتي نتيجةً لتأثرهم بالبالغين. وذكَّر قُرَّاءه في الوقت نفسه بأنه لا داعي لتعذيب أنفسهم في سبيل أداء واجبهم كآباء، بل أن يحرصوا على الموازنة بين مصالحهم ومصالح أطفالهم.
كان راسل يرى أن المعرفة في حد ذاتها تعمل كأداةٍ للتحرير.

معلومات قد لا نعرفها عن الذئب :

أنثى الذئب التي تسمى بـ “السرحانة” عندما تجد شريك حياتها فإنها تعيش معه طول حياتها ولا تستبدله بآخر حتى بعد موته، وذكر الذئب لا يعاشر أنثى أخرى حين يكون مرتبطاً بزوجة، حتى لا يضيع ويتفرق نسله، وهو في هذا أحرص حتى من البشر

كذلك الذئاب لا تترك والديها عندما يكبرا في العمر ويعجزا عن تأمين غذائهما، فشباب الذئاب يصيدون ويأتون بالفرائس إلى أوكارهم حيث يتشاركون الأكل مع والديهم الكبار وأشبالهم الصغار.

معلومة أخرى.. الذئب هو الكائن الوحيد الذي يستطيع قتل الجن.
لذلك يطلق البدو على الذئاب “نسل الملوك”.
لماذا يقال خليك ذيب ؟!
لماذا الذيب بالذات ؟

معلومات قد لا نعرفها عن الذئب :

1- لا يأكل الجيفة مطلقًا .

2- هو من السباع ومن سلالة ملوك الحيوانات.

3- لا يحدث عند الذئب زواج المحارم أي أنه لا يتزوج من أمه أو اخته كباقي الحيوانات .

4- وفاء الأزواج لديه منقطع النظير أي أنه يتزوج من ذئبة واحدة مدى الحياة وكذلك تفعل الأنثى و لذلك فإن الذئب يعرف أبناءه فهم يخلقون من أم واحدة وأب واحد .

5- في حالة موت أحد الزوجين يقام حداد من قبل المتبقي لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر وقد تستمر سنة كاملة تصاحبها حالات انتحار وقليل ما يبقى أحد الزوجين على قيد الحياة.

6- يُلقب الذئب بالابن البار لأنه الحيوان الوحيد الذي يبر والديه بعد وصولهما لمرحلة الشيخوخة وعدم القدرة على مجاراة القطيع في الصيد فيبقى الأبوان في الوكر ويصطاد لهما الأبناء ويطعموهما .

فلذلك عندما يطلقون لقب الذئب على رجل فهم يأملون به أن يحمل صفات الذئب مثل الشجاعة والوفاء للقطيع والوفاء للزوجة والتنزه عن السفاسف وعزة النفس ومبرة الوالدين .
معلومات قيّمة و فعلًا نحن نجهل الكثير ،
مع إننا نقول للأطفال في بعض المواقف خلك ذيب دون معرفة حقيقية بصفاته..

تأنيب الضمير:

تأنيب الضمير أمر طبيعي يدل على أن الشخص يمتلك ضمير حي وقلب نقي، ولكن في بعض الحالات يصبح الأمر مرضي، فيشعر الشخص بالتأنيب للضمير بسبب أي تصرف يقوم به أو حتى كلمة يقولها فتضايق أشخاص آخرين، فيتسبب ذلك في عدم قدرة الشخص على‎ النوم‎، كما يتسبب بإرهاق شديد للعقل.‎

أسباب تأنيب الضمير‎
يوجد العديد من الأشياء التي من الممكن أن تتسبب في شعور الشخص بتأنيب ضميره، ويختلف السبب بإختلاف الشخص وبإختلاف الموقف الذي يمر به، ومن المواقف التي من الممكن أن تتسبب في شعور الشخص بتأنيب ضمير ما يلي:‎
– فهناك من يخاف أن يجرح مشاعر الأخرين فيعاتب نفسه على كل كلمة وكل فعل يفعله حتى ولو كان صحيح ومقتنع به لكن هذا الفعل تسبب في غضب شخص ما.‎
– وهناك من يعاتب نفسه على تقصيره في أي واجب من واجباته، وهذا التقصير تسبب في مروره بحالة من‎ الفشل‎ أو الإخفاق في أمر ما، مثل الطالب الذي يقصر في مذاكرة دروسه فتكون النتيجة رسوبه في المدرسة، وغيرها من المواقف.‎
– هناك أشخاص أخرون يعاتبون أنفسهم بسبب تقصيرهم في عبادتهم، وهذا الأمر جيد ويشير لخوف العبد من ربه، فيعاتب نفسه لو أجل صلاته لسبب ما، أو لتقصيره في أي أمر آخر له علاقة بالعبادة.‎
– هناك من يعاتب نفسه بسبب خطوة كان لابد من أن يقوم بها ولكنه تأخر فكان هذا سبب في ضياع فرصة هامة بالنسبة له.‎
على ماذا يدل تأنيب الضمير‎

الشخص الذي يؤنب نفسه دائما هو شخص ضميره حي، ويخاف الله، ويتمتع هذا الشخص بقلب نقي وفطرة حسنة، وفي بعض الحالات يكون التأنيب للضمير شعور نابع من الإحساس بالفشل و‎الهزيمة‎، ومرور الشخص بفترة نفسية صعبة، كأن يكون التأنيب بسبب التقصير في الواجبات مثلا.‎
كيفية التخلص من تأنيب الضمير‎
بالرغم من أن تأنيب‎ الضمير‎ أمر جيد ولكن في بعض الحالات يصل الأمر لحد المرض، فلا يستطيع الشخص النوم أو حتى إراحة عقله، فيصبح هذا الشخص يرهق عقله دائما بكلمة لو، لو كنت فعلت كذا لصار كذا، وبالطبع هذا التفكير لن يغير من الاأمر شئ، ولابد من التخلص من هذا النوع من التأنيب للضمير كالتالي:‎
مسامحة النفس‎
لابد من أن نتعلم جميعا مفهوم مسامحة الذات، فلابد من أن يسامح الشخص نفسه وأن يتسامح مع المحيطين به، فلا يؤنب الشخص نفسه على أمر فات ولا يمكن تغييره، ولابد أن يكون على يقين من أن كل البشر خطائين، ومن الممكن أن يقع الجميع في الخطأ، ولكن يجب أن نتعلم من أخطائنا ونقف مرة أخرى ونحاول التحسين من أنفسنا، حتى نستطيع الإستمرار في الحياة وحتى نكون قادرين على‎ النجاح‎ وتحقيق ما نريد.‎
الإهتمام بالأمور الإيجابية‎
الشخص الذي يؤنب نفسه دائما لا يهتم بأي إيجابيات وينظر فقط للسلبيات، فيجب أن يتعلم تقدير ذاته، وأن يصبح فخور بنفسه وبتصرفاته، فيجب أن يتذكر في نهاية اليوم الأمور الإيجابية التي قام بها والتي سوف تساعده حتى يحقق أحلامه ويصل لأهدافه، فالشخص الذي يقدر نفسه ويعرف قيمتها جيدا من السهل جدا أن يستفيد من قدراته للوصول للنجاح الذي يتمناه.‎
تجنب قول لو‎
كلمة لو لن تغير الماضي ولكنها تفتح الباب للشعور بالذنب وتأنيب النفس، فيجب تجنب جلد الذات والتفكير دائما في النتائج التي كان من الممكن أن نصل لها لو قمنا بكذا وكذا، فالماض أمر قد حدث بالفعل ولن يمكن تغييره أبدا، مهما فعلنا ولكن من الممكن التعلم من الأخطاء حتى لا نقع فيها مرة أخرى كما يمكن أن نطور من إمكانياتنا وإستغلال الأخطاء لتحويل الفشل إلى نجاح والوصول إلى ما نتمناه.‎
الأثار الناتجة من تأنيب الضمير بكثرة‎
الشخص الذي يؤنب نفسه وقت النوم ويرهق عقله في التفكير تظهر عليه الأعراض التالية:‎
– يصبح شخص دائم الهروب من المشاكل ولا يحاول أن يحل أي مشكلة يمر بها، ولكن يلجأ دائما للوم نفسه مع عدم محاولة الإصلاح.‎
– يصبح شخص سلبي وليس له أي دور في المجتمع.‎
– يصبح شخص متشائم مما يتسبب في بعده عن الناس وتجنب الناس له.‎
– يصاب بإضطراب في النوم فيصبح غير قادر على النوم بطريقة صحيحة كما يصاب بالأرق، وعدم القدرة على التركيز، كما تتغير عاداته فمن الممكن مثلا أن يلجأ لتناول الطعام بشراهة أو التوقف عن ‎تناول الطعام‎ حسب طبيعة الشخص.‎
– يصبح الشخص فاشل وغير قادر على فعل أي إصلاحات في حياته.‎
– من الممكن أن يلجأ هذا الشخص لبعض العادات الخاطئة مثل الإدمان أو غيرها من ‎العادات السلبية‎.

