الأدلةالأربعة، لقدم العالم عند الفيلسوف إبن رشد(ت. 595ه)رحمه الله

أدلة إبن رشد اﻷربعة في قدم العالم
الدليل اﻷول دليل العلة
الدليل الثاني دليل الزمان
الدليل الثالث دليل اﻹمكان
الدليل الرابع دليل المادة

أولا ً- مشكلة العالم (أدلة قدم العالم):

يقدّم (ابن رشد) أربعة أدلة عقلية على قدم العالم هي:( دليل العلة، ودليل الزمان، ودليل الإمكان، ودليل المادة) سنأتي على ذكرها بالتفصيل. وسنقسم اﻷدلة اﻷربعة على أربعة أجزاء في أربعة منشورات مستقلة نظرا لطول البحث وحتى يستطيع المتابع لنا والمتصحف من قرائته ومتابعته خوفا من اﻹطالة والسأم والذي يرغب بجمع شتات الموضوع كاملا ممكن أن يحمل اﻷجزاء اﻷربعة بالمنشورات الاربعة فقط يعمل لها مشاركة للمنشورات ….نأمل أن تستفيدوا من الموضوع وتحصل الفائدة منه وﻻتنسونا من دعواتكم …………………

الدليل الأول ( دليل العلّة ) :

” يستحيل صدور حادث من قديم مطلقاً” معللاً ذلك بقوله: ” لأنا إذا فرضنا القديم ولم يصدر منه العالم مثلاً فإنما لم يصدر لأنه لم يكن للوجود مرجِّح، بل كان وجود العالم ممكناً إمكاناً صرفاً، فإذا حدث بعد ذلك، إما أن يتجدّد مُرَجّح، أو لم يتجدد، فإن لم يتجدد مرجِّح، بقي العالم على الإمكان الصرف كما كان قبل ذلك. وإن تجدد مرجِّح انتقل الكلام إلى ذلك المرجِّح، لِمَ رجَّح الآن، ولم يرجِّح قبل؟ فإما أن يمر الأمر إلى غير نهاية، أو ينتهي الأمر إلى مرجِّح لم يزل مرجِّحاً ” (2)

لقد توصل (ابن رشد) إلى أن علّة العالم وهو الله قديم، لا ابتداء له ولا انتهاء، فهو العلّة وأنّ العالم معلول، والحال أن الله علّة العالم قديم، فالعالم معلوله قديم حسب إجماع الفلاسفة المؤيدين لهذه الحجة على اعتبار أن المعلول يتبع العلّة، والعلّة وهي الله قديمة، فالمعلول وهو العالم إذاً قديم، لعلّة التبعية من جهة واستحالة تراخي فعل الفاعل عن وجوده من جهة ثانية، وبالتالي فالعالم غير متراخ في وجوده عن الله مما يعني أنه قد يم، وإمكانه قد يم أيضاً، إذ يستحيل أن يُخلقَ العالم من عدم ، لأن العدم سمي عدماً لامتناعــه عن الوجود، وبالتالي فإن إمكان وجوده موجود لدى الله أزلياً مما يعني أنه أزلي قديم، والحال أن الله قديم وقدرته وإرادته قديمتان، وكل الشروط الضرورية لصدور العالم منه قديمة.

فجلّ ما ورد في الدليل الأول عن قدم العالم أنه يستحيل تجدد إمكان العالم ويستحيل تجدد مرجِّح للخلق، ويستحيل تغيّرٍ في الله القديم، ويستحيل إيثار وقت حادث لإيجاد العالم، فصدور حادث من قديم مستحيل، فالعالم قديم، لامتناع جواز تراخي العالم عن فعل الله ـ من وجهة نظر (ابن رشد) ـ وإن أجيز تراخيه عن إرادة الفاعل فحسب وفقاً لقوله: ” وتراخي المفعول عن إرادة الفاعل جائز، وأما تراخيه عن فعل الفاعل فغير جائز” .

وبالتالي فأن فعل اللهأن فعل الله علّة العالم، قديم، فالعالم مفعوله قديم لعلّة استحالة التّراخي في الوجود بين العالم ومرجِّحه، كما يستحيل أن يفنى ما كان وجوده وجوداً محضاً، يقول (ابن رشد) : ” فالوجود ضد الفناء وليس يمكن أن يوجد الضدان لشيء من جهة واحدة، ولذلك ما كان موجوداً محضاً لم يتصور عليه فناء وذلك لأنه إذا كان وجوده يقتضي عدمه فسيكون موجوداً معدوماً في آن واحد، وذلك مستحيل ” وهذا يعني أن العالم بصفته معلولاً لعلّة لا تفسد، فحاله حالها في الأزلية والأبدية، فلا يطرأ عليه فساد أو فناء، أي أن يصير إلى عدم بعد أن كان موجوداً، أو أن يصدر من عدم إلى وجود، لأن ما يطرأ على وجوده بالكلية عدم، يستحيل صدوره إلى الوجود مطلقاً.