هرمون السعادة وأنواعه و9 طرق طبيعية لزيادته…‎

تعتبر هرمونات السعادة هي المسؤول الأول عن الشعور بحالة السعادة أو الحزن التى يشعر بها الإنسان، وهذا من خلال زيادتها أو نقصانها ومن أهم هرمونات السعادة السيروتونين والإندروفين والدوبامين والأوكسيتوسين، ويمكن تعزيز هذه الهرمونات وتقويتها من خلال اللجوء إلى العديد من الطرق والتي نتعرف عليها الآن من خلال ما يلي.‎

✔تعريف هرمون السعادة:‎
هرمون السعادة هو الهرمون الذي يساعد على التخلص من حالة الحزن واستبدالها بحالة من السعادة ومن بين هرمونات السعادة هرمون السيروتونين، وهذا يساعد على التقليل من التعرض إلى الإكتئاب وتعديل المزاج.‎
أنواع هرمونات السعادة وفقا للأبحاث العلمية:‎
💠 الأندروفين: يعد من الهرمونات التي تزيد السعادة، كما أن من أهم المحفزات له ممارسة الرياضة، وخاصة رياضة الجري التي تزيد من نسبة إفراز هرمون 💠الأندروفين.‎
💠السيروتونين: يساعد هرمون السيروتونين على التخلص من الإكتئاب ويزيد من الثقة بالنفس، فضلا على الشعور بالسعادة كما أنه من الهرمونات التي تساعد على علاج الوسواس القهري والهلع والشعور بالحزن.‎
💠الأوكسيتوسين: من الهرمونات التي تزيد من الشعور بالسعادة، كما أنه يسمى هرمون الحب وهذا لأنه يتم إفرازه عند الشعور بمشاعر إيجابية تجاه الآخرين.‎
💠الدوبامين: يسمى هرمون الدوبامين بهرمون التحفيز والنجاح، حيث أنه يحفز الشخص لآداء أعماله بنجاح وزيادة الشعور بالحماس والطاقة. ‎

✔طرق زيادة هرمونات السعادة:‎

  1. ممارسة الرياضة:‎
    من أفضل الطرق التي تقوي هرمونات السعادة وتزيد من فاعليتها هي ممارسة الرياضة بشكل يومي لمدة نصف ساعة على الأقل، ومن مميزات ممارسة الرياضة أنها تساعد على تنظيم النوم بشكل جيد وحماية المخ والحفاظ على القلب، بالإضافة إلى أنه يزيد من معدل هرمون الأندروفين والسيروتونين والتي تساعد على تحسين الحالة المزاجية بشكل كبير ورفع مستويات الطاقة لدى الإنسان، ولهذا يجب الحرص على ممارسة الرياضة باستمرار.‎
  2. تناول الشوكولاتة:‎
    لتعديل الحالة المزاجية يمكنك تناول الشوكولاتة وهذا وفقا للأبحاث العلمية التي أكدت أن الشوكولاتة لها تأثيرعلى تعزيز هرمونات السعادة وتقويتها، وهذا لأن الشوكولاتة لها تأثير على هرمون الأندروفين، فضلا على الفوائد الصحية لها مثل التقليل من الإلتهابات وتخفيف معدل ضغط الدم وحماية الشرايين ولهذا يجب أن يتم تناول الشوكولاتة.‎
  3. التعرض إلى أشعة الشمس:‎
    يجب تعريض الجسم يوميا إلى أشعة الشمس والتي تمدنا بفيتامين د، وهو من الفيتامينات الهامة التي تساعد على إنتاج المواد الكيميائية بالمخ، ومنها الدوبامين وهو من هرمونات السعادة بالإضافة إلى هرمون النورادرينالين، والأسيتيل كولين، والتي يتم تعزيزها ويمكن أيضا الحصول على فيتامين د من خلال تناول الأسماك الدهنية وصفار البيض ومنتجات الألبان، ولكن يعد التعرض إلى أشعة الشمس أهمها لتقوية هرمونات السعادة.‎
  4. الأطعمة التي تحتوي على الكربوهيدرات:‎
    بناءا على الأبحاث العلمية فإن الأطعمة التي تحتوي على نسبة عالية من الكربوهيدرات تساعد على زيادة مستويات السيروتونين والتي تساعد على تعزيز الحالة المزاجية، وبالتالي تساعد على الحصول على السعادة، ومن أفضل أنواع الكربوهيدرات التي يجب أن تتواجد في الأكلات الشوفان والأرز البني.‎
  5. تربية حيوان أليف:‎
    أكدت الدراسات أن تربية حيوان أليف والإهتمام به واللعب معه لمدة ربع ساعة فقط يزيد من هرمونات السيروتونين والبرولاكتين، بالإضافة إلى أنه يقلل من هرمون الكورتيزول مما يقلل من التوتر والشعور بالوحدة، والتقليل من الطاقة السلبية التي يشعر بها الإنسان.‎
  6. التأمل:‎
    يعتبر التأمل من الخطوات الجيدة التي تساعد على الحفاظ على الصحة النفسية والعقلية وتزيد من السعادة لدينا، وهذا لأن التأمل يساعد على تحفيز الغدة النخامية، مما يساعد على إطلاق هرمون الأندروفين مما يعزز من الاسترخاء والتقليل من أعراض القلق والإكتئاب والتخلص من التوتر، وكل ما عليك هو التأمل يوميا لمدة عشرة دقائق فقط مع تمارين التنفس.‎
  7. فيتامين ب:‎
    يعتبر فيتامين ب مهم لإنتاج الناقلات العصبية ومنها الدوبامين والسيروتونين، والتي تساعد على زيادة الإنتباه والتقليل من نسبة فقدان الذاكرة، بالإضافة إلى أن تناول أنواع فيتامين ب مثل فيتامين ب12 وب6 يساعد على تعزيز المخ وزيادة الشعور بالسعادة، ويمكنك تناول فيتامين ب في الأطعمة المختلفة مثل الأرز البني والحبوب الكاملة واللحوم والخضروات الورقية والبروكلي وغيرها.‎
  8. تدليك الجسم:‎
    حصولك على جلسة من التدليك يساعد على تحفيز هرمونات السعادة وخاصة هرمون السيروتونين، مما يساعد على التقليل من الأعراض الإكتئابية التي يتعرض إليها الإنسان بالإضافة إلى أنه يساعد على التخلص من الحالة المزاجية السيئة التي تتعرض إليها المرأة أثناء فترة الحمل.‎
  9. تناول الأطعمة التي تزيد من هرمون السعادة:‎
    يعد تناول أنواع مختلفة من الأطعمة يساعد على تعزيز الحالة المزاجية للإنسان وزيادة وتقوية هرمونات السعادة بالجسم، ومن خلال ما يلي إليكم أهم هذه الأطعمة:‎
    المكسرات:‎
    تعتبر المكسرات من أهم الأطعمة التي تحتوي على نسبة عالية من الأحماض الدهنية وخاصة الأوميجا 3، والتي لها دور في إفراز هرمون السيروتونين والذي يعتبر من هرمونات السعادة الهامة، ومن أنواع المكسسرات الصنوبر والكاجو والجوز واللوز.‎
    السالمون:‎
    يحتوي السالمون على الأحماض الدهنية الهامة لإنتاج هرمون السيروتونين، مما يساعد على تعديل الحالة المزاجية، والتخلص من التوتر والقلق الذي ينتاب الإنسان.‎
    البذور:‎
    تناول أنواع البذور المختلفة مثل السمسم وبذور الكتان والريحان والشيا التي تساعد على تعزيز هرمونات السعادة بالجسم وخاصة زيادة إنتاج هرمون السيروتونين، بالإضافة إلى أنه يحتوي على مادة التربتوفان والتي تساعد على حماية الدماغ من قلة التركيز والتذكر.‎
    الحليب:‎
    يحتوي الحليب على نسبة عالية من التربتوفان بالإضافة إلى إحتوائه على الألفا لاكتالبومين، والتي تساعد على تعزيز إنتاج هرمون السيروتونين، مما يزيد من السعادة ويساعدك على التخلص من الحزن والأعراض الإكتئابية.‎
    الخضروات الورقية :‎
    تعتبر الخضروات الورقية من الأطعمة المميزة التي تساعد على زيادة وتعزيز هرمون السعادة بالجسم بالإضافة إلى أنها تحتوي على نسبة عالية من الفيتامينات والمعادن، والألياف الصحية الهامة التي يحتاجها الجسم ومنها السبانخ واللفت.‎

هذا هو محمد البسيط المتواضع ..

و رأيته في بيته يغسل ثوبه و يرقع بردته و يحلب شاته و يخصف نعله ..

و رأيته يأكل مع الخادم و يعود المريض و يعطي المحتاج ..

و رأيته و هو يصلي و حفدته يتسلقون ظهره و هو ساجد فيتركهم حتى إذا وقف حملهم و استمر في صلاته .

كان الحنان و الحب مجسدا ..

أحب الإنسان و الحيوان .. حتى النبات حنا عليه فكان يوصي بالشجر ألا يقطع .
حتى الجماد شمله بالحب فكان يقول عن جبل أحد .. ” هذا جبل يحبنا و نحبه “

حتى تراب الأرض كان يمسح به وجهه متوضئا في حب و هو يقول “تمسحوا بالأرض فإنها بكم برة “

هذا هو العظيم الذي كان يكره التعظيم و كان يقول لأصحابه حينما يقفون له .. ” لا تقوموا لي كما تقوم الأعاجم يعظمون ملوكهم “

و كان الكريم الذي وصفه أصحابه بأنه ينفق في سخاء من لا يخشى الفقر أبدا ..
لم يحدث أنه أدخر درهما ..
و قد مات كما هو معلوم و درعه مرهونة عند يهودي .

و عاش لم يشبع قط .. و لم يذق خبز الشعير يومين متتالين .. و مع ذلك لم يكن يرفض الهدية تأتيه بالشهي من المأكل و الناعم من الملبس و لكنه يرفض أن يسعى لهذا العيش اللين أو يفكر فيه أو ينشغل به .. و لهذا كان يربي نفسه و يروضها على الفقر و الجوع و القصد في المطالب و الرغبات ، ليكون المثل و القدوة لما أراده الإسلام ..

دين الإعتدال و التوسط .. فلا رهبانية و قتل للنفس .. و لا تهالك و إطلاق للشهوات .. و إنما توسط و اعتدال .

د : مصطفى محمود رحمه الله
كتاب / الطريق إلى الكعبة

العلوم الاجتماعية وإشكالية البحث عن المنهج العلمي…

تقديـــــــــــــم

لقد جاءت العلوم الإنسانية متأخرة النشأة قياسا بالعلوم الدقيقة، كما جاءت تلك النشأة، كنتيجة لما بدأت المجتمعات الحديثة تعرفه من قضايا نفسية واجتماعية جديدة ارتبطت بتطورها السريع.. هكذا أصبحت هذه العلوم تسعى إلى تحويل الإنسان إلى ظاهرة قابلة للدراسة العلمية الموضوعية. إلا أن تميز الإنسان واختلافه عن الظواهر الطبيعة جعل العلوم الإنسانية تعرف مشاكل إبيستيمولوجية من نوع خاص، ومن ثم بدأ العلماء يتساءلون حول مدى قدرة هذه العلوم على بلوغ دقة العلوم الطبيعية.

يظهر أن العلوم الاجتماعية عرفت تطورا عميقا و متواصلا سواء في مضمونها المعرفي أو في مناهجها التي تبعها للإجابة عن اشكاليتها التي تطرحها للبحث و للسؤال. هكذا، نلاحظ توسعا لمجال التحليل و التطرق لمواضيع جديدة و بأدوات ووسائل منهجية حديثة، سواء نتيجة اجتهادات الباحثين فيها أو بفعل ما يقومون به من اقتباس من مكتسبات معرفية و منهجية من علوم أخرى قريبة. وقد طرح كثير من فلاسفة العلم مسالة علميتها ، بل تساءل جلنر عالم الانثربلوجبا عن إمكانية دخول العلوم الاجتماعية إلى حظيرة العلوم الطبيعية، كما ناقش البعض منهم حول خصوصيتها المعرفية و المنهجية.

لقد حققت العلوم الطبيعية نجاحا كبيرا بفضل استخدامها المنهج التجريبي و قوانين الحتمية، فهل يمكن أن يتحقق ذلك مع العلوم الإنسانيـــة؟ بمعنى هل يمكن دراسة الظواهر الإنسانية بطريقة تجريبية تماما كما يحدث في العلوم الفيزيائة و الكيميائية؟

صحيح أن العلوم الإنسانية كعلم الاجتماع أو علم النفس أو الانثربلوجيا أو علم الاقتصاد، حديثة النشأة في القرن التاسع عشر، بيد أن الدراسات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية قد وجدت دوما مبثوثة في ثنايا المصنفات الفلسفية؛ بل إننا إذا تأملنا علما إنسانيا خاصا هو علم التاريخ نجده علما قديما كقدم علم الرياضيات نفسه. ولكننا نلاحظ أيضا أن علم التاريخ نفسه ورغم عراقته لم يطرح وجوده أية إشكالية منهجية أو ابستملوجية إلا منذ القرن الثامن عشر. لماذا؟

لقد تزامن ذلك مع الميلاد الحديث للعلوم التجريبية التي قدمت نموذجا باهرا للعلمية سواء من حيث دقة المناهج والنتائج أو نجاعتها لما وفرته من قدرة على التحكم في الظواهر الطبيعية، ولن يكف هذا النموذج عن ممارسة تأثيره وجاذبيته منذ ذلك الوقت..

1-مسالة تحديد معنى العلوم الاجتماعية و أسباب تأخرها في تبني المنهج الوضعي

1-1-إشكالية التسمية

لقد اختلف الباحثون في توحيد إطلاق اسم موحد على كل المعارف المرتبطة بالإنسان و المجتمع.

+ إذ نجد تسميات متعددة منها علوم الإنسان Sciences de L’ Homme و العلوم الإنسانية Sci. Humaines و العلوم الاجتماعية. Sci. Sociales

+و تسمى أيضا بالعلوم المعنوية وهي تتخذ من أحوال الناس وسلوكاتهم موضوع الدراسة وفق منهج منظم ،إنها تدرس واقع الإنسان و كل ما يصدر عنه من سلوكات من مختلف أبعاده ، النفسية والاجتماعية و التاريخيــــــة

كما نجد فرقا بينها وبين العلوم المعيارية :

+أن العلوم الإنسانية S.Humaines تدرس الحالة الراهنة للسلوك أي ما هو كائن أما العلوم المعياريةAxiologie فهي تهتم بما يجب أن يكون أي بما تحمله الأماني كعلم االمنطق Logique الذي يبحث في قوانين التفكير الصحيح .وعلم الجمال Esthétique الذي يدرس الفرق بين القبيح و الجميل و أسس التعبير الجمالي وعلم الأخـــــــــلاق Ethique التي تبحث في القواعد و القيم التي ينشأ عليها السلوك الفاضل و على أساسها يتم التمييز بين الخير و الشر.

+ لقد حددها المعجم العربي الأساسي في ” أنها هي العلوم التي تختص بدراسة تصرفات الناس

و سلوكهم أفرادا أو جماعات و تقابلها” العلوم الطبيعية”. و هذا يعني أن العلوم الإنسانية و الاجتماعية شيء واحد.

كلود ليفي شتراوس اقترح التمييز التالي:

علوم الإنسان أو العلوم الإنسانية تهدف إلى تحليل واقع الإنسان فردا و مجتمعا كالانثربلوجيا و علم النفس و المنطق و اللسانيات و الابستملوجيا

العلوم الاجتماعية التي تهتم بقضايا المجتمع تحليلا و موضوعا كالاقتصاد و الاجتماع و الجغرافيا الاجتماعية

أما قاموس اوكسفورد فيميز بين العلوم الاجتماعية و الإنسانية:

أن العلوم الاجتماعية هي العلوم التي تهتم بالدراسة العلمية للمجتمع البشري و ما يتعلق به من علاقات و سياسة و اقتصاد و جغرافيا بشرية

أما الإنسانيات هي التي يقصد بها الآداب و الفنون و التاريخ و الفلسفة و ما يتعلق بفلسفة الإنسان.

بصفة عامة، العلوم الإنسانية أو علوم الإنسان أو العلوم الاجتماعية هي مجموعة علوم غير محددة من حيث العدد و هي التي تتطرق بشكل مباشر اوغير مباشر الى الإنسان و إلى ثقافته و انجازاته لتشمل علوم الانثربولوجيا و الاقتصاد و السوسيولوجيا و النفس و التاريخ و الجغرافيا والسياسة و الاركيلوجيا و الإدارة

ولضبط مفهوم العلوم الاجتماعية تطرح الملاحظات الآتية:

الاصل في ازدواجية الانتماء .سيكون وجود العلوم الإنسانية موسوما منذ البداية بالتوتر بين قطبين موجودين أصلا في الاسم نفسه “علوم / إنسانية

+”علوم” يحيل هذا المكون بشكل لا مفر منه على العلوم التجريبية التي تمثل كما أسلفنا- النموذج المثالي للعلمية؛

+ “إنسانية”: يحيل هذا النعت إلى الفلسفة من حيث أن هذه الأخيرة تتخذ بدورها الإنسان كموضوع لها

غموض و عدم دقة المفهوم. إذ أن وفرة ميادين الحقل المعرفي الخاص بهذه العلوم تفرض تحديد المعايير المستعملة لتحديد هذه العلوم فيما بينها و فيما بينها و بين العلوم الدقيقة الطبيعية الأخرى، و بالتالي ، نلاحظ أن مشكل علوم الإنسان أصبح يتحدد في طبيعة المعرفة المستعملة و قيمتها العلمية.

صعوبة تحديد و استخلاص مميزات مشتركة لكل العلوم الإنسانية. فهناك تخصصات في ميدان معرفي تتطرق لموضوع قريب قد ينتمي للعلوم الطبيعية. فالمناخ تخصص جغرافي له ارتباط بعلم الأرصاد الجوية ، و علم الاجتماع له علاقة بعلم الاجتماع الإحيائيSociobiologie المنتمي لعلم البيولوجيا

كما تطرح بنية المجال العقلاني لكل تخصص إنساني خصوصا بنيتها الداخلية و منطقها المعرفي.

بصفة عامة، لم يتفق أقطاب التفكير الابستمولوجي بعد حول اجتماع تام حول الهوية المعرفية للعلوم الإنسانية ، حيث لم يستطيعوا الحسم في مستوى الروح العلمية لفروعها.

1-2- السياق الفكري لمشكلة المنهجية في العلوم الاجتماعية وعوامل تأخرها

1-2-1 –السياق الفكري للمشكلة

الواقع أن الحديث عن إشكالية المنهج في العلوم الإنسانية له تاريخ طويل في الفكر الأوروبي حيث عاش المجتمع هذه الإشكالية منذ العصور المظلمة (عصر محاربة الكنيسة للعلم ) إلى أن تمكن العلم بمناهجه وتجاربه من إن يثبت جدارته وصدقه ويتغلب بذلك علي الأفكار اللاهوتية و الميتافيزيقية التي جعلت من أوروبا تعيش زمناً طويلاً من الجهل والظلام ،أن الإنسان له عقل وفكر قادر على التفكير بطريقة علمية مكنته من أن يصنع ويخترع ويخطط من خلال ما يستخدم من مناهج تساعده في ذلك (المنهج الكيفية المتمثلة في المنهج الهرمنوطيقي )والمنهج العلمي التجريبي ،وقد ظهرت المدرسة الوضعية(العلمية) على يد أوجست كونت الذي نادي بوحدانية المنهج بمعني دراسة الظواهر الإنسانية مثل دراسة الظواهر الطبيعية(ومن هنا ظهرت أول شرارة للحرب بين العلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية وبين المناهج الوضعية التجريبية والمناهج الكيفية ) وقبل ذلك كانت الإشكالية المنهجية –عند المفكرين السابقين –حيث كان ديكارت يرى أن أسس المنهج تكون عقلية ،وعلى النقيض منه يرى بيكون أن أسس المنهج يجب أن تكون تجريبية ، وبعد ما طرح كونت إشكالية المناهج في العلوم الإنسانية وأصبح لدينا فريقين من العلماء والمفكرين فريق يرى أن العلوم الإنسانية يمكن دراستها بالمناهج التي تدرس بها العلوم الطبيعية (المناهج التجريبية ) وفريق على النقيض من ذلك يرون أن المناهج المستخدمة في العلوم الطبيعية غير صالحة لكي تستخدم مع الظواهر الإنسانية وذلك نظراً لاختلاف الظواهر الطبيعية عن الإنسانية-العلوم الطبيعية تدرس العالم الخارجي والعلوم الإنسانية تدرس العالم الداخلي – حيث ظهرت العديد من الاتجاهات التي نادت برفض الوضعية وتبني الاتجاهات العقلية في دراسة الظواهر الإنسانية وظهرت في كتابات العلماء (دلتاي –هوسرل –فندلباند –وريكرت ) وظهرت العديد من المناهج في هذا المجال مثل المنهج الظاهراتي والهرمنوطيقي والمنهج الابستمولوجي (منهج علم اجتماع المعرفة) والمنهج النقدي الذي ظهر على يد علماء مدرسة فرنكفورت ، وظهرت العديد من الانتقادات الموجهة للمدرسة الوضعية منها ما يلى (أنها اختزلت العلم إلي مجرد علم للوقائع –وإنها نفت الأسئلة المتعلقة بالإنسان من قاموسها فهي تشيء الإنسان و تموضعه وتجرده من إنسانيته –كما أنها تحاول تجريد الإنسان من إنسانيته ،). ومن أهم الانتقادات الموجهة للمدرسة الوضعية في ثلاثة نقاط رئيسه :

أولاً :موضوع تاريخ العلم :فهي تغيب البعد التاريخي وترفض الجدل فيه ، فهي تميل الى النظر سكونياً إلي النظرية العلمية ،بمعني أنها لا تراها بوصفها عضوية تاريخية متنامية كماً وكيفاً،فهي لاتسأل نفسها كيف تنشأ النظرية العلمية وتزدهر وربما كيف تضمر وتنتهي

ثانياً:: المفهوم النقدي للعلم :تغفل الوضعية نقد الفكر ونقد الواقع أي نقد للمجتمع الرأسمالي البرجوازي

1-أ2-2-أسباب تأخر العلوم الاجتماعية في اكتساب المنهج العلمي

يرى جون بياجي أن موضعة الظاهرة أكثر تعقيدا نظرا لتداخل الذات والموضوع على أكثر من صعيد.