ومن البراهين التي يسوقها (ابن رشد) في هذا الدليل، هو وجوب عدم وجود مبدأ لأفعال الفاعل كالحال في وجوده ، لأنه إن كان هناك مبدأ فهذا يعني أن فعل الفاعل ممكن لا ضروري. يقول (ابن رشد): ” لكن القوم لما أدّاهم البرهان إلى أن ههنا مبدأً محركاً أزلياً ليس لوجوده ابتداء ولا انتهاء، وأنّ فعله يجب أن يكون غير متراخ عن وجوده لزم أن لا يكون لفعله مبدأ كالحال في وجوده، وإلاّ كان فعله ممكناً لا ضرورياً… فلزم أن تكون أفعال الفاعل الذي لا مبدأ لوجوده، ليس لها مبدأ كالحال في وجوده.. وإذا كان ذلك كذلك لزم ضرورة أن لا يكون واحد من أفعاله الأولى شرطاً في وجود الثاني، لأن كل واحد منها هو غير فاعل بالذات وكون بعضها قبل بعض هو بالعرض، فجوَّز ـ الحكماء ـ وجود ما لا نهاية له بالعرض لا بالذات، بل لزم أن يكون هذا النوع مما لا نهاية له أمراً ضرورياً تابعاً لوجـود مبدأ أول أزلي” ،

أي أن أفعال الفاعل بالعرض تتناهى في التسلسل إلى وجود مبدأ أول أزلي مثل إنسان يكون إنساناً عن آخر إلى ما لا نهاية له، كوناً بالعرض ، أما بالذات فلا تسلسل للأفعـال لأنه لا مبادئ لوجودها كالحال في وجود الفاعل الذي لا مبدأ لوجوده،وعليه فإن فعـل الفاعل قديم قدم وجوده ، وفعل الفاعل لا يحيط به الزمان ولا يساوقه زمان محدود، لأنه غير متراخٍ عن وجوده، يقول (ابن رشد): ” فكيف يمتنع على القديم أن يكون قبل الفعل الصادر عنه الآن فعل، وقبل ذلك الفعل فعل، ويمر ذلك في أذهننا إلى غير نهاية ، كمـا يستمر وجوده أعني الفاعل إلى غير نهاية؟ فإن من لا يساوق وجوده الزمان، ولا يحيط به من طرفية، يلزم ضرورة أن يكون فعله لا يحيط به الزمان،ولا يساوقه زمان محدود،وذلك أن كل موجود فلا يتراخى فعله عن وجوده، إلا أن يكون ينقصه من وجود شيء، أعني أن لا يكون على وجوده الكامل أو يكون من ذوي الاختيار، فيتراخى فعله عن وجوده، وعن اختياره… ومن يضع أن القديم لا يصدر منه إلا فعل حادث ، فقد وضع أن فعلـه بجهة ما مضطرّ وأنه لا اختيار له من تلك الجهة في فعله” .

لذا ينتزع (ابن رشد) صفات النقص والاختيار والجبر عن الموجود وفعله، فقال بكمال الموجود وكمال أفعاله، فهو الموجود الفاعل الأزلي وأفعاله أزلية الوجود مثله، فالأفعال تعود إلى فاعلها، والمعلول إلى علّته، فالله علّة العالم قديم، والعالم معلوله قديم.