فالذات الملاحظة بقدر ما تلاحظ غيرها وتجرب على غيرها، فإنها في نفس الوقت تلاحظ ذاتها وتجرب على ذاتها، وينتج عن ذلك أن تفاعل الذات والموضوع في فعل الدراسة يؤثر في سير الظاهرة المدروسة مثلما يؤثر في الذات الدارسة

غالبا ما تكون الذات الدارسة حاملة لمعرفة عفوية، مسبقة وحدسية حول الظاهرة المدروسة. لأن الدارس وقبل أن يكون عالم اجتماع مثلا فهو فاعل اجتماعي يتعرض لتأثير المعرفة الاجتماعية المتداولة. نقول إذن إن تحقيق القطيعة الابستملوجية بين المعرفة العفوية والمعرفة العلمية ليس بالأمر اليسير كما هو حال في علوم الطبيعة

يضاف إلى كل ما سبق الالتزام الفلسفي أو الايديلوجي لعالم الإنسانيات بحيث قد يميل إلى التبرير أو الإدانة ويجانب الحياد فيتجاوز الوصف إلى التقييم، وهو ما يسمى بمشكلة “أحكام القيمة

الحادثة التاريخية لها طبيعة معنوية كالحروب الصليبية أو الحرب الباردة ، لا تلاحظ بالعين المجردة أو بالأجهزة كما نلاحظ الظواهر الطبيعية ، و ما يمكن ملاحظته فقط آثارها غير المباشرة و هذا يعني أن الخطوة الأولى في المنهج التجريبي منعدمة.

انها حادثة من انتاج الإنسان و تخطيطه، لذلك يصعب تحديد أسبابها بدقة ، و نتائجها و أبعادها وقت حدوثها ، فالكثير من الحروب تقع بطريقة غير مفهومة ، يخفي مقرروها أسبابها الحقيقية .

انها ظاهرة بشرية ، من صنع الإنسان و ترتبط بحياته الخاصة و العامة ، و الإنسان كما نعلم يتصرف بحرية له القدرة على إبداع مظاهر سلوكية غير معهودة و غير متوقعة ، كما أنه لا يستقر على حالة واحدة و عليه لا يمكن اخضاعها لقوانين الحتمية ، مثلا اذا وقع الطلاق بين زوجين لأسباب معينة ، فان نفس الأسباب قد نجدها في عائلة أخرى دون ان يحدث الطلاق ، نفس الشيئ بالنسبة لظاهرة الانتحار و العنف و غيرها ، و هذا ما يضيق دائرة التنبؤ بشكل كبير

عائق الذاتيــــــــــة و هو من أكبر العوائق الابستيمولوجية في العلوم الإنسانية ، لأن المؤرخ لا يواجه في هذه الحالة ظواهر طبيعية مستقلة ، بل سيواجه حقائق تتعلق بكيانه الشخصي و الوطني و الاديولوجي ، فيكون هو الدارس و المدروس في نفس الوقت ، يتأثر حتما بانتمائه السياسي و الديني . إن المؤرخ بصفة عامة بدل أن يلتزم الحياد و الموضوعية و يفسر الحادثة كما وقعت يقوم بتأويلها و يصدر بشأنها أحكاما تقييمية ، فتراه يضخم الوقائع التي تخدم قضيته ، و يتغاضى عن الوقائع التي تسيئ اليها . و في جميع الحالات تزييف للحقيقة .

انها ظواهر خاصة تنطوي على عوامل و محركات ذاتية ، كعوامل الطلاق و الانتحار و الهجرة ،و ما هو ذاتي لا يكون قابلا للدراسات التجريبية لانعدام الملاحظة الخارجية ، و لايكون قابلا أيضا للتحليل الرياضي الدقيق .

1- انها ظواهر داخلية يدركها صاحبها ، ولا تدرك من الخارج ، فنحن لا نرى الشعور و اللاشعور ، أو الحب و الكراهية و الانانية و غيرها ، لا مكان لها ، و لا حجم . فعندما يتحول الحزن الى فرح لا ندري المكان الذي اختفى فيه الحزن ، و لا المصدر الذي جاء منه الفرح

إنها ظواهر خاصة تتعلق بمقومات الشخصية ، وما دامت هذه المقومات مختلفة من شخص لآخر يتعذرفيها التعميم ، كل واحد و انفعالاته ، و اهتماماته ، و قناعته ، و لذلك يستحيل تعميم النتائج ، و هذا يعني أن مبدأ الاستقراء المعروف في العلوم التجريبية غير قابل للتطبيق في الدراسات النفسية.

انها ظواهر كيفية ، تقبل الوصف لا تقبل التقدير الكمي ، فإذا كان العلم قادرا على قياس درجة حرارة الجسم أو ارتفاع ضغط الدم بالوسائل التقنية ،فان هذه الوسائل غير قادرة على قياس درجة القلق أو الحب الإيمان و غيرها..، يقول الكسيس كاريل ان تقنياتنا عاجزة عن تناول ما لا بعد له و لا وزن و عن قياس درجة الغرور و الأنانية ، و الحب و الكراهية .

إنها ظواهر شديدة التداخل و الاختلاط : أي أنها ظواهر معقدة، متعددة ومتداخلة الأبعاد يصعب عزلها بيسر أو تعيين دور كل منها في تحديد الظاهرة..

انها ظواهر متشعبة تتدخل فيها عوامل كثيرة ، اقتصادية و اجتماعية و سياسية و عقائدية و تاريخية ، فقد يقول البعض أن سبب الهجرة إلى الخارج اقتصادي محض ، لكن يمكن أن يكون سياسي أو اديولوجي و بذلك تنعدم الدقة النتائج المتوصل إليها

غياب وضوح المنهج الذي يقود السبب إلى نتيجة مما يسمح بتأويلات للسببية المقترحة و نفس الشيء يرتبط بتعقد المفاهيم و غموضها التي تدخل في اللعبة .

القيام بالتجارب المتكررة في ظروف مشابهة غير ممكنة . لهذا وجب تحديد طرق القيام بها لتكون مقبولة. إذ يصعب تطبيق التجريب في العلوم الإنسانية لعدم خضوع الإنسان و المجتمع للتجريب. فالتجريب يقتضي عزل مؤشرات محددة و إخضاعها للتجربة بالملاحظة، وهذا غير ممكن عموما ( عدا في علم النفس بقياس الذاكرة…)

إن الحادثة االبشرية فريدة من نوعها لا تتكرر فهي غير قابلة للتكرار وما يستخلص من دراسة ظاهرة واحدة يصعب تعميمه لندرة الظواهر المماثلة لأن الزمن او المكان الذي حدثت فيه لا يعود من جديد ، و الإطار الاجتماعي الذي اكتنفها يكون قد تغير و لذلك لا يمكن للمؤرخ إخضاعها للتجريب عن طريق اصطناع حرب تجريبية حتى يتحقق من صحة فرضياته ، ثم أنها ظواهر لا تمتثل لقوانين الحتمية ، إن أسباب وقوع حرب ماضية قد تجتمع حاليا ولا تقع الحرب قد تلجأ الأطراف المتنازعة إلى السلم بدل الحرب ، وما دام الإنسان يتصرف عادة بحرية فان التنبؤ بأحواله يكون شبه مستحيل

إنها ظواهر لا تتكرر بنفس الطريقة و نفس الشعور و نفس الأثر ، فلا يمكن للباحث أن يصطنع الحب و الكره أو التفاؤل و التشاؤم حتى يتحقق من صحة فرضياته ، فهي ظواهر تفلت من قبضة الإرادة و المنطق.

في ميدان الملاحظة، هنا لا يمكن ملاحظة الظواهر في شموليتها إما لان الظاهرة واسعة جدا( كالهجرة في العالم، العائلة…) أو أنها قد تكون خاصة و خفية( ما هي الدوافع التي تكون زوجا بين بني الإنسان) أو أنها غير محسوسة و غير ملموسة ( كيف يتم تدبير المقاولة في قطاع اقتصادي ما).

أمام هذه الصعوبات يمكن عزل بعض المتغيرات و تحديد ميدان البحث لن هذه العملية تقود إلى عدم فهم الظاهرة و إلى تدخل تأويلات موجهة ذات قصد ذاتي. و هنا نسقط في التحليل و ليس في الملاحظة.

في مسألة التحقق ودحض التجربة أحيانا و لأسباب أخلاقية لا يمكن إن نخضع الإنسان لتجارب في حدود قصوى ( التجريب في الطلاق أو الانتحار….)

إنها لا تقترح إلا قوانين تقريبية و أحيانا نجد أن التنبؤات غير دقيقة. فالتنبؤات الاقتصادية غير صحيحة دائما.

1-3- صعوبات الخطاب العلمي الاجتماعي

الموقف المعارض يؤكد انه لا يمكن إخضاع الظواهر الإنسانية للتجريب ، وبالتالي لا يمكن أن تكون موضوعا لمعرفة علمية نظرا للعوائق الابستيمولوجية .

إن الخطاب الذي يهم الأنشطة البشرية لا يدور حول تفسير و فهم الوقائع الاجتماعية، لكن يهدف إلى اقتراح قواعد و معايير normes. بمعنى أن هذه الأنشطة يجب أن تكون منظمة و مرتبة لصالح ولخير الفرد و الجماعة و الدولة. يبحث هذا الخطاب المعياري Discours normatif لاكتشاف ما يمكن أن تصله البشرية إلى مستوى الخير و القيم. ذلك أ ن الظاهرة الاجتماعية تعطى لها قيمة بل حكم قيمة Jugement de valeur، أي الواقعة الاجتماعية تتضمن اتخاذ موقف( الخير و الشر، القبيح و الجميل، الشيء المفيد و المضر…) .إذن ، هذه الواقعة معيارية تتخذ مكانتها ضمن المعايير و القيم.

إن المرور من الخطاب المعياري إلى الخطاب التفسيري المعروف عند العلوم الدقيقة يتميز بصعوبات منهجية كبيرة، إذ أن الطابع التقريبي للقوانين التي تقترحه العلوم الإنسانية مخالف لدقة القوانين التي تبنيها و تهيكلها العلوم الطبيعية و بالخصوص الفيزياء و كذا دقة التفسير التي تتجلى في مؤشر التنبؤ وهي جزء من المنهج العلمي.و في هذا الاتجاه لا يمكن أن تتقدم العلوم الاجتماعية بتفسيرات أدق عدا البعض منها كالديموغرافيا.

لقد تعرض المنهج لتشككات حول مدى قابليته بالنسبة للظواهر التي تهم البشر و سلوكه و تنظيمه.

في كل العلوم الاجتماعية، نرى أن كل مدرسة علمية أو باحث يعمل على أن يؤسس مشروعا علميا خاصا به اعتمادا على صدق و صلاحية النتائج العلمية التي توصل إليها. مع الرغبة في إبراز لاعلمية الاتجاهات الفكرية الأخرى المنافسة. من هنا نرى أ ن هناك مؤشرين أساسين يمكن استخلاصهما و هما مؤشرا السببية و الموضوعية:

+السببية و مشكل الصدفة:السبب كما قلنا سابقا ( انظر الفصل الأول)هو العلة أو الواقعة أو الحدث أو الفعل الذي يقود إلى إحداث تأثيرات تترجم من خلال تغيير و ضع بالإضافة فيه أو بالنقصان منه أو تغيير مساره.

إن العلوم الطبيعية تأخذ بمبدأ السببية المادية أو الواقعية التي تتجلى في أن كل حركة أو تغيير تنتج عنه حركة أو تغيير آخر. بينما تعتمد العلوم الاجتماعية على أسباب متعددة ( صورية وخفية…).

لهذا ، هذه السببية يجب أن ننظر إليها من زاوية النسبية التي تجعل كل الظواهر و تفسيراتها خاضعة لمحدودية الاجتهاد العقلي البشري.

+الموضوعية: إن البحث الاجتماعي يتميز بمرتبة مزدوجة لأنه إنسان و بالتالي يخضع إلى بعد ذاتي ( ثقافته سلوكه و تكوينه) و في نفس الوقت يرغب في القيام بدراسة موضوعية !

إن هذا المشكل هو من أسباب تأخر العلوم الاجتماعية في تبنيها للطابع العلمي. فالإنسان هو معطى و موضوع في نفس الوقت . إذ يصعب القيام بعملية التباعد عن ذاته و ذاتيته في البحث العلمي، ثم إن حدسه لا يسمح بان يوفر له حقائق الأشياء و إن ما يبدو له طبيعي عقلاني و عادي ليس إلا ما يلاحظه و يعيشه عادة فهو يبني المعايير و طرق العيش و التصرفات و التمثلات كأشياء مطلقة وهي فقط من إنتاج المجتمع الذي ينتمي إليه مما يقود إلى إمكانيات الفهم فحسب.

لقد أبدى ماكس فيبر Max Weber المؤرخ و السوسيولوجي شكوكه في الموضوعية العلمية للعلوم الاجتماعية. وأكد على أن معرفة الظواهر الاجتماعية تفرض الوقوف على معناها.و لبلوغ هذا المعنى، يجب محاولة معايشة الواقع بالطريقة التي يعيشها الأفراد، أي أن الباحث يضع نفسه في مكان العناصر التي تهمها الظاهرة مقترحا أن فهم تطور في وقت ما الرأسمالية يكون عوض تفسيرها واضعا السؤال لماذا نشأت الرأسمالية في وقت معين و بين وجود طبقات اجتماعية معينة ،و الإجابة يرى أن القيم البروتستانتية التي انتشرت في أوساط اجتماعية بورجوازية هي التي فرضت سلوكا معينا يرمي إلى محاولة بلوغ النجاة الروحي عن الطريق النجاح المادي. إذن هذا التفسير لا يقترح قانونا عاما صالحا للتعميم الشمولي و لكنه طريقة لفهم و واقع معين و في مكان معين هو أوروبا الشمالية.

يطرح لوسيان غولدمان إشكالية الفهم الموضوعي للواقع في العلوم الإنسانية، حيث يقر هذا الأخير بعجز العلوم الإنسانية عن التحرر من سيطرة الإرث الفلسفي التأملي نظرا لعدم استيفائها شرط الموضوعية ومرد هذا أن الباحث في مجال العلوم الإنسانية أثناء معالجته لظاهرة إنسانية يعجز عن التخلص من مواقفه المضمرة وأحكامه القبلية، أي المسبقة ثم نوازعه اللاواعية، أي استحالة تجرد الباحث في العلوم الإنسانية من املاءات اللاوعي، وقبليات الحس المشترك، كما يتطرق كولدمان إلى بعض العوائق التي تحول دون تأسيس معرفة موضوعية في العلوم الإنسانية، ولتدعيم أطروحته هاته يعزز كما يذيل موقفه بالاستناد إلى بعض الحجج التي تصبو إلى إثبات مذكرته، وذلك من خلال إبرازه لمناحي الاختلاف بين شروط عمل الفيزيائي أو الكيميائي يجد منطلقه في اتفاق فعلي أو ضمني بين سائر الطبقات التي تكون المجتمع المعاصر، حول قيمته وطبيعته ومقصده، كما يرى كولدمان أن المعرفة العلمية هي الأكثر مطابقة للواقع الفيزيائي والأكثر فعالية ونجاعة، وفي هذا السياق لا يمكن غزو الشخصية في قبيل غياب روح النسقية، ثم انعدام الرؤية النافذة، وكذا الغرور والانطباع الانفعالي، وفي أقصى الأحوال غياب النزاهة الفكرية، على النقيض من ذلك نجد بأن وضعية العلوم الإنسانية تختلف عن المعرفة التي تشكل أرضية أو أساس العلوم الفيزيائية – الكيميائية، فبدلا من الإجماع الضمني أو الصريح بين أحكام القيمة حول البحث العلمي فإننا نجد في العلوم الإنسانية اختلافات جذرية في المواقف .من هنا يبرز لنا لوسيان غولدمان انعدام الفهم الموضوعي في واقع العلوم الإنسانية ثم استحالة تجرد الباحث في العلوم الإنسانية مما هو قبلي أو تبني المواقف الذاتية، لان الباحث يتصدى في غالب الأحيان للوقائع مزودا بمفاهيم قبلية ومقولات مضمرة ولا واعية تسد عليه طريق الفهم الموضوعي بشكل قبلي، في هذا الإطار نجد بأن إيميل دوركايم يقر بأن الظواهر الاجتماعية في ذاتها هي ظواهر مستقلة عن الذوات الواعية التي تتمثلها وبالتالي يجب دراستها من الخارج، من هنا نستشف أن الإنسان ليس ذاتا للمعرفة وموضوعا لها في الآن نفسه، في هذا النطاق تبرز فكرة جوهرية مفادها أن العلوم الانسانية بالرغم من نشأتها، وإرساء أسسها، في القرن 19، في سياق ابيستمولوجي خاص يصغي إلى الارتقاء إلى مستوى تطبيق النموذج الفيزيائي التجريبي على دراسة الإنسان، فإنها عجزت أن تفي بشرط الموضوعية لأسباب مبدئية تتصل أو رهنية إن صح القول- بطبيعة الظواهر الإنسانية المبحوثة ذاتها، من هنا يتبين لنا جليا أن بعض الباحثين يطرح مشكلة الموضوعية في العلوم الإنسانية بين التصور الوضعي والتصور النقدي، حيث يرى أن المعرفة التي يكونها الإنسان عن نفسه تبقى دائما، وبعيدا عن أن تكون محايدة، مشبعة بالذاتية، كما أن النظرة التي تشكل علم النفس هي ظاهرة نفسانية، كذا علم الاجتماع هو ظاهرة سوسيولوجية تخص العالم الحديث، وبالتالي يستحيل مبدئيا أن تتمكن العلوم الإنسانية من الوصول أو بلوغ الموضوعية المطلقة، أو التخلي عن جزء من أهدافها وغاياتها ثم الاكتفاء بدراسة المظاهر الأولية من الحقيقة أو الواقعة الإنسانية.

في هذا الإطار نجد بأن ميشيل فوكو يلتقي مع لوسيان غولدمان، حين يقر بأن مسألة العلوم الإنسانية، في علاقتها بالعلوم الأخرى، سعيا وراء إبراز خصوصية الظاهرة الإنسانية- باعتبارها ظاهرة معقدة وبالتالي متعددة الأبعاد ونقطة لتقاطع مجموعة من العلوم، مما يجعل دراستها أمرا صعبا، كما يعالج ليڤي ستروس فكرة جوهرية في هذا السياق مفادها أن مسألة الظاهرة الإنسانية وكيفية موضعتها أمام الصعوبة التي تطرحها ثنائية الملاحظ والملاحظ،، وكذا كيفية الحفاظ على خصوصية هذه الظاهرة الإنسانية وكيفية تناولها من طرف علوم الإنسان من جهة، ومن طرف الفلسفة من جهة أخرى.

وفي نفس السياق ، يقدم جون پياجي في إبستمولوجية العلوم الإنسانية (1970) تصورا متكاملا عن الإشكالات الإبستمولوجية التي تواجهها العلوم الإنسانية وتحقيق العلمية في دراستها، حيث يرى بأن وضعية العلوم الإنسانية لهي أشد تعقيدا، وذلك لأن الذات هي التي تلاحظ أو تجرب على ذاتها أو على غيرها من الذوات قد تعترضها تحولات أخرى صادرة عن الظواهر الملاحظة يصعب ضبطها، بل وبشأن سياق هذه الظواهر، بل وبشأن طبيعتها تظهر صعوبات إضافية بالقياس إلى وضعية العلوم الطبيعية التي يمكن الفصل فيها، بوجه عام بين الذات والموضوع.

ويقدم “فرنسوا باستيان” تحليلا لرهانات العلوم الاجتماعية أو الإنسانية في ضوء تعقد الموضوع وتداخل المناهج (مفارقة علاقة الذات بالموضوع) حيث تتمثل المفارقة غير القابلة للاختزال لدى الباحث الاجتماعي في كونه لا يستطيع الانفصال كلية عن مجتمعه الذي هو موضوع دراسته، في حين يعتبر هذا الانفصال مبدأ كل علم موضوعي. غير أن هذا التوجه الوضعي الذي استلهم المنهج التجريبي، والذي أثبت نجاحه في العلوم التجريبية بإمكانية بناء الظاهرة الإنسانية، واجه انتقادات تصب كلها في إثارة إشكال التداخل بين الذات والموضوع. وهذا الإشكال هو الذي يجعل كل موضعة الموضوع الانساني، بالمعنى التجريبي، صعبة المنال، إن لم نقل مستحيلة، وفي هذا النطاق تنكشف طبيعة هذا التدخل وما يطرحه يتبين من خلال هذه العناصر أنه لا يمكن الحسم بخصوص موضعة الظاهرة الإنسانية، فالقول بذلك يفيد التماثل بين بنية الذات- الموضوع في العلوم الحقة وبنية علاقة الذات- الموضوع في العلوم الإنسانية، وهو تماثل لا يصمد أمام الانتقادات الموجهة له، وما ينتج عن ذلك من تأثير سلبي على مكانتي كل من التفسير والفهم، الشيء الذي يطرح إشكالية يمكن إدراجها على النحو الآتي: – كيف تتحدد وظيفة النظرية العلمية؟

1-4- العلوم الإنسانية أمام نموذج علوم الطبيعة: مشكلة الفهم والتفسير

بعد تعيين العلوم الإنسانية لموضوعها، كيف لها أن تقاربه؟ وهل تستوفي هذه المقاربة شرط العلمية وعن أي شرط نتحدث ؟ إذا كان النموذج الذي أتبث فائدته وجدواه لمقاربة الظواهر هو نموذج العلوم التجريبية، فهل للعلوم الإنسانية أن تقتبس هذا المنهج، أم أنها مطالبة بالتمرد ضد صلابة نموذج علوم الطبيعة لتشق لنفسها طريقها المنهجي الخاص بها والذي يلائم خصوصية الظواهر الإنسانية؟

العلوم الإنسانية ومنهج التفسير:

يقصد بالتفسير هنا كشف العلاقات الثابتة الموجودة بين حادثتين أو أكثر، وإقامة علاقات سببية بينها بموجب ذلك. وهذا هو التفسير السببي، أما التفسير الغائي فقد أهمله العلم. ولا يلائم التفسير السببي سوى الظواهر المتماثلة المطردة والقابلة للتكرار ليتم التعميم ( تفسير سقوط الأجسام بقانون الجاذبية)

وقد ارتبط منهج التفسير بالاتجاه الوضعي وخصوصا لدى المدرسة السوسيولوجية الفرنسية مع دوركايم ومارسيل موس. في محاولتها الرقي بعلم الاجتماع إلى مصاف العلم الدقيق بعيدا عن المناهج التأملية.

وبما أن التفسير يقوم – كما أسلفنا – على ربط ظاهرة بأخرى ربطا سببيا، فإننا نعثر في دراسة دوركايم لظاهرة “الانتحار” على حالة تكاد تكون نموذجية لمنهج التفسير في العلوم الإنسانية: فبناءا على إحصائيات الانتحار في عدد من الدول الأوروبية، خلص إلى أن معدلات الانتحار تتناسب عكسيا مع درجة التماسك الديني، لذلك ينتحر البروتستانت أكثر من الكاثوليك؛ و مع درجة التماسك الأسري، لذلك ينتحر العازبون أكثر من المتزوجين، والمتزوجون بدون أطفال أكثر من ذوي الأطفال؛ وأخيرا مع درجة التماسك السياسي، إذ ترتفع معدلات الانتحار في أوقات الهدوء السياسي والسلم الاجتماعي أكثر من فترات الحروب والأزمات الدبلوماسية .

مثال2: ينحصر موضوع علم النفس ، حسب المدرسة السلوكية، في دراسة السلوك الإنساني القابل للملاحظة، منظورا إليه كرد فعل على مثيرات قابلة للملاحظة بدورها، وكشف القوانين المتحكمة في علاقات المثيرات بالاستجابات، والامتناع عن صياغة فرضيات حول ما يقع داخل العلبة السوداء أي الوعي الإنساني

عوائق منهج التفسير وامكانيات منهج الفهم:

لقد لجأ دوركايم إلى المقاربة الإحصائية لظاهرة الانتحار من أجل غربلة المحددات الذاتية، والفردية للظاهرة والاحتفاظ فقط بالمكون الجمعي للظاهرة الذي يهم السوسيولوجيا، والذي يمكن الوصول بصدده إلى تفسير سببي قابل للتعميم.

ولكن ألا يؤدي تحليل الظواهر الإنسانية على غرار الظواهر الطبيعية إلى إفراغ الأولى من أهم مقوماتها، من مكونها الداخلي أي الدلالات والنوايا والمقاصد والاكتفاء بالمحددات الخارجية للفعل ؟

بهذه الأسئلة ننفتح على دعاة المنهج المقابل، منهج الفهم والذي صاغته عبارة ديلتاي الشهيرة: ” إننا نفسر الطبيعة، لكننا أيضا نفهم ظواهر الروح

ولكن ماذا نقصد أولا بالفهم؟

لأن الفاعل الإنساني يمنح دلالة لأفعاله وللعالم من حوله ويسلك وقف غاية من حيث هو كائن واع، فالمقصود بالفهم – في مناهج العلوم أو الميتودلوجيا – إدراك الدلالة التي يتخذها الفعل بالنسبة للفاعل، وتتكون هذه الدلالات من المقاصد والنوايا والغايات التي تصاحب الفعل وتتحدد بالقيم التي توجهه، وغالبا ما يتم النفاذ إلى هذه الدلالات بواسطة فعل “التأويل”، الذي اقترن ظهوره بالدراسات اللاهوتية في سعيها إلى استكناه مقاصد النصوص المقدسة ودلالاتها الخفية.

ويقدم لنا التحليل النفسي مثالا نموذجيا لعلم إنساني يكاد يعتمد كلية على الفهم بمعنى التأويل : إذ تُتناول مختلف الظواهر النفسية السوية منها والمرضية، بما في ذلك الأحلام كعلامات حاملة لدلالات يتعين تأويلها وذلك بتجاوز المعاني الظاهرة والمقاصد الواعية، لدرجة دفعت الكثيرين إلى التساؤل عما إذا كان التحليل النفسي علما أو فنا في نهاية المطاف !

أما في علم الاجتماع، فيقدم لنا ماكس فيبر في دراسته الرائدة حول “الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية” مثالا آخر لتطبيق منهج الفهم يتركيزه على القيم المشتركة بين كل من السلوك الرأسمالي والموقف الأخلاقي البروتستانتي. وليس غريبا أن يقع اختيار فيبر على ظاهرة فريدة هي نشأة الرأسمالية في أوروبا، لأن منهج الفهم لا يهدف أصلا إلى اكتشاف انتظامات أوعلاقات سببية قابلة للتعميم على نطاق واسع.

حدود منهج الفهم وعوائقه:

يستدعي منا منهج الفهم بدوره بعض الملاحظات النقدية، وأهمها لامبالاته تجاه ضرورة التمييز، الذي يحرص منهج التفسير على إقامته، بين الذات والموضوع، ومادام الفهم ينصب على الدلالات ويقوم على ضرب من التعاطف والمشاركة الوجدانية بين الدارس وموضوع دراسته، ألا يخشى أن يسقط الدارس قيمه ودلالاته الخاصة على الظاهرة ؟ وكيف لنا آنذاك أن نميز بين دلالات الفعل لدى الفاعل/موضوع الدراسة ودلالاتها لدى الدارس؟

لعل هذا هو ما حذا بغاستون غرانجي إلى تشبيه منهج الفهم بالتفكير الأسطوري السحري حيث تسقط الذات خصائصها على الموضوع، وتنصهر فيه.

2- البحث عن منهج علمي اجتماعي متميز

لقد حاولت العلوم لاجتماعية أن تتبنى مكتسبات المنهج العلمي المستوحى من العلوم الطبيعية بتوافرها على شروط نظرية مقبولة مما جنبها الوصف المبالغ فيه و غير العلمي. لهذا نجد اجتهادات في هذا الاتجاه.

يقصد بالموضعة مختلف الإجراءات المنهجية الهادفة إلى تعيين ظاهرة ما أو طائفة من الظواهر كموضوع علمي متمايز عن الذات الدارسة.

كيف يمكن للظاهرة الإنسانية أن تغدو موضوعا للعلم أي موضوعا لدراسة منهجية ؟ والحال أنها ظاهرة واعية والدارس والمدروس معا هو الإنسان.

2-1-في سبيل موضعة الظاهرة الإنسانية:

غالبا ما تطرح إشكالية الموضعة في مرحلة نشأة علم ما، عندما ينشغل رواده بتعريف موضوع علمهم ليتسنى لهم دراسته. في هذا الإطار نفهم تعريف إميل دوركايم لموضوع السوسيولوجيا بوصفه مرافعة من أجل موضعة الظاهرة الإنسانية. يرى دوركايم أن هذه الموضعة ممكنة لأن الظاهرة الاجتماعية شيء كباقي الأشياء. وتعريف الشيء عنده هو الموجود وجودا خارجيا بحيث يعطى للملاحظة؛ ولذلك تنص أولى قواعد المنهج السوسيولوجي على معاملة الظواهر الاجتماعية كأشياء مادامت تتميز بالخارجية والوجود المستقل عن وعي الأفراد الذين يعونها ويتمثلونها ويخضعون لقسرها ولا يسعهم اختراعها أو تغييرها. وبذلك تتحقق مسافة وانفصال منهجي بين الذات ( عالم الاجتماع) و الموضوع وهو هنا الظاهرة الاجتماعية: إن ظاهرة الزواج مثلا أو الظاهرة الدينية وغيرها من ضروب السلوك والتفكير والشعور الاجتماعي لا توجد فقط خارج وعي الفرد، بل إنها تمتاز أيضا بقوة آمرة قاهرة بحيث تفرض نفسها على الأفراد.

وبذلك يظهر ان دوركايم يراهن على تحييد الوعي أي إفراغ الظواهر الإنسانية من خاصية الوعي ليتسنى موضعتها، لأن الوعي “عدو العلم” كما يقول ليفي شتروس.

2-2- بناء عدة موضوعيات في الظاهرة الإنسانية

يمكن إبراز عدة عقلانيات و تصرفات بشرية بدون إن تكون متعارضة و لان تكون غير منسجمة فيما بينها الإيمان بتعددها ليس رفضا للتقدم العلمي الذي قاد إلى توحيد النظريات. الحال إذا برزت عقلانية العالم الفيزيائي فهذا على حساب واقعتين:

تطبيقات تنفيذية للعلم لفائدة الجميع باكتشاف العقلانية الكلية للعالم الفيزيائي. وهذا يعني ا ن هناك ظواهر غير مفسر التي يدرسها الفيزيائيون أنفسهم و الذين يعرفون أنهم أنفسهم يجهلون هذه العقلانية.إن كل ثورة علمية- و التي تقوم بتأكيد موضوعية النظريات- تقوم بتعويض عقلانية أخرى، و هذا يعني أن عقلانية الواقع الفيزيائي نسبية و غير مطلقة ووحيدة. و نفس الشيء يمكن قوله في عقلانيات العلوم الاجتماعية.

هذه العقلانيات هي متعددة تهتم بدراسة أنشطة الإنسان و بالتالي تهتم بمختلف المعارف الإنسانية

ويظهر منا إن هناك تعدد في التصرفات و العلاقات و الغايات و بالتالي في العقلانيات و تعددا بالتالي في الموضوعيات في عمالية التطرق إليها في الخطاب العلمي لهذه العلوم.

وهذا يعني أيضا عدم انسجام عقلاني و تمفصلهما غير موجود لتناقض الواقع مما يطرح مشكلة البحث عن توحيد نظري لهذه العقلانيات التي تتطور في كل الاتجاهات الخاصة بها دون إن تلتقي مع بعضها

إذ إن كل فرع علمي يشيد موضوعية و عقلانية خاصة به وهذا يعني تجزؤا للمعارف حول الواقع الإنساني نرى إن التوحيد العلمي للنظريات العلمية في العلوم الاجتماعية غير ممكن و الحل الممكن هو تفضيل احد العقلانيات و التي تقود إلى المعرفة العلمية.غير أن الاحتفاظ و الادعاء بتوحيد النظرية الاجتماعية و بعد احترام المقاربات الأخرى غير منطقي و هو اتجاه لاستبداد المعرفة الوحيدة فالعقلانية الفردية التي اعتبرت هي الصحيحة و الوحيدة مرتكزة على فلسفة ليبرالية و اغتنت بمكتسبات علمية لا تناقش لهذه العقلانية. أما العقلانية الجبرية التي ترتكز على فلسفة حتمية ميكانيكية ترى أنها أن الإنسان ليس إلا لعبة آليات لا يتحكم فيها احد. و بالمقابل، قوت الإسهامات العلمية لهذه المقاربة من نظرة العلم. بذلك ازدهرت فلسفات موت الإنسان. بالفعل تبحث الفلسفة الهادفة إلى شمولية الكون و الباحثة عن وحدة الظاهرة الإنسانية و انطلاقا من معارف متنوعة:

نوع ينبني على إحدى العقلانيات المذكورة اللبرالية و البنيويات و الماديات و بعض الفلسفات التبسيطية للتاريخ كلها تشترك في فهم الإنسان و الإحاطة بقضاياه المعقدة و لكنها في العمق بسيطة غير تفسيرية مدعية عقلانية تحاول أن تكون موضوعية.

+الجدلية تتطرق للشمولية و التناقضات وكلها تعتمد على الجدلية كمسلسل لفهم الحل الواقعي للتناقضات.

هناك من أكد على أن المنهج الامبريقي يطبق في عدة علوم اجتماعية كعلم النفس التجريبي و اللسانيات و الاقتصاد الانثربلوجيا و الجغرافيا الثقافية و السلوكية، وهي تدرس تصرفات فردية و اجتماعية. فعلم النفس التجريبي يهم بالمؤثر و بالجواب لكن بدون البحث عن معرفة لماذا يظهر هذا الجواب أو ذاك و الملائم لهذا المؤثر.فعلم الاقتصاد يبحث عن آليات النشاط الاقتصادي لكن لا يبحث عن معرفة إذا كانت هذه الآليات تحمل دلالات وقيما تؤطر هذه التصرفات.

من هنا يمكن البحث في هذه الدلالات إزاء هذه التصرفات الفردية و الجماعية،و كذا القيم التي تحملها و الأفعال و المؤسسات و المسلسلات الاجتماعية و الثقافية ، لكن بشرط قبول المعنى الذي أعطاه إياه الفاعل. فعلى سبيل المثال، نجد أن العامل الاقتصادي في المادية التاريخية يقود إلى تفسير الظواهر الواقعية بإبراز دلالاتها العميقة و المخفية من طرف دلالات أخرى و أسباب أخرى التي تظهر آنية. و يمكن أن نطلق على هذه المنهجية بالمنهجية التأويليةMéthode interprétative وهي تعتبر الآثار المرئية كنص يجب تفكيكه و الذي يقود إلى خطاب مستتر ذي نص مقفول codé ، ثم أنها تسمح بربط الظواهر المرئية بمسلسلات غير مرئية غير ملموسة و لكنها مفهومة و تقدم قراءة لها. و هنا يصل المنهج التأويلي درجة تشبع التأويل حينما ينجح في الاندماج في شمولية منسجمة مع النصوص المدروسة كحالة تفكيك تاريخ المجتمع على أساس العامل الاقتصادي. و لكن العيب فيه انه غير مبشر بالتنبؤ المستقبلي.

و من جهة أخرى أكد ماكس فيبر على مشكل القيم في العلوم الاجتماعية مبرزا أن القيم توجد في أصل المنهج العلمي و تحاول أن تهيء موضوعية علمية حقيقية. و بالتالي يمكن معالجة هذه القيم كوقائع بالشروط العلمية.

لقد عملت العلوم الاجتماعية على الاقتراب من العلوم الدقيقة من خلال استغلال تقنيات حديثة كالإعلاميات و الإحصائيات وأساسا الإحصائيات الاستنتاجية les Statistiques différentielles

خاتمة عامة

إن التسليم بعلمية العلوم الاجتماعية، لا يلغي عمليا الإشكالية التي تنتصب أمام الباحث ، ألا وهي إشكالية العلاقة بين الذات والموضوع، أو بتعبير آخر إشكالية الموضوعية في العلوم الاجتماعية والناجمة عن كون هو نفسه جزء من المشهد الاجتماعي الذي يقوم بدراسته، وبالتالي فإنه من الصعوبة بمكان، أن يكون المرء باحثا محايدا وبريئا، لأنه يمثل هنا كلا من موضوع و منهج في آن واحد وهو ما ترتب عليه:

انطباع العلوم الاجتماعية بالطابع الأيديولوجي،

تباين انعكاس الواقع في الوعي تبعا لتبدل الزمان والمكان،

التداخل البنيوي بين الذات والموضوع في الظاهرة الاجتماعية،

الحاجة إلى إجراءات منهجية معينة لمعالجة هذه الإشكالية، والاقتراب – إن لم يكن الوصول – إلى النتيجة العلمية المطلوبة.

لقد حاولت العلوم لاجتماعية أن تكتسب الصفات العلمية بتوافرها على شروط نظرية مقبولة مما جنبها الوصف المبالغ فيه و غير العلمي كدراسة واحة فجيج( بوب و بنشريفة) .

لكنها لم تذهب بعيدا في طابعا العلمي الصارم إسوة بالعلوم الدقيقة الأخرى .إذ أن طرق الوصف الدقيقة من الناحية الكمية لا تكون مصحوبة بنظرية مقنعة مساعدة على التنبؤ، أن النماذج المجردة غير قابلة للتجربة. أيضا نرى أن النماذج و النظريات ليست إجماعية و إنما تحدث في دائرة مجتمعات علمية صغيرة ولا يمكن التيقن من الاستمرار في تقدم البحث فيها و إنما قد يمكن الرجوع إلى الوراء إلى نموذج سابق( جلنر).

لا ينكر احد مدى تعقيد الظواهر الإنسانية سواء كانت تاريخية او اجتماعية أو نفسية و الناتج عن خصوصيتها كظواهر معنوية ، لكن يمكن دراستها بطريقة علمية موضوعية وفق مناهج خاصة تنسجم مع طبيعتها.ويكون التجريب المكيف أفضل طريقة للدراسات الإنسانية.

بأي معنى وضمن أية شروط يمكن الحديث عن “علوم إنسانية” ؟ يحاول بعض علماء الإنسانيات استلهام مناهج العلوم الطبيعية التي أثبتت فعاليتها، بينما يرافع آخرون من أجل ابتكار منهج أصيل بدعوى عدم وجود معيار أو نموذج وحيد للعلمية. وبعبارة أخرى، يسعى البعض إلى الاستفادة من المكتسبات المنهجية للعلوم الحقة، بينما يجتهد آخرون لتأسيس نموذج مغاير للعلمية. إن هذه الإشكالات الميتودولوجية التي تعترض العلوم الإنسانية نابعة أساسا من خصوصية الموضوع وهو الظاهرة الإنسانية.

إن السعي الحثيث لعلماء الإنسانيات من أجل تعريف موضوع علمهم وتحيييد الوعي وابتكار تقنيات لتحقيق القطيعة مع المعرفة العفوية و الذاتية لدليل على خصوصية الموضوع وما تطرحه موضعته من عوائق.

موسم دراسي جديد2020/2021في زمن الكرونا-كوفيد19

إن الذي ألجأ وزارة التربية الوطنية إلى تلك القرارات الغريبة أنها لا تفكر في الحلول التربوية الجذرية، بل بمنطق التسيير الإداري الآني، مع الارتهان إلى الضوابط التنظيمية والقوانين المدرسية على حساب مفهوم التربية ومقاصدها. المشكلة التربوية ليست ظرفية ولا جزئية، بل هي مشكلة بنيوية منهاجية أساسا، في حين أنك تجد الوزارة تعالج بعض تفاصيلها فقط، وكل الهاجس الذي يحكمها هو إنقاذ السنة الدراسية وتأمين ظروف الامتحانات والتقويم، ثم يستتبع ذلك تحصيل قدر لا بأس به من المقررات والبرامج… مثل هذا التفكير هو ما يعبر عنه بجعل العربة أمام الحصان.

ولنا أن نتساءل لماذا الامتحان مقدم في الاعتبار على مضمون التدريس؟ ولماذا المضمون مقدم على الغاية من التربية؟ وهل التربية معطى محدد سلفا أم هي تدبير سياقي بغرض العيش بأفضل حال ومآل؟
لو أن الوزارة فكرت بما يمليه النظر المنهاجي لأمكنها على أقل تقدير أن تعدل في البرامج وتخفف من المقررات بما يحفظ الكفايات الأساسية فقط، وتدخل مضامين تناسب ما تمليه الجائحة من ثقافة صحية وعلمية وقيمية ببعد عالمي، ثم يتبع ذلك تخفيف الزمن الدراسي، واعتماد أساليب تقويمية سلسة، وحينذاك يكون الحديث عن التعليم الحضوري أو عن بعد ضمن نطاقه التربوي المحدود، وليس بحسبانه الحل الأمثل لإنجاز البرنامج وإنقاذ السنة الدراسية وتأمين إجراء الامتحانات الإشهادية والتقويمات الملزمة.
إن المنطق الذي تفكر به وزارة التربية الوطنية (منطق المسجون باختياره ضمن الحدود التنظيمية) هو نفسه ما ألفينا المدارس الخاصة تنفذه بحذافيره،

فلسان حال هؤلاء يخاطب أولياء الأمور قائلا: لقد أنجزنا البرنامج من ألفه إلى يائه (ولا يهم كيف؟ ولماذا؟ وما الحصيلة؟) فليس لكم إلا أن تؤدوا الأجر كاملا. ومن غرائب ذلك أني كنت أنظر إلى ابنتي خلال أيام الحجر الصحي بعين الشفقة الممزوجة بالدهشة،

وهي تحاول تتبع الدروس عبر الواتساب في ارتباك وانزعاج، والأستاذة تصرخ أسرعوا لقد أنهينا درس الاجتماعيات أخرجوا كتاب التربية التشكيلية وأنجزوا الصفحة كذا…. وكذا الوزارة تخاطب التلاميذ لقد ضمننا لكم المقرر فأنجزوا الامتحان. ألا لقد حجرتم واسعا، وألجأتم أنفسكم إلى أضيق المسالك، وأرهقتم الناشئة. والتربية أرحم من أن تصير عقابا، فلا تظلموها.


من أجل دخول مدرسي آمن:حزمة اقتراحات تربوية

لأهمية الموضوع وحيويته الراهنة، وقياما بجزء من الواجب التربوي المنوط بنا نحو منظومتنا التربوية.. ( ولأن اللي فينا ماهنانا😂)
أعود من جديد لاقتراح جملة من الاقتراحات العملية تربويا وبيداغوجيا والمناسبة لدخول مدرسي أكثر أمنا للمتعلمين ولكافة الأطر و المتدخلين..
طبعا هذه الاقتراحات تنسجم والوضعية التربوية الطارئة بسبب جائحة كورونا.. وليست سوى صيغة للتعامل الاستثنائي معها:
✍اولا:

  • انطلاق الدخول المدرسي غير الحضوري بعمليات التقويم التشخيصي وحزمة الدعم والمعالجة لكافة المستويات.. مع التركيز على تلامذة الأولى باك المقبلين على الامتحان الجهوي
    وتمتد هذه العملية عن بعد طيلة شهر شتنبر..
    ✍ثانيا:
    انطلاق الدراسة الحضورية بداية أكتوبر( إن يسمح الوضع الوبائي في البلاد)، وتقتصر على المستويات الاشهادية فقط: السادس ابتدائي والثالثة إعدادي والأولى والثانية باكلوريا..
    هذا التأخير يسمح للجان العمل والإدارات أن تهيئ حزمة الاجراءات المزمع اتخاذها.. والمبينة أسفله..
    ✍ثالثا:
    الاقتصار في الدراسة الحضورية على المواد المقررة في الامتحانات الاشهادية.. تفاديا للحضور المكثف للمتعلمين إلى المدرسة.. واستفادة من بقية الحصص للتفويج..
    ✍رابعا:
    تفويج المتعلمين إلى أفواج من 10 متعلمين ضمانا للحد الأقصى من الاحترازات الصحية..
    ✍خامسا:
    انكباب لجنة خاصة على تعديل المقررات الدراسية من خلال عمليات مختلفة( الحذف.. الدمج.. التقديم والتأخير.. الاختصار..) لتحقيق الملاءمة مع صيغ الاشتغال..
    ✍سادسا:
    خلال فترة شتنبر يتم إعداد جداول الحصص المناسبة للصيغة الحضورية المقترحة بنفس تشاركي وتضامني يراعي المصلحة الفضلى للمتعلمين.
    ✍سابعا:
    يتم الاشتغال مع بقية المستويات غير الاشهادية بصيغة “التعليم عن بعد”.. وفق برنامج واضح وملزم ومقوم..
    ✍ثامنا:
    مع عودة منحنى الوباء إلى الانخفاض، يتم الإدماج التدريجي للمستويات غير الاشهادية في الدراسة الحضورية..
    ✍تاسعا:
    لا ضير في استثمار كل أيام الأسبوع، والعطل المقررة.. بل وتحريك مواعيد الامتحانات ونهاية السنة بما يضمن سيرا آمنا وكافيا لكل عمليات الموسم..
    ✍ عاشرا( ملاحظة مرنة):
    يمكن إطلاق الدراسة الحضورية في المناطق القروية
    في شتنبر وبكل المستويات( خاصة الابتدائي) مادام عدد المتعلمين يسمح بتدبير العمل وفق البروتوكول الصحي الآمن..
    ولصعوبة تدبير التعلم عن بعد فيها..
    هذه المقترحات، وغيرها مما سبق أن بينته في مقال سابق، تجعل القرار بيد أهل التربية أولا.. في استشارة وانسجام مع بقية المتدخلين في تدبير الشأن الصحي العام..
    وإني على يقين كامل أن الأطر الإدارية والتربوية لن تتوان في الانخراط التام والعمل الدؤوب لربح هذا التحدي الوطني الكبير..

فلسفة بوذا فلسفة حياة وليست فلسفة دين ولا تدعُ إلى الموت من أجل الإلاه!


وفقا للنصوص البوذية ففي وقت مبكر، وبعد أن أدرك بوذا أن التأمل هو الطريق الصحيح للصحوة، اكتشف ما يعرف بمسار الطريق الوسطى والاعتدال بعيدًا عن التطرف في الانغماس الذاتي وإهانة المصير.

صفاته
يصور علماء الهند بوذا أنه كان شديد الضبط، قوي الروح، ماضي العزيمة، واسع الصدر، عزوفا عن الشهوة، بالغ التأثير، بريئا من الحقد، بعيدا عن العدوان، جامدا لا ينبعث فيه حب ولا كراهية، ولا تحركه العواطف ولا تهيجه النوازل، بليغ العبارة، فصيح اللسان، مؤثرا بالعاطفة والمنطق، له منزلة كبيرة في أعين الملوك، ومجالسه ملتقى العلماء والعظماء كما رفض التعصب الديني والغضب والبطش .

من فلسفته

  • يأتي السلام من الداخل، فلا تبحث عنه في الخارج.
  • لا يعتبر الكلب كلبا جيدا لأنه يجيد النباح، وكذلك الإنسان لا يعتبر إنسانا جيدا لأنه يجيد الكلام.
    ————————

تزوج الحجاج بن يوسف الثقفي من امرأة اسمها هند رغما عنها وعن ابيها..

تزوج الحجاج بن يوسف الثقفي من امرأة اسمها هند رغما عنها وعن ابيها ،
وذات مرة وبعد مرور سنة على زواجهما جلست هند أمام المرآة تترنم بهذين البيتين:
وماهند إلا مهرة عربية … سليلة أفراس تحللها بغل
فإن ولدت مهر فلله درها…. و إن ولدت بغل فقد جاء به البغل …
فسمعها الحجاج فغضب ، فذهب إلى خادمه وقال له اذهب اليها وبلغها أني طلقتها في كلمتين فقط لو زدت ثالثة قطعت لسانك ،وأعطها هذه العشرين ألف دينار ،
فذهب اليها الخادم فقال لها:
كنتِ .. فبنتِ !!
كنتِ يعني كنتِ زوجته
فبنتِ يعني أصبحت طليقته
ولكنها كانت أفصح من الخادم فقالت:
كنا فما فرحنا … فبنا فما حزنا !!
وقالت : خذ هذه العشرين ألف دينار لك بالبشرى التي جئت بها !!
وقيل إنها بعد طلاقها من الحجاج لم يجرؤ أحد على خطبتها
وهي لم تقبل بمن هو أقل من الحجاج ،
فاغرت بعض الشعراء بالمال فامتدحوها
وامتدحوا جمالها عند عبد الملك بن مروان
فأعجب بها وطلب الزواج منها
وأرسل الى عامله على الحجاز ليخَبرها له.. أي يصفها له ، فأرسل له يقول إنها لاعيب فيها ،
فلما خطبها
كتبت له وقالت له ان الإناء قد ولغ فيه الكلب
فارسل لها اغسليه سبعآ احداهما بالتراب
ووافقت وبعثت إليه برسالة اخرى
تقول: أوافق بشرط ..
أن لا يسوق بعيرى من مكاني هذا إليك في بغداد إلا الحجاج نفسه !!
فوافق الخليفة ،
و أمر الحجاج بذلك .
فبينما الحجاج يسوق الراحلة إذا بها توقع من يدها ديناراً متعمدة ذلك ،
فقالت للحجاج يا غلام لقد وقع مني درهم فأعطنيه
فأخذه الحجاج فقال لها إنه دينار وليس درهما ً !!
فنظرت إليه وقالت: الحمد لله الذي أبدلني بدل الدرهم دينارا..
ففهمها الحجاج و أسرها في نفسه
أي أنها تزوجت خيرا منه ..
وعند وصولهم تاخر الحجاج في الأسطبل والناس يتجهزون للوليمة فأرسل إليه الخليفة ليطلب حضوره
فرد عليه :
ربتني أمي على ألا آكل فضلات الرجال !!
ففهم الخليفة و أمر أن تدخل زوجته بأحد القصور ولم يقربها إلا أنه كان يزورها كل يوم بعد صلاة العصر ،
فعلمت هي بسبب عدم دخوله عليها، فاحتالت لذلك وأمرت الجواري أن يخبروها بقدومه لأنها أرسلت إليه أنها بحاجة له في أمر .
فتعمدت قطع عقد اللؤلؤ عند دخوله ورفعت ثوبها لتجمع فيه اللآليء
فلما رآها عبد الملك… أثارته روعتها وحسن جمالها وتندم لعدم دخوله بها لكلمة الحجاج تلك ،
فقالت: وهي تنظم حبات اللؤلؤ… سبحان الله
فقال: عبد الملك مستفهما لم تسبحين الله ؟!!
فقالت: أن هذا اللؤلؤ خلقه الله لزينة الملوك
قال: نعم
قالت: ولكن شاءت حكمته ألا يستطيع ثقبه إلا الغجر
فقال متهللا: نعم والله صدقت وفهم قصدها
وقال قبح الله من لامني فيك ودخل بها من يومه هذا !!
فغلب كيدها كيد الحجاج .