إن القول بقدم العالم،هو قول عن ارتباط المعلول بالعلّة لدى (ابن رشد)لذا يبطل الفلاسفة القائلون بهذا القول حجّة أن العالم حادث ، أحدثته العلّة من عدم في زمن متأخر على وجودها. والقول باستحالة أن يكون العالم حادثاً، يعني أن العالم قديم لا محالة. يطرح الغزالي سؤالاً يتعلق بحجّة قدم العالم: ” لِمَ لم يحدث العالم قبل حدوثه؟ … وإذا قلنا أن العالم موجود واستحال حدوثه فإن هذا يؤدي إلى القول بقدمه لا محالة” وهذا هو دليل الفلاسفة القائلين بقدم العالم، وإذا قيل بإرادة أزلية بالنسبة لله، فإن هذا يؤدي إلى أن تكون طبيعة هذه الإرادة هي الوجود لا الإمكان، وعليه فإن ردَدنا العالم إلى تلك الإرادة الأزلية فإنما نَرُدُّهُ إلى الوجود الأزلي لتلك الإرادة وهذا دليل آخر على قدم العالم، لأنه إذا سُلّم بأن العالم معلول وأن علّته إرادة الله الأزلية وجب أن يكون وجود العالم قديماً مثل علّته لعدم تراخيه في الوجود عنها ولعلّة ارتباط المعلول بالعلّة ضرورة، وِفق رأي (ابن رشد) المبني على أن العلّة إذا وجدت وجد المعلول ضرورة، وهذا ينفي وجود التغيّر والتجدد وأن معاندة هذه المقدمات تعد خطبية أو سوفسطائية… فهذا المحرّك ضرورةً أزلي التحريك والمتحرك عنه أزلي ضرورة والمحرك من وجهة نظر (ابن رشد) هو الله والمتحرك هو العالم، وفي هذا إظهارٌ للنـزعة العقلانية في فكر (ابن رشد).

الحادث خلق معلول للعلّة:

لقد كان (ابن رشد) على وعي تام بخشية بعض علماء الكلام من القول بقدم العالم خشية أن يؤدي إلى إنكار لوجود الله، فرد على ذلك مبيناً أن الله علّة العالم، ولا يعني كون العالم قديماً مثل الله، أنه لا علّه له مثله أيضاً، إن العالم قديم وله علّة هي الله، وأن الله علّة وليس معلولاً لعلّة، فهو أزلي قديم… وبالتالي فإنّ القديم ـ ويَقصد العالم ـ يمكن أن تكون له علّة، من هنا فهو حادث، بمعنى أنه معلول وإن كان قديماً زماناً، بمعنى أن حدوثه قد تم منذ الأزل … فهو حدوث أزلي لا زماني كما هو الحال عند (الغزالي) والقائلين بأن العالم حادث زماناً، وعليه فإن (ابن رشد) يستخدم لفظة “الخلق” بدلاً من(الحدوث) إذ يشير “الخلق” إلى معنى العلّة أكثر مما يشير إلى معنى الإيجاد في زمان، أي أن الخلق حتى يتم لا بد من وجود خالق هو الله، و (ابن رشد) اختار معنى الحدوث بمعنى المعلولية لا بمعنى البدء الزماني وهذا النوع من الحدوث يمكن تسميته بالحدوث الذاتي، وهو كما عرّفه الجرجاني: “كون الشيء مفتقراً في وجوده إلى الغير ، أما الحدوث الزماني فهو كون الشيء مسبوقاً بالعدم سبقاً زمانياً، والحدوث الأول في نظر (الجرجاني) أعم مطلقاً من الثاني” ويرى (ابن رشد) أن هناك العديد من آيات القرآن في ظاهرها تدل على أن الخلق ليس من عدم كما أنه ليس في زمان، بل هو خلق قديم ليس من عدم كما أنه ليس في زمان، بل هو خلق قديم، لأن الزمان والوجود أزليان، أو بتعبير أخر هو ” أن نفس الوجود والزمان مستمر من الطرفين ” ويرى (ابن رشد) أن المهم بالنسبة للعقيدة هو معرفة أن العالم، له علّة هي الله فيقول: ” أعلم أن الذي قصده الشرع من معرفة العالم هو أنه مصنوع لله تبارك وتعالى ومخترَع له…” وليس في ذلك مشكلة عند (ابن رشد) وإنما المشكلة تتعلق في تقريره أنّ العالم مصنوعٌ مخترَعٌ، موجودٌ أزليٌ، وأنّ الصانع، أو المخترع أو الموجد، أو العلّة أو الفاعل هو الله الأزلي، وأنّ الزمان أزلي أزلية العالم، لأنه مرتبط جوهرياً بالمتحرك الذي هو العالم نفسه، وعليه فإن إطلاق اسم الحدوث على العالم يجب أن يدل على أن العالم محدث أزلياً، كنتيجة لفعل الله المتعلق به، عندها يمكن القول أنـّه محدث منذ الأزل أو محدث قديم الحدوث “

العالم حادث بصورته قديم بمادته:

أمّا معنى الخلق فهو أن “الفاعل إنما يفعل المركب من المادة والصورة، وذلك بأن يحرك المادة ويغيرها، حتى يخرج مّا فيها من القوة على الصورة إلى الفعل ” وهنا يبدأ فعل الله في المادة المعلولة له أصلاً، فيؤثّر فيها ويُخرج منها، مركبات جديدة ، مادتها قديمة معلولة لله، وصورها حادثة، وبهذا المعنى تكون الأرض والسماء والهواء والماء والتراب والأجساد، وما إلى ذلك من المركبات، مخلوقة من المادة القديمة، بفعل الله فيها، وإخراجه لها كمركبات حادثة في الزمان،مما يرفع التعارض بين القول بقدم مادة العالم وقوله تعالى :”وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء00″ . فالفاعل عند (ابن رشد) هو مخرج ما بالقوة إلى الفعل، وهو يشبه الاختراع من جهة أنه يُصيّر ما بالقوة إلى الفعل، ويفارق الاختراع بأنه ليس يأتي بالصورة من لا صورة وكما هو الحال عند (أرسطو) من أن الخلق هو إخراج ما بالقوة في المادة إلى الفعل، وهو ليس خلقاً من عدم بالطبع، وهذا النمط من الخلق مستمر ومتصل منذ الأزل إلى الأبد، مما يعني أن مادة العالم المخرج منها ـ أو المحدث منها ـ بعد أن كان موجوداً بالقوة إلى موجود بالفعل بواسطة الفاعل قديمة،فهو المحدث من ناحية الصورة، القديم من ناحية المادة، فالمادة مرتبطة بالله في الوجود وما الزمان إلا شكل لحركة المادة، ولا وجود له إلا مع الحركة، وعليه فالمادة المنتجة للحركة هي خارج الزمان، إذاً لا وجود لزمان متقدم على الله والعالم، وهذا ما يدلل على صحة القول بقدم العالم وأزليته. وبما أن العلّة أزلية لا تفسد فإن معلولها أزلي لا يفسد كحالها، الأمر الذي يفضي للقول بأن ما لا يفسد فإنه خالد إلى الأبد، فالله لا يلحقه فساد، فهو أزلي أبدي، وحال مادة العالم كحاله لا يلحقها فساد منذ الأزل وإلى الأبد، أما ما يفسد ويتغير فهو الأعْراض والصور والكيفيّات فحسب.

العالم أزلي أبدي بمادته :

إن القول بأبدية العالم مرتبط بالقول بقدم العالم ـ بالأزلية في الوجود ـ إذ أن ما ليس له ابتداء فليس له انقضاء…وأمّا أن يكون شيء له ابتداء وليس له انقضاء فهذا ليس بصحيح إلا إذا انقلب الممكن أزلياً… ومن يقول إن الزمان يمكن أن يكون غير متناه في المستقبل ولا يمكن أن يكون غير متناه في الماضي، لم يلزم الأصل المعروف بنفسه في ذلك، وهو أن ماله مبدأ فله نهاية، وما ليس له نهاية، فليس له مبدأ ” ثم أن المادة والأصول لا تنعدم وإنما تنعدم الصورة والأعراض الحالة فيها.

يرى (الفلاسفة) ومعهم (ابن رشد) أن العالم لا تعدم جواهره، لأنه لا يعقل سبب معدم لها، وما لم يكن معدماً ثم انعدم، أن يكون إرادة القديم سبحانه، يفضي إلى استحالة، لأنه إذا لم يكن مريداً لعدم وصار مريداً فقد تغير وهذا مستحيل لأنه يتنافى مع كماله المطلق وعدم تقدم الحركة والزمان عليه

وصفوة القول في الدليل الأول على قدم العالم، هو أن مادة العالم قديمة، أزلية، أبدية، وأن العالم لم يخلق من عدم، وأن مادته معلولة للعلّة متعلقة بها، غير متراخية في الوجود عنها، فلا خلق من عدم ولا وجود للعدم المحض في نظرية (ابن رشد) عن قدم العالم، سوى للمادة، والإمكانات، والفعل، والله، فالعالم محدث من حيث الصورة قديم من حيث المادة، إذاً فلعلّةِ تبعية المعلول للعلّة واستحالة تراخيه عنها، واستحالة الفناء على الوجود المحض مع عدم وجود مبدأ لأفعال الفاعل، ثم رد العالم إلى إرادة أزلية والّذي هو ردٌ إلى الوجود الأزلي لتلك الإرادة، فإنه يستحيل صدور حادث من قديم مطلقاً.

الكاتب: admin

ذ. بضاض محمد Pr. BADADE Med باحث في:علم النفس،علوم التربية،والعلوم الشرعية. خريج جامعة سيدي محمد بن عبد الله-كلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز-فاس خريج جامعة مولاي اسماعيل-كلية الآداب والعلوم الإنسانية-مكناس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *